عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 20 Sep 2010, 07:14 AM
محمد الهاشمي محمد الهاشمي غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Apr 2010
المشاركات: 101
افتراضي



بسم الله الرحمـٰن الرحيم




محاضرة


الاعتداء في الشهوات




لفضيلة الشيخ:


سليمان بن سليم الله الرحيلي

حفظه الله تعالىٰ


[شريط مفرّغ]



الحمد لله باري البريات، أحلّ لنا الطيبات وحرّم علينا الخبيثات، وحذَّرنا من ظلمة الشبهات وعواقب الاعتداء في الشهوات.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له المحيا والممات، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، جاءنا بالآيات البيِّنات، وحذَّرنا من المهلِكات ومِن التعرُّض لأسباب العقوبات. صلى الله عليه وسلم أعظم الصلوات والتسليمات. ورضي عن آله وأصحابه أهل المكرمات. أما بعد:

فأيها الإخوة والأخوات.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

إنني أحمَد الله –عز وجل- على هذا اللقاء، فإنّ من أطيب اللقاءات لقاءًا يكون بأهل الخير، يكون بمُحبي الخير، يكون على الخير، وإني أسال الله –عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يبارك في هذا اللقاء، وأن ينفع به قائله وسامعه، وأن يجعلنا جميعًا مفاتيح للخير مغاليق للشر.

أيها الإخوة والأخوات.. خلق الله –عز وجل- الإنسان وصوَّره وجعله في أحسن تقويم وربَّاه بنعمه وأنعم عليه بنعم كثيرة، خلقه ورباه بالنعم لحكمة عظيمة، لحكمة سامية يزكو بها الإنسان، وأخبره –سبحانه- عن هذه الحكمة فقال –سبحانه-: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات 56]، وأرسل له الرسل مبشرين ومنذرين ومبيِّنين ومحذِّرين {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل:36]، وختم الله –عز وجل- الأنبياء والرسل بأشرفهم؛ بمحمد بن عبد الله –صلى الله عليه وسلم-، الذي أكمل الله له الدين، وأتمّ عليه وبه النعمة، وجاء –صلى الله عليه وسلم- بكل خير، فما من خير إلا وبيَّنه النبي –صلى الله عليه وسلم- وأرشد أمته إليه، وما من شر إلا بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم- وحذَّر أمته منه.

والمؤمن الموفَّق ينطلق في أموره كلها من أصل عظيم، ذلكم الأصل أيها الإخوة والأخوات: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- علَّمنا كل شيء. ولذا لمّا قال رجلٌ لسلمان –رضي الله عنه-: علَّمكم نبيكم كل شيء حتى الخراء؟ قالها على سبيل الاستهزاء، قال سلمان –رضي الله عنه-: أجل. فالنبي –صلى الله عليه وسلم علَّمنا كل شيء.

أيها الإخوة.. خلق الله –عز وجل- الإنسان وركّب فيه أمورا –سبحانه- بحكمته، وبيّن له طريق الخير وطريق الشر، وأكرمه بالعقل، وخلق فيه ما شاء لحِكم عظيمة، فالمعلوم أنّ ربنا –سبحانه وتعالى- لا يخلق إلا لحكمة، ولا يشرع إلا لحكمة، فأفعاله –سبحانه- وشرعه –سبحانه- مُعلَّل بالحِكم العظيمة والغايات المحمودة.

ومِن الأمور التي خلقها الله –عز وجل- في الإنسان: ميله إلى أمور مما في الدنيا وإرادتها ومحبتها، ورأس ذلك في الإنسان ميل الرجل للمرأة وميل المرأة للرجل وميل الإنسان للذرية وميل الإنسان للمال وحبه له؛ كما قال الله –عز وجل-: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ}[آل عمران: 14]، فالله –عز وجل- أخبرنا أن الشهوات زُيِّنت للإنسان، وبيَّن لنا رأس تلك الشهوات.

