عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 01 Oct 2010, 10:32 AM
محمد رحيل
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي الدرر الغرر في شرح حديث الضرر

الدرر الغرر في شرح حديث الضرر



إنّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيّئات أعمالنا ، من يهد الله فهو المهتدي ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله –صلى الله عليه وسلم –
أما بعد : فهذا شرح وجيز لحديث " لاضرر ولا ضرار " ، وليس لي فيه إلا الجمع والترتيب ، والتنسيق والتبويب ، ولم نكن ننوي الكتابة فيه ، لكن لما طلبت مني مديرية الشؤون الدّينية أن أقترح عليها ثلاث عناوين وأن ألقي أحدها في ندوة الأئمة فاستجبت للطلب وكتبت هذه الفصول متمثلا قول الشاعر :

أسير حلف ركاب النّجب ذا عرج***مـؤملاّ جبـر مـا لاقـيت من عـوج


فإن لحقت بـهم من بعد مـا سبقـوا***فكم لرّب السّما في الناس من فرج


وإن ظللت بقفر الأرض منقطـعا***فـما على أعرج في ذلك من حـرج


فاسأل الله عزوجل أن ينفع بهذه السّطور و أن يثيب جامعها ثوابا حسنا وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم.
والحمد لله ربي العالمين



نص الحديث


عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَه عَنَهُ أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَى اللَه عَلَيْهِ وَسَلَمَ – قَالَ : " لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَارَ "


تخريج الحديث


الحديث رواه مالك في الموطّأ (2/218) بسند صحيح مرسلا : عن عمرو بن يحي المازني عن أبيه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –قال : فذكره.
ورواه أحمد وابن ماجه والطبراني والدارمي موصولا بأبي سعيد أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال : فذكره وزاد فيه " من ضارّ ضارّه الله ومن شاقّ شاقّ الله عليه " وهذه الزيادة حسنة أخرجها أحمد والأربعة وهي في صحيح الجامع تحت رقم (6372) وأخرجه ابن أبي شيبة والدارقطني .
قال النووي في أربعينه (32) : وله طرق يَقْوَى بعضها ببعض.
وقال ابن رجب : مجموعها يُقَوِّي الحديث ويحسّنه وقد تقبّله جماهير أهل العلم ، واحتجوا به ، وقول أبي داود إنه من الأحاديث التي يدور عليها الفقه يشعر بكونه غير ضعيف.(1)
وهو في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ ق1 /498) رقم (250) .


صحابي الحديث


هو سعد بن مالك بن سنان بن عبيد الأنصاري أبو سعيد الخدري بضم الخاء وسكون الدال
ووهم من أعجم الدال ، نسبة إلى جدّه خدرة بن عوف بن الحارث بن الخزرج ، أسلم وبايع ،
له ولأبيه صحبة. استصغـر يوم أحد ، غزا اثني عشرة غزوة ، أولها الخندق ، وكان من الرماة المشهورين ، وهو معدود من أهل الصّفة ، روى له عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ألف ومائة وسبعون حديثا ، اتفق البخاري ومسلم على ستة وأربعين منها وانفرد البخاري بستة عشر ومسلم باثنين وخمسين .
توفي بالمدينة وله أربع وتسعون سنة ودفن بالبقيع وذلك سنة أربع وسبعين وقيل خمس. رضي الله عنه وأرضاه . (2)


مفردات الحديث


1- ضرر : جاء في مادة " ض ر ر " من مختار الصحاح لزين الدين محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرّازي المتوفى سنة 666 : " الضرّ ضد النفع وبابه ردّ ، وضارّه بالتشديد بمعنى ضرّه والاسم الضرر ، وضرّة المرأة امرأة زوجها ، والضّراء الشدة ، والضُّر بالضم : الهزال سوء الحال . قلت ومنه قوله تعالى : ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ يوسف: ٨٨
والمضرة ضد المنفعة .
2- ضرار : والضرار المضارّة ، ورجل ذو ضارورة وضرورة أي ذو حاجة وقد اضطر إلى الشيء أي ألجيء إليه ، ورجل " ضرير " بيّن الضرارة بالفتح ذاهب البصر ، والضرائر المحاويج ، وفي الحديث لا تضارّون في رؤيته ، وبعضه لا تَضارّون بالفتح أي تُضامّون (3)


