عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19 May 2014, 03:27 PM
أبو البراء
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي النكت الكاسرة لبهرج الفرقة الجائرة (نقد تشغيبات بدر الدين مناصرة)

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم



الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتَّبع هداه



النُّكت الكاسرة لبهرج العُصبة الجائرة


(نقد تشغيبات بدر الدِّين مناصرة)

الإغراب الَّذي يُبتلى به بعضُ النَّاس ويختاره آخرون طريقًا للظُّهور وسلَّمًا للعبور، هو حال من أعرض لكلامه هنا وأشباهه، إذ ليس كلامهم في العلم والدِّين ناشئًا عن علم ورويَّة ومجالسة للكبار، ولكنَّه بأصدق وصف: «خرجة» يخرج بها الواحد منهم على حين غفلة من النَّاصحين.


من هؤلاء المتسلِّقين صاحب الحمَّامات الَّذي لهج بالوقيعة في أهل السنَّة من مشايخ وعلماء تحت غطاء الغيرة على التَّوحيد والذبِّ عن حياض العقيدة، وما هو إلا أسوة غيره من الطَّاعنين في أعراض الخيِّرين: مغرور يتعلَّق من الكلام بنتف لا يعي مقاصدها ولا يحسن تنزيلها على مواقعها.


فالرَّجل على التَّحقيق لم يجئ بما يصلح أن يُتشاغل به، ومع ذلك فلا يليق تركه بغير جواب إيضاحًا للسَّبيل وإنارة للمحجَّة له ولمن انخدع بزخارفه، ولهذا اخترت سبيلًا وسطًا بين التَّشاغل به وبين تركه جملةً، وذلك: نكتٌ منبِّهة إلى سوء فهمه وكامن الزَّلل في رأيه واختياره، وإذا أراد الله هدايته سلك به السَّبيل.
(1)

نكتـة

(دعوة التَّوحيد)

تشغيب هذا المشغِّب ومن على شَكْله على أهل السنَّة يكاد يكون منحصرًا في مسألتين:
تكفير المعيَّن.
والعذر بالجهل.
وهو بهذا يرى نفسه ويرى له المخدوعون من حوله أنَّه داعية إلى التَّوحيد ناصرٌ له، والحقيقة أنَّ الدَّعوة إلى التَّوحيد ليست موقوفة على تكفير المعيَّن، أو عدم عذر الجاهل، بل الدَّعوة إلى التَّوحيد هي بيانه للنَّاس وتفصيله وتوضيحه وشرحه على ما جاءت به نصوص الكتاب والسنَّة، وتعظيمه في قلوب النَّاس، وتحذيرهم بالبيان المفصَّل الشَّافي ممَّا ينقضه أو يقدح في كماله الواجب أو المستحبّ، وإزاحة الشُّبه عنه، ومجادلة المخالفين بالحجَّة والبرهان، على هذا الطَّريق كان أئمَّة الإسلام الدَّاعون إلى توحيد الله وعبادته، وفي ذلك كانوا يَجهَدون، وفيه يدرِّسون ويصنِّفون.


أمَّا هؤلاء الخالفون فالدَّعوة إلى التَّوحيد ليست عندهم إلَّا تكفير المعيَّن وعدم العذر بالجهل، ولهذا لا يُعرف لهم قدمٌ في شرح التَّوحيد وتدريسه للنَّاس والتـَّأليف في مسائله.
وعلى هذا فهذا الرَّجل إنَّما هو مشغِّب على دعاة التَّوحيد، المعروفون بشرحه وتوضيحه وبيانه للنَّاس، وهو من الدَّعوة إليه بمعزل.


