عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 23 Nov 2016, 12:37 PM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي بيان جهل ذي البَأْو بمسائل النَّحو



بيان جهل ذي البَأْو بمسائل النَّحو


قال أبو السَّفاسف المُكنِّي نفسَه أبا المعالي رادًّا على الشَّيخ عبد المجيد جمعة ـ حفظه الله ـ : «نظرتُ في مقالِ جمعةِ الجزائرِ؛ فإذا قد افتتحَ مقالَه -ما قاءَهُ- بما يبينُ عن جهلِه، وسوءِ نيتِه فقال:
(ولما رأيت العنوان توسّمت فيه أنّ المدعو المسعودي أراد أن ينبّه على أخطاء، أو أوهام –التي لا يسلم منها أحد-، وقعت في الكتاب، كَقُطْنٍ قَد مَسَّهُ البَلَل، فَسَدَّ الخَلل، وَرَقّع الحَلل، وزيّن بالحُلل، فإذا به قد أبان الغلّ، وأظهر الجهل، وكشف الخطل).
قلتُ: هنا أرادَ جمعةُ الجزائرِ أن يبدوَ بمظهرِ العالمِ المتجردِ، والباحثِ المتحلِّي بالموضوعيةِ وقبولِ الحقِّ، وبيانِ الأخطاءِ؛ لكنهُ يضمرُ كرهًا لذاكَ؛ فنكَّرَ الكلمتَين: [أخطاء، وأوهام] تسبيقًا للإشارةِ إلى ندرتِها فيما يأتِي، والتقليلِ من شأن وجودِهما؛ بيدَ أن هذه المقبحةَ أوردتهُ مهلكةً؛ أبانَت عن شناعةِ جهلِه باللغةِ العربيةِ؛ فقال: [أراد أن ينبّه على أخطاء، أو أوهام –التي لا يسلم منها أحد-، وقعت في الكتاب]؛ فـ: "التي" -هنا-: اسمٌ موصولٌ مبنيٌّ على السكونِ، في محلِّ جر صفةٍ (نعتٍ) لـ: (أوهام)؛ وبما أنَّ الاسمَ الموصولَ معرفةٌ؛ فكيفُ تصفُ به النكرةَ (أوهام) أيها العالمُ المحققُ الأصوليُّ!؟؛ أبعدُ لم تضبِط بابَ المعرفةِ والنكرةِ، وأن الصفةَ تتبعُ الموصوفَ في التعريفِ والتنكيرِ!؟؛ وتركيبُك هذا يُفيدُ أن: (أوهام) مضافةٌ لـ: (التي)، وتكونُ (التي) -حينئذٍ-: في محلِّ جرِّ بالإضافةِ –بإضافةِ (أوهام) إليها؛ ولا يبعدُ أن يعاقبَ اللهُ جلَّت حكمتُه العبدَ بجنسِ ذنبِه؛ لما شغلَ كثيرا من وقتِه بظلمِ أهلِ العلمِ وتتبعِ سقطاتِهم اقتداءً بشيخِه وإمامِه القطبِ المدخلِي!؛ حتى أرانا اللهُ سبحانهُ آيةً في ذهابِ الصواب عنهُ في مسألةٍ لغويةٍ بسيطةٍ كهذه!
».
أقول: انظر إلى التَّهويل والتَّجهيل وما يحمله في أثنائه من التَّعالم والتَّعاظم ـ وهو داءٌ قديم يسري في عروق كثيرٍ ممَّن يرى أنَّه حصَّل طرفًا من علوم اللِّسان، ولذلك اشتهر أنَّ النَّحو علمٌ يورث البغي ـ.
فلو كان مصيبًا والشَّيخ جمعة مخطئًا لما قُبل منه بهذه الصُّورة القبيحة الفجَّة، فكيف والحال أنَّه هو المخطئ خطأ فاحشًا، ، فهو يقول: «فـ: "التي" -هنا-: اسمٌ موصولٌ مبنيٌّ على السكونِ، في محلِّ جر صفةٍ (نعتٍ) لـ: (أوهام)» مع أنَّ صغار الطُّلَّاب يعلمون أنَّ الجمل الاعتراضية لا محلَّ لها من الإعراب.
فـ«الَّتي لا يسلم منها أحد» جملة اعتراضيَّة لا محلَّ لها من الإعراب، اعترضت بين الصِّفة والموصوف، وليست في محلِّ جرٍّ نعتٌ لأوهام، والشَّيخ جمعة قد وضع هذه الجملة بين معترضين علامةً تنصيصيَّة على الجملة الاعتراضيَّة، ومع ذلك أعمى الله عنها أبا السَّفاسف هذا ليَخْزَى على رؤوس الأشهاد!!
فاربع على نفسك يا عبد القادر! فإنَّ الفضيحة مقرونة مع تتبُّع العورات في قرنٍ.
أمَّا قوله: "جمعة الجزائر" وما فيه من الفجور بالتَّعريض بالتَّسوية بين جمعة الجزائر، داعيةِ التَّوحيد والسُّنَّة، وجمعة الآخر، داعيةِ البدع والقبوريَّة فلا أجيبه عنه، فإنَّ له مع خصمه ـ جمعة الجزائر ـ موقفَ حكومةٍ بين يدي الملك العدل.

