عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 13 May 2019, 04:35 PM
أبو معاذ محمد مرابط أبو معاذ محمد مرابط غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: May 2007
المشاركات: 350
افتراضي نَفثة مَصْدُور في أُذنِ كلّ غَيُور!




نفثة مصدور في أذن كلّ غيور


الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد:
فقد كتبتُ تغريدة بتاريخ: «05 رمضان 1440 هـ»، هذا نصّها: «إخواني الفضلاء: لا يجوز معاملة أتباع المفرقين بالمثل! فلا تخونوا من خانكم، سلموا عليهم وزوروا مرضاهم، وتفقدوا أحوالهم، ألينوا معهم الحديث، واصبروا على جفوتهم، لا تجعلوا خلافكم معهم خصومة شخصية، احذروا من فساد النيات ونشوة الانتقام! أقيموا الحجة عليهم فلم يبق لهم بعد الله إلا أنتم».
وبعدما نشرتُها رأيت بعض المعلّقين لم يتحمّل ما فيها! منهم من انتقدها جملة وتفصيلا ومنهم من انتقد فقرة منها، فعزمتُ بعدما عرفتُ المغزى من تلكم التعليقات على كتابة توضيح يكون مُتمّمًا وشارحًا لمضمونِ التغريدة ومُبيّنًا لما قصدته منها، فأقول مستعينا بالله العليّ القدير:
إخواني الفضلاء: بعدما نشرت التغريدة سعدتُ بمداخلة أخي الفاضل أبي معاذ سيد علي سحالي صاحب المكتبة السلفية: «الميراث النبوي» حيث نقل ما أيّد كلامي بنقل عزيز عن العلامة ربيع المدخلي –حفظه الله- فقال معلّقا –وفقه الله- على التغريدة: «والله إنّ هذا الذي قلتَه هو توجيه العلاّمة ربيع حفظه الله، قبل أسبوعين سأله أمامي سائل فقال كيف نعامل أتباع المُفرّقين، فأجابه الشيخ بقوله: الأتباع منهم عوام مخدوعين إذا تبيّن لهم الحق يرجعون إن شاء الله، تدخلون بينهم تناصحونهم ولا تيأسوا، أما الرؤوس فهم معاندون».
قلت: لعلّ هذا التأييد لم يبلغ بعض الفضلاء ممن استشكل كلامي، وأقول له: دونك كلام الإمام فهو أشدّ وضوحا من كلامي وأقوى منه رحمة ورأفة بهؤلاء المغرّر بهم، ولخّص –حفظه الله- معاني الموضوع في قوله: «ولا تيأسوا».
أمّا الرؤوس الذين تكلّم عنهم الشيخ فقد تكلمت عنهم في تغريدة أخرى قلت فيها بتاريخ «06 رمضان 1440 هـ»: «من هم رؤوس التفريق؟ الجواب: كل من يدعو غيره إلى التفريق، وينشط بين الناس في نصرة الباطل والتحريض على المشايخ، فإذا نصح واقتضت الحكمة هجره يهجر ولا كرامة، أما غيره فهم أتباع يرفق بهم! يفهم هذا ويعمل به من فهم أن خصومتنا معهم دينية! أما من جعلها شخصية وهو لا يشعر فلا شك أنه سيخذل الحق».
إخواني الفضلاء: قد تنتشرُ مفاهيم خاطئة بين الناس، فيصير الواحد منهم يُلزِم بها غيره، وينكر على من خالفها أو قرّر غيرها، ومثاله: مصطلح «المفرّقين»، فهي كلمة عامّة يدخل فيها كلّ من دان بمنهج التفريق ودعا إليه، لكن وقع الخلل عندما حصرها البعض في أسماء معيّنة وهي: «ابن هادي والدكتور فركوس وصاحبيه!»، وهذا غلط واضح وفهم خاطئ.
