عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 05 Mar 2014, 08:02 AM
عثمان بوشايبة عثمان بوشايبة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jul 2013
المشاركات: 155
افتراضي طمس الدين للشيخ توفيق عمروني

طمس الدين


ممَّن طال السُّكوت عن باطلهم، ظنًّا أنَّ صاحبَه سيرعوي أو أنَّ باطله سيبطل مِن نفسِه، إلَّا أنَّ هذا السُّكوت لم يزده إلَّا جراءةً وتماديًا في غيِّه، فأوشكَ أن يكونَ هذا السُّكوتُ إقرارًا لأباطيله، وعونًا على انتشار افتراءاته؛ فلهذا لم يعُد يحسُن الإعراض ولا السُّكوت عن ذيَّاك الزَّاعم النُّصحَ لعُموم الأمَّة الجزائريَّة في إحدى القَنوات التِّلفزيونيَّة منذُ مدَّةٍ، متَّخذًا أسلوبَ التَّهكُّم والسُّخرية والاستِهتار وسيلتَه لإيصال أفكاره المثيرة، وأجوبته الغريبة، في دقائق زمنيَّة يقضي فيها المشاهد أوقاتًا ينفصلُ منها ولا يدري أكانَ في مجلس فتوى أو مجلس (تنكيت) وفكاهة أو مجلس قِصَص وأحاجي أو غير ذلك من الأجواء الَّتي يملؤها هذا المتَزيِّي بزِيِّ المشايخ بالتَّهويل والتَّهريج، والانفعال والاندفاع، فلا يتكلَّمُ كلامَ أهلِ العِلم، ولا ينتهجُ أسلوبَ أهل العلم، ولا يلزمُ أدبَ أهل العلم في إيراد المسائل الشَّرعيَّة والاستِدلال لها، ولا منهجَهم في الفَتوى، فضلًا عن طريقَة ردودِه ومناقشتِه لمخالفيه بلغَة فيها كثيرٌ من الاستِعلاء والعُنْجهيَّة، والفَوْرَة الغضبيَّة مع نفسيَّةٍ متشنِّجةٍ مشحونةٍ بحقدٍ دفينٍ وحنقٍ شديدٍ، ممَّا ينبئ عن ضِيق عَطَن هذا الشَّخص، ولا يضيقُ العَطَن إلَّا بسبَب الإفلاس العِلمي والخواء الفِقهي.
ويكفي أن تعلمَ أنَّه تَرد عليه أسئلة في أمور الشَّرع فيقابلها بإجابات فيها حيدةٌ قبيحةٌ هي أقرب إلى اللَّعب بأمور الدِّين، ولا يخفى ما في ذلكَ منَ الجُرم واللَّوم؛ والأمثلة على ذلك كثيرةٌ مسجَّلةٌ في الشَّبكة العنكبوتيَّة، لكن من أقربها ما نُمي إليَّ أنَّ سائلًا سأله إذا استيقظ بعد خروج وقت الفَجر، بمَ يبدَأ بصَلاة ركعتي الفَجر أم بالفَريضة؟ فلو رجع أحدُنا إلى كتب فتاوى أهل العِلم لوجَد مثل هذا السُّؤال ووجد إجابةً صريحةً عنه؛ أمَّا هذا الزَّاعم للنُّصح فقال للسَّائل: ابدَأ بفطور الصَّباح!! أهكَذا يكون جوابُ أهل العلم والفتوى والنُّصح؛ فواأسفاه على الإسلام إذا صار مثلُكَ ـ يا هذا ـ مفتيًا ومعلِّمًا وناصحًا!
ولمَّا كان الجهل الفاضحُ سمةَ هذا المتجاسِر تحلَّل من القُيود والضَّوابط وسمح لنفسِه أن يخوضَ في كثيرٍ من الموضوعات الَّتي لا تَعنيه، وإلَّا فما شأنُ شيخٍ مُعمَّمٍ يتحدَّث بإسهاب عن كيفيَّة توزيع تذاكر الدُّخول إلى ملعب كرة القدم لإجراء مقابلة كرويَّة! أو يتحدَّث عن هدف سُجِّلَ في مرمى فريق الخصم!!
كما سمَح لنفسه أن يحمل حملات شعواء على أئمَّةٍ أجلَّاء وأعلام راسخين في العلم غابَت أعيانُهم وبقيت آثارُهم الحسنة؛ كشيخ الإسلام ابن تيميَّة والإمام البربهاري والإمام محمَّد ابن عبد الوهَّاب والإمام ابن باز والإمام الألباني والشَّيخ مقبل الوادعي وغيرهم ـ رحمهم الله جميعًا ـ، ويصفُ بعضَهم بالإرهابي دون حياء أو خجل، كما نال الشَّيخ محمَّد علي فركوس ـ حفظه الله ـ من طعونه نصيبٌ وافرٌ.
