عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 21 Jul 2019, 10:09 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي







الصّلاة عماد الدّين

للشيخ عبدالرزّاق بن عبدالمحسن العباد البدر حفظهما الله.

إنَّ من أوجب الواجبات التي أوجبها الله على عباده وأجلّ الفرائض التي افترضها: الصّلاة. فـالصّلاة عماد الدّين وآكد أركانه بعد الشهادتين، وهي: الصّـِلَة بين العبد وربّه ، وهي: أوّل ما يُحَاسَب عليه العبد يوم القيامة، فإذا صلحت صلح سائر عمله ، وإذا فسدت فسد سائر عمله ، وهي الفارقة بين المسلم والكافر، فـإقامتها إيمان، وإضاعتها كفر ، فـلا دين لمن لا صلاة له، ولا حظّ في الإسلام لِمَن ترك الصلاة، ومَن حافظ عليها كانت له نوراً في قلبه ووجهه وقبره وحشره، وكانت له نجاة يوم القيامة، وحُشر مع الّذين أنعم الله عليهم من النّبيّين والصِدِّيقين والشّهداء والصّالحين وحسُن أولئك رفيقا ، ومَن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة يوم القيامة، وحُشر مع فرعون وهامان وقارون وأبيّ ابن خلف.

يقول الإمام أحمد رحمه الله في كتاب ( الصلاة ) : "جاء في الحديث: ((لا حَظَّ في الإسلام لِمَن ترك الصلاة)) [1] وقد كان عمر بن الخطاب يكتب إلى الآفاق: إنَّ أهم أموركم عندي الصلاة فَمَن حفظها حفظ دينه، ومَن ضيَّعها فهو لِمَا سواها أضيَع، ولا حظَّ في الإسلام لِمَن ترك الصلاة، قال: فكلّ مستخِفٍّ بالصّلاة مستهين بها، فهو مستخِفٌّ بالإسلام مستهين به، وإنّما حظّهم في الإسلام على قدر حظّهم من الصلاة، ورغبتهم في الإسلام على قدر رغبتهم في الصّلاة. فاعرف نفسك يا عبد الله واحذر أن تلقى الله ولا قدر للإسلام عندك، فإنَّ قدر الإسلام في قلبك كقدر الصّلاة في قلبك، وقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: ((الصّلاة عمود الدّين)) [2] . ألست تعلم أنّ الفسطاط إذا سقط عموده سقط الفسطاط ولم ينتفع بالطنب ولا بالأوتاد ، وإذا قام عمود الفسطاط انتفع بالطنب والأوتاد، وكذلك الصّلاة من الإسلام، وجاء في الحديث: ((إنَّ أوّل ما يُسْأَل عنه العبد يوم القيامة من عمله: الصلاة، فإن تقبلت منه صلاة تقبل منه سائر عمله)) [3]. فصلاتنا آخر ديننا وهي ما نسأل عنه غداً من أعمالنا يوم القيامة ، فليس بعد ذهاب الصلاة إسلام ولا دين، إذا صارت الصلاة آخر ما يذهب من الإسلام " انتهى كلام الإمام أحمد رحمه الله .

لا يختلف المسلمون أنَّ ترك الصلاة المفروضة عمداً من أعظم الذنوب وأكبر الكبائر، وأنَّ إثمه عند الله أعظم من إثم قتل النفس وأخذ الأموال ومن إثم الزنا والسرقة وشرب الخمر، وأنّه متعرّض لـعقوبة الله وسخطه وخزيه في الدنيا والآخرة، ثم إنّهم اختلفوا في قتله وفي كيفية قتله وفي كفره، وأقوالهم في هذا وذكر أدلّتهم وما احتجّ به أهل كلّ قول مبسوطة في كتب أهل العلم المعروفة، وليس هذا مجال بسطها .

ومَن قال من أهل العلم بكفر تارك الصلاة قد احتجّ لذلك بأدلّة قويّة من كتاب الله تعالى وسُنَّة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأقلّ أحوال هذه الأدلة أنّها تبعث في قلب المسلم الحريص حبّ الصلاة وتعظيمها ومعرفة قدرها، وتحرّك في نفسه حبّ المحافظة عليها والعناية بها وأدائها في وقتها كما أوجب الله.

يقول الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (38) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (39)فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (40)عَنِ الْمُجْرِمِينَ (41)مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43)وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44)وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45)وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46)حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر:38-47] . فأخبر تعالى أنّ تارك الصلاة من المجرمين السّالكين في سقر، وهو واد في جهنم .

ويقول تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم:59]، وقد جاء عن ابن مسعود أنّ غيًّا: نهر في جهنّم خبيث الطعم بعيد القعر، فيا عظم مصيبة مَن لقيه ويا شدّة حسرة مَن دخله!!!

ويقول تعالى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ} [التوبة:11] فعلَّق أخوَّتهم للمؤمنين بفعل الصلاة، فدلّ ذلك على أنّهم إن لم يفعلوها فليسوا بإخوان لهم .