فأنا قصدت بقولي «أتباع المفرقين»: أولئك العوام الذين اغترّوا بمنهج التفريق وانخدعوا بشبهات دعاته، ولا أدري كيف فهم إخواننا بأنّني جعلت من الأتباع المفسد بويران وأضرابه، وأولئك المجتهدين في نشر بدع المفرّقة في الأحياء والمساجد؟! ولو تأمّل المعترض لوقفَ بنفسه على وهاء اعتراضه! ولعلم أنّ قول القائل: «أتباع الإخوان!»، لا يفهم منه أنّه يقصد بكلمة «الإخوان» البنّا وسيد قطب والقرضاوي فقط، ومن عداهم -كنحناح ومقرّي وجاب الله وغيرهم من المروّجين لمنهج الإخوان- هم من الأتباع العوام! فأتباع الإخوان هم عامّة من انخدع بضلالاتهم، ونفس الشيء يقال عن أتباع المفرقين.
إخواني الفضلاء: حتى لو فرضنا أنّني أطلقت في كلامي ولم أفصّل، فحق المقام أن يُطلب منّي التفصيل، ويستفسر عن قصدي من هذا الإجمال، ولاشكّ أنّ من الآداب الجليلة والقواعد النبويّة العظيمة في التعامل مع الناس: «ما حملك على هذا؟!»، فمعيب بطالب الحق أن يسارع للتخطئة ويعلن المخالفة وهو لم يفهم مقصود القائل من كلامه، ولم يعط لنفسه الوقت الكافي ليوضح له المتكلم ما خفي عنه، لاسيما وأنّ القائل غالبا يكون مهتمّا بالقضية أكثر من السامع، لأنّه أوّل من نبَّه بعدما فكّر وقدّر، وإنّ من أعظم ما أنكره العقلاء على المفرقين هذه العجلة في النقد والاعتراض، وترك التواصل مع المعني وتقديم النّصح له.
إخواني الفضلاء: أكون صريحا في هذه النقطة وليتحمّلني إخواني: الصبر على المخالف لا يقدر عليه جميع الناس، ودعوته إلى الحق بالحجج والبراهين هي وظيفة الخلّص من دعاة السنّة، فرحم الله عبدا عرف قدر نفسه واعترف بتقصيره، وهذا الاعتراف بلا شكّ سيحمل الصادق على الجدّ والاجتهاد.
أقول هذا لأنّ الكثير ممّن يعترض في مثل هذه التنبيهات يتكلم من منطلق ما قام في نفسه من الكسل والضجر من مخالفِه، فلا استعداد له للصبر والتحمّل سواء قبل الفتنة أو بعدها، فيا عباد الله انتبهوا –وفقكم الله- لا يجوز لمن كان هذا حاله أن يلبس موقفه لباس الشرع لأنّها قنطرة البدع وبوابة المحدثات! فلنحذر جميعا من مغبّة الكذب على الله ونسبة أخطائنا إلى دينه الحنيف، فكن صريحا مع نفسك يا عبد الله واصدقها قبل أن تصدق غيرك، فأنت لا تقوى على هذه المهامّ الشاقّة فاترك من يقوى عليها ولا تقف في طريقه ولا تقطع الخير على النّاس.
إخواني الفضلاء: يا من قلتُم: «لكن هناك من الأتباع من يطعن ويفعل كذا وكذا»، لقد كتبتُ ما كتبته وقد نالتني سهام المفرّقين، وطالتني من كل حدب وصوب ألسنتُهم العفنة، ولا زلت في هذا المُعترك منذ ما يقارب السنّة ونصف! فكيف أجهل بأنّ هناك في المفرقين من يطعن ومن يكابر حتى يأتي من ينبهني عليهم! لقد كتبت التغريدة وأنا مستحضر لصنوف المفرّقين، مستشعر لطبقاتهم! لكن الذي غاب عنكم أنّ في الحكم على الرجل بأنّه من الأتباع لا يشترط أن يكون هذا التابع صامتا لا يتكلم! وهي لفتة مهمّة لم ينتبه إليها الكثير من إخواننا، فقد تأثّر الأتباع بالشبهات وتشبعت بها قلوبهم، فلا غرابة إن تكلّموا بها في مجالسهم ومناقشاتهم، لذلك العاقل لا ينتظر أن يكون هؤلاء على الجادة حتى يرفق بهم؟!
