عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26 Apr 2018, 06:33 AM
عز الدين بن سالم أبو زخار عز الدين بن سالم أبو زخار غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2015
الدولة: ليبيا
المشاركات: 548
افتراضي همسة لمسافر ترك أحد والديه أو كلاهما


همسة لمسافر ترك أحد والديه أو كلاهما


الحمد لله، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أما بعد:

فهذه همسة أهمس بها في أذن من يعيش زمنا طويلا في أحضان الكفرة الذين يزعم أن أخلاقهم عالية، وتمر على الواحد منهم السنين الطويلة ولا يزور والديه إلا قليلا، والداه اللذان ربياه صغيرا، وتعبا عليه على أمل أن يخفف عنهما حمل الحياة. يتركهما وهما في حاجة ماسة إليه، لضعف قوتهما وقلة حيلتهما وإصابتهما بالمرض.

يترك والديه بحجة الانشغال في العمل، والأولاد، وكثرة الارتباطات، وبعد المسافة، وعنده إخوة يتحملون عنه الحمل. وما أن يواري جسد أحدهما التراب فتجده يهرع بالمجي، بعدما قطع أشغاله، واعتذر عن مواعيده وارتبطاته، ليجلس أياما معدودة يتقبل العزاء، ثم يزور الجسد الذي غيبه التراب، ثم يولي ظهره، هذه الزيارة التي كانا يتمنيانها في حياتهما لتقر عينهما ويأنسان بها.

هذه الأخلاق قريبة من أخلاق الكفار، الذين يتفكر البعض منهم والديهما في أعيادهم بالزيارة على أحسن الأحوال، وإلا فالكثير منهم يكتفي ببطاقة معايدة مكتوب عليها (كل عام وأنتم بخير).
صدعوا رؤوسنا بحسن أخلاق الكفرة، وأنه ليس بينهم وبين الجنة إلا أن ينطقوا بالشهادة، ويقولوا لا إله إلا الله. هل هذه الأخلاق الحميدة التي تزعمونها، التي يهجر فيها الابن والديه، ولا يقوم بما يحتاجانه؟!
ألم يقرأ هؤلاء قول الله تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا}.
ألم يسمعوا بحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟
قال: أمك.
قال: ثم من؟
قال: ثم أمك؟
قال: ثم من؟
قال: ثم أمك؟
قال: ثم من؟
قال: ثم أبوك. والحديث أخرجه البخاري.

أتترك البر لإخوتك يغترفون الأجور العظيمة، ولا تضرب بسهم معهم! فهل الحياة الأوروبية علمتك الضرب في اﻷسهم الاقتصادية ولم تعلمك بالضرب في الأجور الأخروية؟!
فالذين يبيتون على راحة والديهم، ينالون من السعادة في الدنيا قبل الآخرة، ما لم يستشعره من يمم وجهته نحو عبدة الصلبان.

ويزداد الطين بلة عندما يولي ولم يعقب، وقد قطع الشعرة التي بينه وبين أخوته وأعمامه وأخواله، وتمادى فيما هو عليه، وخالف ما وصى به النبي عليه الصلاة والسلام، فقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((إنّ أبَرَّ البرِّ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ وُدَّ أبيهِ)). أخرجه مسلم.

ويزداد الخرق على الراقع عندما يفجر في الخصومة بسبب اﻹرث مع الورثة، ويعرقل إجراءات تقسيم التركة أو يستحود على ما ليس له به حق، وفي الحديث عن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من اقتطع شبرا من الأرض ظلما طوقه الله إياه يوم القيامة من سبع أرضين)). أخرجه مسلم.

فهذا الهمسة تذكرة لمن حزم امتعته ويمم جهة الغرب ينغمس في الدنيا الدنية وينسي العيشة الحقيقة.

هذا والله أعلم وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
عزالدين بن سالم بن الصادق أبوزخار
طرابلس الغرب: ليلة الثلاثاء 8 شعبان سنة 1439 هـ
الموافق لـ: 24 أبريل سنة 2018 ف

رد مع اقتباس