ويقول سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآَيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة:15]، ويقول تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لَا يَرْكَعُونَ (48)وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} [المرسلات:48-49] ذكر هذا بعد قوله {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلًا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} [المرسلات:46]

وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلَاةِ)) [4] .

وعن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلَاةُ، فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ)) [5] .

وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَنْ تَرَكَ الصَّلَاةَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ)) [6] .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلَا تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ)) [7] وفي رواية عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَصَلَّى صَلَاتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ، لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ)) [8].

وعن محجن الأسلمي رضي الله عنه: أَنَّهُ كَانَ فِي مَجْلِسٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُذِّنَ بِالصَّلَاةِ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى ثُمَّ رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِحْجَنٌ فِي مَجْلِسِهِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((مَا مَنَعَكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَ النَّاسِ أَلَسْتَ بِرَجُلٍ مُسْلِمٍ)) قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَكِنِّي كُنْتُ قَدْ صَلَّيْتُ فِي أَهْلِي، فَقَالَ لَهُ: ((إِذَا جِئْتَ فَصَلِّ مَعَ النَّاسِ وَإِنْ كُنْتَ قَدْ صَلَّيْتَ)) [9] .

وقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم في هذا المعنى آثار كثيرة منها: ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّه قال: "لا حَظَّ في الإسلام لِمَن ترك الصّلاة"، وقال: "لا إسلام لِمَن ترك الصلاة" ، قاله بمحضر من الصحابة ولم ينكر عليه، بل قال مثل قوله هذا غير واحد من الصحابة منهم: معاذ بن جبل، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو هريرة، وعبد الله بن مسعود وغيرهم .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ)) [10] .

فإذا كان هذا شأن مَن لا يشهد الصلاة مع الجماعة يعده الصحابة منافقاً معلوم النفاق، فكيف إذاً بالتّارك لها؟! نسأل الله السّلامة.

إنَّ ميزان الصلاة في الإسلام عظيم ومنزلتها عالية، وقد فرضها الله على نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم من غير واسطة من فوق سبع سماوات عندما عُرج به صلى الله عليه وسلم إلى السماء.

وقد ورد فيها غير ما تقدّم ممّا يدلّ على فضلها وعظم قدرها وشدّة عقوبة تاركها نصوص كثيرة في الكتاب والسُنَّة، والمقام لا يسمح لأكثر من هذا. ومع هذا فقد خفَّ ميزان الصلاة عند كثير من الناس حتى عند بعض طلبة العلم الشرعي والله المستعان، فمن الناس مَن تهاون بها، ومنهم مَن تهاون بشروطها وأركانها وواجباتها فلا يأتي بها على وجهها، ومنهم مَن يتهاون بالصلاة مع الجماعة. وهذا من علامات المنافق عند الصحابة.

فالواجب علينا أن نحافظ على هذه الطاعة الجليلة والعبادة الجليلة التي هي أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وأن نحذر أشدّ الحذر من سبيل المجرمين، قال عز وجل: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238] .
________________

[1] رواه مالك في ( الموطأ ) رقم (79) –رواية يحي الليثي– عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من قوله.

[2] أورده السيوطي في (الجامع الصغير) (5186)، وقال: رواه أبو نعيم الفضل بن دكين في (الصلاة) عن عمر. وضعَّفه الألباني رحمه الله في (ضعيف الجامع) (3567). ويشهد له حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة)) رواه الترمذي (2616) وابن ماجه (3973) وصححه لغيره الألباني رحمه الله في (صحيح الترغيب) (2866) .

[3] أخرج معناه الترمذي (413) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن الترمذي) (337) .

[4] رواه مسلم (82) .

[5] رواه أحمد (5/346)، والترمذي (2621)، والنسائي (463)، وابن ماجه (1079)، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح الجامع) (4143).

[6] رواه أحمد (5/238)، وحسنه لغيره الألباني رحمه الله في (صحيح الترغيب) (570).

[7] رواه البخاري (391).

[8] أخرجها البخاري (393).

[9] رواه أحمد (4/34)، ومالك (293)، والنسائي (857)، وصححه الألباني رحمه الله في (صحيح سنن النسائي)

[10] رواه مسلم [257- (654)].


الموقع الرسمي للشيخ حفظه الله.








الصور المرفقة
نوع الملف: jpg حافظ على الصلاة.jpg‏ (53.2 كيلوبايت, المشاهدات 1414)
نوع الملف: jpg حافظوا على الصلوات.jpg‏ (56.0 كيلوبايت, المشاهدات 1067)
نوع الملف: jpg خصلتان في الرجل....jpg‏ (51.5 كيلوبايت, المشاهدات 1530)
نوع الملف: jpg التهاون في الصلاة.jpg‏ (79.4 كيلوبايت, المشاهدات 1968)
نوع الملف: jpg إذا أقمت الصلاة جاءك الرزق.jpg‏ (108.2 كيلوبايت, المشاهدات 1545)
رد مع اقتباس