عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 03 Apr 2020, 12:51 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي





سنواصل اليوم، بإذن الله، إضافة فوائد ومنافع من سورة الكهف، يتزوّد بها المرء عقيدةً متينة، ليوم تشخص فيه الأبصار، يتعرّف بهذه العقيدة على قدرة الله، الذي لايعجزه شيء في الأرض ولا في السّماء. وأنّ العبد إذا عرف ذلك أذعن إليه خضوع توحيد له في العمل والعبادة، ولا ريب في أنّ حياته كلّها لله.

قال الله تعالى في سورة الكهف:

"أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا (9)"

يقول الإمام الطبري رحمه الله، في تفسير الآية على وجه الإيجاز:

{ القول في تأويل قوله تعالى : أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمد صلى الله عليه وسلم: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا، فإنّ ما خلقت من السماوات والأرض، وما فيهنّ من العجائب أعجب من أمر أصحاب الكهف، وحجّتي بكلّ ذلك ثابتة على هؤلاء المشركين من قومك، وغيرهم من سائر عبادي.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل......} انتهـ المقصود.

ويفسّر الشيخ السعدي رحمه الله، بأبسط الألفاظ، وأوجزها، وبراعة التّعبير، الآية:

أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا.

{ وهذا الاستفهام بمعنى النّفي، والنّهي. أي: لا تظنّ أنّ قصّة أصحاب الكهف، وما جرى لهم، غريبة على آيات الله، وبديعة في حكمته، وأنّه لا نظير لها، ولا مجانس لها، بل لله تعالى من الآيات العجيبة الغريبة ما هو كثير، من جنس آياته في أصحاب الكهف وأعظم منها، فلم يزل الله يُري عباده من الآيات في الآفاق وفي أنفسهم، ما يتبيّن به الحق من الباطل، والهدى من الضلال، وليس المراد بهذا النّفي أن تكون قصة أصحاب الكهف من العجائب، بل هي من آيات الله العجيبة، وإنّما المراد، أنّ جنسها كثير جدا، فالوقوف معها وحدها، في مقام العجب والاستغراب، نقص في العلم والعقل، بل وظيفة المؤمن: التّفكّر بجميع آيات الله، التي دعا الله العباد إلى التّفكير فيها، فإنّها مفتاح الإيمان، وطريق العلم والإيقان.
وأضافهم إلى الكهف، الذي هو الغار في الجبل، الرقيم، أي: الكتاب الذي قد رقمت فيه أسماؤهم وقصتهم، لملازمتهم له دهرا طويلا.} انتهـ.



وعلى هذه التفسيرات القيّمة للآية، نعرّج إلى معرفة مَن هم أصحاب الكهف، وما الفرق بينهم وبين أصحاب الصخرة؟

سؤال طُرح على الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله:

ما هو القول الصحيح في عدد أهل الكهف؟ وهل هم أصحاب الصخرة؟ أم أنّهم غيرهم؟ فإن كان كذلك فمَن هم إذن أصحاب الصخرة وما هي قصّتهم؟

فأجاب رحمه الله:

أهل الكهف بيّنهم الله في كتابه العظيم، والأقرب ما قاله جماعة من أهل العلم: أنّهم سبعة وثامنهم كلبهم، هذا هو الأقرب والأظهر، وهم أناس مؤمنون، فتية آمنوا بربّهم وزادهم الله هدى، فلمّا أيقظهم الله بعد أن ناموا المدة الطويلة، توفّاهم الله بعد ذلك على دينهم الحق، هؤلاء هم أهل الكهف كما بيّنهم الله في كتابه الكريم، فتية آمنوا بربّهم فزادهم الله هدى، وناموا النومة الطويلة بإذن الله، ثم ماتوا بعد ذلك، وبنى عليهم بعض أهل الغلبة هناك من الأمراء والرؤساء مسجدًا، وقد أخطأوا وغلطوا في ذلك، لأنّ القبور لا يجوز أن تبنى عليها المساجد، وقد نهى رسول الله ﷺ عن ذلك ولعن مَن فعله فقال: "لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، وحذّر من البناء على القبور، وتجصيصها، واتّخاذ المساجد عليها، كلّ هذا نهى عنه النبي ﷺ ولعن من فعله.

