عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07 Jan 2019, 01:41 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي هل تأتي التّقوى قبل العلم أم العلم قبل التّقوى؟











هل تأتي التّقوى قبل العلم أم العلم قبل التّقوى ؟

للشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله.

السؤال: حياكم الله فضيلة الشيخ هذا سائل للبرنامج بالحقيقة أرسل بمجموعة من الأسئلة يقول في هذا السؤال:

في الآية الكريمة في سورة فاطر (إنّما يخشى الله من عباده العلماء) وتفسير الآية في سورة البقرة (واتّقوا الله ويعلّمكم اللههل تأتي التقوى قبل العلم أم العلم قبل التقوى وكيف تكون التقوى بدون علم بناء على ما جاء في تفسير الآية الكريمة" واتّقوا الله" أي خافوه وراقبوه واتبعوا أمره واتركوا زجره ، جزاكم الله خيرا؟


الجواب

الشيخ: الحمد لله ربّ العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

قال الله تبارك وتعالى (إنمّا يخشى الله من عباده العلماء) والخشية :قوة الخوف من الله تبارك وتعالى لكمال عظمته وسلطانه وهذا لا يتأتّى إلا من شخص عالم بالله وأسمائه وصفاته ولهذا قال (إنّما يخشى الله من عباده العلماء) أي ما يخشاه الخشية التّامة إلاّ العلماء

والمراد العلماء بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه وليس العلماء بطبقات الأرض وأجواء السماء وعلم الفيزياء وما أشبه ذلك فإن هؤلاء علومهم لا تؤثر عليهم بالنسبة لخشية الله

ولهذا نجد من هؤلاء العلماء الكبار الذين هم رؤوس في الكفر والعياذ بالله لكن المراد بالعلماء هنا العلماء بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه فهم الذين يخشون الله تعالى حق خشيته.

والخشية مبنيّة على العلم فكلمّا كان الإنسان أعلم بالله كان أشد خشية لله وأعظم محبّة له تبارك وتعالى.

وأما قوله تعالى (واتّقوا الله ويعلّمكم الله) فإن كثير من الناس يظنّون أنّ قوله (ويعلّمكم الله) مبني على قوله (واتّقوا الله) وليس كذلك ، بل الأمر بتقوى الله أمر مستقل.

ولا يمكن تقوى الله إلا بالعلم بالله ، وقد ترجم البخاري رحمه الله على هذا المعنى في قوله في صحيحه باب العلم قبل القول و العمل ثم استدل لذلك بقول الله تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ)

وعلى هذا فلا تعارض بين الآيتين لأنّ قوله (اتّقوا الله) أمر مستقل بالتقوى ولا يمكن أن يتّقي الإنسان ربّه إلاّ إذا علم ما يتّقيه

أمّا قوله "ويعلّمكم الله" فهي جملة مستأنفة تفيد أنّ العلم الذي نناله إنمّا هو من عند الله وحده فلا علم لنا إلاّ ما علّمنا الله تبارك وتعالى

وتعليم الله إيّانا نوعان غريزي وكسبي.

فـالغريزي هو ما يؤتيه الله تعالى للعبد من العلم الذي لا يحتاج إلى تعلّم .

أرأيت الصبي تلده أمه ويهتدي كيف يتناول ثديها ليرضع منه بدون أن يعلمه أحد وكذلك البهائم تعلم ما ينفعها مما يضرها دون أن يسبق لها تعليم من أحد.

وأمّا التّعليم الكسبي فهو ما يورثه الله العبد بتعلّمه بالعلم وتعاطي أسبابه حيث يتعلّم على المشايخ و من بطون الكتب ومن أصوات أشرطة التّسجيل وغير ذلك .

ولهذا لمّا سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن الروح ما هي؟ مع أنّها مادة الحياة ولا حياة للبدن إلاّ بها أمر الله نبيه أن يقول (الرّوح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا)

وهذا يتضمن توبيخهم عن السؤال عن الرّوح كأنّه قال الرّوح من أمر الله وما بقي عليكم أن تسألوا عن شيء إلا عن الروح ما بقي عليكم من العلوم أن تدركوه إلا علم الروح ، ولهذا قال (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).

