عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27 Jan 2017, 09:38 PM
أبو إكرام وليد فتحون أبو إكرام وليد فتحون غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 1,798
افتراضي حتى لا ننسى -01-|| آثـار الطـرق السيئـة فـي المسلميـن / من آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله .

بسم الله الرحمن الرحيم

حتى لا ننسى -01-||
آثـار الطـرق السيئـة فـي المسلميـن
من آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله .

خذ ما تراه ودع شيئًا سمعت به ...
ليعذرنا الشاعر الميت أو أنصاره من الأحياء إذا استعملنا مصراع بيته في ضد قصده. فهو يريد أن المشهود، أكمل من المفقود، ونحن نريد العكس.
فإن أبوا أن يعذرونا احتججنا بأن الشاعر المرحوم هو الذي جنى على مصراعه فقد أرسله مثلًا وهو يعلم أن الأمثال "كالكومينال" (1) ارث مشاع، وقصاع بين جياع، تتناهب وتتواهب.
ولم كل هذا الصراع. على مصراع.
وأمثال قومي في البلاد كثير؟ ...
ومع ذلك فلم يحضرني منها الآن إلا كل قبيح اللفظ، فأنا متمسك بحجتي في المصراع برغم أنف الشاعر ورغم أنوف أنصاره.

خذ ما تراه ودع شيئًا سمعت به.
والمقصود واضح، فإن قارئ هذا العنوان ربما تحلب ريقه طمعًا في أن ننقل له الغابر من الأخبار والمدون في الأسفار من هذه الآثار. فتقاضانا الكسل من جهة والحرص على تعجيل النفع له من أخرى أن نحيله على ما يراه مع مطلع كل شمس من هذه الآثار السيئة التي شتتت شمل المسلمين، وفرقت كلمتهم وفككت روابطهم، وتركتهم أضحوكة الأمم وسخرية الأجيال بعد أن أفسدت فطرتهم واقفرت نفوسهم من معاني الخير والرجولة. فإذا تأمل مليًا وجد في المشهود ما يغنيه عن التطلع للماضي المسموع واستفاد في آن واحد عبرة الحاضر وعظة المستقبل، وكفانا مؤونة الإفاضة والاستقصاء لأنه يعلم من الدراسة اليسيرة لهذا الحاضر المشهود أن كل ما يراه في المسلمين من جمود وغفلة، وتناكر وقعود عن الصالحات ومسارعة في المهلكات، فمرده إلى الطرق ومأتاه مباشرة أو بواسطة منها، فلا كانت هذه الطرق ولا كان من طرقها للناس.

ومن مكرها الكُبَّار أن تعمد إلى العلماء وهم ألسنة الإسلام المنافحة عنه فترميها بالشلل والخرس، وتصرفها في غير ما خلقت له. فقد ابتلت هذه الطرق علماء الأمة في القديم بوساوسها وأوهامها حتى سكتوا لها عن باطلها، ثم لم تكتف منهم بالسكوت بل تقاضتهم الاقرار لها والتنويه والتمجيد، وابتلتهم في الحديث بدريهماتها ولقمها حتى زادوا على السكوت والاقرار الاتباع والانتساب، والوقوف بالأعتاب.
حتى أصبحنا نرى العالم المؤلف يعرف نفسه للناس في صدر تأليفه بمثل قوله: فلان المالكي مذهبا الأشعري عقيدة التيجاني طريقة.
وفي وقتنا هذا بلغ الحال بالطرق أنها أذلت العلماء إذلالًا واستعبدتهم استعبادًا. ولم ترض منهم بما رضيه سلفها من سلفهم من حفظ الرسم واللقب وإبقاء السمة والمكانة بين العامة، بل أغرت العامة بتحقيرهم وإذلالهم.
...
وإذا كان الناظر في أحوال المسلمين ممن رزق ملكة التعليل وأراد إرجاع كل شيء إلى أصله الأصيل ومنبته الأول، فإنه لا يعسر عليه أن يرجع أمهات علل المسلمين الدينية والاجتماعية إلى هذه الطرقية الكاذبة الخاطئة، التي أصبحت من قرون فكرة تسود العالم الإسلامي وتتحكم في دينه ودنياه، وتتدخل في حياته وسياسته ثم تستحكم في طباعه، فإذا هو في غمرة من الذهول مطبقة أضاع معها آخرته ودنياه.