وقد اختلف العلماء مَن الذي زيَّن للإنسان تلكم الشهوات؟ فقال بعض أهل العلم: إن المزيِّن هو الله –سبحانه وتعالى- لحكمة عظيمة. وقال بعض أهل العلم: إن المزيِّن هو الشيطان ليُغوي الإنسان بتلكم الشهوات. والحق أنّ الله –عز وجل- زيَّن الشهوات للإنسان لحِكم عظيمة؛ منها حكمتان ظاهرتان بيِّنتان:

-إحداهما: أن يصل بها الإنسان إلى لمصالح له في الدنيا.
-والثانية: أن يبتليه الله –عز وجل- بهذه الشهوات، فيتبيَّن من يضع هذه الشهوات فيما أحلَّه الله –عز وجل- ومن يعتدي في الشهوات فيجعل الشهوات فيما حرّمه الله –سبحانه وتعالى-.

والشيطان يزيِّن الشهوات للإنسان ليغويه بها وليجعلها طريقا يسير به بالإنسان إلى النار –والعياذ بالله عز وجل-.

لذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-: إنّ الله –تعالى- خلق فينا اللذات والشهوات لنستعين بها على كمال مصالحنا، فخلق فينا شهوة الأكل واللذة فيه؛ فإنّ ذلك في نفسه نعمة، وبه يحصل بقاء جسومنا في الدنيا، وكذلك شهوة النكاح واللذة به هو في نفسه نعمة، وبه يحصل بقاء النسل، فإذا استُعين بهذه القوى على ما أُمرنا كان ذلك سعادة لنا في الدنيا والآخرة وكنا من الذين أنعم الله عليهم نعمة مطلقة، وإن استعملنا الشهوات فيما حظره علينا بأكل الخبائث في نفسها أو كسبها كالمظالم أو بالإسراف فيها أو تعدَّينا أزواجنا أو ما ملكت أيماننا كنا ظالمين معتدين غير شاكرين لنعمته.

نعم أيها الإخوة.. أصل الشهوة مركّب في خِلقة الإنسان وموجود في فطرة الإنسان، والمعلوم أيها الأفاضل أنّ الدين الإسلامي لم يُصادِم فطرة الإنسان، فلا يوجد في الدين ما يدفع فطرة الإنسان، لكن الدين يرتقي بفطرة الإنسان.

ولذا أيها الإخوة لم يحرم الله –عز وجل- علينا الشهوة ولكن هذَّبها وكمَّلها وجعلها في منزلة عليا تتحقق بها مصالح الإنسان ويتهيأ بها هذا العبد لمرتبته العالية في الدنيا ويتهيأ للمآب الحسن في الآخرة، وحرم ما زاد على ذلك منها مما فيه مفاسد ينحط بها الإنسان من مرتبته الإنسانية المكرمة إلى المرتبة الحيوانية الشهوانية في الدنيا وتكون سببا لخسارته في الآخرة.

ولذا نقل المفسرون عن الإمام قتادة كلامًا ما أجمله من كلام، يقول الإمام قتادة –رحمه الله-: "خلق الله –سبحانه- الملائكة عقولًا بلا شهوات، وخلق البهائم شهوات بلا عقول، وخلق الإنسان وجعل له عقلًا وشهوة"، مركب من الأمرين، قال: "فمن غلب عقله شهوته فهو مع الملائكة، ومن غلبت شهوته عقله فهو كالبهائم".

فالله –عز وجل- جعل للإنسان شهوة، وجعل له عقلا، وشرع له شرعا، ولذا يقول بعض العلماء: "إن المسلم يحكم شهوته بعقله فلا يتبع شهوته الحيوانية بل يحكم هذه الشهوة بعقله ثم يحكم عقله بشرع رب العالمين، فهو يسير في ذلك على خير عظيم، ليس منفردا بعقله وليس متبعا لشهوته، بل يحكم هذه الشهوة بعقل أنعم الله –عز وجل- به، ويحكم هذا العقل بشرع رب العالمين الذي فيه الكمال والصلاح.