والحاصل أن قوله (إنمّا يخش الله من عباده العلماء) تفيد أنه من كان بالله أعلم كان له أخشى وأما آية البقرة (واتّقوا الله ويعلّمكم الله) .

فليس فيها أنّ التقوى مقدمة على العلم لأنّه لا يمكن تقوى إلاّ بعلم ما يُتّقى ، وأنّ الجملة (ويعلّمكم الله) ليس لها ارتباط بما قبلها.

الموقع الرسمي القديم للشيخ العثيمين رحمه الله






سئل الشّيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله ورعاه عن:

ما معنى قوله تعالى: (واتّقوا الله ويعلمكم الله


فأجاب:

يعني أنّ الله ينير بصائر أهل التقوى فـيفقهون في الدّين، "مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقّـِهُهُ في الدِّين"، فبالتقوى يهيّء الله للإنسان حسن الفهم وحسن الإدراك فيفهم معاني القرآن ومعاني السُّنَّة، طبعا يرجع إلى السُّنَّة، يوفّقه الله تبارك وتعالى، ومن توفيق الله له وتعليمه له أن يوفّقه للأخذ بالسُّنَّة والفقه فيها وتَدَّبُّر القرآن (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا).

ومَن لم يرد الله به خيرًا لا يتفقّه ولا يصل إلى هذا، هذا ما عنده تقوى الله عزّ وجلّ، ففرق بين الأتقياء وبين المتكبريّن المعاندين الأشقياء، هؤلاء لا يفقهون ولا يستفيدون (وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُورٍ) هذا جعل الله في قلبه نورا (يَا أَيُّهَا الّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ) فالله يعطي صاحب الحقّ والمتّقي يعطيه بصيرة (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ) فيسهل عليه فقهه في الدّين ويدرك معاني النصوص، يعني يأخذها من طرق شرعية ليس إلهامًا وفيضًا كما يقول الصوفية ويحتجون بالآية هذه على الفيوضات الربانيّة وعلى الأخذ من اللوح المحفوظ. هذا إلحاد.

أمّا معنى الآية فهو هذا: أنّ الله يوفّق هذا الإنسان ويعينه ويساعده ويفتح عليه، يفهم القرآن، يفهم السُّنَّة، يحفظ القرآن، يحفظ السُّنَّة، يأخذ بالأسباب ويوجّهه الله لأسباب الخير فيستفيد من هذه التقوى، ليس كما يقول الصوفية إنّه يأخذ من اللوح المحفوظ، فهمت أيّها السائل؟

الصوفية يغالطون في معنى هذه الآية ويَضِلُّون ويُضِلُّون فيظنّ الناس أنّ كشوفات عندهم و اللوح المحفوظ وفيوضات شيطانية!


[فتاوى في العقيدة والمنهج الحلقة الثانية]







ويقول الشيخ عزالدّين رمضاني حفظه الله ورعاه حول معنى الآية: (وَاتَّقُواْ الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله) :

الآية الثَّالثة:
وهي بعض آية من آخر آية «الدَّيْن» من سورة البقرة:

(وَاتَّقُواْ الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله) [البقرة:282]


***

وجه الخطأ:

الاستشهاد بالآية للدّلالة على أنَّ العلم ثمرةُ التَّقوى:

هذه الآية ممَّا اشتهر على ألسنة المتصوَِّفة الاستدلال بها على ما سبق، يغطُّون بها تقاعسهم وإعراضهم عن الاشتغال بعلوم الشَّريعة من الفقه وغيره، زاعمين أنَّ ما يأتونه في طريقتهم من الرِّياضة وتلاوة الأوراد والأحزاب تُثمر لهم العلومَ الإلهيَّة وغيرها بدون تعلُّم(2).

يقول أبو حيَّان في «البحر المحيط» (2 /371): «وكثيرًا ما يتمثَّل بهذه بعض المتطوِّعة من الصُّوفيَّة الَّذين يتجافون عن الاشتغال بعلوم الشَّريعة من الفقه وغيره، إذا ذكر له العلم والاشتغال به قالوا: قال الله: (وَاتَّقُواْ الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله)، ومن أين تعرف التَّقوى، وهل تعرف إلاَّ بالعلم[/color]؟!».