إن أعظم مصيبة أصابت المسلمين- وهي جفاؤهم للقرآن وحرمانهم من هديه وآدابه- منشؤها من الطرق. فهي التي غشَّت المسلمين لأول ما طاف بهم طائفها. وغشيتهم بهذه الروح الخبيثة روح التزهيد في القرآن. وكيف لا يزهد المسلمون في القرآن وكل ما فيه من فوائد وخيرات وبركات قد انتزعتها منه الطرق، وجردته منها ووضعته في أورادها المبتدعة، ورسومها المخترعة، ونحلته شيوخها ومقدميها وصعاليكها؟

ولماذا يعنِّي الناس أنفسهم في فهم القرآن وتدبره، وحمل النفس على التخلق بأخلاقه والوقوف عند حدوده، إذا كان كل ما يناله منه- مع هذا التعب- يجده في الطريق عفوًا بلا تعب وبلا سبب أو بأيسر سبب.
فإذا كان هذا القرآن يفيد معرفة الله- وهي أعلى مطلب- فالقوم عارفون بالله، وإن لم يدخلوا كتّابًا، ولم يقرأوا كتابًا.
وكل من ينتسب إليهم فهو عارف بالله بمجرد الانتساب أو بمجرد اللحظة من شيخه. وقد كان قدماؤهم يتخذون من مراحل التربية مدارج للوصول إلى معرفة الله فيما يزعمون وفي ذلك تطويل للمسافة وإشعار بأن المطلوب شاق.
حتى جاء الدجال ابن عليوه واتباعه بالخاطئة، فأدخلوا تنقيحات على الطريق ورسومًا أملاها عليهم الشيطان. وكان من تنقيحاتهم المضحكة تحديد مراحل التربية (الخلوية) لمعرفة الله بثلاثة أيام (فقط لا غير)، تتبعها أشهر أو أعوام في الانقطاع لخدمة الشيخ من سقي الشجر، ورعي البقر، وحصاد الزرع وبناء الدور مع الاعتراف باسم الفقير، والاقتصار على كل الشعير، ولئن سألتهم لم نزلتم مدة الخلوة إلى ثلاثة أيام؟ ليقولن فعلنا ذلك مراعاة لروح العصر الذي يتطلب السرعة في كل شيء، فقل لهم: قاتلكم الله. ولم نقصتم مدة الخلوة، ولم تنقصوا مدة الخدمة أيها الدجاجلة؟

وقد قرأنا كثيرًا من رسائلهم التي يتراسلون بها فإذا هم ملتزمون لصفة واحدة يصف بها بعضهم بعضًا، وهي صفة (العارف بالله) وأكثر الطرقيين سخاء في إعطاء هذا اللقب هم العليويلة. ونحن ... فقد عرفنا كثيرًا من هؤلاء (العارفين بالله) فلم نعرفهم إلّا حمرًا ناهقة.

فكيف تبقى للقرآن قيمة في نفوس الناس من هذه الناحية بعد هذا التضليل؟ وكيف لا يستحكم الجفاء بين الأمة وقرآنها مع هذا التدجيل والصد عن سواء السبيل؟
وإذا كان هذا القرآن متعبدًا بتلاوته اللفظية وهو ستون حزبًا فإن تلاوة انجيل التيجاني القصير وهو (صلاة الفاتح) مرة واحدة تعدل ستة آلاف ختمة من القرآن.

وإذا كان القرآن قد شرع الغزو وهو من أحمز الأعمال وأشقها، فإن تلاوة هذا الإنجيل التيجاني مرة واحدة تعدل آلاف الغزوات، وهي لا تقوم إلا على حركة اللسان من غير اقتحام للميدان، ولا تعرض للرمح والسنان.

وإذا كان القرآن يفرض الحج وفيه ما فيه من مصاعب ومتاعب، فإن انجيل التيجاني تعدل تلاوته آلاف المرات من الحج ومئات الآلاف من الصلاة كما هو منصوص في كتب التيجاني وكتب أصحابه.

فأي تعطيل للقرآن أعظم من هذا؟ وأي تهوين لشعائر الإسلام ونقض لحكمها أكبر من هذا؟ وأي تزيين للتفلت من تلك الشعائر يبلغ ما يبلغه هذا الكلام من مثل هذا الدجال؟
اللهم إننا نعلم بما علمتنا أن دين التيجاني غير دين محمد بن عبد الله. وأنت تعلم أي دين هو، فضعه حيث تعلم وعامله بما يستحق.
أما والله ما بلغ الوضاعون للحديث، ولا بلغت الجمعيات السرية ولا العلنية الكائدة للاسلام من هذا الدين عشر معشار ما بلغته منه هذه الطرق المشئومة.

