عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09 Jul 2010, 02:36 PM
هشام بن حسن هشام بن حسن غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: الجزائر العاصمة
المشاركات: 270
إرسال رسالة عبر MSN إلى هشام بن حسن إرسال رسالة عبر Skype إلى هشام بن حسن
افتراضي الرد السلفي على المحرّف لكلام الإمام ابن أبي زيد القيرواني

الرد السلفي على المحرّف لكلام الإمام ابن أبي زيد القيرواني


بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله وصلى الله على محمد وآله وصحبه ، أما بعد :

من المعلوم لدى القاصي والداني أن الإمام ابن أبي زيد القيرواني المالكي ـ رحمه الله ـ ( 310- 386 ) كان حامل اعتقاد السلف والداعي إلى سلوك سبيلهم في القرن الرابع الهجري ، شأنه شأن كثير من الأئمة ممن تقدّموه أو تأخروا عنه ، كإمام أهل البصرة ابن خُوَيْزمَنْدَاد وأئمـة أهل الأندلس كابن أبي زمنين و الطلمنكي وابن عبد البر ، وغيرهم ـ رحمة الله على الجميع ـ .
ولا أدلّ على ذلك من جمل العقيدة السلفية التي سطّرها هذا الإمام الجليل في مقدمة كتابه : الرسالة ، ( وسأفرد إن شاء الله مقالا مفردا في التعريف بها وبشروحها ) وفي مقدمة كتابه الجامع ( وهذا أيضا سأكتب فيه مقالا آخر نعرّف به خصوصا وأنّ كثيرا من طلبة العلم لا يدرون عنه شيئا ) وكذا في ثنايا كتابه الكبير : النوادر والزيادات على ما في المدونة وغيرها من الأمّهات .
فمن العجيب الغريب ـ بعد هذا ـ أن يطلع علينا أناس يحرّفون كلام الإمام ابن أبي زيد بدواعي البحث أو التحقيق أو غير ذلكم من المآرب التي يُتوصل من خلالها إلى تصنيف الأئمة في خانة أهل الكلام والأهواء
ولنضرب على هذا بمثال فيه مثل هذا التحريف السيء لكلام الإمام ابن أبي زيد رحمه الله
وهذا المثال يتعلق بمسألة عظيمة من كبريات مسائل الاعتقاد التي باين بها أهل السنة غيرهم من أهل الأهواء والبدع ، وهي : استواء الله على عرشه ، حيث قرّر الإمام ابن أبي زيد هذه العقيدة السلفية ـ المجمع عليها عند الصحابة والتابعين والأئمة ـ في مواضع من كتبه ، منها قوله في مقدمة الرسالة (ص 56 ) : "وأنّه فوق عرشه المجيدِ بذاته "
فعبث بعض المعاصرين ـ غفر الله لهم ـ في هذا النص لهذا الإمام ، وذلك في ضبط حركة كلمة " المجيد " حيث ادّعى هؤلاء ـ تقليدا لأسلافهم كما حكى عنهم شيخ الإسلام ذلك في القاعدة المراكشية ص74 ـ أنه على الرفع ، وأن لفظة "بذاته "عائدة عليه لا على الاستواء على العرش ، وبين يدي طبعتان :
الأولى : طبعة دار الغرب الإسلامي لرسالة ابن أبي زيد مع شرحها غرر المقالة للمغراوي تحقيق الدكتور الهادي حمو ومحمد أبو الأجفان ص 76 .
الثانية : طبعة دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث لشرح القاضي عبد الوهاب لعقيدة الإمام ابن أبي زيد دراسة وتحقيق د. أحمد محمد نور سيف ص 171 ، و هذا الأخير ـ عفا الله عنه ـ أخذ يجادل على تصرفه في ضبط كلام ابن أبي زيد بحجج هي في الوهن مثل خيوط بيت العنكبوت ، وسأذكر ـ إن شاء الله ـ كلامه في ذلك ثم أعقبه بالرد المختصر غير المخل ، فأقول وبالله التوفيق :
- قوله :" هكذا يستقيم ضبط النص على أن المجيد خبر ثان لأن أو خبر لمبتدأ محذوف والجار والمجرور بذاته يتعلقان به لا بما تعلق من الظرف أي : فوق " , أقول : إن هذا احتمال لا يمكن بمجرده مخالفة الظاهر من السياق إلا بتكلف ، والظاهر أن "المجيد" صفة للعرش و"بذاته" راجعة على الاستواء عليه ، لأن الشيخ ابن أبي زيد في سياق الكلام على مسألة العلو والاستواء لا على اسم الله " المجيد " ، ولهذا بعد ذكره لاستواء الله بذاته على عرشه قال : " وهو في كل مكان بعلمه " فتبين أن سباق الكلام ولحاقه يدل على ما ذكرته لا على شيء آخر .
- قوله :" وقد قامت الأدلة على وجوب الرفع وهي : أن ابن أبي زيد على مذهب السلف في الأصول ... وهذه الكلمة بذاته لم تثبت عن أحد من السلف أنه قالها " أقول هذا مردود من وجهين :