معنى الحديث


اختلف في معنى الحديث على أقوال :

1- أن الضرر ابتداء الفعل ، والضرار الجزاء عليه ، أي لا ضرر في ديننا وهو خبر بمعنى النهي أي لا يضر أحد غيره ، و" لا ضرار" فعال بكسر أوله :لا يجازيه على إضراره بل يعفو ويصفح ، أي لا يضرّ من لا يضره ولا يضر من ضرّه .
2- أن الضرر هو ما يضر به الإنسان غيره وينتفع هو به ، والضرار أن يضرّه من غير أن ينتفع به .
3- العكس .
4- نهي للشخص أن يتعاطى ما يضر به نفسه والثاني نهي له عن فعل ما يضر غيره .
5- الأول عبارة عن منع ما ينفع الغير والثاني عبارة عن فعل ما يضر به.
6- لا يضر الشخص أخاه فينتقص من حقه شيئا ، والثاني لا يضر الرجل أخاه بإدخال الضرر عليه . فحينئذ الجمع بينهما للتأسيس ، وقيل هما بمعنى واحد فيكون الجمع بينها للتأكيد ، وإذا دار الأمر بين التأسيس والتّأكيد حمل على التأسيس .(4)

وأولى هذه الأقوال قول من قال : الضرر إلحاق مفسدة بالغـيرمطلقا ، والضرار مقابلة الضرر بالضرر ، أو إلحاق مفسدة بالغـيـر على جهة المقابلة .(5)
وبالجملة فإن نبيّنا عليه الصلاة والسلام نفى الضرر والضرار بغير حق ، أما إلحاق الضرر بحق فغير مراد قطعا لأنه من العدل كمعاقبة من تعدى حدود الله بقدر جريمته .
وإذا كان كذلك فالضرر المنفي في هذا الحديث ضـربان :
أحدهما: أن لا يكون له غرض سوى إلحاق الضرر بذلك الغير. وهذا لاشك في تحريمه وقبحه ، وله صور :
منها الإضرار في الوصيّة : ويكون في أمرين :
1- أن يخصّ بعض الورثة بزيادة على فرضه المقدّر له فيتضرر بقية الورثة بذلك ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله قد أعطى كلّ ذي حق حقّه فلا وصية لوارث "
2- أن يوصى لأجنبي بما يزيد على الثلث ، فتنقص حقوق الورثة ، قال النّبي صلى الله عليه وسلم " الثلث والثلث كثير "
- ومنها الإضرار في الرجعة في النّكاح ﭧ ﭨ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ كما كانوا في أول الإسلام قبل حصـر الطلاق في ثلاث ، يطلق الرجل امرأته ثم يتركها حتى تقارب انقضاء عدتها ثم يراجعها ثم يطلقها ، ويفعل ذلك أبدا فتبقى المـرأة معلّقة لا هي زوجة ولا هي مطلقة ، فأبطل الله ذلك وحصر الطلاق في ثلاث مرات .ولذا ذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى إلى أن من راجع امـرأته قبل انقضاء عدتها ثم طلقها من غير مسيس أنّه إن قصد بذلك مضارتها بتطويل العدة ،لم تستأنف العدة وبَنَتْ على ما مضى منها. (6)
- ومنها الإضرار في الإيلاء : وهو عادة جاهلية إذ كانوا قبل مجيء الإسلام يولي الرجل من زوجته السنة والسنتين فتتضرر الزوجة بذلك أيما ضرر. فجاء الإسلام فأبطل هذا الضرر ووقّت مدّة الإيلاء بأربعة أشهر. دفعا للضرر عن الزوجة. ﭧ ﭨ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ (7) ولو ترك الوطء من غير يمين وقصد الإضرار فحكمه حكم المولى عند الكثيرين ، ولو أطال السفر وطلبت امرأته قدومه فأبى ، قال مالك يفرّق بينهما الحاكم . وكذلك قال أحمد وإسحاق .
- ومنها الإضرار في الرضاع ﭧ ﭨ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ أي لا يمنع الرجع زوجته من إرضاع ولدها ليحزنها وهذا معنى قول مجاهد في تفسير الآية " لا يمنع أمه أن ترضعه ليحزنها (8) هذا إن قصد المضارّة فإن قصد توفيرها للاستمتاع جاز منعه إياها من إرضاعه وإعطاؤه لمرضعة أخرى بأجرة.
- ومنها المضارة في البيع: قال حرب سئل أحمد عن بيع المضطر فكرهه فقيل كيف هو؟ قال يجيء وهو محتاج فتبيعه ما يساوي عشرة بعشـرين .
- ومن أنواع الضرر في البيوع : التفريق بين الوالدة وولدها في البيع فإن كان صغيرا حرم بالإتفاق ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم " من فرق بين والدة وولدها فرّق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة" (9)

