عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 05 Jul 2010, 02:43 PM
حسن بوقليل
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

قصف البناء المشيد لتحليل الغناء ـ وقفات مع الكلباني ـ
الحلقة (3)



15 ـ قال الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(والرد على أدلة المحرمين ومناقشتها يطول، ولكني أشير إلى نكتة ينبغي أن يتنبه لها المسلم، ولو قلت إنها من قواعد الدين لمن تأمل فلعلي لا أخالف الحق، فإنك لو نظرت في الكتاب والسنة النبوية ستجد أن كل ما أراد الله تحريمه قطعا نص عليه بنص لا جدال فيه، وهكذا كلُّ ما أوجبه الله، نص عليه نصا لا جدال فيه، وكل ما أراد أن يوسع للناس ويترك لهم المجال ليفهموا من نصوص كتابه، أو سنة نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ جاء بنص محتمل لقولين أو أكثر، ولهذا اتفق الناس في كل زمان ومكان على عدد الصلوات، وأوقاتها ـ أصل الوقت ـ وعلى ركعات كل صلاة، وهيئة الصلاة، وكيفيتها، واختلفوا في كل تفصيلاتها تقريبا، فاختلفوا في تكبيرة الإحرام حتى التسليم، والمذاهب في ذلك معروفة مشتهرة. وهكذا في الزكاة، وفي الصيام، وفي الحج!
فإذا كان الخلاف في أركان الإسلام، مع اتفاقهم على تسميتها، فكيف بغيره، حتى إنهم اختلفوا في النطق بالشهادتين! وليس هذا إلا من توسعة الله تعالى على عباده.
فلو كان تحريم الغناء واضحا جليا لما احتاج المحرمون إلى حشد النصوص من هنا وهناك، وجمع أقوال أهل العلم المشنعة له، وكان يكفيهم أن يشيروا إلى النص الصريح الصحيح ويقطعوا به الجدل، فوجود الخلاف فيه دليل آخر على أنه ليس بحرام بين التحريم، كما قرر الشافعي. وقد قال ابن كثير رحمه الله، إذ تكلم عن البسملة واختلافهم في كونها من الفاتحة أم لا، قال ما نصه: ويكفي في إثبات أنها ليست من الفاتحة اختلافهم فيها).

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
استدلال الشيخ ـ سدده الله ـ بالخلاف، وعدم ورود النص الصريح قد يفتح عليه باب شر؛ وهو أن يستدل بكلامه أهل البدع على بدعهم، وما دخل أهل البدع على أهل السنة إلا بمثل هذا الكلام؛ (لا يوجد نص صريح)، (هناك خلاف بين أهل العلم)، ... إلخ قاموسهم.
وسيأتي ـ إن شاء الله تعالى ـ ذكر الأدلة الصريحة في تحريم الغناء.

16 ـ قال الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(وهذا دليل من أقوى الأدلة على إباحته حيث كان موجودا ومسموعا، ومنتشرا، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: هذه قينة بني فلان. أتراه يعلم أنها مغنية ولم ينهها عن الغناء، ولم يحذر من سماعها، بل على العكس من ذلك فقد قال لعائشة: أتحبين أن تغنيك!).

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
الحديث الذي ساقه رواه الإمام أحمد في "مسنده" (15720)، وصححه العلامة الألباني في "الصحيحة" (3281).
والمقصود من الحديث الغناء المباح، وهو الذي سبقت إليه الإشارة في كلام ابن عبد البر، والطبري، وابن رجب، ولهذا قال ابن مفلح الحنبلي!! ـ بعد سوقه له ـ: "فيحمل على غناء مباح". ["الفروع": (7/189 ـ ط. التركي)].
وهذه مشكلة الشيخ ـ سدَّده الله ـ؛ يحمل النُّصوص الواردة في الحِداء والنَّصب على الغِناء الَّذي أراده، وشتان بين الثرى والثريا.