وقال أيضًا:
«قال: (فوالله الذي أهلك ثمود وعاد؛ إن لم تتحلّل، وتتوب على الأشهاد).
قلتُ: سبحانَ الله؛ ما أقبحَ جهلَك باللغة العربيةِ؛ ألهذا الحدِّ!؟، تزاحَم عندكَ جازمانِ للفعلِ المضارِع (تتوبُ) -وهما: "إن و لم"- ثمِّ لم تجزِمْهُ؛ ما هذا بفعلِ لبيبٍ؛ أينَ من قالَ فيهِم أبو الطيبِ أحمدُ بنُ الحسينِ المتنبي:
إذا كانَ ما تنويهِ فعلًا مضارعًا *** مضى قبلَ أن تُلقَى عليهِ الجوازمُ
فصحح لغتكَ يا فضيلةَ الدكتورِ العالمِ الوالدِ المحققِ الأصولِي، ورض لسانكَ على القانونِ العربِي، وقل: (...إن لم تتحلل وتتُب...)؛ لم: حرفٌ جزمٍ ونفيٍ وقلب. تتُب: فعلٌ مضارعٌ مجزومٌ بـ (لم) وعلامةُ جزمِه السكونُ، وهو فعلُ الشرطِ، والفاعلٌ مستترٌ؛ ومن شواهدِ القرآنِ قولُ ربِّنا عز وجلَّ: "وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ"
».
قلت: هذا كالأوَّل، تهويل طويلٌ وتجهيل، ثمَّ هو المخطئ، فإنَّ اللِّسان العربيَّ أوسع من أن يُغلِّطَ مَن يعرفه ويفهمه ويتذوقه مثلَ هذه العبارة، لأنَّه فعلٌ معطوفٌ على فعل، وما أكثر ما تُترك جادة القواعد في العطف، حتَّى عطفوا على التوهُّم كما ذكر ابن هشام في «المغني».
فقول الشَّيخ جمعة: «وتتوب» عطفًا على تتحلَّل المجزوم بـ«لم»: يجوز فيه الجزم كما تفضَّلت غير مشكورٍ ولا مبرور فيقول: «تتُب»، ويجوز فيه النَّصب على تقدير: وأن تتوب إلى الله، ويكون كقول الله تعالى: «ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق»، فـ«تكتموا» ونظائره المتعدِّدة في القرآن فيه وجهان إعرابيَّان مشهوران ذكرهما السَّمين الحلبي في «الدرِّ المصون» (1 /321) وغيره:
الأوَّل: يُعرب مجزومًا عطفًا على «تلبسوا».
الثَّاني: يُعرب منصوبًا بتقدير أن، وعلى هذا الوجه تكون الواو للمعيَّة.
بل إنَّ «تتوب» هاهنا أصلح من «تتُب»، لأنَّ المقصود الاستمرار على التَّوبة وحسنِ الحال بعدها، فالمناسب هو الفعل المضارع، وشاهد ذلك قول الله تعالى: «لن يضرُّوكم إلَّا أذًى وإن يقاتلوكم يولُّوكم الأدبار ثمَّ لا ينصرون»، فـ«يُولُّوا» جواب الشَّرط مجزومٌ، و«يُنصرون» مرفوعٌ، ومع ذلك عُطف عليه، والتَّقدير: ثمَّ هم لا ينصرون، للدَّلالة على أنَّ هذا هو الثَّابت من حالهم، عدمُ النَّصر.