إخواني الفضلاء: السبب الذي دفعني إلى كتابة التغريدة والتنبيه على هذه الجزئية في مجالسي ولقاءاتي مع إخواني هو ما لاحظته على كثير من إخواني حيث امتلأت قلوبهم غيظا على المفرّقين بسبب ما لحقهم من ظلم وبغيّ، فلم يتحملوا حماقاتهم وفجعُوا بطريقة تعامل هؤلاء السفهاء والتي ترتكز على الإهانة والإذلال، وبسبب هذا زُرع في نفوس بعض إخواننا حبّ الانتقام وهم لا يشعرون، فصارت الخصومة أقرب ما تكون إلى الخصومات الشخصيّة، وهي من دفائن النفوس الخفيّة التي وجب على دعاة الحق أن ينبّهوا إخوانهم عليها.
إخواني الفضلاء: كما لا يخفاكم أنّ أكثر ما يختلط الهجر لله بالهجر لحظوظ النفس، ولا ريب أنّ التمييز بينهما لا يُوفّق إليه إلاّ صادق النفس، فلنحذر جميعا من الوقوع في مثل هذه المزالق الوخيمة، يقول شيخ الإسلام رحمه الله في «مجموع الفتاوى 28/207»: «فالهجرة الشرعية هي من الأعمال التي أمر الله بها ورسوله، فالطاعة لا بد أن تكون خالصة لله وأن تكون موافقة لأمره فتكون خالصة لله صوابا، فمن هجر لهوى نفسه أو هجر هجرا غير مأمور به: كان خارجا عن هذا، وما أكثر ما تفعل النفوس ما تهواه ظانّة أنّها تفعله طاعة لله...فينبغي أن يفرّق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحق نفسه».
ويزداد الأمر تعقيدا وخطورة عندما تصلنا أخبار من هنا وهناك عن بعض إخواننا وقد صدرت منهم بعض التصرفات السيّئة التي لا يجوز السكوت عنها، فصار بعضهم يعامل المُفرّقين بنفس الطريقة التي يتعامل بها المفرقون معنا، وصرنا نسمع: «قطع عنيّ السلام فقطعتها عنه»، «هجرني فهجرته»، «لو يقترب مني لفلعت وفعلت!»، وغيرها من الكلمات التي تشعر بأنّ مواقفنا صارت نتيجة لردّة فعل نشأت عن عاطفة جيّاشة.
إخواني الفضلاء: تأمّلوا معي هذه الحقيقة الخطيرة:
كنّا قبل الفتنة نختلف مع إخواننا فنرجع ونتحاكم إلى المشايخ، فكنّا نتفق مع من يخالفنا في أسماء كانت محل احترام بيننا جميعا سواء في الجزائر أو خارجها، أمّا اليوم: فقد قطع هؤلاء صلتهم بالمشايخ جميعا، وهي –والله- مصيبة ستحلّ بالبلاد، وقد يؤول أمر بعضهم في السنوات القادمة إلى تكفير الأمّة وحمل السلاح على المسلمين، وسيعتزل رؤوسٌ منهم حتى عن شيوخهم، ويعلنوا عن نِحل وفرق ومناهج جديدة، فهم في الأخير قنابل موقوتة لابدّ من السعي لإيقاف مفعولها، ولا شك أنّ التسرّع في الهجر سيزيد من قوة انفجار هذه القنابل، فاحذروا يا إخواني –وفقكم الله- فقد اتّجه هؤلاء الشباب إلى المجهول، وستتشكّل عندهم قناعة مع مرور الوقت بأنّ شيوخ التفريق قد خذلوهم، ويومها سيرجعون! لكن إلى ماذا وإلى من يرجعون؟! الصادق العاقل هو فقط من يرجع إلى السنة، أمّا الجاهل المشحون فسيرجع إلى بدع وانحرافات أخرى وسيتخذ رؤوسا جديدة الله أعلم بها! فالتفكّر في هذه الجوانب يحملنا على التريّث والتأنّي.
