عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 06 Jul 2017, 10:52 AM
أبو عبد السلام جابر البسكري أبو عبد السلام جابر البسكري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2014
المشاركات: 1,229
إرسال رسالة عبر Skype إلى أبو عبد السلام جابر البسكري
افتراضي ظاهرة التميّع الدنيوي.

بسم الله الرحمن الرحيم


ظاهرة التميّع الدنيوي.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أمابعد:

فشهوة حب الدنيا هي ظاهرة التميّع الجديد ، نعم تجده سلفيا ولكن غرته الدنيا وملذاتها فتوسع فيها فضيع بعض الواجبات ، بل ربما وقع في المحظورات كحب المال حبا جما أو السعي وراءها من أجل الرفاهية الزائدة ، وقد حذر صلى الله عليه وسلم من التنعم الزائد : فقال صلى الله عليه وسلم : ( إيَّاي والتَّنعُّمَ ، فإنَّ عبادَ اللهِ ليسوا بالمُتنعِّمين ) [ السلسلة الصحيحة 353].
قال الصنعاني في التنوير شرح الجامع الصغير : (إياك والتنعم) في المأكل والملبس (فإن عباد الله) الذين هم عباده المستحقون الإضافة لذاته. (ليسوا بالمتنعمين) أن التنعم بالمباح، وإن كان جائزًا لكنه يدعو إلى الإنس بالدنيا والاسترسال فيها، وقد يجر إلى الحرام؛ لأن الحلال في الأغلب لا يتسع للتنعم. [ الجزء 4 ص 386 ].
وقد ذكر الله تعالى حقيقة الدنيا فتدبر هذه الآية الكريمة :
قال -عز وجل-: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} [الحديد: 20].
يقول العلامة السعدي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية : يخبر تعالى عن حقيقة الدنيا وما هي عليه، ويبين غايتها وغاية أهلها، بأنها لعب ولهو، تلعب بها الأبدان، وتلهو بها القلوب، وهذا مصداقه ما هو موجود وواقع من أبناء الدنيا، فإنك تجدهم قد قطعوا أوقات أعمارهم بلهو قلوبهم، وغفلتهم عن ذكر الله وعما أمامهم من الوعد والوعيد، وتراهم قد اتخذوا دينهم لعبا ولهوا، بخلاف أهل اليقظة وعمال الآخرة، فإن قلوبهم معمورة بذكر الله، ومعرفته ومحبته، وقد شغلوا أوقاتهم بالأعمال التي تقربهم إلى الله، من النفع القاصر والمتعدي.
و التميع الدنيوي هو بداية الفتنة بالشهوات:
قال تعالى : ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ والبَنِينَ والقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ وَالخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [ال عمران / 14].
قال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ, وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا, فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ؟ فَاتَّقُوا الدُّنْيَا, وَاتَّقُوا النِّسَاءَ, فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ, كَانَتْ فِي النِّسَاءِ). [رواه مسلم].
قال الشيخ بن عثيمين في شرحه للحديث : " إن الدنيا حلوة خضرة " حلوة في المذاق خضرة في المرآى والشيء إذا كان خضرا حلوا فإن العين تطلبه أولا ثم تطلبه النفس ثانيا والشيء إذا اجتمع فيه طلب العين وطلب النفس فإنه يوشك للإنسان أن يقع فيه ، فالدنيا حلوة في مذاقها خضرة في مرآها فيغتر الإنسان بها وينهك فيها ويجعلها أكبر همه ولكن النبي صلى الله عليه وسلم بين أن الله تعالى مستخلفا فيها فينظر كيف نعمل هل تقومون بطاعته وتنهون النفس عن الهوى وتقومون بما أوجب الله عليكم ولا تغتروا بالدنيا أو أن الأمر بالعكس ولهذا قال فاتقوا الدنيا أي: قوموا بما أمركم به واتركوا ما نهاكم عنه ولا تغرنكم حلاوة الدنيا ونضرتها كما قال تعالى فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور
ثم قال :" فاتقوا الدنيا واتقوا النساء" اتقوا النساء أي: احذروهن وهذا يشمل الحذر من المرأة في كيدها مع زوجها ويشمل أيضا الحذر من النساء وفتنتهن ولهذا قال فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء فافتتنوا في النساء فضلوا وأضلوا والعياذ بالله ولذلك نجد أعداءنا ... إهـ [ شرح رياض الصالحين ].
ومن فتنتها أن ينتكس الرجل أو يرتد بسبب تميعه فيها :
و حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من أناس يبيعون الدين بعرض الدنيا ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم : يُصبح الرجل مؤمنا ويُمسي كافرا ، ويمسي مؤمنا ويصبح كافرا ، يبيع دينه بعرض من الدنيا ).
يقول الشيخ بن باز رحمه الله تعالى: المعنى: أن الغربة في الإسلام تشتد حتى يصبح المؤمن مسلماً، ثم يمسي كافراً، وبالعكس يمسي مؤمناً، ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا، وذلك بأن يتكلم بالكفر، أو يعمل به من أجل الدنيا، فيصبح مؤمناً، ويأتيه من يقول له: تسب الله تسب الرسول، تدع الصلاة ونعطيك كذا وكذا، تستحل الزنا، تستحل الخمر، ونعطيك كذا وكذا، فيبيع دينه بعرض من الدنيا، ويصبح كافراً أو يمسي كذلك، أو يقولوا: لا تكن مع المؤمن ونعطيك كذا وكذا لتكون مع الكافرين، فيغريه بأن يكون مع الكافرين، وفي حزب الكافرين، وفي أنصارهم، حتى يعطيه المال الكثير فيكون ولياً للكافرين وعدواً للمؤمنين، وأنواع الردة كثيرة جداً، وغالباً ما يكون ذلك بسبب الدنيا، حب الدنيا وإيثارها على الآخرة. [سؤال موجه لسماحته في حج عام 1415هـ، الشريط رقم 49/9. الموقع الرسمي للشيخ ]
من أراد الآخرة ترك التميع في الدنيا :
وعنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ»، قَالَ: قُلْنَا: "يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ ِللهِ"، قَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ، وَلكِنَّ الاِسْتِحْيَاءَ مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ: أَنْ تَحْفَظَ الرَّاْسَ وَمَا وَعَى، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى، وَلْتَذْكُرِ الْمَوْتَ وَالْبِلَى، وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا، فَمَنْ فَعَلَ ذلِكَ فَقَدِ اسْتَحْيَا مِنَ اللهِ حَقَّ الْحَيَاءِ»المشكاة (1608)
قال عبد الله بن المبارك :
أرى أناسا بأدنى الدين قد قنعوا ** ولا أراهم رضوا في العيش بالدون
فاستغنِ بالدين عن دنيا الملوك كما ** استغنى الملوك بدنياهم عن الدين

