عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 24 Jan 2011, 10:38 PM
أم عبد الرحمن العاصمية أم عبد الرحمن العاصمية غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: الجزائر
المشاركات: 156
افتراضي


أوردت جُلَّ شرح الشيخ حفظه الله للحديث لأنه من الأهمية بمكان فشرح الشيخ كان جد ماتع

تابع لباب المزاح

265- حدثنا عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث قال حدثني ابن عجلان، عن أبيه، أو سعيد، عن أبي هريرة-رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-قالوا: يارسول الله إنك تداعبنا. قال: " إني لا أقول إلا حقاً "

الناس جميعا في عباداتهم أو في معاملاتهم لم يقدروا أن يجاوزوا ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم في قوته و فضله و أجره و ثوابه عند الله، فالنبي صلى الله عليه و سلم هديه هو الأمثل و هديه هو الأفضل و لهذا كان يقول دائما و أبدا كالمريد أن يقرر هذا الأمر في قلوب أتباعه "أن خير الهدي هدي النبي عليه الصلاة و السلام " لا يكون و لن يكون ثمة هدي أفضل منه

فهذا الذي يدَّعي أنه ذو جد و حزم يقال له: هون عليك فإن الحزم ما كان عليه رسول الله في حزمه و جده و اجتهاده، كان ينضبط للناس و يتواضع لأصحابه بل و يداعب أصحابه، و في هذا نصوص كثيرة مثلما مر معنا في حديث :"رفقا بالقوارير"

و ثبت عن النبي عليه الصلاة و السلام من مداعاباته الطيبة و التي لا يقول فيها إلا حقا كما قال عن نفسه في هذا الحديث
لما جاءته تلك العجوز تسأله أن يدعو الله عز و جل لها أن تدخل الجنة فقال النبي صلى الله عليه و سلم مداعبا لهذه العجوز ـ و هذا فيه:
أن مداعبات النبي صلى الله عليه و سلم كانت مع الرجال و النساء من أصحابه و كانت مع الصغار و الكبار كما سيأتي في الباب الذي يلي هذا الباب " باب المزاح مع الصبي" فقال لهذه العجوز:" لا تدخل الجنة عجوز" يعني كأنه أراد من خلال قوله صلى الله عليه و سلم و هو من المعاريض الجائزة في الشرع لأنه يتكلم بالكلام الذي يقصد به شيء و السامع يظن أنه يقصد شيئا آخر و ليس في هذا كذب في الشرع لأن في المعاريض ممدوحة عن الكذب فلما سمعت العجوز هذا الكلام، كلام رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي يوحى إليه من السماء انفطر قلبها و أصابها الحزن الشديد حتى أن النبي صلى الله عليه و آله و سلم هون عليها بعد ذلك بأن أفهمها قصده بمعنى أن الجنة من يدخلها لا يدخلها إلا شابا سواء مات وهو كذلك أو مات وهو شيخ هرم أو عجوز، فإن الله عز و جل ينبتهم نباتا آخر و يجعلهم جميعا على طول أبينا آدم و على سن الشباب جميعا يدخلونها شباب ،هذا قصده صلى الله عليه و سلم


بمعنى أن النبي صلى الله عليه و سلم كان يداعب أصحابه و المداعبة بمعنى الممازحة " إنك تداعبنا " أي تمازحنا و "إني لا أقول إلا حقا"

بمعني أنه من كان ممازحا لا يجوز له أن يخرج عن هذا القيد يعني قيد الصدق و العدل في ممازحته ، بعض الناس ربما يمازح غيره بالكذب أو يمازح غيره بالإستهزاء و السخرية و هذا كذلك لا يجوز شرعا لأن فيه ظلم و فيه تعدي على الغير و إن كان في غيبته بل إذا كان في غيبته ربما كان أشد لأنه قد يكون في الغيبة المحرمة أو قد يكون من النميمة المحرمة كذلك التي قال فيها النبي صلى الله عليه و سلم:" لا يدخل الجنة قتات" قتات: بمعنى نمام، هذا وعيد شديد في حق من كان هذا حاله، و مع الأسف الشديد أصبحت من الظواهر التي عمت فيها البلوى في مجالس المسلمين عموما و قبل كنا نقول في مجالس عامة الناس من عموم المسلمين و أصبحنا اليوم نقول في مجالس عامة المسلمين خواصهم و عوامهم عياذا بالله مجالس قيل و قال و الكلام في زيد و عمر و الإستهزاء بالغير و السخرية بهم، و هذا كله إذا نصحت أو اعترضت أو بينت يعترض عليك معترض عليه أنه يمزح .
نعم الممازحة جائزة بشرطها، شرطها أن لا تكون ديدن الناس كل أوقاتهم و مجالسهم يعني أن لا تصبح هذه الممازحة عادة الناس و بدليل: أن تعجب الصحابة من مداعبة النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم ألفوا أن يروا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غالب أوقاته على خلاف هذا الحال ،في غالب أوقاته في جد و في حزم من أمره كيف لا و هو صاحب هذه الرسالة و هو الذي أرسله الله تعالى للناس كافة و هو الذي بعثه الله تبارك و تعالى للعالمين ، ولكن رغم هذا كله رغم هذه المنزلة و رغم هذه المسئولية العظيمة فإنه كان عليه الصلاة و السلام يداعب أصحابه فهذا شرط أساس أن لا تصبح المداعبة هي الأصل و الجد أمر طارىء أو عابر لا ينبغي أن يكون هذا.