(2)

نكتـة ثانية

هذا الرَّجل وأمثاله يظهرون الرَّفع من شأن أئمَّة الدَّعوة النَّجدية، وتعظيمَهم والرُّجوعَ إلى كلامهم في التَّوحيد ومتعلِّقاته، وأئمَّة الدَّعوة رحمهم الله أهلٌ لذلك، فقد رفع الله بهم رايات التَّوحيد وقمع بهم الشِّرك ودعاته، ما تركوا ممَّا يُثار على السنَّة والتَّوحيد من شبهة ولا تلبيس ملبِّسٍ إلا قاموا فيها بالبيان والتَّوضيح الشَّافي بصرائح الكتاب والسنَّة وفهوم سلف الأمَّة وأئمتها.


وممَّا بيَّنوه حالُ أمثال صاحب الحمَّامات ممَّن لم يفقه التَّوحيد على أصول أهل السنَّة والجماعة ولم يأخذه عن أكابر علمائه وأنصاره، ولكن يجد الواحد منهم بين يديه مادَّة علميَّة وكتبًا وكلامًا، غير أنَّه لا يحسن أن يستنبط العلم من معادنه، ولا أن يأخذه من مظانِّه فلا يفهم الكلام على وجهه، فإذا أراد أن يستغني بتلك الكتب ضلَّ من قِبَلها وقد طلب الهدى منها، ومن كلامهم في ذلك ما قال الشَّيخ عبد اللَّطيف بن عبد الرَّحمن بن حسن آل الشَّيخ رحمه الله في ردِّه على ابن جرجيس المسمَّى «تحفة الطَّالب والجليس» قال (ص68): «والخطاب مع ذكيِّ النَّفس، قويِّ الهمَّة، رفيع القدر، العارف بأخذ العلم واستنباطه وأمَّا وضيع النَّفس، ضعيف الهمَّة، خسيس القدر، الجاهل بأخذ العلم من معدنه ومظانِّه فليس الكلام معه، ومثله لا يزداد بكثرة الكتب والأقوال إلَّا شكًّا وحيرة»، وقال أيضًا (ص69): «ولكنَّه وجد مادَّة وكتبًا شتَّت فهمه، أراد الاستغناء بها فلم تزده إلَّا جهلا وعمى».



أقول: وهذا حال صاحب الحمَّامات في دعواه العريضة وقصوره الظَّاهر، وجد كلامًا وكتبا لم يفهم مآخذها ولا أحسن الاستفادة منها فقذفته في أودية من الباطل وشعب من الضَّلال حملته على تضليل أهل العلم والسنَّة بل حام حول تكفير بعضهم ـ وسيأتي البيان ـ والله المستعان.


(3)

نكتـة ثالثة

(الحمَّامي واقع فيما يقول إنَّه محرَّم بالإجماع)

صاحب الحمَّامات يدين بتحريم التَّقليد في مسائل العقيدة، بل يقول إنَّه مجمع على تحريمه كما في مقاله المختصر: «جاءك النَّذير..»، ومع ذلك فكلامه في هذه المسائل العظيمة أكثره تقليد لغيره، وخذ مثلًا كتابه في مسألة تكفير المعيَّن، فقد ألَّف فيها رسالته: «متى يكفر الشَّخص المعين؟» لو تأملتها لوجدتها حشوًا من النُّقول، لا يعتني فيها بتقرير ما دلَّت عليه النُّصوص إلَّا قليلًا، وحقُّ مثل هذا أن ينكمش ويتفرغ لتعلُّم مدلولات الكتاب والسنَّة وتحصيل آلة النَّظر فيهما، لا أن يشتغل بتكفير النَّاس وتضليل مخالفيه ورميهم بالبهت، ونبزهم بالإرجاء والتجهُّم، كلُّ ذلك بأقوالٍ لا يدري مآخذها ولا مراميها فينزِّلُها على غير مواقعها.
فمباحث كتابه هذا حتى آخر مبحث منه كلُّها نقولٌ مجرَّدة لا يكاد يزيد على: قال فلان وقال فلان، ليس فيها استدلال بآية ولا حديث ولا عناية بمقتضيات النُّصوص ودلالاتها، وهو بهذا في أبعد واد عن سبيل أهل العلم والتَّحقيق، إذ سبيلهم كما هو معلوم من حالهم أن يحرِّروا المسائل من أدلَّتها ويستشهدوا من أقوال أهل العلم والإيمان ما يوقف النَّاظر على أنَّهم موافقون لأئمَّة الإسلام في الفهم لم ينفردوا عنهم برأي أو يشِذُّوا دونهم بقول.