وكان سلفنا الصالح يقتنعون بما عندهم من رزق ولا يتطلعون للتميع والتوسع في الدنيا ويكتفون بالزاد القليل ويستعدون للرحيل ليوم شديد حسابه، لأنهم يعلمون أن البناء الحقيقي و السعادة الأبدية في الآخرة .
قال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله :
دخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته فقال يا أبا ذر أين متاعكم فقال إن لنا بيتا نتوجه إليه فقال إنه لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا فقال إن صاحب المنزل لا يدعنا هاهنا .
ودخلوا على بعض الصالحين فقلبوا بصرهم في بيته فقالوا إنا نري بيتك بيت رجل مرتحل فقال لا أرتحل ولكن أطرد طردا .
كان على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : إن الدنيا قد ارتحلت مدبرة وإن الآخرة قد ارتحلت مقبلة ولكل منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل .
قال بعض الحكماء :عجبت ممن الدنيا مولية عنه والآخرة مقبلة إليه يشغل بالمدبرة ويعرض عن المقبلة .[جامع العلوم والحكم ].
والمصيبة أن بعضهم دخل في ما حرم الله بعذر أن الرزق لا يكفيه فأصبح لا يتحاش في طلبه أحلال هو أو حرام أو من المشتبهات فيقع في معاملة محرمة كالربا والعياذ بالله ، وهذا ما خشي النبي صلى الله عليه وسلم في زمننا هذا ،عن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم قال: «لَيأتِيَنَّ عَلَى النَّاسِ زَمانٌ لاَ يُبَالِي المَرءُ بِمَا أَخَذَ المالَ أَمِنْ حَلالٍ، أمْ مِنْ حَرامٍ»- أخرجه البخاري
فويل للمتميع في أمور الدنيا المكثرين منها حتى ضيعوا حقوق الله فيها:
قال صلى الله عليه وسلم : ( ويلٌ للمُكثِرين ؛ إلَّا من قال بالمالِ هَكَذا وهَكَذا وهكذا وهكذا ، أربعٌ : عن يمينهِ ، وعن شِمالِهِ ، ومن قدَّامهِ ، ومن ورائِهِ ) .[ السلسلة الصحيحة 2412 ].
قال صلى الله عليه وسلم : ( إنما أخشى عليكم شهواتِ الغَيِّ في بطونكم وفروجِكم ، ومُضِلَّاتِ الهوَى) .صحيح الترغيب [2143].
قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :( إن أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا يوم القيامة ). [ صحيح الجامع 1577].
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى :
هلال الهدى لا يظهر في غيم الشبع، ولكن يبدو في صحو الجوع وترك الطمع، واحذر أن تميل إلى حب الدنيا فتقع، ولا تكن من الذي قال: سمعت وما سمع، ولا ممن سوف يومه بغده فمات ولا رجع، كلا ليندمن على تفريطه وما صنع؛ وليسألن عن تقصيره في عمله وما ضيع، فيا لها من حسرة وندامة وغصةٍ تجرع، عند قراءة كتابه وما رأى فيه وما جمع، فبكى بكاء شديداً فما نفع، وبقى محزوناً لما رأى من نور المؤمن يسعى بين يديه وقد سمع، فلا ينفعه الحزن ولا الزفير ولا البكاء ولا الجزع. ["المواعظ "لابن الجوزي].
تنبيه : ليس معنى ذم الدنيا تركها بالكلية وإنما لا تجعلها هي المقصد والغاية ، كما قيل للإمام أحمد رحمه الله تعالى: " أيكون الرجل زاهدا وعنده مائة ألف دينار؟، قال: نعم، بشرط ألا يفرح إذا زادت، ولا يحزن إذا نقصت".
و قيل لسفيان الثوري: أيكون الرجل زاهداً، ويكون له المال؟ قال: نعم، إن كان: إذا ابتلي صبر، وإن أُعطي شكر. حلية الأولياء(6/ 387 - 388).
وقال صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ هَذا المالَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ مَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ ووَضَعَهُ في حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ ومَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ ولا يَشْبَعُ ) [رواه مسلم ].
فجمع المال من حله لا يدخل في التميع الدنيوي ، بل هو مأمور به فالمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف ، و كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (نِعْمَ الْمالُ الصّالِحُ لِلرَّجُلِ الصّالِحِ ) [ رواه مسلم ].
اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا ونعوذ بك أن نتميع فيها على حساب ديننا .

كتبه : أبو عبد السلام جابر البسكري
الخميس : 12 شوال 1438 هـجري


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد السلام جابر البسكري ; 06 Jul 2017 الساعة 07:59 PM
رد مع اقتباس