عرض مشاركة واحدة
  #12  
قديم 12 Nov 2007, 01:15 PM
أبو أيوب نبيل شيبان أبو أيوب نبيل شيبان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: البويرة -الجزائر
المشاركات: 240
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو أيوب نبيل شيبان إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو أيوب نبيل شيبان
افتراضي

** السؤال الثاني عشر:
أحسن الله إليكم ، وبارك فيكم. شيخنا: يقول السائل :-
كيـف يتم التفريق بين الغلو في الجرح ، والحزم والشدة على أهل البدع ، التي تعتبر منقَبة ؟

أقـــول :- ولعلنا نبدأ بالشطر الثاني لسؤالكم : وهو أن أهل السنة الأصل عندهم الشدة على البدع وأهلها وقوة النكير والغلظة؛ وذلك حينما تقوى شوكـتهم وترجح كفتــهم، فإنهم في هذه الحــال لايرعون حرمةً لمبتدع، بل يهينونهم ويحتقرونهم ويُهوِّنون من شأنهم. والأصل في هذا: النص، وسيرة السلف الصالح؛ وهي إجماع .
فالنص منه قوله صلى الله عليه وسلم:( سيكون في آخر أمتي أناس يحدِّثونكم بما لم تسمعوا أنتم ولا ءابائكم، فإياكم وإياهم ). رواه مسلم في مقدمة صحيحه من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- وكذلك رواه البغوي في شرح السنة .
وفي الحديث الصحـيح الآخر -وهو حديث الافـتراق- الذي يهـوِّن من شأنه بعض المتحذلقين من قادة الثـورة الفكرية التي هي حرب على الدعوة السلفـية وأهلها، ويضعِّف هذا الحديث، ويتلمس في التهـوين من شأنه وعدم استعماله، وهو حديث صحيح مشهور تلقاه أهل السنة بالقَبول واستعملوه، ومن ألفاظه :
(افـــترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافــترقت النصارى على اثنتين وسبعين فــرقة ، وســتفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) . قالوا من هي يا رسول الله؟ قال :( الجماعة ).
فسرها ابن مسعود- رضي الله عنه- بقوله:-) الجماعة ما وافق الحق ، وإن كنت وحدك (.
وفي رواية أخرى يحسنها بعض أهل العلم لشـواهدها، قالوا من هي يا رسول الله قال :
) من كان عـلى مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي(.
وأخرج الشيخان من حديث حذيفة- رضي الله عنه- قال : كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وأسأله عن الشر؛ مخـافة أن يدركني، فقلت : يا رسول الله ؛ كنا في جاهلية وشر، فجاء الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال : { نعم} قلـت : فهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: { نعم، وفيه دَخَــن } قلـت: وما دخنه؟ قال :) قــومٌ يهدون بغير هديي ، ويستـــنُّون بغير ســنتي ( - وفي بعض ألفاظه- ) يهتدون بغير هديي، ويستنون بغير سـنتي قال: تعرف منهم، وتنكر) قلـت: فهل بعد هذا الخير-يعني الذي فيه دخن - من شر؟ قال: (دعاةٌ على أبواب جهنــــم ، من أجابهم إليها قذفوه فيها). قلـت: فصفهم لنا يا رسول الله! قال:( هـــم من بني جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا). قلـت: فما تأمروني إن أدركني ذلك؟ قال )تلــــــزم جماعـــــة المـــسلـمين وإمــــامهم(. قلـت: فإن لم يكن لهم جماعة، ولا إمام ؟ قال( تـــعــتزل تلك الفـرق كلها، ولو أن تعضَّ على أصل شجرة حتى يدركك الموت ، وأنت على ذلك ).
فـبضمـيـمة هذه الأحاديث وما في معناها وهو متواترٌ عن النبي صلى الله عليه وسلم، تواتراً معنوياً يـوجـب العلم والعمل- يستخلص طالب الحق والسنة ما يأتي :
أولاً: وجوب الحذر من البدع وأهلها، مع شدة النكير والنُـفرة.
ثانياً: ليست الكثرة دليلاً على الحق، كما أن القلة ليست دليلاً على عدم الحق. بل العبرة بإصابة الحق .
ثالثاً: الحكم على أكثر الأمة بأنه هالك: ولهذا حكم صلى الله عليه وسلم على الثنتين والسبعين فرقة بأنها هالكة؛ قال{في النار} وهذا في حديث الافتراق .