17 ـ قال الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(فسبحان الله! كيف تعارض مثل هذه النصوص بالمشتبهات من نصوص التحريم، ثم يعاب على المتمسك بالنص الواضح الصريح، الصحيح، ويرمى بالشذوذ والجهل، وينصح بالتوجه إلى سوق الخضار، ويتمنى أن يسجن ويقطع لسانه، وكل من قرأ القرآن وتدبره، علم أن أصحاب الباطل، ومن لا يملك دليلا أو حجة يدمغ بها الحجة الواضحة الدامغة لا بد له أن يلجأ إلى التفرعن، "مَا أُرِيكُم إِلاَّ مَا أَرَى"، "لَئِنِ اتَّخَذَتَ إِلَهًا غَيرِي لأَجعَلَنَّكَ مِنَ المَسجُونِينَ"، فدليل عجز فرعون مقارعة موسى عليه السلام في الحجة، ووضح حجة موسى، ألجأ فرعون إلى التهديد بالسجن والقتل.
وهكذا كل من لا يملك حجة، ولا دليلا يقارع به البينات لا بد أن يلجأ إلى الحيدة، والتركيز على شخصية حامل الدليل، لا على الدليل نفسه، وانظر ذلك في كل قصص الأنبياء، كل من كفر وعاند لم يأت ببنية واحدة على عناده واستكباره سوى اتهام الرسول بالجنون أو السحر والكذب والكهانة، "كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبلِهِم مِن رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَو مَجنُونٌ، أَتَوَاصَوا بِهِ، بَل هُم قَومٌ طَاغُونَ").

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
قياس مع فارق!
كيف تقيس من جاءك بأدلة التحريم؛ من الأئمة الكبار ـ الَّذين يأتي ذكرهم، وقد حرَّفت مقصود كلامهم ـ على الكفَّار في مخاطبتهم للرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ؟
العلماء جاءوك ـ وغيرك ـ بأدلة كثيرة في تحريم الغناء، راجع:
ـ ""الاستقامة" لشيخ الإسلام الحنبلي!!
ـ "الكلام على مسألة السماع" لابن القيم الحنبلي!!
ـ نزهة الأسماع" لابن رجب الحنبلي!!

18 ـ قال الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(ولهذا سأبدأ مقالتي هذه بذكر المجيزين على طريقة الإجمال، ليتبين المنصف أني لست منفردا بهذا القول، بل قد قال به من لا يمكن لأي كان أن يصفهم بجهل، أو يزعم أنهم لم يعرفوا الناسخ والمنسوخ، والمطلق والمقيد، وتلك الشنشنة التي نعرفها من أخزم!).

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
بل قد ذكرت المجزين على طريقة التحريف لمقصودهم، فتبين للمنصف أنك لا تحسن نقل كلام أهل العلم في مسألة فقهية قتلها العلماء بحثا.
أما تلك الشنشنة التي تعرفها ـ أنت ـ من أخزم؛ فإني أبرأ إلى الله ـ عز وجل ـ منهم، وأربأ بك أن تكون منهم؛ فترد كلام المانعين!

19 ـ قال الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(فأقول مستعينًا بالله: إن كثيرا من أئمة الدين المشهود لهم بالعلم والديانة المشهورين بالورع والصيانة قد أباحوا الغناء، وكانت صناعة الغناء مشهورة عند أسلافنا عبر كل القرون, فقد حفظ لنا التاريخ أسماء كثيرة ممن كانت لهم شهرة ذائعة في صناعة الغناء وتطريبه والبراعة في صياغة ألحانه, حتى صار الغناء من أشهر النوادر والملح التي لا يخلو منها كتاب من كتب الأدب والتأريخ!).

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
هذا الكلام فيه ما فيه، وبيانه:
ـ قوله: "إن كثيرا من أئمة الدين المشهود لهم بالعلم والديانة المشهورين بالورع والصيانة قد أباحوا الغناء": هذا كلام يحتاج إلى استقراء آرائهم، وقد سبق أن الآجري ـ ومن هو ـ حكى الإجماع على خلاف هذا، كما نقله عنه ابن رجب الحنبلي!!
ـ قوله: "وكانت صناعة الغناء مشهورة عند أسلافنا عبر كل القرون": نعم كانت مشهورة في بعض المناطق، ولكن أنكرها أهل العلم، كما سيأتي ـ إن شاء الله ـ.

20 ـ قال الشَّيخ ـ سدَّده الله ـ:
(فممَّن اشتهر به وذاع صيته...).

