عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 30 Nov 2007, 05:08 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

فالمراد بقولنا: "معرفة" ؛ العلم والظن؛ لأن إدراك الأحكام الفقهية قد يكون يقينيًّا، وقد يكون ظنيًّا، كما في كثير من مسائل الفقه.

والمراد بقولنا: "الأحكام الشرعية" ؛ الأحكام المتلقاة من الشرع ؛ كالوجوب والتحريم ؛ فخرج به الأحكام العقلية , كمعرفة أن الكل أكبر من الجزء ؛ والأحكام العادية , كمعرفة نزول الطل في الليلة الشاتية إذا كان الجو صحواً.

والمراد بقولنا: "العملية" , ما لا يتعلق بالاعتقاد ؛ كالصلاة والزكاة ؛ فخرج به ما يتعلق بالاعتقاد , كتوحيد الله ومعرفة أسمائه وصفاته ؛ فلا يسمّى ذلك فقهاً في الاصطلاح.

والمراد بقولنا: "بأدلتها التفصيلية" , أدلة الفقه المقرونة بمسائل الفقه التفصيلية ؛ فخرج به أصول الفقه , لأن البحث فيه إنما يكون في أدلة الفقه الإجمالية.
قوله : "فالمراد بقولنا : (معرفة) : العلم و الظن"
فالمعرفة هنا تشمل العلم و الظن ؛ لأن إدراك الأحكام الشرعية بعضه علمي , و بعضه ظني ؛ و لهذا فإن مسائل الاجتهاد التي يختلف فيها أهل العلم غالبها ظني , و ليست بعلمية ؛ و لو كانت علمية لما اختلفوا فيها ؛ لكنها غالبها ظني ؛ فالمعرفة أيضا تُطلق على العلم و الظن , كما في كثير من مسائل الفقه.

و لذلك لا يُوصف الله بأنه عارف , و لكن يوصف بأنه عالم ؛ لأن المعرفة تشمل العلم و الظن.

و قوله : " لأن إدراك الأحكام الفقهية قد يكون يقينيا و قد يكون ظنيا ,كما في كثير من مسائل الفقه"
و لهذا قلنا في التعريف – تعريف الفقه – "معرفة" ليشمل العلم و الظن ؛ لأنه يوجد مسائل كثيرة من أحكام الفقه كلها ظنية.
فمثلا : الذي يأكل الجيف , فالحكم بأنه حرام ؛ ظني أم يقيني ؟ هو ظني ؛ و الذي يُستخبث ؟ الحكم ظني ؛ و لهذا تجدون أقوالا راجحة على هذا القول ؛ و مع ذلك نسميها فقها , و نُدخلها في كتب الفقه ؛ لأن الفقه إما علم و إما ظن.
سؤال : فإذا قلت كيف يصح لك أن تقول هكذا , و قد قال الله – تبارك و تعالى - : (( إن يتبعون إلا الظن )) [النجم:23] ؛ و قال : (( إن بعض الظن إثم )) [الحجرات : 12] ؛ و قد أنكر الله على من يتبعون الظن ؟
الجواب: نقول: إن الظن إذا كان مبنيا على اجتهاد , فهذا ما يستطيعه الإنسان (( لا يكلف الله نفسا إلا وسعها )) [البقرة : 286] , و لهذا قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - : (( إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران , و إن أخطأ فله أجر )) (1) ؛ و معلوم لو كان حكم الحاكم يقينيا كان يكون صوابا ؛ فإذاً , الظن المذموم هو الذي لا يبنى على أساس.
مثال : جاء رجل عامي يسأل : إيش تقول في هذا ؛ هل هو جائز أم حرام ؟ ؛ قال : أظنه حراما.فهذا غير جائز ؛ لكن لو كان هناك رجل مجتهد تأمل في الأدلة فغلب على ظنه أن هذا هو القول الراجح ؛ فهذا لا شيء فيه ؛ لأن هذا منتهى استطاعته.