ثانيهما : أن يكون له من وراء هذا الضرر غرض صحيح كان يتصرف في ملكه بما يؤدي غيره .
مثاله : أن يحفر في أرضه بئرا فتغور المياه في الآبار المجاورة التي ليست من ملكه . أو أن يؤجج في أرضه نارا في يوم عاصف فيحرق لجيرانه ما يحتاجونه.
وللعلماء في هذا تفصيل حسن ، وهو أنّه إن تصرّف في ملكه على وجهٍ غير معتاد فتضرر غيره فإنه متعدّ بذلك وعليه ضمان ما أتلفه. وإن كان على وجه معتاد فليس بمتعدّ عند الشافعي و أبي حنيفة وغيرهما.متعدّ عند أحمد، ووافقه مالك على بعض الصور ، كأن يفتح كوة في بنائه العالي مشرفة على جاره أو يبني بناء عاليا يشرف على جاره ولا يستره . فإنه يمنع من ذلك
وهل يمنع الجار من الانتفاع بملكه إذا تضرر؟ نعم كمن له جدار واه لا يحتمل أن يطرح عليه خشب ونحوه ، فإن طلب من جاره أن : خلّي بيني وبين جدارك أضع عليه الخشب فله أن يمنعه ولا يكون داخلا تحت نهي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يمنعنّ أحدكم جاره أن يغرز خشبة عل جداره " (10)



فصل في كون هذا الحديث قاعدة كبرى من قواعد هذا الدين


هذا الحديث يعتبر أصلا للقاعدة الكبرى العامة "لا ضرر ولا ضرار " وهي من أركان الشريعة ، وينبني عليها كثير من أبواب الفقه كردّ العيب ، وجميع أنواع الخيارات ، والحجر بسائر أنواعه والشفعة والقصاص ، والحدود والكفارات ، وضمان المتلفات ونصب الأئمة ، والقضاء ، ودفع الصائل ، وقتال المشركين والبغاة وغير ذلك.


القواعد الكلية المتفرعة عنها


القاعدة الأولى : الضرر يدفع بقدر الإمكان .
وهذه القاعدة تفيد وجوب دفع الضرر قبل وقوعه بكل الوسائل والإمكانات المتاحة وفقا للمصالح المرسلة والسياسة الشرعية ، فهي من باب : الوقاية خير من العلاج ، وذلك بقدر الاستطاعة لأن التكليف الشرعي مقترن بالقدرة على التنفيذ وإلاّ فيدفع بقدر الممكن .
دليلها : ﭧ ﭨ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ حيث أمر الله عزّ وجلّ المؤمنين بالإعداد المستطاع للقوة لدفع ضرر الأعداء

فروع هذه القاعدة :
1- شرع الجهاد لدفع شر الأعداء ، ووجبت العقوبات لقمع الإجرام.
2- شرع حق الشفعة لدفع الضرر المتوقّع عن الجار .
3- وشرع الحجر على السفيه لدفع ضرر تصرفاته المالية
4- وحق للقاضي منع المدين من السفر بناءًا على طلب الدائن أو يوكل وكيلا للخصومة .
5- وشرع الإجبار القضائي على قسمة المال المشترك – القابل للقسمة – بناءًا على طلب أحد الشركاء دفعا لضرر شـركة الملك.
6- لو امتنع الأب من الإنفاق على ولده القاصر أو العاجز فإنه يحبس ، ويطالب بالإنفاق دفعا للضرر عن الولد .
7- من شهّر على المسلمين سيفا فعليهم أن يقتلوه إذا مسّت الضرورة لقوله عليه الصلاة والسلام " من شهر على المسلمين سيفا فقد أحلّ دمه " (11)
وكذا يمنع صانع الفحم إذا يؤذي السّكان .
ويدخل في عموم قوله "لا ضرر" أن الله لم يكلّف عباده ما يضرهم البتّة فإن ما يأمرهم به هو عين صلاحهم في دنياهم وأخراهم وما نهاهم عنه هو عين فسادهم .
ولهذا أسقط الطهارة عن المريض ، وقال ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ وأسقط الصيام عن المسافر والمريض والشيخ الكبير والحامل والمرضع إذا خافتا التضرر. وغير ذلك كثير .
وجاء في الصحيحين أنّ النّبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يمشي فقيل إنّه نذر أن يحجّ ماشيا فقال : إنّ الله لغنيّ عن مشيه فليركب " وفي رواية "إنّ الله لغنيّ عن تعذيب هذا نفسه " (12)
8- للمضطر أن يأكل من مال غيره حفاظا على حياته .