فقوله ) في النار( هو من أحاديث الوعيد، وقوله) وستفترق هذه الأمة على ثلاثٍ وسبعين فرقة- ثم قال- إلاواحدة( هذا دليل على الحذر من أهل البدع، وأنه هو الأصل .
رابعاً: أن جماعة الحق واحدة: وليست متعددة، وهي التي فسرها النبي صلى الله عليه وسلم، وفسرها ابن مسعود - رضي الله عنه- .
خامساً: لزوم هذه الجماعة وإمامها - إذا وجدت - وهي موجودة ما تخلو الأرض منهم، لكن أحياناً ليس لها إمام؛ وهذا في آخر العصور - نسأل الله العافية والسلامة- في الفتن، وأحياناً لها إمام .
سادساً: إذا لم يوجد جـماعة ولا إمام:- وأنا طـامعٌ في أن يكون هـذا نسـبي، أطـمع أن يكون نسـبياً، ولا أحكم على الله ولا على رسوله- لكني أطمع- ويحفزني على هذا الطمع قوله صلى الله عليه وسلم : لا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة.
فأهل الحق لا تخلو الأرض منهم أبـداً؛ هذا وعد الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم .
لكن قد لا يكون لها إمام ، فالعلاج ما هو؟
العزلة اعتزال جميع الأمواج المتلاطمة جميع الفرق الضالة المتلاطمة، والنـجاة بنفـسـك - تعتزل تلك الفرق كلها- وقد يكون مع بعضها شيء من الحق . لكن ما دامت القضية قضية : تلاطم وتناحر وتصادم وتشاجر وتخاصم وحرب وليس هناك إمام ينحاز إليه، فإنه ينجـو بنفسه. هذا من ســنة النبي صلى الله عليه وسلم. والأحاديث في هذا كثيرة .
وأما من سيرة السـلـف الصـالح القولية : فإن النقل عنهم - رضي الله عنهم ورحمهم - متواتر.من ذلكم قول الفاروق- رضي الله عنه- ) إيـاكم وأهلَ الـرأي- أعداء السنن- أعيتهم أحاديث رسول الله صلى الله عليهوسلم أن يحفظوها، فقالوا بالــرأي فضلوا وأضلوا( . وروى اللألكائي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: )والله ما أظن أن أحداً أحـبَّ إلى الشيطان هلاكاً مني اليوم، فقيل وكيف؟ قال: تحدث البدعة في المشرق أوالمغرب، فيحملها الرجل إلي، فإذا انتهت إلي قمـعتها بالسـنة، فـتُردُّ عليه( .
وروي عنه- رضي الله عنه ( يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء؛ أقول لكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون قال أبوبكر وعمر!! ). ومَـن ذانكم الرجلان؟! صدِّيق الأمة وإمامها بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، والآخر كذلك: الإمام الثاني من البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهما على رأس من شهد لهم رسول صلى الله عليه وسلم بالجـنة ، وعلى رأس من مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضي . وقال الشعبي- رحمه الله)إيـاكم والمقايسة؛ فوالذي نفسي بيده لإن أخذتم بالقياس لتحلُّن الحرام، ولتحرمنَّ الحلال، فمابلغكم عن أصحاب محمداً صلى الله عليه وسلم فخذوه- أو قال- فخذوا به( وقال أيوب السِّختياني- رحمه الله- قال لي أبو قِلابة) يا أيوب احفـظ عني أربعة:- لا تقل في القرءان برأيك، وإياك والقدر، وإذاذُكر أصحاب محمدٍ صلى الله عليه وسلم فأمسك، ولا تمـكِّن أهل الأهواء من سمعك فينـبُذوا فيه ما شاءوا-أو قال- يقـرِّوا فيه ما شاءوا( وروي عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله أنه كان رجلٌ من أهل الأهـــواء يسير خلفه، ويقول: يا أبى عبد الله ناظرني!، يا أبى عبد الله ناظرني! - كلمة، يا أبى عبد الله اسمع مني كلمة - وهو يشير بيده، يقول) لا، ولا نصـف كلـمة( قال: يا أبى عبد الله ناظرني! فإن غلبتني تبعتك! وإن غلبتك تبعتني!- وكان الإمام - رحمة الله عليه- محنكاً، فطناً ملهَما ً- فلتفت إليه وقال:" وإن جاء ثالثٌ فغلبنا؟ قال: نتبعه! قال: اذهب؛ فأنت تتنقل بيد كل واحد! كما يقول العوام عندنا: مِن يدي نشيط، في يدي نشيط، هذه عندكم يا أهل المغرب؟ عندنا مَـثل يقول: من يدي نشيط في يدي نشيط - يعني ما يستقر، مع كل واحد يمشي- .