سبق لنا أن أصول الفقه يُعرّف باعتبارين :
الاعتبار الأول : باتعبار مفرديه ؛ أي باعتبار كل واحد على حدة.
و الثاني : باعتباره مركبا اسما لهذا الفن المعين ؛ و سيأتي إن شاء الله.
فالأصول جمع أصل ؛ و الفقه لغة : الفهم ؛ و منه قوله – تعالى - : (( و احلل عقدة من لساني (27)يفقهوا قولي )) [طه:27 , 28] , و قوله –تعالى - : (( و لكن لا تفقهون تسبيحهم ))[الإسراء : 44].
و في الاصطلاح : معرفة الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية ؛ فسبق أن معنى "معرفة" أنه : العلم أو الظن ؛ يعني كلمة " معرفة " عند العلماء تُطلق على العلم و الظن ؛ و سبق لنا أن المعرفة غالبا تُقال في المحسوس ؛ و العلم يكون غالبا في المعقول.
فتقول : عرفتُ فلانا ؛ يعني عرفت أن هذا هو فلان ابن فلان.
و تقول: علمت حكم الوضوء ؛ و هذا في الأشياء المعقولة المعنوية.
و سبق لنا أنه لا يوصف الله بأنه عارف ؛ لأن المعرفة تشمل العلم و الظن ؛ و قالوا : لأن المعرفة انكشافٌ بعد لُبْسٍ ؛ أي : بعد خفاء ؛ تقول مثلا : تأمَّلتُ هذا الشيء حتى عرفته.
و على كل حال , الأصل في الصفات أن لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه ؛ و أما قوله – صلى الله عليه وسلم - : (( تعرّف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة )) (2) ؛ فالمراد بقوله : (( يعرفك في الشدة )) لازم ذلك , و هو العناية بك ؛ و ذلك لأن قوله – صلى الله عليه وسلم - : (( تعرّف إلى الله )) ليس معناه : افعل شيئا يعرفك به ؛ لأنه يعرفك سواء تعرّفت أو لم تتعرّف.

و قوله " و المراد بقولنا : (الأحكام الشرعية ) "
المراد به : الأحكام المتلقاة من الشرع ؛ و لهذا وصفناها بأنها شرعية.
و سيأتي أيضا تعريف الحكم ؛ و نحن الآن نتكلم عن محترزات القيود , كالوجوب و التحريم و الكراهة و الندب ؛ لكن المثال لا يدل على الحصر.
فالأحكام الشرعية هي ما تُلقيَ عن الشرع كالوجوب و التحريم ؛ و خرج بذلك الأحكام العقلية .
فأصول الفقه لا يبحث في الأحكام العقلية ؛ و أما العلل التي يُعلِّل بها الفقهاء الأحكام , فهي علل شرعية في الواقع متلقاة من الشرع ؛ يعني : أن العلماء تدبّروا فوجدوا أن الشرع يُلاحظ هذه الحكمة , فربطوا الحكم بها.

و قوله : " الأحكام العقلية , كمعرفة أن الكل أكبر من الجزء"
فلو قال لك قائل : أيهما أكبر : الكل أم النصف ؟ تقول : الكل . فهل في القرآن أن الكل أكبر من النصف ؟ لا ؛ و لكنه عقلا ؛ و هذا شيء ضروري.
كل حادث لابد له من محدِث ؛ و الدليل عقلي ؛ و كذلك الأحكام الحِسية أو العادية , كمعرفة نزول الطل في الليلة الشاتية إذا كان الجو صحواً.

و قوله " و الأحكام العادية : كمعرفة نزول الطلّ في الليلة الشاتية إذا كان الجو صحوا"
مثلا , نحن الآن في الشتاء , و في ليلة صحو ؛ قلنا : سينزل الليلة طلّ - و الطل هو الندى الذي يكون في الصباح - فهذا حكم لا عقلي و لا شرعي ؛ و لكنه عادي - يعني جرت العادة بهذا - ؛ و نقول أيضا : إذا أخذت نصف حبة إسبيرين و رأسك يُوجعك هان عليك ؛ فهذا حكم عادي ؛ فكل ما تم بالتجارب أو جريان العادة فهو عادي.
فنبين لنا الآن أن الأحكام ثلاثة : شرعية و عقلية و عادية.
و الفقه يتعلق بالأحكام الشرعية المتلقاة من الشرع.

