عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 26 Oct 2007, 07:49 PM
أبو جمان حسين أبو جمان حسين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
الدولة: الجزائر الجريح
المشاركات: 88
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو جمان حسين
افتراضي حض الإسلام على استثمار الأرض وزرعها...من صحيحة الألباني

استثمار الأرض في الإسلام والترغيب فيه...من صحيحة الألباني -رحمه الله وغفر له-

عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم :
" ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة " .

و عن جابر مرفوعا :
" ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة و ما سرق منه له صدقة و ما أكل السبع منه فهو له صدقة و ما أكلت الطير فهو له صدقة و لا يرزؤه ( أي ينقصه و يأخذ منه ) أحد إلا كان له صدقة ( إلى يوم القيامة ) " .

وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة ، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها " .

( الفسيلة ) هي النخلة الصغيرة و هي ( الودية ) .

و لا أدل على الحض على الاستثمار من هذه الأحاديث الكريمة ، لاسيما الحديث الأخير منها فإن فيه ترغيبا عظيما على اغتنام آخر فرصة من الحياة في سبيل زرع ما ينتفع به الناس بعد موته فيجري له أجره و تكتب له صدقته إلى يوم القيامة .

و قد ترجم الإمام البخاري لهذا الحديث بقوله " باب اصطناع المال "
ثم روى عن الحارث بن لقيط قال : كان الرجل منا تنتج فرسه فينحرها فيقول : أنا أعيش حتى أركب هذه ؟
فجاءنا كتاب عمر : أن أصلحوا ما رزقكم الله ، فإن في الأمر تنفسا .
و سنده صحيح .

و روى أيضا بسند صحيح عن داود قال : قال لي عبد الله بن سلام : إن سمعت بالدجال قد خرج و أنت على ودية تغرسها ، فلا تعجل أن تصلحه ، فإن للناس بعد ذلك عيشا .
(و داود هذا هو ابن أبي داود الأنصاري قال الحافظ فيه : " مقبول " .)

و روى ابن جرير عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول لأبي : ما يمنعك أن تغرس أرضك؟ فقال له أبي : أنا شيخ كبير أموت غدا ، فقال له عمر : أعزم عليك لتغرسنها ؟ فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي .
كذا في " الجامع الكبير " للسيوطي ( 3 / 337 / 2 ) .

و لذلك اعتبر بعض الصحابة الرجل يعمل في إصلاح أرضه عاملا من عمال الله عز وجل فروى البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 448 ) عن نافع بن عاصم أنه سمع عبد الله بن عمرو قال لابن أخ له خرج من ( الوهط ) : أيعمل عمالك؟ قال : لا أدري ، قال : أما لو كنت ثقفيا لعلمت ما يعمل عمالك ، ثم التفت إلينا فقال :إن الرجل إذا عمل مع عماله في داره ( و قال الراوي مرة : في ماله ) كان عاملا من عمال الله عز و جل . و سنده حسن إن شاء الله تعالى .

و ( الوهط ) في اللغة هو البستان و هي أرض عظيمة كانت لعمرو بن العاص بالطائف على ثلاثة أميال من ( وَجّ ) يبدو أنه خلفها لأولاده.

و قد روى ابن عساكر في " تاريخه " ( 13 / 264 / 2 ) بسند صحيح عن عمرو بن دينار قال: دخل عمرو بن العاص في حائط له بالطائف يقال له : ( الوهط ) ( فيه ) ألف ألف خشبة ، اشترى كل خشبة بدرهم.
يعني يقيم بها الأعناب .

هذه بعض ما أثمرته تلك الأحاديث في جملتها من السلف الصالح رضي الله عنهم .
و قد ترجم البخاري في " صحيحه " للحديثين الأولين بقوله :
" باب فضل الزرع إذا أكل منه " .

قال ابن المنير :
" أشار البخاري إلى إباحة الزرع ، و أن من نهى عنه كما ورد عن عمر فمحله ما إذا شغل الحرث عن الحرب و نحوه من الأمور المطلوبة ، و على ذلك يحمل حديث أبي أمامة المذكور في الباب الذي بعده " .