الوجه الأول : أن الإمام ابن أبي زيد رحمه الله لم ينفرد بها بل قالها أئمة قبله وبعده ، وفيما يلي ذكر بعض من قالها من غير حصر ، مرتبا لهم على سنة الوفاة :
- المزني صاحب الشافعي ( ت 264 هـ ) : شرح السنة له ص 79 ( كما جاء في إحدى النسخ انظر تعليق د . جمال عزون هامش 1 ) .
- ابن جرير الطبري ( ت 310 هـ ) : الصواعق المرسلة ( ص 311 مختصره ) .
- محمد بن موهب تلميذ ابن أبي زيد وشارح رسالته ( ت 406 هـ ) : اجتماع الجيوش الإسلامية ص 188 والصواعق المرسلة ( ص 311 مختصره ) .
- يحيى بن عمار السجستاني ( ت 422 هـ ) : اجتماع الجيوش ص 279 , العلو للذهبي 2/ 1312.
- أبو عمر الطلنمكي ( ت 429 هـ ) : القاعدة المراكشية ص 77 ودرء تعارض العقل و النقل 6/ 250 كلاهما لشيخ الإسلام , الصواعق 4/ 1284 واجتماع الجيوش ص 142, العلو للذهبي 2/ 1315 .
- أبو نصر السجزي ( ت 444 هـ ) : الرد على من أنكر الحرف والصوت له ص 126 ، وقد ذكر في كتابه الإبانة اتفاق جمع من الأئمة على ذلك كما نقله عنه شيخ الإسلام في القاعدة المراكشية ص 77 ودرء التعارض 6/ 250 ، وابن القيم في الصواعق 4/ 1283- 1284 ، والذهبي في العلو 2/ 1321 وفي السير 17/ 656 .
- سعد الزنجاني ( ت 471 هـ ) : اجتماع الجيوش ص 197 .
- أبو إسماعيل الهروي ( ت 481 هـ ) : القاعدة المراكشية ص 76 , اجتماع الجيوش ص 279 , العلو 2/ 1351.
- أبو الحسن الكرجي ( ت 532 هـ ) : مجموع الفتاوى 3/ 223 , العلو 2/ 1361 , طبقات الشافعية لابن السبكي 6/ 141 ( ولكن ابن السبكي ـ عفا الله عنه ـ راح يكذب بالقصيدة التي نظمها الكرجي والتي فيها ذكر استواء الله على عرشه بذاته ، لأن في هذه القصيدة نفسها التصريح بإثبات الصفات كلها خلافا لمذهب المتكلمين ، ويرد على ابن السبكي إثبات كبار الأئمة ـ من الشافعية أنفسِهم ـ لهذه القصيدة للإمام الكرجي رحمه الله ) .
- إسماعيل التيمي الأصبهاني ( ت 535 هـ ) : الحجة في بيان المحجة له 2/ 107 .
- عبد القادر الجيلاني ( ت 561 هـ ) : اجتماع الجيوش ص 276 , العلو للذهبي 2/ 1291 .
- يحيى بن يوسف الصرصري الأنصاري ( ت 656 هـ ) : اجتماع الجيوش ص 316 .
وغير ذلك من الأقوال المأثورة عن أكابر الأئمة من فقهاء ومحدثين ، ومن شاء الاستزادة فليرجع إلى : كتاب العلو للذهبي 2/ 1290- 1291 , عقيدة السلف لابن أبي زيد تقديم د. بكر أبو زيد ص 25, ذيل المراكشية إعداد دغش العجمي ص 96 .