و قوله " و المراد بقولنا ( العملية ) ما لا يتعلق بالعتقاد "
لأن أحكام الشرع منها ما يتعلق بالاعتقاد -كوجوب الإيمان بالله و أسمائه و صفاته و أفعاله - فهذا لا يدخل في الفقه.
و منها ما يتعلق بأفعال المكلف ؛ فهذا هو الذي يدخل في الفقه.

و قوله : "كالصلاة و الزكاة ؛ فخرج به ما يتعلق بالاعتقاد كتوحيد الله و معرفة أسمائه و صفاته ؛فلا يُسمى ذلك فقها في الاصطلاح "
لكن في الشرع يُسمى فقها , و في اللغة يُسمى فقها ؛ لكن في الاصطلاح لا يُسمى فقها.
و قد قيل " لا مُشاحة في الاصطلاح " إذا لم يخالف النص أو الشرع ؛ فما دام هذا لا يُخالف الشرع , بمعنى أن الفقهاء يقولون : نحن نؤمن بأن العلم بالتوحيد من الفقه , لكن اصطلحنا على أن الفقه خاص بهذه النوع من المسائل من العلم؛ فهل نُنكر عليهم ؟! لا! ؛ و لكنا نقول لهم : إن علم التوحيد هو الفقه الأكبر ؛ لأن الفقه : فقه في ذات الله , و في أسمائه و صفاته و أفعاله و أحكامه؛ فكل هذا يُسمى فقها.
و معرفة الله بأسمائه و صفاته أعظم من كل شيء ؛ و لهذا سماه العلماء الفقه الأكبر ؛ و عليه فقوله – صلى الله عليه وسلم - : (( من يُرد الله به خيرا يفقهه في الدين )) (3) , يتناول هذا و هذا.

و قوله : " و المراد بقولنا : (بأدلتها التفصيلية ) أدلة الفقه المقرونة بمسائل الفقه التفصيلية "
معرفة الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية ؛ يعني -مثلا- قال يُشترط لصحة الوضوء النية لقوله – تعالى - : (( إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا )) [المائدة : 6] , دَلَّ ذلك على إرادة الغسل ؛ و لقوله – صلى الله عليه وسلم - : (( إنما الأعمال بالنيات )) (4) , فهنا أتينا بحكم مسألة , و ذكرنا دليلها على سبيل التفصيل.
لكن إذا قلت : كل من عمل عملا ناقص الشروط فعمله باطل لقوله – صلى الله عليه وسلم - : (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) ؛ و هذا ليس بفقه , هذا يتعلق بأصول الفقه ؛ لأن هذا عبارة عن كلام عام , قاعدة من القواعد الفقهية ؛ و على هذا نقول : التفصيلية .

و قوله : " أدلة الفقه المقرونة بمسائل الفقه التفصيلية ؛ فخرج به أصول الفقه لأن البحث فيه إنما يكون في الأدلة الإجمالية "
مثل : العام و الخاص و المطلق و المقيد و الناسخ و المنسوخ , و ما أشبه ذلك.
فيتكلمون في الفقه عن هذه الأشياء على سبيل العموم ؛ و لكن في الفقه يُتكلم على كل مسألة: هذا حرام , و هذا حلال , و هذا مسنون , و هذا واجب ؛ فيتكلم عن المسائل التفصيلية.
فلنَعُد الآن إلى تعريف الفقه , و هو " معرفة الأحكام الشرعية العملية بأدلتها التفصيلية "

-----------
(1) متفق عليه ؛ البخاري (6919) , مسلم (1715) , من حديث عمرو بن العاص – رضي الله عنه – مرفوعا , و لفظه : (( إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ؛ و إذا حكم اجتهد ثم أخطأ فله أجر )).
(2) صحيح الجامع (2961).
(3) متفق عليه ؛ البخاري (71) , و مسلم (1037) ؛ عن معاوية بن أبي سفيان –رضي الله عنهما –
(4) متفق عليه ؛ رواه البخاري (1) , و مسلم (1907) ؛ من حديث عمر بن الخطاب –رضي الله عنه - .


التعديل الأخير تم بواسطة أبو نعيم إحسان ; 27 Dec 2007 الساعة 10:52 PM
رد مع اقتباس