والاستشهاد بهذه الآية على أنَّ التَّقوى تكون سببًا للعلم مردودٌ بجملةِ أمورٍ، منها:

الأوَّل: من جهة اللُّغة: «وذلك أنَّ العطف (وَيُعَلِّمُكُمُ الله) على قوله: (وَاتَّقُواْ الله) يُنافي أن يكون جزاءً له ومرتَّبًا عليه، لأنَّ العطف يقتضي المغايرة، ولو أراد الله هذا لجعل العطف بالفاء، أي قال: «واتَّقوا الله فيعلِّمكم الله»، أو وصل الفعل بلام التَّعليل، ولقال: «واتّقوا الله ليعلّمكم الله»(3).

ومن جعل الواو في قوله تعالى: (وَيُعَلِّمُكُمُ الله) بمثابة التَّعليل، أي على معنى «ليعلِّمكم» فليس بصحيح.

يقول صاحب «التَّحرير والتَّنوير» (3 /118): «وفي عطفه على الأمر بالتَّقوى إيماء إلى أنَّ التَّقوى سبب إفاضة العلوم، حتَّى قيل: إنَّ الواو فيه للتَّعليل، أي ليعلِّمكم، وجعله بعضهم من معاني الواو وليس بصحيح».

ثمَّ إنَّه إن أُريد ذلك المعنى وهو أنَّ التَّقوى سببٌ للعلم، فإنَّ لفظ هذه الآية لا يسمح به، لأنَّه لو كان كذلك لاقتضى جَزْم: (وَيُعَلِّمُكُمُ الله).

يقول ابن جزي في «التَّسهيل لعلوم التَّنزيل» (1 /132) في تفسير قوله تعالى: (وَيُعَلِّمُكُمُ الله) : «إخبار على وجه الامتنان، وقيل: معناه الوعد بأنَّ مَنِ اتَّقى علَّمه الله وألهمه، وهذا المعنى صحيح، ولكن لفظ الآية لا يعطيه، لأنَّه لو كان كذلك لجزم (وَيُعَلِّمُكُمُ الله) في جواب (وَاتَّقُواْ الله).

الثَّاني: ـ من جهة المعنى ـ إنَّ المعنى الَّذي أراده الصُّوفيَّة ومَن قلَّدهم من الآية هو «عبارة عن جعل المسبّب سببًا والفرع أصلاً والنَّتيجة مقدِّمة، ـ وهذا قَلْبٌ للأصول والمقدِّمات ـ فإنَّ المعروف المعقول أنَّ العلم هو الَّذي يُثمر التَّقوى، فلا تقوى بلا علم، فالعلم هو الأصل الأوَّل، وعليه المعوَّل، كما قال سبحانه وتعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء) [فاطر:28]، وكما قال سبحانه لنبيِّه صلى الله عليه وسلم: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) [محمد:19]»(4).

الثَّالث: إنَّ الأسلوب الَّذي سيقت به الآية ليس أسلوب طلب وجواب، وبالتَّالي فهو لا يعين على هذا الَّذي ذكروه من المعنى ـ وأنَّها وعد لِمَن اتَّقى الله بأن يعلِّمه الله ـ، ولذلك جاء بالواو بين الجملتين للفصل بينهما.

يقول ابن القيم رحمه الله: «وأمَّا قوله تعالى: (وَاتَّقُواْ الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله) فليس من هذا الباب، بل هما جملتان مستقلَّتان: طلبيَّة وهي الأمر بالتَّقوى، وخبريَّة وهي قوله تعالى: (وَيُعَلِّمُكُمُ الله)، أي: والله يعلِّمكم ما تتَّقون، وليست جوابًا للأمر بالتَّقوى، ولو أُريد بها الجزاء لأتى بها مجزومةً مجرَّدةً عن الواو، فكان يقول: «واتَّقوا الله يُعَلِّمْكُمْ» أو «إن تتَّقوه يعلِّمكم» كما قال: (إَن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً) [الأنفال:29]، فتدبّره»(5).