وقال الـمُفضَّل بن مهلهل: - رحمه الله – (لـو كان صاحب البدعة يحدثك في أول مجلسه - أو قال - في أول أمره ببدعته لحذرته ونفرت منه ولكن! يحدثك في بِدوِّ مجلسه بالسنة، ثم يُـدخل عليك من بدعته، فلعلها تلزم قلبك، فمـتى تفارق قلبك؟ ).
سمعتم! أهل البـدع مكرة عفاريت نفاريت، يعرفون كيف يتصيدون من قلَّ فقهه؛ من الأغرار الذين لم يكن عندهم فقه يحصِّنهم من أهل البدع والمحدثات. وقال مصعب ابن سعد - رحمه الله -)لا تجالس مفتونا؛ًفإنه لـن يخطئك منه إحدى اثنتين؛ إما أن يفتنك فتتبعه، أو يؤذيك قبل أن تفارقه( .
فبان بهذا النقل، والتقرير، الذي بدأناه بنصوص نبـينا صلى الله عليه وسلم، وثـنَّـينا فيه بأقــوال أئـمة من أهل السنة أن الأصل في المبتدعة هو:- ( الـمــفــاصــلــة )؛ مة أهل السنة لهم، وحذَرهم منهم .
أما الشطر الأول من السؤال : الغلو في الجرح . الشدة انتهينا منها. لكن الغلو في الجرح .أقول:- لا يغلو سني في الجرح- أبـداً - لأن هذا دين يَدين الله به. ولكن نحن نسمع ما بين الفينة والفينة هذه الكلمة تردد.
فالســني يدين الله سبحانه وتعالى بالجرح؛ إذ هو عنده دين يَدينُ اللهَ به، فيذبُّ به عن السنة وأهلها. كما أن " التعديل" كذلك دين ، ولهذا فأن: أهل السنة- أعني الأئمة- حريصـون على أن لا يجرحوا أحداً ببدعة، فضلاً عن كفر، إلا وعندهم من البينات ما يشهد لهم. ولكن أهل الأهواء يفسرون هذا غلواً! فما دام الدليل قد قام واضحاً على أن فلاناً من الناس مبتدع ضال منحرف، فكيف يفسر هذا غلواً؟! وأهل السنة متقرر عندهم أنهم لا يبدِّعون أحداً فضلاً عن تكفيره حتى تقوم عليه الحجة الرسالية؛ وهم كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه - رحمه الله - )أهل السـنة أعرف الناس بالحق، وأرحمهم بالخلق (.
لكن أهل الأهواء لا يقر لهم قرار ولا تنام لهم جفون، ولا تنشرح لهم صدور، ولا تطمئن لهم قلوب بالجرح .
" لأن أئمة السنة وعلماء السنة وأهل السنة يبغــــــضون أهل البدع؛ فإذا كُشف لهم عن رجلٍ بأنه مبتدع قوِي البغض في نفوسهم، وقوي الحذر، فحذروه، وإن كانوا من قبل يحسنون به الظن، وهذا لا يرضي أهل الأهواء ". نعم قد يكون من بعض أهل السنة شيء من القسوة؛ لما يراه هو أن الأمر يستدعي القسوة، والآخَر وإن كان لا يخالفه في أصل المسألة، ولكنه يستعمل أحياناً عبارات لينة، وهذا ليس محل خلاف .
وإذا سلمنا على ما ورد في السؤال- من حكاية- لقول بعض أهل الأهواء أن بعض أهل السنة يغلو في الجرح! أقـــول :- من قديم وجِد من أهل السنة من هو " قــوي، وليس غالـياً " حرصاً على حماية الســنة، وشدةً في الذب عنها وعن أهلها، وما لامه الآخرون، وما قالوا إنه متفرق . وعلى سبيل المثال : يقولون:-
من وثــَّقه شُـعبة فحسبك به، ومن جــرَّحه يُـنظر في جـرحه، ولم يُـتهم شـعبة - رحمه الله - بأنه غالٍ متشدد؛ شدة في غير محلها. ولم أعلم أحداً حتى الساعة؛ رجلاً متمكناً في الســنة خالطت بشاشــتها قلبه حذر من شعبة، ووشى به عند غيره من أهل السنة.

رد مع اقتباس