وكل ذم أيها الإخوة ورد في الكتاب والسنة للشهوة إنما هو في الاعتداء فيها ووضعِها فيما حرمه الله –عز وجل-، يقول الله عز وجل: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}[النساء: 27]، ويقول –سبحانه-: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا}[مريم:59]، وجاء عن أبي بَرْزة –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- أنه قال: ((إنّ مما أخشى عليكم: شهوات الغي في بطونكم وفروجكم، ومضلات الهوى، وفي لفظ: ومضلات الفتن)) رواه الإمام أحمد والبيهقي والبزار والطبراني وصححه الألباني.


ومما لا شك فيه أيها الإخوة أننا نعيش في زمن انفجار الشهوات واتساع أبوابها وكثرة طلابها، فمع الأسباب السابقة القديمة الملهِبة للشهوات انفجرت على الناس في هذا الزمان أسباب أعظم وأطم، فهناك مثلا بعض القنوات الفضائية التي تخصصتْ في تهييج الشهوات تهييجا عظيما في إظهار النساء الفاتنات المتفننات، في إظهار ما يثير الشهوات، والأغاني الملهبة للشهوات، والأفلام المثيرة للشهوات، وهناك المواقع الإلكترونية التي تفنن أصحابها في دلالة الناس على الاعتداء في الشهوات، ولا حول ولا قوة إلا بالله، مما جعل لكثير من أبناء زماننا نصيبا من الاعتداء في الشهوات، قد يبدأ مع الإنسان شيئا قليلا، لكنه سرعان ما يشتعل كالنار أو كالشيب فيصبح المفتون بها أسيرا ذليلا إن لم يتنبّه لأمره في بادئ أمره ويقف مع نفسه وقفة قبل أن تزل القدم في هذا الطريق.


كثير من الناس زُيِّنت لهم الشهوات مع صلاح في أنفسهم ابتداء إلا أنهم لم يتنبهوا فتهاونوا في يسير من الشهوات المحرمة، والشيطان لا يقنع من الإنسان باليسير بل يسير به ويسير حتى يرى أنه أدخله النار.


ولذا العبد المؤمن يعلم أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم وأنّ الشيطان حريص على أن يقوده إلى المحرم وقد يبدأ يزخرف له اليسير ليقوده إلى ما وراء هذا اليسير، فينتبه لنفسه ويكون على حذر ما بقيت الروح في الجسد، يعلم أنّ الشيطان يمكر به لا يغتر بنفسه أبدا مهما كان حاله.


ولذا من أروع ما يُذكر أنّ الإمام أحمد –رحمه الله رحمة واسعة- إمام أهل السنة لمّا حضرته الوفاة كان ابنه يقول له: "يا أبتاه! قل: لا إله إلا الله، قل: لا إله إلا الله"، فكان الإمام أحمد –رحمه الله- يقول: بَعْدُ بَعْدُ بَعْدُ، فلمّا أفاق من غشيته ذكر له ابنه أنه كان يقول: بعد بعد بعد، فقال الإمام أحمد: يابني إنّ الشيطان تمثَّل لي وقال: فُتَّني يا أحمد لم أتمكن من فتنتك". الإمام أحمد فُتِن بالشبهات فلم يُفتن، وثبت على السنة وأُوذي في هذا وسُجِن وضُرِب وحُشِيَ جرحه بالملح بعد جَلده ليشتد ألمه ومع ذلك ثبت على السنة، ثم فُتِن بالمال وأُعطِي المال فلم يفتتن به بل ثبت على الخير والزهد والورع فتمثل له الشيطان حال غشيته وقال له: فتني يا أحمد، فما كان الجواب؟ بعد بعد لازالت الروح في الجسد، فالإمام أحمد لم يأمن على نفسه أن يفتنه الشيطان حتى وهو في هذه اللحظات.