ويقول محمَّد الجوعي في كتابه «قواعد وفوائد لفقه كتاب الله تعالى» (ص76): «لا يظهر من هذه الآية الدّلالة على أنَّ العلم ثمرة التَّقوى، لأنَّه لم يُرتِّب العلم على التَّقوى، فيقول «واتَّقوا الله يعلِّمكم الله»، فيكون أسلوب طلب وجواب، وإنَّما جاء بالواو بين الجملتين.


الرَّابع: إنَّ بعض المفسِّرين المحقِّقين لم يجعلوا معاني الجمل الثَّلاث الَّتي ذُكرت في الآية: (وَاتَّقُواْ الله) (وَيُعَلِّمُكُمُ الله) (وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم) بمعنًى واحد، بل ذكروا أنَّ كلَّ جملة مستقلَّة بنفسها في المعنى.

قال محمَّد بن جرير في «تفسيره» (5 /121): «القول في تأويل قوله جلَّ ثناؤه: (وَاتَّقُواْ الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم) يعني ـ جلَّ ثناؤه ـ بقوله: (وَاتَّقُواْ الله) وخافوا الله أيُّها المتداينون في الكُتَّاب والشُّهود أنْ تضارُّوهم، وفي غير ذلك من حدوده أن تضيِّعوها.

ويعني بقوله: (وَيُعَلِّمُكُمُ الله) : ويبيِّن اللهُ لكم الواجبَ لكم وعليكم فاعملوا به، (وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم) يعني من أعمالكم وغيرها يحصيها عليكم فيجازيكم بها».

وقال أبو حيَّان في «البحر المحيط» (1 /371): «وليست في معنى واحد. فالأولى: حثٌّ على التَّقوى، والثَّانية: تُذكِّر بالنِّعم، والثَّالثة: تتضمَّن الوعد والوعيد».

وقال البيضاوي في «أنوار التَّنزيل» (1 /271): « (وَاتَّقُواْ الله) في مخالفة أمره ونهيه، (وَيُعَلِّمُكُمُ الله) أحكامه المتضمّنة لمصالحكم، (وَالله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم) كرَّر لفظة الله في الجمل الثَّلاث لاستقلالها، فإنَّ الأولى حثٌّ على التَّقوى، والثَّانية وَعْدٌ بإنعامه، والثَّالثة تعظيمٌ لشأنه».

وقال محمَّد الطَّاهر بن عاشور في «التَّحرير والتَّنوير» (3 /118) في قوله تعالى: (وَاتَّقُواْ الله) : «أمرٌ بالتَّقوى، لأنَّها ملاك الخير، وبها يكون ترك الفسوق، وقوله: (وَيُعَلِّمُكُمُ الله) تذكير بنعمة الإسلام الَّذي أخرجهم من الجهالة إلى العلم بالشَّريعة...».


الخامس: أنَّ «العلم ثمرة التَّقوى» معنى صحيح يستفاد من أدلَّة أخرى وليس من هذه الآية.

يقول الشَّيخ ابن عثيمين رحمه الله في «تفسير سورة البقرة» (3 /410): «لأنَّ تعليم الله لنا حاصل مع التَّقوى وعدمها، وإنْ كان العلم يزداد بتقوى الله، لكن هذا يؤخذ من أدلَّة أخرى».

***وللعلم فإنَّ بعض المفسِّرين كـابن كثير رحمه الله اقتصر في تفسير الآية على المعنى الَّذي لا تعطيه الآية، وجعله نفس المعنى الَّذي دلَّت عليه آيات أخرى، وأمَّا غيره فذكره بغير صيغة الجزم الَّتي تدلُّ على اعتباره، وإنَّما ذكروه بما ينبئ عن توهينه وعدم رجحانه(6).

ومن الآيات الدَّالَّة على صحَّة عبارة: «العلم ثمرة التَّقوى» قوله تعالى: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ الله يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً ...) [الأنفال:29]، فالفرقان في هذه الآية العلم الَّذي يفرَّق به بين الحقِّ والباطل(7)، وكذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَّحِيم) [الحديد:28]، فقوله: (وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ)، يعني عِلْمًا وهدًى تفرِّقون به بين الحقِّ والباطل(8).