إخواني الفضلاء: أسألكم بكلّ صدق ووضوح: ألم يكن الكثير منكم مع المفرقين؟! ولو ساعة من أيّامه؟! ألم يكن الكثير منكم وإلى وقت قريب مختفيا عن الأعين ويتظاهر بموافقة المفرقين دفعا لشرّهم؟! ألم تكن يا أخي قبل ساعات حائرا مضطربا لا تعرف في هذه الفتنة معروفا ولا تنكر منكرا؟! إخواني وأحبّائي: هل كان يُسعدكم لو تعامل معكم السلفيون بشدّة وقسوة؟! فهلاّ أحببتم الخير لرِفاقِكم وأصدقائكم الذين كانوا معكم بالأمس القريب على هذا المنهج الخطير؟! تذكروا بأنّ الله هداكم لتركه وأضلّهم وبقوا على هذا الفكر الخطير! فلماذا نسيتم نعمة الله عليكم بهذه السرعة؟! {وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم منها، كذلك يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}.
إخواني الفضلاء: من مصاعب النفوس ومن متاعب القلوب، أن تهجر إنسانا تعتقد بأنّ الهجر سينفعه، ومع مرور الوقت تتأكّد بأنّ الهجر لم يحقق ما قصدته، وهنا يظهر الصادق من الكاذب، فيا عبد الله فمادام أنّ هجرك كان لله رب العالمين فاجعل لله كذلك تواصلك مرة ثانية مع المهجور، وأخلص في دعوته واحتسبها من أفضل أعمالك، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم»، ثم احذر عبد الله أن تغطّي ضعفك هذا بستار الشرع وتدّعي أن هجرك شرعي وتظهر منافعه الوهميّة، ولا أفضل من الاعتراف بالتقصير، وقل ولو في نفسك: صعب عليّ الرجوع إليه! فهذا الاعتراف يحملك على التدارك.
إخواني الفضلاء: انظروا في نصوص دعوة الناس وهدايتهم، وتأمّلوا ما جاء فيها من الفضائل الشريفة، فهي تعينكم على القيام بهذه الوظيفة النبيلة التي هي من أخص وظائف الأنبياء والمرسلين، وإيّاكم أن تطيلوا التفكير فيما أصابكم في هذه الفتنة من أذيّة القوم فهو عائق -وأيّ عائق- عن دعوة الناس والصبر على أذاهم، تذكّروا –يرحمكم الله- ذلك الرجل الصالح الذي قتلَه قومه فقال بعدما عاينَ نعيم ربّه: {يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين}.
إخواني الفضلاء: لقد منَّ الله علينا بظهور الحق، وأكرمنا بنصرِه العزيز بعدما ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وهي –والله- مكرُمة كبيرة توجب علينا المزيد من الشكر وليس العكس، فقد كنّا إلى وقت قريب أذلّة مقهورين فرحمنا الله وغشيتنا سكينته وألطافه، فما أحوجنا إلى التواضع وشكر الله، ولسنا أكرم ولا أشرف من أهل بدر -وما أدراك ما أهل بدر- عندما ذكّرهم ربّهم سبحانه فقال في كتابه {ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلّة فاتقوا الله لعلكم تشكرون}.
أقول هذا لأنّي تعجبت وسألت نفسي: كيف أصبحنا نتكلم فجأة عن ترك وهجر المفرّقين! وقد كنّا إلى وقت قريب في غربة عظيمة لا يعلم مرارتها إلاّ الله سبحانه، ترَكنا القريب قبل البعيد، وآذانا الحبيب قبل البغيض، فما لنا اليوم وقد ظفر بنا الغرور، وصرعتنا نشوة الكثرة؟! فلنحذر إخواني فلسنا بأفضل من المهاجرين والأنصار، وقد ذكّرهم ربّهم فقال جلّ في علا {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ}.