وما أحسن ما قال الشَّيخ إسحاق بن عبد الرَّحمن بن حسن رحمه الله في رسالته «حكم تكفير المعيَّن» (ص8- 9): «وممَّا هو معلوم بالاضطرار من دين الإسلام أنَّ المرجع في مسائل أصول الدِّين إلى الكتاب والسنَّة وإجماع الأمَّة المعتبر، وهو ما كان عليه الصَّحابة، وليس المرجع إلى عالم بعينه في ذلك، فمن تقرَّر عنده هذا الأصل تقريرًا لا يدفعه شبهة، وأخذ بشراشير قلبه هان عليه ما قد يراه من الكلام المشتبه في بعض مصنَّفات أئمَّته، إذ لا معصوم إلَّا النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم».


هذا إذا كان يعتمد على إمام معيَّن من أئمَّة الدِّين المشهود لهم بالإمامة فيه فيقلِّده، فكيف بالحمَّامي الَّذي قصر عن تتبُّع كلام العلماء وتحرير مذاهبهم حتى إنَّه في مسألة عظيمة كمسألة تكفير المعيَّن ـ الَّتي لو وُزنت بالدُّنيا لوزنتها ـ أعلى ما عنده فيها مقالٌ نُشر في «شبكة الألوكة» لعادل المرشدي، فاسمع إليه وهو يقول في كتابه هذا تحت عنوان: «كيف نفرق بين المسائل الظاهرة والخفيَّة» (ص16): «أحسن من وضَّح المسائل الظَّاهرة والخفية في ظني هو عادل المرشدي ـ وفقه الله ـ» ثم نقل عنه نقلًا طويلًا إلى (ص30).

أهكذا هو التَّحقيق؟! جعجعةٌ وطحين نهايتها تقليد المرشدي!

يا ضيعة مسائل التَّوحيد والعقيدة إن كان قصارى التَّحقيق وحسن البيان عندك فيها مثل هذا.



(4)

نكتـة رابعة

(الحمَّامي يعتمد من النُّقول على ما لا يفهم فحواه ولا يحقِّق معناه)

تقدَّم أنَّ صاحب الحمَّامات قلَّد في مسألة الفرق بين المسائل الظَّاهرة والخفيَّة في «تكفير المعيَّن» المرشدي، وأنا ذاكرٌ خلاصة ما حرَّره المرشدي ليقف عليه من يريد أن يعرف نهاية تحصيل القوم:


فخلاصة تقرير المرشدي: الفرق بين نوعين من المسائل الظَّاهرة المعلومة من الدِّين بالضَّرورة.
نوعٌ يعلم بالضَّرورة لمن علم معنى الشَّهادة عدمُ اجتماع فعلها مع حقيقة الإسلام، ولا تتوقَّف معرفتها على بلوغ الحجَّة من الشَّرع، فمن خالف في شيء من هذه المسائل فهو كافرٌ بلَغَته الحجَّة أم لا.
ومن هذا النَّوع عبادة القبور والاستغاثة بأصحابها.

النَّوع الثَّاني: ما كانت معرفتها تتوقَّف على بلوغ الحجَّة من الشَّرع،إلَّا أنَّها من أحكامه المتواترة المعلومة بالضَّرورة لمن كان في بلد يظهر فيها الإسلام، كحرمة شرب الخمر والزنا، فهؤلاء محكومٌ بإسلامهم حتى تقوم عليهم الحجَّة.