فلا يجوز للمسلمين أن يبنوا على القبور مساجد ولا قبابا ولا غير ذلك، بل تكون القبور ضاحية مكشوفة غير مرفوعة، ليس عليها بناء، لا قبة ولا مسجد ولا غير ذلك، هكذا كانت قبور المسلمين في عهد النبي ﷺ وفي عهد الخلفاء الراشدين، حتى غير الناس بعد ذلك وبنوا على القبور، وهذا من الجهل والغلط ومن وسائل الشّـِرْك، قال النبي ﷺ: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد" قالت عائشة رضي الله عنها يحذر ما صنعوا.

وقال عليه الصلاة والسلام لمّا أخبرته أم حبيبة وأم سلمة أنّ في أرض الحبشة عدّة كنائس فيها تصاوير قال: "أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور" ثم قال: "أولئك شرار الخلق عند الله" متفق على صحته، فأخبر أنّهم شرار الخلق بسبب بنائهم على القبور واتّخاذهم الصور عليها، أسأل الله السلامة.

وقال عليه الصلاة والسلام فيما رواه عنه جندب بن عبدالله البجلي رضي الله عنه: "إنّ الله قد اتّخذني خليلا كما اتّخذ إبراهيم خليلا، ولو كنت متخذا من أمّتي خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا، ألا وإنّ مَن كان قبلكم كانوا يتّخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتّخذوا القبور مساجد فإنّي أنهاكم عن ذلك" أخرجه مسلم في صحيحه، فنهى ﷺ في هذا الحديث العظيم عن اتّخاذ القبور مساجد وحذّر من هذا، وبيّن أنّه عمل مَن كان قبلنا من المغضوب عليهم والضّالين، وهو عمل مذموم، وما ذاك إلاّ لأنّه من وسائل الشّـِرْك والغُلُوّ في الأنبياء والصالحين، فلا يجوز للمسلمين أن يتّخذوا قبابا ولا مساجد على قبور أمواتهم، بل هذا منكر ومن وسائل الشّـِرْك.

وهكذا لا يجوز تجصيص القبور والبناء عليها والقعود عليها، لما ثبت في صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه أن النبي ﷺ نهى عن ذلك، كما نهى رسول الله ﷺ عن الكتابة عليها أو إسراجها، في أحاديث أخرى، وكل ذلك من باب سد الذرائع المفضية إلى الشّـِرْك والغُلُوّ، والله المستعان، ولما في القعود عليها من الإهانة لأهلها.

أما أصحاب الصخرة، فكما جاء في الحديث عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أنّه قال سمعت رسول الله ﷺ يقول: { انطلق ثلاثة رهط ممن كان قبلكم حتى آووا المبيت إلى غار فدخلوه، فانحدرت صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فقالوا: إنّه لا ينجيكم من هذه الصخرة إلاّ أن تدعو الله بصالح أعمالكم، فقال رجل منهم: اللّهم كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت لا أغبق قبلهما أهلا ولا مالا، فنأى بي في طلب شيء يوما فلم أرح عليهما حتى ناما، فحلبت لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين وكرهت أن أغبق قبلهما أهلا أو مالا، فلبثت والقدح على يدي أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر، فاستيقظا فشربا غبوقهما، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرج عنّا ما نحن فيه من هذه الصخرة، فانفرجت شيئا لا يستطيعون الخروج. قال النبي ﷺ: وقال الآخر: اللّهم كانت لي بنت عمّ كانت أحبّ الناس إليّ، فأردتها عن نفسها فامتنعت منّي حتّى ألمّت بها سنة من السنين فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت، حتى إذا قدرت عليها قالت لا أحلّ لك أن تفضّ الخاتم إلاّ بحقّه، فتحرّجتُ من الوقوع عليها فانصرفتُ عنها وهي أحبّ الناس إليّ، وتركتُ الذّهب الذي أعطيتها، اللّهم إن كنت فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فأفرج عنّا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة، غير أنّهم لا يستطيعون الخروج منها. قال النبي ﷺ: قال الثالث: اللّهم إنّي استأجرت أجراء فأعطيتهم أجرهم غير رجل واحد ترك الذي له وذهب، فثمرتُ أجره حتى كثرت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله، أَدِّ إليّ أجري، فقلت له: كلّ ما ترى من أجرك من الإبل والبقر والغنم والرقيق، فقال: يا عبد الله، لا تستهزىء بي، قلت إنّي لا أستهزئ بك، فأخذه كلّه، فاستاقه فلم يترك منه شيئا، اللّهم فإن كنتُ فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة فخرجوا يمشون.}