بعض الناس حتى في عباداتهم في حجهم، في سفرهم مزاح و قيل و قال و ضحك و في أداء مناسكهم كذلك يفعلون و بعضهم ربما يتقصد أن يحج مع من يُعرف بهذا مع الفكاهيين و الفكاهيات في مثل هذه الأوقات التي ربما لا يتيسر للإنسان أن يقصدها إلا مرة في عمره يضيعها هذا التضييع عياذا بالله تبارك و تعالى.

من شروطها أي هذه الممازحة ما ذكر النبي عليه الصلاة و السلام أن لا يكون فيها إلا الحق، و الحق المقصود به وصفين:
- الوصف الأول: العدل
- الوصف الثاني: الصدق
يعني أن تكون بالصدق- لا يتكلم الكلام الذي يعلم كذبه كما يفعل رواة النكت بمختلف أنواعها و الكثير منها ليس بحقيقة و الكثير منها فيه الكذب لأنه في بعض الأحيان يعينون أشخاصا: فلان فعل، فلان قال و هو ما قال و هذا كذب- و لكن ألم يقف على قول النبي صلى الله عليه وسلم :" كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع " كل ما سمعه يحدث به ،قد لا يكون بعض ما سمعه كذب و لكن إذا كان هذا حاله يعني ناقل للكلام و الأخبار هذا يقع في الكذب و قد يقع فيما هو مثله في شره و جرمه يقع في النميمة يقع في الغيبة يحدث بكل ما سمع، و قد يكون وهو يدري أو لا يدري، فهذا أثره سيء ،و أن تكون بعدل

فإذا تحققت هذه الأمور الثلاث كان المسلم في مداعبته و في ممازحته مقتديا بنبيه عليه الصلاة و السلام يعني حقق اتباع السنة في هذا الأمر يعني في أصله، لأنه اتبع السنة في تفصيله أو عندما حقق هذه الشروط

* أمر آخر كان في هذا تحقيق لمقصد هذا المزاح الذي يكون في مثل هذه الشروط ألا وهو تحقيق الألفة و المحبة بين الناس لأن هذا سبب من أسباب التآلف أن يمازح الرجل أولاده أو أن يمازح الرجل زوجته أو أن يمازح الرجل جيرانه أو أولاد جيرانه في هذا تحبب للناس و تحقيق للتآلف بينهم لأجل هذا كان النبي صلى الله عليه وسلم أو كان هذا من هديه عليه الصلاة و السلام

فوائد الحديث :

1- بيان تواضع النبي صلى الله عليه وسلم في مزاحه مع أصحابه

2- دليل على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الزلل في القول و الفعل حتى في هذا الحال لهذا قال:" إني لا أقول إلا حقا" في هذا التعليل فائدتين:


1*متعلقه بِبَيان عصمته
2* متعلقة بشرطه أي بشرط المزاح: إذا أردت أن تقتدي بالنبي عليه الصلاة و السلام و لا شك و لا ريب أن كل من عدى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمعصوم و ليس معنى هذا أنه إذا لم يكن معصوما تحرم عليه المداعبة و المزاح لا ، بل عليه أن يجتهد في تحقيق شروطها

3- بيان شروط المزاح الجائز بمعنى أن المزاح فيه ما هو جائز و فيه ما هو محرم فالمحرم الذي أخل بشرط من هذه الشروط كأن يكون عادة في الناس يعني يقعون في باب الإفراط في هذا الأمر
كما قال النووي عليه رحمة الله : اعلم أن المزاح المنهي عنه هو الذي فيه إفراط و يُدَاوَمُ عليه فإنه يورث الضحك و قسوة القلب و يشغل عن ذكر الله و الفكر في مهمات الدين و يؤول في كثير من الأوقات إلى الإيذاء و يورث الأحقاد و يسقط المهابة و الوقار

فالنبي صلى الله عليه و سلم رغم هذا أي رغم هذه المداعبة و المزاح مع جل أصحابه إلا أن مهابته باقية في قلوبهم يهابونه و يجلونه حتى أن أحدهم لا يستطيع أن يحد النظر في وجهه إجلالا له و مهابة به ، إذا وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يبقى هكذا يمعن النظر في وجه رسول الله مهابة و إجلالا يعني إذا وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أطرق ببصره من إجلاله و مهابته

و من الشروط كذلك نقل عليه الصلاة و السلام :" لا أقول إلا حقا" أي وجوب الصدق و العدل في المزاح و هذا فيه أو يدل عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي في السنن بسند صحيح :" ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القول فيكذب ويل له ويل له "

وعيد شديد من كان هذا صنيعه في مزاحه فالواجب من شرط أن لا يوقع صاحبه في شيء من هذا يعني: لا فيكذب و لا في ظلم و تعد و اعتداء على الغير



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(265) صحيح : الترمذي في البر و الصلة (1990) ، و أحمد(360 /2) ، و صححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1621)


التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الرحمن العاصمية ; 25 Jan 2011 الساعة 10:22 AM
رد مع اقتباس