ـ قال أبو عبد الله ـ عفا الله عنه ـ:
ذكر الشيخ ـ سدده الله ـ جملة ممن نسب إليهم أنهم كانوا يرون حل الغناء، أو يتَّخذونه صنعة، وللأسف جلهم ليس من أهل العلم؛ وأذكر مثالا هنا؛ فـ:
ـ عبدالله بن جعفر بن أبي طالب:
قال ابن عبد البر المالكي ـ رحمه الله ـ: "هو أول مولود ولد في الإسلام بأرض الحبشة، وقدم مع أبيه المدينة، وحفظ من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وروى عنه، وتوفي بالمدينة سنة ثمانين، وهو ابن تسعين سنة.
وكان كريما، جوادا، ظريفا، خليقا، عفيفا، سخيا، يسمى: بحر الجود، ويقال: إنه لم يكن في الإسلام أسخى منه، وكان لا يرى بسماع الغناء بأسا". ["الاستيعاب": (ص 443) بتصرف].
قال شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ جوابًا على إيراد الكلباني ـ وهو إيراد القشيري كالعادة ـ: "وأمَّا ما يُذكر مِن فِعل عبد الله بن جعفر في أنَّه كان له جارِيةٌ يسمَع غناءَها في بيته، فعبدُ الله بن جعفر ليس ممَّن يصلُح أن يُعارِض قولُه في الدِّين ـ فضلاً عن فِعله ـ لقول ابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وجابر، وأمثالهم.
ومنِ احتَجَّ بفِعل مثل عبد الله في الدِّين في مثل هذا لزِمَهُ أن يحتَجَّ بفِعل مُعاوِية في قتاله لعلِيٍّ، وبفِعل ابن الزُّبَير في قتاله في الفُرقة، وأمثال ذلك، ممَّا لا يصلُح لأهل العِلم والدِّين أن يُدخِلوه في أدلَّةِ الدِّين والشَّرع، لا سيما النسَّاك والزهَّاد، وأهلُ الحقائق لا يصلُح لهم أن يتركُوا سبِيلَ المشهورِين بالنُّسُكِ والزُّهد بينَ الصَّحابة ويتَّبِعوا سبيلَ غيرِهم.
وما أحسَن ما قال حذيفة ـ رضي الله عنه ـ: يا مَعشَرَ القُرَّاء! استقِيمُوا، وخُذوا طرِيقَ مَن كان قبلَكم؛ فَوَاللهِ لَئِن اتَّبَعتُموهم لقَد سبَقتُم سَبقًا بعِيدًا، ولَئِن أَخذتُم يمِينًا وشِمالاً لقَد ضَلَلتُم ضلالاً بعِيدًا. ["الاستقامة": (1/281، 282)].
وقال سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ: "وهكذا ما يروى عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ من سماع الغناء، وشراء الجواري المغنيات يجب أن يحمل على الشيء اليسير الذي لا يصد عن الحق، ولا يوقع في الباطل، مع أن ابن عمر والحسن البصري قد أنكرا عليه ذلك.
ومعلوم عند أهل العلم والإيمان أن الحق أولى بالاتباع, وأنه لا يجوز مخالفة الجماعة والأخذ بالأقوال الشاذة من غير برهان, بل يجب حمل أهلِها على أحسن المحامل مهما وجد إلى ذلك من سبيل, إذا كانوا أهلا لإحسان الظن بهم لما عرف من تقواهم وإيمانهم". ["مجموع الفتاوى": (3/421)].
ـ ومحمد بن الحسن بن مصعب:
هو المصعبي. انظر: "الوافي بالوفيات" للصفدي (2/249).
ولم يذكر فيه العلم، والدِّيانة، وأنَّه من مشاهير أهل العِلم!!
ـ والبَردان:
قال الصَّفدي في ترجمته: "هو البَردان ـ بفتح الباء الموحدة وسكون الراء، وقيل بردان بضم الباء ـ وهو لقب عليه، ولم أقَع له على عِلمٍ.
كان البردان مغني أهل المدينة، أخذ الغناء عن معبد وجميلة وعزة الميلاء، وكان مقبول الشهادة، وكان يتولى السوق بالمدينة". ["الوافي بالوفيات": (10/69)].
فأين هو العلم، والديانة، ووو؟!
فلا ينبغي الاستدلال بمثل هؤلاء على جواز الغناء، وهذا ما يؤسف له؛ أن يصل إمام مسجد! ومن أم الملايين في أفضل مسجد! إلى أن يستدل بالمغنين على جواز الغناء!!

كتبه أبو عبد الله حسن بن داود بوقليل ـ عفا الله عنه ـ.
يتبع ـ إن شاء الله ـ.

رد مع اقتباس