القاعدة الثانية : الضرر يزال
ومعنى هذه القاعدة : أن الضرر يجب أن يزال بعد وقوعه.

فروعها :
1- الباعة الذين يبيعون في طريق الناس ، ويتضرر بهم المارة ينبغي أن يُجْلُوا من طريق الناس دفعا لضرر الزحام .
2- إذا طالت أغصان شجرة وتدلّت على جدار الجار فأضرت به فإنها تزال دفعا للضرر عنه .
3- قد شرعت كثير من الخيارات لدفع الضرر الواقع على أحد المتعاقدين كخيار العيب وخيار الغبن ، وغيرهما .

القاعدة الثالثة : الضرر لا يزال بمثله
أي أنه لا ينبغي أن يزال الضرر الحاصل بالإتيان بضرر مثله.

فروعها :
1- لا يجوز لإنسان محتاج أن يأخذ مال محتاج مثله دفعا للهلاك عن نفسه .
2- لا يجوز لمن أكره على القتل بالقتل أن يقتل معصوما مثله ، بغير وجه حق لأن هذا إزالة ضرر بمثله بخلاف أكل ماله .
3- إذا ظهر في المبيع عيب قديم وظهر فيه عيب جديد امتنع ردّ المبيع لتضرر البائع بالعيب الحادث – إلاّ أن يرضى – لكن يعود المشتري على البائع بما نقص .(13)

القاعدة الرابعة : الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف .
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي في شرحه لهذا البيت من قصيدته في القواعد الفقهية :

وضدّه تزاحم المفاسد***يرتكب الأدنى من المفاسد

المفاسد إما محرمات أو مكروهات كما أن المصالح إما واجبات وإما مستحبات ، فإذا تزاحمت المفاسد بأن اضطر الإنسان إلى فعل إحداهما ، فالواجب أن لا يرتكب المفسدة الكبرى بل يفعل الصغرى ارتكابا لأهون الشرين لدفع أعلاهما فإن كان إحدى المفسدتين حراما والأخرى مكروهة قدم المكروه على الحرام ، فيقدم الأكل المشتَبِه على الحرام الخالص وكذلك يقدم سائر المكروهات على المحرمات . وإن كانت المفسدتان حرامين قدم أخفهما تحريما وكذا إذا كانتا مكروهين قدم أهونهما. (14)

فروعها :
1- لا يجوز الخروج على الحكام – وإن كانوا كفارا –إذا كان يؤدي إلى شرّ أعظم من شرّهم .
2- لو أن مصليا لو صلى قائما تنكشف عورته ، ولو صلى قاعدا لا تنكشف فإنه يصلي قاعدا لأن ترك القيام أهون .
3- لو ابتلعت دجاجة لؤلؤة ثمينة لغيره فلصاحب اللؤلؤة أن يمتلك الدجاجة بقيمتها ليذبحها.
4- إذا خشي من في السفينة غرقها فإنه يرمي منها ما ثقل من المتاع ، ويغرم أهل السفينة ما رموا به على قيمة ما معهم من المتاع .
5- جاز شق بطن المرأة الميتة لإخراج الجنين إذا كانت حياته مرجوة .