ثمَّ قال: «ويؤسفنِي أن لا يكونَ ذلك خطاً غيرَ مقصودٍ؛ والدليلُ أنك كررتهُ في تعقيبِك الثانِي -من الحلقةِ الثانيةِ- على أخينا الشيخِ الفاضِلِ مسعودٍ؛ فقلت له: (ولا تقول –يا مسعود-: هذا إضراب، وليس باستدراك!)؛ أنتَ تنهاهُ عن القولِ بحرفِ النهيِ "لا الناهيةِ" وهي جازمةٌ للفعلِ المضارِع كما هو مقررٌ يا فضيلةَ العالمِ الوالدِ الأصولِي المحقِّقِ؛ مقررٌ في الأجروميةِ!؛ فصحح لغتَك وقُل للشيخِ مسعودٍ: ولا تقُل –يا مسعود-:...)؛ ومن شواهدِ القرآن: "فَلاَ تَقُل لَّهُمَا"، ومن شواهدِ السنةِ؛ في الصحيحِ من حديثِ أبي هريرةَ رضي الله عنه: "لا يقُلْ أحدكُم: اللهمَّ اغفِر لي إن شئتَ"، ومِن حديثِه أيضًا فيه: "لا يقُلْ أحدكُم: أطعِم ربكَ، وضِّىء ربكَ، وليقُل: سيدي ومولاي، ولا يقُل: عبدِي وأمتِي، وليقُل: فتايَ وفتاتِي، وغلامِي)؛ وهذه الشواهدُ القرآنيةُ والمصطفويةُ؛ من جملةِ ما هو موجودٌ في كتابِ "التوحيد" لشيخِ الإسلامِ الإمامِ المجددِ محمدِ بنِ عبدِ الوهابِ رحمهُ الله تعالى؛ فالعجبُ من الشيخِ المحققِ كيفَ...!!!، ثم العجبُ مرةً أخرى من المصفقين له: سررتنَا شيخَنا العالِم، أثلجتَ صدورنَا إمامنا الوالِد، وغير ذلك من الألقابِ المنثورةِ؛ وهو من عرفتَ أخي جهلا بالفعل المضارع المجزوم؛ سبحانَ الله؛ كيف لا يدرِي أنهم يتملقون له ويتلهوقُون!!!؟».
قلت: قلت: عجبٌ منك عجيب! آأنت الفصيح النَّاعي على المَشيخة أغلاطهم العازلُهم بسببها عن مقام الدَّعوة والتَّعليم!! ثمَّ تقع في هذه الهوَّة الَّتي لا وَأْلَ منها!!
يا هذا ! اسمعْ أقلْ لك: قولُ الشَّيخ جمعة: «لا تقول يا مسعود!» جائزٌ لا إشكال فيه، ووجهه قريبٌ ظاهر، فهو نفيٌ وليس نهيًا، يعني: ليس لك أن تقول، ووهذا شائع جدًّا في كلام العلماء لا أحصيه كثرة، قد استعمله إمام النَّحو سيبويه مرَّاتٍ كثيرة في كتابه، منها قوله (2 /158) في سياق الكلام على كم: «لأنَّها لا تكون إلَّا مبتدأة ولا تؤخَّر فاعلةً ولا مفعولةً. لا تقول: رأيتَ كم رجلًا، وإنَّما تقول: كم رأيتَ رجلاً».
ومنها قوله (2 /179): «واعلم أنَّك لا تُظهر علامةَ المضمرين في نِعمَ، لا تقول: نِعْمُوا رجالًا».