إخواني الفضلاء: إنّ تجريد الهجر من ضوابطه الشرعية أشبه ما يكون بقاعدة التهميش المحدثة، وهي حقيقة لا مناص منها، وإلاّ أخبروني بكل صدق عن الفرق بيننا وبينهم في هذه المسألة؟! ألم ننكر عليهم مقاطعة إخوانهم وترك مجالستهم؟! ألم نعترض على المفرقين من أول يوم عندما أهملوا مناصحة إخوانهم وضيّعوا هذا الأصل العظيم؟! فلماذا ننكر التهميش نظريا ونطبقه عمليا؟!
إخواني الفضلاء: قلوب العامّة لا تتحمّل وهي تشاهد الهجر متبادلا في المساجد والأحياء بين أناس ظاهرهم الاستقامة والسلفية! ولا شك أنّ الأمر يخفّ عندهم إذا شاهدوا الهجر من جهة واحدة فقط فيرون الواحد يسلم على الآخر، فحتى لو امتنع الآخر عن الرد فوقعُ المصيبة يكون أقلّ أثرا، فانتبهوا لهذا، وتذكروا أنّ هناك أعينًا ترقبكم وتلحظكم، فلا تكونوا منفرّين وأنتم لا تشعرون، فالاهتمام بالغير هدي نبويّ وأدب دعوي ولا يخفاكم قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: «حتّى لا يقول النّاس»!
إخواني الفضلاء: تنتظرنا سنوات عصيبة، نحتاج فيها إلى قلوب راضية بقضاء الله، ونفوس متجرّدة لنصرة هذا الدين، وألسنة رطبة بالقول الحسن، فآثار التفريق ستبقى تظهر بعد سنين بعيدة، وإياكم أن تظنّوا بأنّ دمار ابن هادي سيختفي قريبا، فلن يكون هذا إلاّ بعد جهاد عظيم، وإذا لم تتكاثف جهود المخلصين لتخليص الأمّة من شوائب التفريق فلن نجني إلاّ الأحزان والآلام، فاحذروا من خدعة «النصر»، وضعوا أقدامكم من الآن في سكّة «القادم»، فاللبيب من استعدّ للمدلهمّات، وأطال الفكرة في عواقب الأحداث، ومن كان هذا حاله فلن تجده إلاّ مطمئنّ النفس منشرح الصدر لأنّه أدرك حجم العمل وقدر المسؤولية.
إخواني الفضلاء: لقد أقام الله علينا الحجة بما رأينا وبما بلغنا عن الإمام ربيع السنة، من تلكم المرويات المدهشة التي نقلت لنا صبره العظيم على المفرقين وحلمه الكبير عليهم، فقولوا بالله عليكم يا إخواني: ما فائدة أننا نمدح الإمام بهذه الخصال ثم نخالفه ونعمل بنقيض ما يبلغنا عنه؟! فإذا كنّا لم نصبر على مفرّق في طريق وهو بعيد عنّا فكيف نصبر عليه وهو يلج باب بيتِنا ويصرخ في عقر دارنا؟! قالوا عنه: خرف مريض، مغلق عليه وسيقة! طعنوا في طلبته وأبنائه، شّوهوا دعوته التي أفنى عمره من أجلها، ومع ذلك فتح صدره وبابه، ونقاشهم جميعا ودعاهم إلى الخير، ألا نخشى أن يكون حالنا كحال المفرقة عظّموا الرّبيع بأقوالهم وعندما جاءت ساعة الامتحان قلبوا له ظهر المجنّ!
إخواني الفضلاء: اعلموا أنّ الفرصة الآن سانحة لهداية هؤلاء المخدوعين فأكثرهم قد وضعوا أقدامهم في مرحلة الشك والحيرة، ولم تبق لهم إلاّ كلمة طيبة توضع في وقتها المناسب ليرجعوا عن باطلهم، أيّها العقلاء لا تضيّعوا هذه الفرص رحمكم الله، لقد رأيت بنفسي عجائب وغرائب عندما تناقشت معهم واتصلت عليهم، فكان الواحد يمرّ عليّ ولا يسلم فأناديه فيقف ويلتفت إليّ فأكلمّه ويكلمني فلا تمر الدقائق إلاّ وهو يعتذر عن تصرفه، ومثله ما يقع لكم جميعا، أمّا في وسائل التواصل فالمقام لا يتسع لسرد عجائب ما رأيت، وآخره مراسلة من بعضهم قال فيها: إنّي أبغضك في الله! فأجبته بأسطر قليلة فإذا به يتراجع ويعتذر.