الوجه الثاني : أن الإمام ابن أبي زيد ـ رحمه الله ـ إنما استعمل هذه اللفظة ردا على من يزعم بأن استواء الله على عرشه معناه استيلاؤه عليه وليس استواء حقيقيا ، يقول تلميذه شارح الرسالة أبو بكر محمد بن موهب المالكي ما نصه : " وأما قوله أنه فوق عرشه المجيد بذاته ، فإن معنى فوق وعلا عند جميع العرب واحد , ثم ساق قوله تعالى : { أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور } [ سورة الملك الآية 16 ] قال أهل التأويل العالمون بلغة العرب يريد فوقها ، وهو قول مالك مما فهم عن جماعة ممن أدرك من التابعين مما فهموه عن الصحابة y مما فهموه عن النبي r أن الله في السماء بمعنى فوقها وعليها ، فلذلك قال الشيخ أبو محمد أنه فوق عرشه المجيد بذاته ، ثم إنه بيّن أن علوه على عرشه إنما هو بذاته لأنه بائن عن جميع خلقه بلا كيف وهو في مكان من الأمكنة المخلوقة بعلمه لا بذاته ..." نقله عنه الذهبي في العلو برقم 546 ( 2/ 1365- 1366 ) وابن القيم في اجتماع الجيوش ص 188- 187 والصواعق المرسلة ( ص311 مختصره) ، ولهذا تجد ابن أبي زيد يستعمل هذه اللفظة في مسألة الكلام فقال : " وأن الله U كلم موسى بذاته " ( الجامع ص 140 ) ، ولهذا أيضا نظائر عند السلف فقد قالوا ـ وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل ـ بأن القرآن كلام الله وزادوا عليه قولهم : " غير مخلوق " وهي لم تثبت عن النبي r أو عن الصحابة ولكن كما قال الإمام أحمد لما سُئل عن الواقفة ( وهم قوم يقولون : نحن نقتصر فقط على قولنا القرآن كلام الله ولا نقول مخلوق أو غير مخلوق ، وقد جعلهم الإمام أحمد شرا من الجهمية ) قيل له : لهم رخصة أن يقول الرجل كلام الله ثم يسكت قال ولم يسكت ؟ لولا ما وقع فيه الناس كان يسعه السكوت ، ولكن حيث تكلموا فيما تكلموا لأي شيء لا يتكلمون ؟ ( أخرجه أبو داود في مسائل الإمام أحمد برقم 1705 والآجري في الشريعة ( 1/ 527 ) برقم 187 والأصبهاني في الحجة 1/ 39 ) .
واستعمل بعض الأئمة أيضا لفظة "بذاته" في النزول الإلهي ( كنعيم بن حماد الخزاعي انظر التمهيد لابن عبد البر 7/ 144 والحافظ ابن منده ( انظر شرح حديث النزول ص 175) والحافظ كوتاه الأصبهاني (انظر السير للذهبي 20/ 330) فقالوا : ينزل بذاته ردا على من يتأوله بنزول الأمر أو الرحمة أو الملك , ولهذا قال الذهبي في ترجمة الحافظ أبي مسعود كوتاه الأصبهاني " فما قال هذا نزوله بذاته إلا إرغاما لمن تأوله وقال : نزوله إلى السماء العلم فقط " (السيـر 20/ 331 ) .
* ثم يقال أن إطلاق ابن أبي زيد لهذه اللفظه إنما هو من باب الإخبار لا من باب الصفات وباب الإخبار أوسع من باب الصفات .

ـ قوله : " أن الشارح ( وهو القاضي عبد الوهاب ) لو فهم عبارة المؤلف بذاته ما فهمه بعض الشراح لبادر إلى إنكار هذا اللفظ لأن الشارح أشعري " .
يجاب عليه بما يلي : أن القاضي عبد الوهاب لو سُلِّم جدلا أنه أشعري المذهب فإنه على الأقل في مسألة العلو والاستواء وافق أهل الحديث ككثير من قدماء الأشاعرة ، ولهذا يقول ابن رشد وهو يتحدث عن هذه المسألة :" القول في الجهة ، وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة في أول الأمر يثبتونها لله سبحانه حتى نفتها المعتزلة ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشاعرة كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله ... " ( مناهج الأدلة ص 176 ) وقال القرطبي ـ بعد أن نقل كلام المؤولة ـ : " وقد كان السلف الأول y لا يقولون بنفي الجهة ولا ينطقون بذلك بل نطقوا هم والكافة بإثباتها لله تعالى كما نطق كتابه وأخبرت رسله ، ولم ينكر أحد من السلف الصالح أنه استوى على عرشه حقيقة " الجامع لأحكام القرآن 7/ 219
ويتأيد ما قلته ـ من أن القاضي عبد الوهاب موافق لأهل الحديث في هذه المسألة على الأقل ـ أن الإمام ابن القيم رحمه الله قد نقل عنه في اجتماع الجيوش الإسلامية ( كما في ص 164 ) ووصفه بأنه من كبار أهل السنة .