ومن فظاعاته أنَّه لمَّازٌ للدَّعوة السَّلفيَّة بأشنع الأسمَاء والأوصَاف ومن قبيح زعمه وأسمجِ هُرائه أنَّ الدَّعوةَ السَّلفيَّةَ مِن صُنع المخابرات البريطانيَّة!!
ويُجهز على السَّلفيِّين ببُهتٍ وسباب وشتَائم يأباها السُّوقة؛ كوصفهم بالحشويَّة والوهَّابيَّة واللَّامذهبيَّة، وأنَّهم أهل ضلال وفظاظة وغلظة وسوء أخلاق؛ وأنَّهم خطرٌ على الدِّين والوطن؛ بل يصرُّ على أنَّ الإرهابَ والسَّلفيَّةَ قرينان لا يفتَرقان، فيقول إفكًا وزورًا: «إنَّ كُلَّ دم، وكلَّ سَبي، وكلَّ عنفٍ وراءه فتوى سلفيَّة» [جريدة «المحقِّق» عدد 134]، ويتمَادى في غيِّه وجهله، ويقول: «كلُّ دم سال في الجَزائر وراءَه فتوى سلفيَّة، وأنَّ كلَّ القَتلى الَّذين قُتلوا خلالَ الأزمَة الأمنيَّة في الجزائر ذنوبُهم في ميزان محمَّد بن عبد الوهَّاب» [جريدة الخبر الأسبوعي507]؛ وغيرها منَ الإطلاقات الخطيرة والافتراءات العظيمة، ولا عجبَ في ذلك؛ لأنَّ الجهل لا يولِّد غير الجهالات، و«مَن جهل قَدْر نفسِه كانَ بقَدْر غيرِه أجهَل».
إنَّ من الاستخفاف بالعقول أن يقدَّمَ مثل هذا المتَعَجْرف المتحامل على أنَّه ناصح لطُلَّاب النَّصيحة ومرشدٌ لعُموم الأمَّة؛ وكأنَّ بلادَنا العَزيزة على سعَتها وكثرة المتعلِّمين فيها أضحت عقرى عن إنجاب الأكفَاء المؤهَّلين للتَّعليم والفتوى والإرشادِ حتَّى يؤول الأمرُ إلى هذا المتشبِّع بما لم يعط، ليسطو على هذه الوظيفة العظيمة وهي النَّصيحةُ، و«الدِّين النَّصيحة» كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم، فيصُول ويجُول دونَ رقيب ولا حسيب.
فالأمَّة بحاجة إلى عالم أمين وناصحٍ مشفِقٍ في نصحِه؛ كنصح الوالد لولده والمعلِّم لتلميذِه، فلا يتكلَّم إلَّا بعلم في حِلمٍ ووقارٍ وهدوءٍ، ولا يكون له قصدٌ وراء ذلك إلَّا هدايةَ النَّاس إلى الحقِّ والأخذ بأيديهم إلى طريق الخير والصَّلاح، وتعليمهم أمر دينِهم وحثِّهم على لزوم كتاب ربٍّهم ومتابعة سنَّة نبيِّهم صلَّى الله عليه وسلَّم، ويبعث في النُّفوس تعظيمَ شأنِ الدِّينِ كلِّه؛ وليس كمَا يفعَلُ هذا النَّاصح المزعومُ بأسلوبه الخالي منَ العلم والفقه، وجرأتِه على مخالفة سُنن نبويَّة ثابتَةٍ قطعًا، وحديثه عن أمور عقديَّة عظيمة بطريقة مستقبحة؛ ككلامه المستَهجَن عن نار جهنَّم ـ حينما طَلب منه سائلٌ أن يحدِّثه عنها ـ، فأخذَ يعدِّد بعضَ ما يعيشه الجزائريُّ من ضيق عيش ومتاعب ماديَّة وزعَم أنَّه نفس ما هو موجودٌ في جهنَّم، فلا حاجَةَ للحديث عنها؛ وهذا جهلٌ صريح وقلَّة حياءٍ وخفَّة دين؛ ـ ومن سمَّى هذه الشَّناعات نصحًا أو نصيحةً فهو غاشٌّ لأمَّتِه ـ.