بهذا التَّفصيل يرتفع عند المرشدي الخلاف بين أهل العلم في المسألة وتتَّحدُ أقوالهم.

بقي عليه إشكالٌ في إطلاق بعض أهل العلم نفي التَّكفير قبل قيام الحجَّة في مسائل هي عنده من القسم الأوَّل الَّذي يكفر صاحبه بمجرَّد مواقعتها، ففرَّق ـ من أجل رفع الإشكال عن كلام أهل العلم ـ بين (الكفر في الظَّاهر)، و(الكفر في الظَّاهر والباطن)، وحمل كلام هؤلاء على أنَّهم لا يكفِّرونه ظاهرًا وباطنًا، ولا ينفي ذلك أنَّهم يكفرونه في الظَّاهر فتجري عليه أحكام الكفر دون عقوبات الدُّنيا والآخرة.

هذه هي خلاصة بحث المرشدي الَّذي هو أحسن من وضَّح المسألة في نظر الحمَّامي.

والنُّكتة الَّتي أردت أن أنبِّه عليها ليست مناقشة المرشدي فيما ذهب إليه، فذلك مقامٌ آخر غير هذا، ولكن هي أن أسأل الحمَّامي ـ وقد نقل كلام المرشدي وقرَّره ـ سؤالين اثنين:

الأوَّل: أنَّ سرَّ الفرق بين المسألتين (ما تشترط فيه الحجَّة وما لا) هو أنَّ بعضها يتوقَّف على بلوغ الحجَّة، وبعضها لا يتوقَّف على بلوغ الحجَّة، بل يفهمه المسلم بمجرَّد علمه بمقتضى شهادة التَّوحيد.

فصار الفرق بين ما تُشترط له الحجَّة وما لا تُشترط له هو أنَّ بعضها يتوقَّف على بلوغ الحجَّة وبعضها لا يتوقَّف على بلوغها، فما لا يتوقَّف على بلوغ الحجَّة لا يُشترط له إقامة الحجَّة، وما يتوقَّف على بلوغ الحجَّة يُشترط له بلوغ الحجَّة.

فبالله! أيُّ فرق حصل من هذا إلَّا أنَّه فسَّر الشَّيء بنفسه وأداره على ذاته؟!

قد تقول: ما لا يتوقَّف على الحجَّة يفهمه الإنسان بمجرَّد علمه بمقتضى الشَّهادة.

فأقول: إذن فالحجَّة هي علمُه بمقتضى الشَّهادتين، فقد رجعتم إلى اشتراط الحجَّة من حيث لا تشعرون.

وتمام هذا بالسُّؤال الثَّاني:
فيقال: هذه المسائل الَّتي لا تتوقَّف معرفتها على بلوغ الحجَّة من الشَّرع، أتُراها قامت عليه الحجَّة بالعقل والفهم إذْ كانت بغير الشَّرع؟ فإن كانت كذلك فبيِّن لنا ـ رحمك الله ـ ما الفرق بين هذا القول وبين قول المعتزلة في ثبوت التَّكليف بالعقل؟ وأراك لن تجد إلى الفرق سبيلًا، فما أنت إلَّا مقلِّد ينقل ما لا يفهم.

فإن قلت: إنَّ الحجَّة قامت عليه بالرِّسالة ونزول القرآن ومعرفة مقتضى الشَّهادة فقد رجعت إلى قول الكافَّة وأنَّه يُشترط لتكفير المعيَّن أن تبلغه الحجَّة الَّتي يكفر مثلُه بتركها.

وكلمة: «يكفر مثله بتركها» لا بدَّ من الاستمساك بها لأنَّها سرُّ المسألة كما سيأتي في موضعه.




يتبع بالجولة الثَّانية، وأوَّلُها: (سرُّ مسألة العذر بالجهل)


التعديل الأخير تم بواسطة أبو البراء ; 19 May 2014 الساعة 04:04 PM
رد مع اقتباس