فالاستشهاد بهاتين الآيتين أولى لبيان أنَّ «العلم ثمرة التَّقوى» وليست آية البقرة، الَّتي إن جاز الاستشهاد بها على هذا الَّذي ذُكِر، فإنّ ذلك من باب ما يتضمَّنه العطف من معنى الاقتران والتَّلازم في قوله تعالى: (وَاتَّقُواْ الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله)، وليس من العطف الَّذي يقتضي أنَّ الأوَّل سبب الثَّاني، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (9):

«وقد شاع فى لسان العامّة أنّ قوله: (وَاتَّقُواْ الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله) من الباب الأوَّل، حيث يستدلُّون بذلك على أنَّ التَّقوى سبب تعليم الله، وأكثر الفضلاء يطعنون فى هذه الدّلالة، لأنَّه لم يربط الفعل الثَّانى بالأوَّل ربطَ الجزاء بالشَّرط، فلم يقل: «واتَّقوا الله ويعلّمكم»(10)، ولا قال: «فيعلّمكم»، وإنَّما أتى بواو العطف، وليس من العطف ما يقتضي أنَّ الأوَّل سبب الثَّانى، وقد يُقال: العطف قد يتضمَّن معنى الاقتران والتَّلازم، كما يُقال: «زرنى وأزورك»، و«سلِّم علينا ونسلِّم عليك»، ونحو ذلك ممَّا يقتضي اقتران الفعلين والتَّعاوض من الطَّرفين، كما لو قال لسيِّده: «أعتقني ولك عليَّ ألف» أو قالت المرأة لزوجها: «طلِّقني ولك ألف» أو «اخلعني ولك ألف»، فإنَّ ذلك بمنزلة قولها: «بألف» أو «عليَّ ألف».

وكذلك أيضًا لو قال: «أنت حرٌّ وعليك ألف» أو «أنت طالق وعليك ألف»، فإنَّه كقوله: «عليَّ ألف» أو «بألف» عند جمهور الفقهاء، والفرق بينهما قول شاذٌّ، ويقول أحد المتعاوضين للآخر: «أعطيك هذا وآخذ هذا»، ونحو ذلك من العبارات، فيقول الآخر: «نعم»، وإن لم يكن أحدهما هو السَّبب للآخر دون العكس، فقوله: (وَاتَّقُواْ الله وَيُعَلِّمُكُمُ الله) قد يكون من هذا الباب، فكلٌّ مِنْ تعليم الرَّبِّ وتقوى العبد يقارب الآخر ويلازمه ويقتضيه، فمتى علَّمه الله العلم النَّافع اقترن به التَّقوى بحسب ذلك، ومتى اتَّقاه زاده من العلم وهلمَّ جرًّا» اهـ.

-----------------------------------------


(2) «تفسير المنار» (3 /128)، وانظر: «بيان تلبيس الجهميَّة» (1 /256).

(3) راجع «تفسير المنار» (3 /128)، و«صفوة الآثار والمفاهيم» (3 /563).

(4) راجع «تفسير المنار» (3 /128)، و«صفوة الآثار والمفاهيم» (3 /563).

(5) «مفتاح دار السعادة» (1 /178).

(6) انظر: «البحر المحيط» (1 /371)، «التَّسهيل لعلوم التَّنزيل» (1 /132)،«تيسير الكريم الرَّحمن» (1 /224).

(7) «أضواء البيان» (2 /260).

(8) «أضواء البيان» (1 /261).

(9) «مجموع الفتاوى» (18 /177 ـ 178).

(10) هكذا في الأصل، ولعلَّ الصَّواب بدون ذكر الواو.


مقال منقول من موقع راية الإصلاح تحت عنوان: البيان في أخطاء الاستشهاد بآي القرآن (3). وهو منقول من مجلة الإصلاح «العدد 12»


جمعته لكم أختكم : بهية صابرين






رد مع اقتباس