ولذا أيها الإخوة.. إني عندما تأملّتُ أسئلة كثير من الناس التي تَرِدني من بلاد كثيرة وجدت أنّ كثيرا من المسلمين يَتردَّون في الشهوات المحرمة، بل إنّ بعضهم قد يتردّى إلى درجة لا تقع من الحيوانات، ووالله إنّ بعض ما يُذكر لنا في أسئلة السائلين لو ذكرناه للناس ما صدّقه أحد، ولولا أن أصحاب الشأن هم الذين يسألوننا عن هذا لما صدقناه أبدا، لكنها أمور واقعة تجعلني وتجعل غيري من طلاب العلم يرَون أنّ من الفرض اللازم أن يُحذَّر من الاعتداء في الشهوات، وأن يُبيَّن للناس عواقب الاعتداء في الشهوات.


أيها الإخوة.. إنّ كثيرا من الناس يتساقطون في الاعتداء في الشهوات ولا يشعرون بما يجرّونه إلى أنفسهم وإلى بيوتهم وإلى مجتمعهم من عواقب وخيمة.
ووالله ثم والله إنّ الاعتداء في الشهوات له عواقب وخيمة عظيمة، من أعظمها -أيها الأحبة-: أنّ الاعتداء في الشهوات يقود صاحبه إلى النار –والعياذ بالله-، الاعتداء في الشهوات طريق يوصل إلى النار.

جاء عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: ((حُجِبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره)) رواه البخاري، وروى مثله الإمام مسلم عن أنس بن مالك.

وعن أبي هريرة –رضي الله عنه قال: لمّا خلق الله الجنة والنار، أرسل جبريل إلى الجنة فقال: انظر إليها وإلى ما أعددت لأهلها فيها، فنظر فيها، فماذا رأى؟ رأى النعيم المقيم، فرجع إلى الله –عز وجل- فقال: وعزتك لا يَسمع بها أحد إلا دخلها؛ لِما فيها من النعيم المقيم، فأَمر بها وفي رواية فأُمر بها فحُفَّت بالمكاره، فقال: اذهب إليها فانظر إليها وإلى ما أعددتُ لأهلها فيها، فنظر إليها فإذا هي قد حفت بالمكاره، فقال: وعزتك لقد خشيت ألا يدخلها أحد، فقال: اذهب فانظر إلى النار وإلى ما أعددتُ لأهلها فيها، فنظر إليها فإذا هي يركب بعضها بعضا، فرجع فقال: وعزتك لا يدخلها أحد، لمّا رأى ما فيها من العذاب وأصناف العذاب قال: وعزتك لا يدخلها أحد، فأُمر بها فحُفّت بالشهوات فقال: ارجع إليها فانظر إليها، فنظر إليها فإذا هي قد حُفَّت بالشهوات فرجع وقال: وعزتك لقد خشيتُ ألا ينجو منها أحد إلا دخلها. لمّا حُفّت بالشهوات وكانت الشهوات طريقا إلى جهنم خشي جبريل –عليه السلام- أن يدخلها الناس، الحديث رواه النسائي والترمذي وقال الألباني: حسن صحيح.

والشهوات كما ذكرنا قبل قليل -أيها الإخوة- التي حُفَّت بها النار هي الشهوات المحرمة، الطريق الذي هو طريق إلى النار في الشهوات هو طريق الاعتداء في الشهوات.


ومن عواقب الاعتداء في الشهوات أيها الإخوة
: أنه سبب عظيم في ظهور أنواع من البلاء والكوارث في البلاد والعباد، يقول الله –عز وجل-: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم:41].
جاء عن عبد الله بن عمر –رضي الله عنهما- قال: أقبل علينا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقال: ((يا معشر المهاجرين)) والخطاب للمهاجرين والمقصود الأمة ((يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن، وذكر من هذه الخمس: لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضَوا)).