القاعدة الخامسة : يحتمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام
وهذه القاعدة تدخل تحت القاعدة السابقة إلاّ أنها أخص منها ، استنبطها المجتهدون من الإجماع ومعقول النصوص ، وهي قيد لقاعدة " الضرر لا يزال بمثله "

فروعها :
1- جواز قتل الساحر المضر والكافر المضل .
2- جواز الحجر على الطبيب الجاهل حرصا على أرواح الناس .
3- جواز التسعير على الباعة في بعض الأحوال دفعا لضررهم عن العامة
4- بيع الطعام المحتكر جبرا عليه عند الحاجة دفعا للضرر العام .

القاعدة السادسة : درء المفاسد مقدم على جلب المصالح
إذا تعارضت المفسدة مع المصلحة كان درء المفسدة أولى من جلب المصلحة لأن اعتناء الشارع بترك المنهيات أشد من اعتنائه بفعل المأمورات .

دليلها : ﭧ ﭨ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ
ووجه الدلالة من هذه الآية :أنّ في سبّ آلهة الكفار مصلحة وهي تحقير دينهم وإهانتهم لشركهم بالله عز وجل لكن لما تضمن ذلك مقابلتهم السبّ بسب الله –عزوجل- وهو مفسدة – نهى الله تعالى عن سب آلهتهم درءا لهذه المفسدة .
ودليلها من السنة قول النبي – صلى الله عليه وسلم – " إذا أمرتكم بشيء فخذوا به ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه "


قواعد أخرى في معنى القاعدة (لا ضرر ولا ضرار)


1- إذا تعارض المانع والمقتضي يقدم المانع إلا إذا كان المقتضي أعظم ، وإذا اجتمع حاظر ومبيح قدم الحاظر على المبيح.
فروعها :
1- منع تجارة المخدّرات والخمر ولو أن فيهما أرباحا.
2- يمنع مالك الدار من فتح كوة مطلة على بناء جاره ولو كان له فيها منفعة.
3- إذا اشتبه محرّمة بأجنبيات لم يحل التزوّج بإحداهن .
4- إذا أرسلت كلبك المعلم فجاء بالصيد ووجدت كلبا شارك كلبك ، حرم الصيد .

استثناءات :
1-لو رمي بسهم على طائر فجرحه ووقع على الأرض فمات فإنه يحل أكله وإن أمكن إحالة الموت على الوقوع على الأرض والإرتطام بها .
2- ومنها معاملة من في ماله حرام كثير لكن لا يُعلم عين المال الحرام من الحلال على وجه التحديد فيجوز الأخذ منه بإذنه أو الإبتياع كذلك،لكن يكره .
3-جواز مس كتب التفسير للمحدث إلاّ إذا كان الغالب هو القرآن وبعضهم لم يفصل .
4- الكذب مفسدة محرمة لكن متى تضمن مصلحة تربو على المفسدة جاز كالكذب للإصلاح بين الزوجين. (15)


فصل


ذكروا في هذا الباب خمسة أقسام ينبغي لطالب العلم الإحاطة بها وهي :
1- الضرورة : وهي الحاجة الملجئة إلى مالا بد منه .
2- الحاجة : هي الحالة التي تستدعي تيسيرا أو تسهيلا لأجل الحصول على المقصود . وتنزل منزلة الضرورة فيما ورد فيه نص يجوزه أو لم يرد فيه شيء منها ، ولكن لم يرد فيه نص يمنعه بخصوصه وكان له نظير في الشرع يمكن إلحاقه به وجعل ما ورد في نظيره واردا فيه ، أوكان فيه نفع أو مصلحة عامة . (16)
3- منفعة : وهي خلاف المضرة والمقصود هنا ما كان اشتهاءً كمن يشتهى الطعام والدسم وغيرهما .
4- زينة : وهي ما كان القصد به التفكّه كالحلو المتخذ من سكر وغيره .
5- فضول : وهو التوسع بأكل الحرام أو الشبهة كمن يريد استعمـال أوانــي الذهـب والفضــة . (17)