التكالب على الدنيا يورث الذل :
ذكرت في المقال السابق بعض الأحاديث الواردة في الحض على استثمار الأرض ، مما لا يدع مجالا للشك في أن الإسلام شرع ذلك للمسلمين و رغبهم فيه أيما ترغيب .
و اليوم نورد بعض الأحاديث التي قد يتبادر لبعض الأذهان الضعيفة أو القلوب المريضة أنها معارضة للأحاديث المتقدمة ، و هي في الحقيقة غير منافية له ، إذا ما أحسن فهمها ، و خلت النفس من اتباع هواها !

الأول : عن أبي أمامة الباهلي قال - و رأى سكة و شيئا من آلة الحرث فقال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل " .
أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 5 / 4 بشرح " الفتح " ) ، و رواه الطبراني في " الكبير " من طريق أخرى عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ :
" ما من أهل بيت يغدو عليهم فدان إلا ذلوا " .ذكره في " المجمع " ( 4 / 120 ) .
و قد وفق العلماء بين هذا الحديث و الأحاديث المتقدمة في المقال المشار إليه بوجهين اثنين :
أ - أن المراد بالذل ما يلزمهم من حقوق الأرض التي تطالبهم بها الولاة من خراج أو عشر ، فمن أدخل نفسه في ذلك فقد عرضها للذل .
قال المناوي في " الفيض " : " و ليس هذا ذما للزراعة فإنها محمودة مثاب عليها لكثرة أكل العوافي منها ، إذ لا تلازم بين ذل الدنيا و حرمان ثواب البعض " .

و لهذا قال ابن التين : " هذا من أخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات ، لأن المشاهد الآن أن أكثر الظلم إنما هو على أهل الحرث " .

ب - أنه محمول على من شغله الحرث و الزرع عن القيام بالواجبات كالحرب و نحوه ، و إلى هذا ذهب البخاري حيث ترجم للحديث بقوله : " باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع ، أو مجاوزة الحد الذي أمر به " .
فإن من المعلوم أن الغلو في السعي وراء الكسب يلهي صاحبه عن الواجب و يحمله على التكالب على الدنيا و الإخلاد إلى الأرض و الإعراض عن الجهاد ، كما هو مشاهد من الكثيرين من الأغنياء .
و يؤيد هذا الوجه قوله صلى الله عليه وسلم :
" إذا تبايعتم بالعينة ، و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " .

فتأمل كيف بين هذا الحديث ما أجمل في حديث أبي أمامة المتقدمة قبله ، فذكر أن تسليط الذل ليس هو لمجرد الزرع و الحرث بل لما اقترن به من الإخلاد إليه و الانشغال به عن الجهاد في سبيل الله ، فهذا هو المراد بالحديث ، و أما الزرع الذي لم يقترن به شيء من ذلك فهو المراد بالأحاديث المرغبة في الحرث فلا تعارض بينها و لا إشكال .

و اعلم أن التكثر المفضي إلى الانصراف عن القيام بالواجبات التي منها الجهاد في سبيل الله هو المراد بالتهلكة المذكورة في قوله تعالى ( و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) و في ذلك نزلت الآية خلافا لما يظن كثير من الناس ! فقد
قال أسلم أبو عمران :" غزونا من المدينة ، نريد القسطنطينية ، ( و على أهل مصر عقبة بن عامر ) و على
الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد ، و الروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة ، فحمل رجل ( منا ) على العدو ، فقال الناس : مه مه ! لا إله إلا الله ! يلقي بيديه إلى التهلكة ! فقال أبو أيوب الأنصاري : ( إنما تأولون هذه الآية هكذا، أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة ، أو يبلي من نفسه ! ) إنما نزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار ، لما نصر الله نبيه و أظهر الإسلام قلنا ( بيننا خفيا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : هلم نقيم في أموالنا و نصلحها ، فأنزل الله
تعالى ( و أنفقوا في سبيل الله و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )
فالإلقاء بالأيدي إلى التهلكة : أن نقيم في أموالنا و نصلحها و ندع الجهاد .
قال أبو عمران : " فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية " .

سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها للإمام الألباني -رحمه الله وغفر له- بتصرف...

رد مع اقتباس