إخواني: مواقفهم لم تُبن على عقيدة راسخة بل هي كومة من العواطف سرعان ما تضمحلّ بكلمة حق صادقة! فلا تنخدعوا بصراخهم ولا تخيفكم شدّتهم، فهي تخفي ألمًا شديدا وحنينا كبيرا لا يقف أمام الحق الذي أنتم عليه، فأعينوهم على أنفسهم وعلى شياطينهم.
إخواني الفضلاء: أكثرنا لايزال في مرحلة «الصدمة»، فلم نصدق بعد ما جرى لنا في هذه الفتنة وما الذي فعلناه حتى نعامل بهذه الطريقة العنيفة! فالجرح غائر والمصاب عظيم، لكن علينا أن نولّي ظهورنا لهذه المرحلة ونثبّت أقدامنا في هذه المرحلة التي نعيشها اليوم والتي تتطلب منّا المزيد من التركيز والكثير من التدقيق في الأقوال والأعمال، لاسيما وأنّ شبابا قد استقاموا في هذه الفتنة لا يعرفون لا الشيخ ربيع ولا مشايخ الإصلاح، فاحرصوا عليهم وإيّاكم أن يجدوا منكم ما يؤكد عندهم المطاعن التي سمعوها عنكم، فارحموهم يرحمكم الله.
إخواني الفضلاء: من طلبة العلم وأئمة المساجد انتبهوا إلى إخواننا الذين ينصرون الحق في وسائل التواصل، قد اكتسبوا –إلا من رحم الله- جرأة على الكتابة، وأنا لا أنكر أنّهم قدّموا درسا للمفرقين في حسن الأدب وقوة الطرح، لكن من الشجاعة أن نعترف بأنّ فيهم من هو بحاجة إلى مزيد رعاية، وفيهم من يعتليه تهوّر واضح، وكلّ هذا من آثار فتنة جمعة –عامله الله بما يستحق- فانتبهوا إليهم لاسيما من كان في حيّكم ومسجدكم، وإيّاكم أن يتأثّروا بردّة فعل منكم غير مدروسة، فكلنا يعلم أنّ الكثير منكم ألف احترام الناس ولم يعرف من قبل تسلّطا مثل ما عرفه في هذه الفتنة، فصعب جدا أنّ ينقلب عليكم الناس بين عشيّة وضحاها، لكن ما الحيلة وأنتم أئمة مساجد شرّفكم الله بهذا المنصب العظيم الذي هو في حقيقة من ثغور الإسلام الشريفة، فتحمّلوا أذيّة الناس لوجه الله، وكونوا قدوة للغير، واكظموا غيظكم، وارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم، وضعوا نصب أعينكم الحديث المتفق عليه الذي قال فيه البشير النّذير صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه»، فأبشروا يا إخوتي ففي همِّ المفرِّقة وفي غمّهم وحزنهم تكفير للسيّئات وفي أذيّة جمعة ومن معه مغفرة للذنوب!
إخواني الفضلاء: تأكّدوا بأنّ فترة النصح والبيان سينتهي أجلها بلا شكّ، لأنّ مسيرتنا الدعوية طويلة لابد من استئنافها، والمكابر المعاند يُحذّر منه ولا كرامة، سواء كان تابعا أو متبوعا، فلا يظنّ ظانّ بأنّ الصبر على هؤلاء سيستغرق وقتا طويلا، بل هي ساعات نستغلّها عسى الله أن يهديهم ويخلّص الأمّة من شرّهم، أسأل الله العظيم أن يهدي قلوبنا وأن يطيّب ألسنتنا، وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، والحمد لله ربّ العالمين.

كتبه:
أبو معاذ محمد مرابط
مساء الإثنين 07 رمضان 1440 هـ
الموافق لـ 12 /05 /2019 نصراني
الجزائر العاصمة

رد مع اقتباس