نظم قاعدة الضرر يزال



وأصلها قول النبي لا ضرر***ولا ضرار حسبما قد استقر

قالوا وينبني عليها ما لا***يحصر أبوابا فع المقــــالا

ثم بها قواعــد تعلّــق***كما حكى المؤلف المحــقق


منها الضرورات تبيح المحتظر***بشرطها الذي له الأصل اعتبر


وما أبيح للضّـرورة قــدّر***بقدرها حتما كأكل المـضطـر


لكنه خرج عن ذا صور***منها العرايا والـلعان يذكر


فائدة ثم المراتب هنا***تعدّ خمـسة كمــا قد زُكِــنا


ضرورة وحاجة ومنفعـة***وزينة ثم فضول تبعه


وكـــل ما جاز لعذر بطلا***عند زواله كمـا تأصلا


وعدّ من تلك القواعد الضرر***على الدوام لا يزال بالضرر


لكنه استثني مهما يكن***فردهما أعظم ضرا فافطن


فإنه يرتكب الذي يخف***كذلك فـي المفسدتين قد وصف


ورجحـوا درء المفاسد على***جلب المصالح كما تأصلا


فحيثما مصلحـة ومفســدة***تعارضا قدّم دفع المفسدة


خاتمة والحاجة المشهورة***قد نزلت منزلة الضرورة


لا فرق أن تُعم أو تخصا***عندهـم كما عليه نصّـا



نظم العلامة : أبي الأهدل اليمني الشافعي



خاتمة


وختاما لهذا الشرح أقول : إن طال العلم ينبغي عليه أن يهتم بدراسة الأحاديث النبوية الشريفة التي تعنى بقواعد الفقه الكلية لهذه الشريعة الإسلامية السّمحة ، وان يطلع على شروحها حتى يتسنى له الوقوف على القواعد التي تعينه على فهم المسائل العلمية وتحكم له أرضية الفتوى
كما ينبغي عليه أن يتصفح كتب القواعد الفقهية ككتابَي " الأشباه والنظائر" أحدهما للعلامة جلال الدين السيوطي ، والآخر للعلامة ابن نجيم ، والفرائد البهية نظم القواعد الفقهية لأبي الأهدل وشروحها ، وقواعد عبد الرحمن السعدي وغير هذا من الكتب النافعة.
والحمد لله على التمام ، معتصما به بكل حال ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه



تم الفراغ من تبيض هذا الشرح عشية يوم الجمعة 6 شوال 1422 هـ على يد الفقير إلى عفو ربه محمد رحيل


الحواشي :
(1) جامع العلوم والحكم لابن رجب (2/211)
(2) الفتوحات الوهبية شرح الأربعين النووية لابن عطية الشبرخيتي (251)
(3) مختار الصحاح (ص 379) ط مؤسسة الرسالة
(4) انظر هذه الأقوال في جامع العلوم والحكم (2/212) والفتوحات الوهبية (252)
(5) الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية لمحمد صدقي البورنو ص(251-252)
(6) جامع العلوم والحكم (2/214)
(7) فقه السنة لسيد سابق (2/247) ط مؤسسة الرسالة
(8) تفسير مجاهد (1/109) والطبراني (4974)
(9) أخرجه أحمد(5/414) والترمذي (1283)و (1566) والدارقطني(3/67) وصححه الحاكم (2/55) وسكت عنه الذهبي وقال الترمذي حسن غريب ووافقه الشيخ سعيب الأرناؤوط في تعليقه على جامع العلوم والحكم (2/216) وصححه الألباني صحيح الجامع (6412) المشكاة (3361)
(10) رواه البخاري (2463)و (5627) ومسلم (1609) وأبو داود (3634) والترمذي (1353) وابن ماجه (2335) واحمد (2/396) وصححه ابن حبان (515) من حديث أبي هريرة
(11) أخرجه النسائي (2/174) والحاكم (2/159) وأبو نعيم (4/21) وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي والألباني ،انظر الصحيحة (2345)
(12) رواه البخاري (1865) ومسلم (1642) والترمذي (1537) وأبو داود (3301) والنسائي (7/30) وصححه ابن حبان (4382) (4383)
(13) المدخل الفقهي فقرة(589) بتصرف نقلا عن الوجيز في قواعد الفقه الكلية
(14) القواعد الفقهية (ص18) للسعدي
(15) أشباه السيوطي وأشباه ابن نجيم
(16) المواهب السنية على نظم الفرائد البهية نظم القواعد الفقهية (ص112)
(17) نفس المرجع


التعديل الأخير تم بواسطة محمد رحيل ; 01 Oct 2010 الساعة 05:52 PM
رد مع اقتباس