ولمَّا اتَّخذ هذه الطَّريقة في نصحِه نُزعت مهابتُه من النُّفوس، فصار تَرِدُ عليه أسئلةٌ هي إلى الهزل أقرب منها إلى الجدِّ في طلب الفتوى والنَّصيحة؛ كالفتاة الَّتي طلبت منه أن يساعدها على الظَّفر بزوج مِن بلاد الهند، والمرأة العجوز الَّتي بلغت السَّبعين عامًا تطلب عونَه لتزويجها برجل لا يتجاوز سنُّه خمسًا وسبعين سنة، ونحوها منَ المسائل الواردة عليه، والَّتي ما كانَت لتَرد على عالم يعظِّمُ العلمَ والسُّنَّةَ؛ بل تحوَّل بأسلوبه هذا إلى مادَّةٍ للهزؤ والتَّفكُّه، يتضاحَكُ الشَّبابُ من شطحاتِه ويتندَّرون بخَرجَاته؛ ويتناقلون ذلك على هواتفهم المحمولة والمواقع الإلكترونيَّة؛ ولا أرى ذلك إلَّا ثمرةً مُرَّةً يَجنيها من سُوء صَنيعه؛ لأنَّ الجزاءَ مِن جنس العَمل، فإنَّه لمَّا أرادَ أن يحُطَّ مِن أقدار أولياء الله وهُم علماء السُّنَّة الأبرار، خاب سعيُه وعُومل بنقيض قصده، فاستُخِفَّ بأمره وحُطَّ من قَدره في نفوس العامَّة، وإنَّه إن لم يرعو، فسَيَرى إلى ما يَصير إليه أمرُه، «فإنَّ لُحُومَ العلمَاءِ ـ رحْمَة الله عَلَيْهِم ـ مَسْمُومَة، وعَادَة الله في هتكِ أَسْتَار منتَقصِيهم مَعْلُومَة؛ لأَنَّ الوقيعةَ فيهم بمَا هُم مِنْهُ برَاء أمرُه عَظِيمٌ، والتَّنَاولُ لأعراضِهم بالزُّور والافتراءِ مرتَعٌ وخيمٌ» [«تبيين كذب المفتري» (ص29)].
وإنَّه لنَذير سوءٍ ألَّا يؤخَذ على يَد هذا الزَّاعم للنُّصح لتُحمى الأمَّةُ مِن جهالاتِه وضلالاتِه، ويُصانَ الدِّينُ الصَّحيح من تحريفاتِه وتزييفاتِه، وتُحفظ السُّنَّة مِن تشويشه وطيشِه؛ وكان اللَّائقُ به أن ينصَح لنفسِه قبلَ أن ينتَصب ناصحًا لغيره، فيمسكُ لسانَه ويُقبلُ على شأنِه، ويُقلِّب النَّظر في قَول النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: «إِنَّ الله لا يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا»، وإن شاء فليسمَع تحذيرَ علَّامة الجزائر ابن باديس ـ رحمه الله ـ ونصيحتَه، ـ وإن لم يكُن على مشربه، إذ لم يكن طرقيًّا ولا صوفيَّا ـ حيث يقول: «وحذَار منَ الكلام في دين الله والإفتَاء للنَّاس بغَيْر علم مؤَهِّل لذلكَ، وحذَار مِن صَرف النَّاس عن العِلم وأهلِه إذا رأيتَهُم قَد افتُتِنُوا بكَ» [«آثار ابن باديس» (2/275)].
فأعطِ القَوس باريها، ودع الفَتوى فلستَ من أهلها، وأنصِف نفسَك والزَم قدرَك، ولا يغرَّنَّك سطوع أضواء الأستوديو الكاشفة في وجهك؛ فإنَّ شموسَ الحقِّ السَّاطعة ستُخمد شموسَ الباطل المظلِمة، ولو بعد حين؛ فالحقُّ روحه العلم، والباطل يسيِّره الجهل، ولا فلاح للأمَّة إلَّا بالعلم الصَّحيح؛ و$مَن تحدَّث في العلم بغَيْر أمانَة، فقَد مسَّ العلمَ بقُرحة، ووضع في سبيل فَلاح الأمَّة حَجَر عَثرة» [«رسائل الإصلاح» للشَّيخ محمَّد الخضر حسين (ص81)].
فلا تقف حجرَ عثرَةٍ في طريق تقَدُّم الأمَّة وفلاحِها، فتعطِّلَ مسيرةَ الخير والنَّجاح، وتؤخِّر عجلةَ الإصلاح، وتشوِّه صورةَ ديننا الحنيف، وتطمسَ معالمه وحقائقه.
حمى اللهُ أمَّتَنا مِن مُضِلَّات الأهواء والفتَن، ومن جميع المحدثات والبدع والخرافات. الرابط:http://www.rayatalislah.com/index.ph...03-03-14-58-54

رد مع اقتباس