وجاء عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ((ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمّونها بغير اسمها، يعزَف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير)).

فالاعتداء في الشهوات أيها الإخوة قد يجر على الفرد بلاء لا يتوقعه، وقد يجر على البلاد بلاء لا يتوقعه أهلها.


ومن عواقب الاعتداء في الشهوات أيها الإخوة
: أنه يؤذي قلوب أولياء الله، وأذية قلوب أولياء الله وخيمة على صاحبها، ألم نسمع قول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: ((قال الله –عز وجل- من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب)) وفي هذا أيها الإخوة تهديد شديد، ولذا كان السلف الصالح –رضوان الله عليهم- يعظمون هذا الحديث.

وهنا فائدة ذكرها أهل العلم تتعلق بموضوعنا، قال بعض أهل العلم: إذا أردت يا عبد الله أن تُقدِم على أمر من الأمور فعلمتَ أنّ أولياء الله الذين هم عباد الله المتقون يتأذَّون من هذا الأمر فاحذر يا عبد الله من أن تُقدِم عليه؛ لأنّ في هذا أذية لقلوب أولياء الله والله –عز وجل- ناصر أولياءه.


ومن عواقب الاعتداء في الشهوات أيها الإخوة
: أنه مُذهِبٌ للحياء من الله، ومُذهِبٌ للحياء من الناس، فمن اتَّبع الشهوات قلََّ حياؤه من الله وقل حياؤه من الناس، حتى يذهب من قلبه.

ولذا أيها الإخوة ترى الذي يعتدي في الشهوات في أول أمره قد يستحي من الناس، تراه إذا نُظِر إليه كفَّ عن شهوته، ولكن مع استمراره في الاعتداء في الشهوات يبدأ حياؤه في الذهاب حتى لا يبالي بنظرات الناس.

والمعلوم أيها الإخوة أنّ الحياء كما قرر أهل العلم من أعظم الأمور التي تمنع الإنسان من الوقوع فيما حرم الله –عز وجل-، فإذا ترك الإنسان الحياء تردّى في الشهوات. ولذا جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم-: (( أنّ مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحي فاصنع ما شئت))، قال العلماء: إنّ معنى هذا الحديث أنّ العبد إذا لم يستحي فإنه لا يتورع عن فعل كل ما يرضيه.

ولذا الحياء من الأمور التي تمنع الإنسان من التردي في الأمور التي تهلكه، وإذا ذهب حياء الإنسان فإنه لا يردعه عن ذلك شيء.

وبالجملة أيها الإخوة: إنّ الاعتداء في الشهوات وإطلاق العنان للنفس في شهواتها سبب لأن يتردى الإنسان في كثير من الأمور في الدنيا، وسبب للخسران في الآخرة –والعياذ بالله.


ولذا ذكر بعض أهل العلم أنّ الاعتداء في الشهوات قائد لكل شر ومانع من الخير، فقد يقود صاحبه –والعياذ بالله- لأن يمتنع عن الإسلام أصلا؛ بسبب شهوات يعاقرها، وقد يقود صاحبه لأن يرتد عن الإسلام؛ بسبب شهوات يريدها، وقد يقود صاحبه –والعياذ بالله- إلى أن يكره أهل الخير ويكره مجالسة أهل الخير ويكره مجالس أهل الخير، بل قد يقود صاحبه إلى أن يسعى ليوقع الناس في الأمور الحرمة، ولذا يقول الله –عز وجل- كما تلونا في أول المحاضرة: { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا}[النساء: 27]، فالذين يتَّبعون الشهوات قد يصل بهم الأمر إلى أنهم يريدون لكل إنسان أن يكون مثلهم.

ولذلك أيها الإخوة إنّ الذين يتردَّون مثلا في إدمان المخدرات تجد أنّ الكثيرين منهم يسعَون جاهدين لإيقاع غيرهم في هذا الطريق، لاسيما إذا رأَوا منه تمنعا.

