عرض مشاركة واحدة
  #15  
قديم 21 Dec 2014, 01:20 PM
أبو حذافة صدام زميت الجزائري
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

ومما ينبغي التنبيهُ إليه إخواني أن هذا الاصطلاح الذي أحدثه المتكلمون من الأشاعرة والمعتزلة راجعٌ إلى أصولٍ اعتقاديةٍ باطلةٍ عندهم، فلنترُكْ إطلاقَ المتكلمين (الأشاعرة والمعتزلة)؛ فإن القومَ يعتقدون ما لا نعتقد، والله المستعان.

توضيح:

# الأصلُ عند الأشاعرة وأذنابِهم أنَّ الله أمر عبادَه بعبادته وامتثال أمْرِهِ للابتلاء المحض، ولمجرَّد الامتحان والاختبار فقط، لا لحكمة شرعية يقتضيها أمْرُه أو نهيُه، ومنه تستوي جميع الأشياء والأفعال في الحُسْنِ والقُبْحِ عقلاً حتى يَرِدَ الشرعُ بنوعها (ولست في صدد الرد على بطلان هذا الأصل الفاسد الذي يلزم عنه جواز أمر الله لعباده بالشرك).
وبناءً على أصلهم؛ فإن جميع أعمالِ الشريعة تكليفاتٌ وابتلاءاتٌ محضةٌ، وحظُّ العبدِ منها المشقةُ لا الحكمةُ المترتبةُ عليها من صلاح العبد والعالَم وراحته.. وغيرها من الحِكَم العظيمة. ولهذا قالوا: جميع الشريعة تكليفٌ وابتلاء محضٌ.

# الأصل عند المعتزلة أن العقلَ هو ميزان الحُسنِ والقبحِ في الأشياء والأفعال ولا دخل للشرع فيهما، وأن الفعلَ الحسَن مستلزمٌ للثوابِ، والقبيحَ مستلزمٌ للعقاب عقلًا، ويقولون: لا جزاء إلا بتكليفٍ، ولا تعويضَ إلا بأجرة.
وبناءً على أصلهم؛ فلا ثواب إلا بعمل وكلفةٍ ومشقة، وبالتالي فجميع أمور الشريعة تكليفٌ؛ لأنه ينبني عليها جزاءٌ وثواب في الآخرة. فقالوا: جميع الشريعة تكليفٌ.

# ومما تقدم جعلوا الشريعة تكليفًا، وقسموها أقسامًا؛ هي المباح والواجب والحرام.. إلى آخره.
ولو تأمَّلنا كلام شيخَ الإسلام ابن تيمية في سياقه التام عرفنا أنه لا يقصد إنكار إطلاق لفظ التكليف على الشريعة مطلقًا، وإنما إطلاقه على جميعها [وقد استعمل لفظ (التكليف) في الكثير من كتبه].

قال شيخ الإسلام -رحمه الله-:
إن نفس الإيمان بالله وعبادته ومحبته وإجلاله هو غذاء الإنسان وقوته وصلاحه وقوامه كما عليه أهل الإيمان، وكما دل عليه القرآن، لا كما يقول من يعتقد من أهل الكلام ونحوهم: إن عبادته تكليف ومشقة وخلاف مقصود القلب لمجرد الامتحان والاختبار، أو لأجل التعويض بالأجرة كما يقوله المعتزلة وغيرهم؛ فإنه وإن كان فى الأعمال الصالحة ما هو على خلاف هوى النفس، والله ـ سبحانه ـ يأجر العبد على الأعمال المأمور بها مع المشقة، كما قال تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ} الآية ، وقال صلى الله عليه وسلم لعائشة: " أجرك على قدر نصبك " ـ فليس ذلك هو المقصود الأول بالأمر الشرعي، وإنما وقع ضمنا وتبعا لأسباب ليس هذا موضعها، وهذا يفسر فى موضعه.
ولهذا لم يجئ فى الكتاب والسنة وكلام السلف إطلاق القول على الإيمان والعمل الصالح: أنه تكليف، كما يطلق ذلك كثير من المتكلمة والمتفقهة، وإنما جاء ذكر التكليف فى موضع النفي، كقوله: {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَها}، {لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ} ، {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} أي: وإن وقع فى الأمر تكليف، فلا يكلف إلا قدر الوسع، لا أنه يسمى جميع الشريعة تكليفًا، مع أن غالبها قرة العيون وسرور القلوب؛ ولذات الأرواح وكمال النعيم، وذلك لإرادة وجه الله والإنابة إليه، وذكره وتوجه الوجه إليه، فهو الإله الحق الذى تطمئن إليه القلوب، ولا يقوم غيره مقامه فى ذلك أبدًا. قال الله تعالى: {فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا}.
انتهى كلام بتمامه -رحمه الله-.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو حذافة صدام زميت الجزائري ; 22 Dec 2014 الساعة 05:43 AM
رد مع اقتباس