ـ قوله :" أن هذا الاستعمال يساير استعمال القرآن الكريم في قوله تعالى : { ذو العرش المجيد }[ سورة البروج الآية 15 ] هي القراءة المشهورة برفع المجيد " .
يقال له : ما دام أنه وردت قراءة بالخفض عن عدد من القراء فلا يجوز أن تُجعَل قراءة حجة دون القراءة الأخرى كما لا أظنه يخفى على المحقق , فإذا تساوت القراءات إذن في الحجية فكلها حق وكلها يستدل بها من غير أن نبطل الاستدلال بالأخرى ـ ولو كان قراء هذه الأخيرة أقل عددا من الأولى ـ والقراء الذين قرؤوا بالخفض من العشر المتواترة حمزة والكسائي وخلف في اختياره ، ومن الأخرى الشاذة : الحسن البصري ( انظر : النشر في القراءات العشر لابن الجزري 2/ 399 , الحجة في القراءات لابن زنجلة ص 757 , البدور الزاهرة في القراءات العشر المتواترة لعبد الفتاح القاضي ص 340 ) .
ـ قوله ـ و هو يعدد المرجحات التي سوغت له ضبط النص على ما ضبطه ـ : " أن ابن أبي زيد على مذهب أبي الحسن الأشعري " . الجواب عنها أن يقال : هذه مجرد دعوى تحتاج إلى برهان ، وسأترك تبيين ذلك في الفصل الأخير بإذن الله تعالى
وفي الأخير أنوه إلى أن الكوثري ـ حامل لواء التجهم في هذا العصر ـ في تعليقه على تبيين كذب المفتري لابن عساكر ص 123 قال وهو يتكلم عن لفظة "بذاته" التي استعملها ابن أبي زيد ـ بعد نبزه لأهل الحديث y بأنهم حشوية ـ:" مع أن شراحها من أئمة المالكية مطبقون على أنها إما مدسوسة أو من قبيل الاحتراس بالرفع "
الجواب عن هذا أن يقال :
أما دعوى الرفع فقد سبق نقضها بما يكفي ـ إن شاء الله ـ ،
وأما القول بأن شراح المالكية مطبقون على أنها مدسوسة فهذه دعوى لا يوافقه عليها حتى كبار المالكية الأشاعرة , فهذا القاضي أبو بكر بن العربي أثبت صحة نسبة هذه اللفظة لابن أبي زيد حيث قال :" ... ثم جاءت طائفة ركبت عليه فقالت أنه فوق العرش بذاته وعليها شيخ المغرب أبو محمد عبد الله بن أبي زيد فقالها للمعلمين فسدكت بقلوب الأطفال والكبار " العواصم من القواصم ( 2/ 290 ضمن آراء أبي بكر بن العربي الكلامية للدكتور عمار الطالبي ) ويقول المقري :" وقد حدثنا شيخنا الأستاذ سيدي أبو عبد الله الكبير عن شيخه أبي عبد الله العكرمي وكان لسنا أنه كان كثيرا ما يقول : إمامان عظيمان قالا بالجبر من أئمتنا : أبو بكر بن العربي والفخر بن الخطيب كما أن إمامين عظيمين من أئمتنا نُسب إليهما القول بالجهة وهما أبو محمد بن أبي زيد وأبو عمر بن عبد البر " ( أزهار الرياض في أخبار عياض 3/ 58 ) وناهيك عن إثبات شارحي الرسالة ـ كابن موهب والقاضي عبد الوهاب ـ هذه اللفظة لابن أبي زيد ولم ينكروها ،فإنك تجد ابن السبكي يثبتها له أيضا ، فحينما تكلم عن الأبيات التي نظمها الإمام أبو الحسن الكرجي وفيها أن الله على عرشه بذاته قال : " وهي عبارة سبقها إليه ابن أبي زيد المالكي " ( طبقات الشافعية 6/ 143 ) .
هذا ما أردت بيانه كشفا للتحريف والتدليس والتلبيس ممن يدّعون التحقيق أو الاشتغال بالعلم ، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .



رد مع اقتباس