وفي هذا الباب ذكر ابن القيم –رحمه الله- كلاما نفيسا، يقول ابن القيم –رحمه الله- : قال بعض العلماء: الكفر في أربعة أشياء: في الغضب والشهوة والرغبة والرهبة، ثم قال: رأيت منهن اثنتين، رجلا غضب فقتل أمه، ورجلا عشق فتنصَّر.

وكان بعض السلف يطوف بالبيت فنظر إلى امرأة جميلة فمشى إلى جانبها ثم قال:

أهوى هوى الدين واللذات تعجبني فكيف لي بهوى اللذات والدين


فقالت: دع أحدهما تنل الآخر. هذا ذكره الإمام ابن القيم –رحمه الله عز وجل-.


ومن عواقب الاعتداء في الشهوات أيها الإخوة:
أنّ الاعتداء في الشهوات قد يقود صاحبه إلى أن لا يلتذ بالمباح من الشهوات، فلا يلتذ إلا بالمحرم.

وكم من شخص –أيها الإخوة- عنده الشهوة التي أباحها الله –عز وجل- فلا يلتفتُ إليها، فإذا رأى شهوة محرمة هي دونها بل دونها بل دونها، تبعها وأخذ يجري وراءها. وهذا من عواقب الاعتداء في الشهوات، كم من رجل رزقه الله امرأة زوجة طيبة ديِّنة عفيفة شريفة جميلة فلا يكاد ينظر إليها، وإذا رأى امرأة هي دونها بكثير ذهب يجري وراءها، إنما هذا –أيها الإخوة- بسبب الاعتداء في الشهوات.


ومن عواقب الاعتداء في الشهوات الخطيرة
: أنّ الاعتداء في الشهوات يكون مزرعة للوقوع في الشبهات.

والمعلوم –أيها الإخوة- أنّ الإنسان وهو في طريقه إلى الله يعيقه عائقان عظيمان:
-أحدهما: الشبهات، التي تتطرق إلى أمور يرى أنها من الدين وليست من الدين.
-وثانيهما: الشهوات.

وأخطرهما: الشبهات؛ ولكن الشهوات قد تقود صاحبها إلى الانحراف في باب الشبهات.
ومَن خالط الشباب وناصح الشباب عرف هذا حق المعرفة. فنحن –أيها الإخوة- عندما نجالس بعض الشباب الذين وقع لهم انحراف فكري بل حينما نناقش بعض الشباب الذين قاموا بأعمال إجرامية وأُلقيَ القبض عليهم ونجالسهم للمناصحة نجد أنّ الطريق الذي قادهم إلى هذا هو باب الشهوات. فكم من شخص اعتدى في الشهوات المحرمة حتى أحرقته الشهوات فجاء أصحاب الشبهات وقالوا له: تريد أن تتخلص من نار الشهوات عليك بهذا الطريق، هذا طريق الجنة، هذا طريق الحور العين، هذا طريق كذا، فقادوه من جانب الاعتداء في الشهوات إلى جانب الشبهات –والعياذ بالله-.

والله أيها الإخوة إني جلست مع أحد الشباب، وهو من الذين قاموا ببعض الأعمال، فحاورته فقال: والله يا شيخ إنه ما من شهوة محرمة تتصورها إلا وقد وقعتُ فيها ثم لمّا يئست من حياتي من كثرة ما أنا فيه من هذه الشهوات المحرمة جاءني شاب وقال: تريد أن تتخلص من كل هذه الذنوب؟ قلت: نعم، قال: عليك بهذا الطريق طريق الجهاد – وهو في الحقيقة الإفساد ولكنهم يسمونه جهادا زعموا، وهم في ذلك كاذبون- فإنك لن تتخلص من ذنوبك إلا إذا سلكت هذا الطريق، فما هو إلا عمل واحد فإذا بذنوبك تُغفر لك وإذا بك من أهل الجنة، قال: فدخلتُ هذا الباب لا تديُّنا ولكن لأتخلص من هذا الذي أنا فيه، بل إني دخلتُ هذا الباب وأنا لا أصلي، قال: إني لم أصلي وأحافظ على صلاتي إلا في السجن. ولكن كان الاعتداء في الشهوات هو الطريق الذي سهَّل لذلك الشاب أن يقوده إلى باب الشبهات.

