عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 19 Aug 2019, 01:39 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي



بسم الله الرّحمن الرّحيم



للاستماع:

وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ/بشرح الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله



قد عرفنا في المشاركة السّابقة الفرق بين هداية الدّلالة التي تعني تبليغ الرسول لدين الله ودعوة النّاس إليه، وتعريفهم به وبأحكامه، سعيًّا -بمشيئة الله- لتحقيق هداية التّوفيق التي هي من خصائص الربّ المعبود سبحانه وتعالى، والّتي تعني: تسديد العبد وتوجيهه إلى الطّريق المستقيم. وشرح الصّدور بالرغبة في اعتناق دين الله القويم، حيث قال الله تعالى:"أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ..."

وهاهنا أدلّة تثبت الفرق بين هداية الدّلالة وهداية التّوفيق، وهي أدلّة في آيات وأحاديث، يتبسّط فهم معناها، إذا تدبّرها العبد، وركّز في سياق الجملة التي جاءت للاحتجاج بها، في مواضع توضّح ما يذهب إليه الدّاعي إليها.
فمثلاً الآية التي يقول فيها الله سبحانه وتعالى: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، تبيّن أنّ هداية التّوفيق والتّسديد من الله سبحانه، وهو الهادي إلى طريق مستقيم.
أمّا الرّسل (عليهم الصّلاة والسّلام) وأتباعهم، يقول الله تعالى فيهم: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، وهي آية يخاطب فيها الله سبحانه نبيّه محمّد صلى الله عليه وسلم، ويبيّن أنّ على الرُّسُل البلاغ المبين للحقّ والطّريق المستقيم، وهذا الذي يعني: هداية الدّلالة والبيان، ودعوة النّاس إلى الإسلام وأحكامه السّمحاء.

يقول الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية:

[ وقوله: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: وإنّك يا محمد لَتَهْدِي إلى صراط مستقيم، عبادنا, بـالدعاء إلى الله, والبيان لهم.
كما حدثنا بشر, قال: ثنا يزيد, قال: ثنا سعيد, عن قتادة, قوله: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال تبارك وتعالى: (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ) داع يدعوهم إلى الله عز وجل.

حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: ثنا ابن ثور, عن معمر, عن قتادة (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) قال: لكلّ قوم هاد.
حدثنا محمد, قال: ثنا أحمد, قال: ثنا أسباط, عن السديّ: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) يقول: تدعو إلى دين مستقيم.
يقول جلّ ثناؤه: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ), وهو الإسلام, طريق الله الذي دعا إليه عباده.].انتهـ.

ويفسّر الآية بأبسط الكلمات الشيخ السعدي رحمه الله، في قوله:

[{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} أي: تبيّنه لهم وتوضّحه، وتنيره وترغّبهم فيه، وتنهاهم عن ضدّه، وترهّبهم منه، ثم فسّر الصّراط المستقيم فقال: {صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ}.] انتهـ.

والآية الثانية التي يقول الله عزّوجلّ فيها: (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ)، يفسّرها الشيخ السعدي رحمه الله بقوله:
[ أي: تبليغكم البيّن الّذي لا يُبْقي لأحدٍ شَكًا ولا شُبْهَة، وقد فعل صلى الله عليه وسلم، بلّغ البلاغ المبين، وإنّما الذي يحاسبكم ويجازيكم هو الله تعالى، فالرّسول ليس له من الأمر شيء، وقد قام بوظيفته.] انتهـ.

وقد ذكر الله سبحانه قبل آية تبليغ الرّسول، تنبيهًا مهمًّا يوضّح سبب الهداية والتّوفيق إلى الطريق المستقيم، هو طاعة الرّسول، في قوله تعالى: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا). أي إن تقبلوا دعوته وتذعنوا إليه (تَهْتَدُوا).

قال الشيخ السعدي رحمه الله، مفسّرا للآية:

[{وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} إلى الصراط المستقيم، قولا وعملا، فلا سبيل لكم إلى الهداية إلاّ بطاعته، وبدون ذلك، لا يمكن، بل هو محال.]انتهـ كلامه رحمه الله

والنّفوس قد جبلها الله سبحانه بقدرة تقبّل الحقّ. قال الله تعالى:"وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)"

قال الإمام البغوي رحمه الله في تفسير الآية:

(فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) قال ابن عباس في رواية علي بن أبي طلحة : بيّن لها الخير والشرّ . وقال في رواية عطية: علّمها الطاعة والمعصية ، وروى الكلبي عن أبي صالح عنه: عرّفها ما تأتي من الخير وما تتّقي [ من الشرّ ].