في هذا الحديث موعظة وذكرى ودلالة على أنّ الله سبحانه على كل شيء قدير، وأنّه سبحانه يبتلي عباده في السرّاء والضرّاء والشدّة والرّخاء ليمتحن صبرهم وشكرهم ويبيّن آياته لعباده وقدرته العظيمة، وهذا حديث صحيح، رواه مسلم والبخاري في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ، وفيه:

- عبرة وإرشاد إلى الضّراعة إلى الله وإلى سؤاله عند الكرب والشدّة، وأنّه سبحانه قريب مجيب يسمع دعاء الداعي ويجيب دعوته إذا شاء عزّوجلّ،

- وفيه دلالة على أنّ الأعمال الصّالحات من أسباب تيسير الأمور وإزالة الشدائد وتفريج الكروب،

- وفيه دليل على أنّه ينبغي للمؤمن إذا وقع في الشدّة أن يضرع إلى الله ويفزع إليه ويسأله ويتوسّل بأعماله الصالحة، كإيمانه بالله ورسوله وتوحيده وإخلاص العبادة له، وكبر الوالدين وأداء الأمانة والعفة عن الفواحش.

هذه وأمثالها هي الأسباب والوسائل الشرعية، والله سبحانه من فضله وإحسانه يجيب دعوة المضطر، ويرحم عبده المؤمن ويجيب سؤاله، كما قال سبحانه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) [البقرة:186]، وقال سبحانه: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر:60] وقال سبحانه: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) [النمل:62] وهؤلاء الثلاثة مضطرّون، نزل بهم أمر عظيم وكربة شديدة، فسألوا الله بصالح الأعمال، فأجاب الله دعاءهم وفرج كربتهم.

وفيه من الفوائد:

-بيان فضل بر الوالدين، وهو من أفضل القربات ومن أسباب تيسير الأمور،

-وهكذا العفة عن الزنا والحذر منه من جملة الأعمال الصالحات ومن أسباب النجاة من كلّ سوء،

-وهكذا أداء الأمانة والنصح فيها من أعظم الأسباب في تيسير الكروب ومن أفضل الأعمال الصالحات،

ولعظم فائدة هذا الحديث أخبر النبي ﷺ به أمّته ليستفيدوا ويعتبروا، ويتأسّوا بمَن قبلهم في الأعمال الصالحة. والله المستعان[1].
-------------------------------------------------------
1- ضمن أسئلة برنامج (نور على الدرب) بالإذاعة. (مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز 6/255)

المصدر




الصور المرفقة
نوع الملف: png أم حسبت أنّ أصحاب الكهف.png‏ (262.6 كيلوبايت, المشاهدات 3043)
نوع الملف: png من أسرار السعادة.png‏ (1.12 ميجابايت, المشاهدات 2460)
نوع الملف: png إقبال القلوب على الله في الشدّة.png‏ (186.7 كيلوبايت, المشاهدات 3029)
رد مع اقتباس