فإذا خرجت من هذا الباب، باب التزهيد في القرآن مقتنعًا بما بينا لك من الأمثلة فقد خرجت بنتيجة، وهي أن هذه الهوة العميقة التي أصبحت حاجزة بين الأمة وقرآنها هي من صنع أيدي الطرقيين.
وانظر الآن إلى الطرق وإلى أهل الطرق بعد أن باعدوا بين الأمة الإسلامية وبين قرآنها، وخلا لهم وجهها، وخلت جنبات النفوس من الحارس اليقظ، ومكنوا فيها خلق الخوف منهم والرجاء فيهم والطاعة والخضوع لهم، وأصبحت مقاليد العامة والدهماء -وهم معظم الأمة المحمدية- في أيديهم. أنظر في أي سبيل صرفوها؟


إنهم بعد أن أفسدوا فطرتها وأماتوا ما غرسه الإسلام فيها من فضيلة، وفككوا كل ما أحكم بينها من روابط أخوة، وراضوها على الذل والمهانة والخضوع وسدوا عليها منافذ النور فاستقامت لهم على ذلك، فرقوها فرقًا وقسموها إلى مناطق نفوذ يتزاحمون على استغلالها واستعمارها، وأغروا بينها. العداوة والتضريب والبغضاء، وإنك لتسمعهم يقولون الاخوة والاخوان فاعلم أنهم لا يريدون أخوة الإسلام العامة ولا يرعون من حقوقها حقًا، وإنما يريدون أخوة الشيخ وأخوة الطريق. وكل ما يجب عليك من حق فهو لأخيك في الطريق أعاذك الله منها. وأن هذه الأخوة القاطعة تفرض عليهم أن يبغضوا كل من لم يتصل معهم بحبل الشيخ، وينابذوه ولا يجتمعوا معه ولو في العبادات الشرعية كالصلاة وقراءة القرآن، أو البدعية كحلقهم الخصوصية، بل يبلغ الغلو ببعضهم (كالتيجانية) أن لا يصلوا خلفه ولا يصاهروه. وتسمعهم يقولون الإحسان وهم لا يريدون الإحسان الذي دعا إليه القرآن. وعندهم أن حق الشيخ قبل حق الزوجة والأولاد والآباء والأجداد، وحق الشيخ في المال قبل حق الفقير والمسكين. بل إنهم يصرفون لهم الزكاة كاملة وينقلونها لأجلهم من بلد إلى بلد. فأين حكمة الله في الزكاة؟ وأين مصارفها التي بينها القرآن؟

لعمرك إن الطرقية في صميم حقيقتها احتكار لاستغلال المواهب والقوى، واستعمار بمعناه العصري الواسع، واستعباد بأفظع صوره ومظاهره.

يجري كل هذا والأشياخ أشياخ يقدس ميتهم وتشاد عليه القباب، وتساق إليه النذور، ويتمرغ بأعتابه، ويكتحل بترابه، وتلتمس منه الحاجات وتفيض عند قبره التوسلات والتضرعات، ويكون قبره فتنة بعد الممات كما كان شخصه فتنة في الحياة. ثم تتوالد الفتن فيكون اسمه فتنة، وأولاده فتنة، وداره فتنة وإذا هو مجموع فتون، تربو عدا على ما في مجموع المتون.

وما ضر هؤلاء الأشياخ- وقد دانت لهم الأمة وألقت إليهم يد الطاعة ومكنتهم من أعراضها وأموالها- أن يأخذوا أموالها سارقين، ثم يورثونها أولادًا لهم فاسقين، يبددونها في الخمور والفجور، والسيارات والملابس والقصور.
ما ضرهم أن تهزل الأمة إذا سمنوا؟ ما ضرهم إذا فسدت أخلاقها ما دام خلق البذل والطاعة لهم صحيحًا؟ ما ضرهم أن تتفرق كلمة الأمة ما دامت مجمعة على تعظيمهم واحترامهم، ومغضية على شرهم وإجرامهم؟
ولكن الذي يضيرهم ويقض مضاجعهم هو أن ترتفع كلمة حق بكشف مخازيهم وحيلهم الشيطانية، وتنفير الناس منهم وتحذيرهم من إفكهم وباطلهم؛ فهنالك تقوم قيامتهم وينادون بالويل والثبور، ويقاومون بما لا يخرج عن طريقتهم في التضليل ودس الدسائس، ويبلغ بهم الحال أن يتناسوا الفوارق الطرقية بينهم والمنافسات الاستعمارية والأحقاد القديمة، ويتصافحوا على (الزردة) (2) ويتقاسموا ولكن لا بأسماء أشياخهم، خشية أن تثور الثوائر الكامنة فيحبط ما صنعوا ... لأن هذه النقطة ليست محل تسليم.
فهلا اجتمعتم بالأمس أيها الكاذبون.
وهلا خيرًا من هذا وذاك وهو الرجوع إلى الحق.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
1) كلمة فرنسية ( communel)، ومعناها بلدي، نسبة إلى البلدية.
2) حفلة يقيمها الطرقيون، فيها رقص وجذب مختلط، ويتناولون فيها الطعام.


من آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله .
الشاملة : 169/1 الى 173/1


التعديل الأخير تم بواسطة أبو إكرام وليد فتحون ; 27 Jan 2017 الساعة 09:58 PM
رد مع اقتباس