وأمَّا قولك يا أبا السَّفاسف: «وهي جازمةٌ للفعلِ المضارِع كما هو مقررٌ يا فضيلةَ العالمِ الوالدِ الأصولِي المحقِّقِ؛ مقررٌ في الأجروميةِ!» فجوابه على جهة الجزاء أن يُقال لك: المقرَّر في الآجرومية يا فضيلة النَّحوي الضَّليع! هو أنَّ الجازم «لا» في النَّهي والدُّعاء وليس في النَّفي! قال ابن آجروم رحمه الله: «والجوازِمُ ثمانيةَ عَشَر، وهي: لَمْ، لَمَّا، ألَمْ، ألَمَّا، ولام الأمر والدُّعاء، و«لا» في النَّهيِ والدعاء...».

قال أيضًا: «قال: (ويضرب هذا الإجماع الصريح عُرض الحائط) سبحان الله! تشابهت قلوبُهم؛ كصاحبِه مرابط؛ لم يُظهرا الحركاتِ حتى على الحروفِ؛ مما يعرفُنا بالمفعولِ بهِ أو بالبدلِ مثلًا!؛ والصوابُ: ضرَب بالأمر عُرضَ الحائط: أي: رمى بهِ في ناحيةٍ من نواحيهِ، أهملهُ، أعرضَ عنه، احتقرَه، لم يهتمَّ به ولم يبال به».
أقول: هذا كلامٌ أوله وآخره مختلفان، أوَّله نقدٌ على عدم إظهار الإعراب، وكأنَّه يعني فتحة الضَّاد، وآخره كأنَّه يعني إسقاط الباء من «بهذا الإجماع»، فإن كان هذا الثَّاني ـ وهو أبعد الاحتمالين ـ فهو حقٌّ، يقال: ضرب بكذا عُرض الحائط، ولا يقال: ضرب كذا عُرض الحائط، وإن كان له وجهٌ في اللُّغة، لكنَّها عبارة جرت مجرى المثل فلا تُغيَّر، والأمر في ذلك سهل، فهذه من الأخطاء الَّتي لا يسلم منها أحدٌ.
وأمَّا الأوَّل ـ وهو الأظهر ـ فما فعله الشَّيخ جمعة هو الصَّواب، لأنَّ الَّذي يحتاج إلى إظهار هو ما يُشكل ويغلط فيه النَّاس، وهو العين، الَّتي تشتبه بالعَرض أخي الطُّول، فيقول كثيرٌ من العامَّة: عَرض الحائط، وليس هو وجهُ الكلام، وإنَّما هو عُرض الحائط، أي: جهته وناحيته، ومن أجل هذا التَّصحيح أدخله المؤلِّفون في الأغلاط اللُّغوية كالعدناني في كتابه: «معجم الأخطاء الشَّائعة» (ص: 66)، فهذه هي المقاصد المعتبرة في كلام المتكلِّم، فقد أحسن الشَّيخ جمعة بضبط العين بالضمِّ وأفاد.

هذا آخر التَّنبيه، فعسى أن يكون فيه عِظةٌ للمعتدي.
وقد أجريتُ القلم في هذا المِضمار ـ وأستغفر الله ـ رفعًا لاعتداء الباغي، مع [ما في] في ذلك من رياضةٍ للأذهان، وإفادةٍ للإخوان، وتذكيرٍ بعلوم اللِّسان، والحمد لله ربِّ العالمين.

[فائدة]:
البَأْوُ هو التَّكبُّر والتَّعاظم، قال حاتم الطَّائي:
فما زادنا بأوًا على ذي قرابة ... غنانا، ولا أزرى بأحسابنا الفَقْرُ


التعديل الأخير تم بواسطة أبو البراء ; 26 Nov 2016 الساعة 07:56 AM سبب آخر: إضافة: [ما في]
رد مع اقتباس