وقال سعيد بن جبير: ألزمها فجورها وتقواها . قال ابن زيد : جعل فيها ذلك، يعني بتوفيقه إيّاها للتقوى ، وخذلانه إيّاها للفجور . واختار الزجاج هذا ، وحمل الإلهام على التّوفيق والخذلان، وهذا يبيّن أنّ الله - عزّ وجل - خلق في المؤمن التّقوى وفي الكافر الفجور.] انتهـ كلامه رحمه الله

وهذه الآيات كلّها توضّح الفرق بين هداية الدّلالة والتّبليغ والبيان، التي يقوم بها الرّسل عليهم السّلام وأتباعهم، وبين هداية التّوفيق والهام الرُّشد وشرح الصّدور للإيمان والإسلام، والتي هي من الله سبحانه، وهو أعلم بالمهتدين. وبمَن يستحقّ أن يكون من أهل الصّراط المستقيم. وهو خالقهم ويعلم ما تكنّ صدورهم وما يعلنون.

وقد دلّنا الله سبحانه على سُبُل الهداية وأسبابها، وأهمّها: أن يدعو العبد ربّه ويسأله الهداية والسّداد.
والدّعاء: الصّلة القويّة التي تربط العبد بربّه، يلجأ إليه، في كلّ ما أهمّه. وما يهمّه أكثر من أن يطلب منه أن يلهمه رشده، وأن يعينه على معرفة الحقّ والمنهج القويم الذي به يسلك طريق الجنّة ورضا الله الربّ الرّحيم.



وقد أوصى نبيّنا محمّد صلى الله عليه وسلم عليًّا من العشرة الصّحابة (رضوان الله عليهم أجمعين) المبشّرين بالجنّة، أن يسأل الله الهداية والتّسديد.

روى الإمام مسلم في كتابه الصحيح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قُل: اللَّهُمَّ اهْدِنِي وسَدِّدْنِي. واذْكُرْ بالهِدَايَةِ هِدَايَةَ الطَّرِيقِ، وبِالسَّدَادِ سَدَادَ السَّهْمِ)).

وفي رواية قال: ((قُل: اللَّهُمَّ إِنّـِي أسألك الهُدَى والسَّدَاد)).

ولزيادة الفائدة حول فقه الحديث، يمكن الاطّلاع عليه هنا:



شرح دعاء: اللَّهُمَّ اهْدِنِي وسَدِّدْنِي

و في آخر (بحثي) هذا، والحمدلله ربّ العالمين، وليس هو الكلام الأخير، إن شاء الله، في نقل درر العلماء حول: مسألة الهداية، والفرق بين هداية الدّلالة وهداية التّوفيق. أنقل لكم كلام جميل لفضيلة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله حول: الهداية.



قال الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله:

" ...وهكذا طلب الهداية، تطلب من ربّك الهداية، فأنت في حاجة إلى الهداية ولو كنت أتقى الناس ولو كنت أعلم الناس، أنت في حاجة إلى الهداية حتى تموت.
ولهذا علّمنا سبحانه في الفاتحة أن نقول في كل ركعة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}، في اليوم والليلة سبع عشرة مرة في الفريضة غير النافلة: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}
وكان النبي وهو أعلم الناس وأكمل الناس هداية عليه الصلاة والسلام ومع هذا يقول في استفتاحه في الصلاة :
(اللهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكائِيلَ وَإسْرَافِيلَ، فَاطِرَ السَّماوَاتِ وَالأرْض، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَة، أَنْتَ تَحْكُمْ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيما كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ. اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإذْنِكَ، إنّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم)
يطلب من ربّه الهداية وهو سيّد ولد آدم قد هداه الله وأعطاه كل خير، ومع هذا يطلب من ربّه الهداية.

فإنّنا كلّنا في حاجة إلى الهداية، العالم والمتعلّم والعامّة والخاصّة والرجال والنّساء. كلّنا في حاجة إلى الهداية " اهـ.

[مجموع الفتاوى والمقالات:7/158]


الصور المرفقة
نوع الملف: jpg حاجة العبد إلى ربّه للثّبات.jpg‏ (108.1 كيلوبايت, المشاهدات 8281)
نوع الملف: jpg إن هذا القرآن يهدي.jpg‏ (40.3 كيلوبايت, المشاهدات 6359)
نوع الملف: jpg اللهم اهدني وسددني.jpg‏ (374.9 كيلوبايت, المشاهدات 4804)
رد مع اقتباس