وهذا باب عظيم، والعقوبات في هذا الباب كثيرة والعواقب خطيرة، وليس قصدي أن أحصر عواقب الاعتداء في الشهوات وإنما قصدي أن أحذِّر من هذا الباب تحذيرا يصل إلى الألباب.


أيها الإخوة.. إنّ العالِم بالشرع والمدرِك للواقع إدراكا شرعيا صحيحا يعلم أنّ الاعتداء في الشهوات له أسباب تجرُّ الشخص إلى الوقوع فيه، وأنا سأسردها سردا لأنّ الوقت قد ضاق علينا والإخوة يريدون أن نفتح باب الأسئلة فأُشير إشارة إلى هذه الأسباب.


فمن أعظم أسباب انتشار الاعتداء في الشهوات بين الناس اليوم
مع ما ذكرناه من طرق أهل الشر: غياب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين الناس والتساهل في ذلك وعدم الاهتمام به عند كثير من الناس.

كم من شخص يرى شابا جارا له يقع في الشهوات المحرمة فلا يقف معه وقفة، ولا يأمره بمعروف، ولا ينهاه عن منكر، وهذا سبب لانتشار المنكرات، يقول النبي –صلى الله عليه وسلم- : ((ما من قوم يُعمَل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيّروا ثم لا يغيِّروا إلا يوشك أن يعمَّهم الله منه بعقاب)).


ومن الأسباب أيضا يا إخوة:
تساهل كثير من الآباء والأمهات في إدخال أسباب إثارة الشهوات إلى البيوت بحجة الترفيه وبحجة اجتماع الأولاد والبنات في البيوت، مما يجعلهم يجتمعون على تلك الأمور التي تقودهم إلى الشر المستطير.

ووالله يا إخوة لو ذكرنا للناس ما نعرفه مما وقع في بعض البيوت بسبب تلك الملاهي التي أُدخلت إلى البيوت لمَاَ صدقه أحد.


ومن الأسباب أيضا:
أصدقاء السوء، كم من شخص لاهٍ عن قاذورات الاعتداء في الشهوات جاءه صاحب فزخرف له تلك الشهوات وأخذه إلى أماكنها ثم أخذه إلى الأماكن التي يعمل فيها الشهوات المحرمة وجرّه ثم جرّه حتى أوقعه في تلكم الشهوات المحرمة.


ومنها:
اغترار الإنسان بنفسه، وهذا من الأسباب الخطيرة، فكم من شخص اغتر بنفسه وأنه على صلاح وأنه على خير فأقبل على الشهوات المحرمة لا ينكرها ولا يبتعد عنها، فتزخرفت له شيئا فشيئا، فوقعت في قلبه، ثم بدأ يفعلها سرا، ثم لا زال يجره الشيطان إليها حتى تردى فيها.


هذه –أيها الإخوة- من أعظم الأسباب التي سبرتُها في الواقع لكثرة الاعتداء في الشهوات. ومن أراد السلامة فعليه أن ينتبه لهذه الأسباب وأن يحذر من الوقوع في تلك الأسباب.

كما أن هناك –أيها الإخوة- أسبابا للسلامة من التردي في الشهوات،
أذكر منها سببا واحدا، هو أعظمها، ذلكم السبب أيها الإخوة هو: الإيمان بأسماء الله وصفاته إيمانا حقيقيا يُثمِر في النفس الخوف من الله –عز وجل- ومراقبته، فيؤمن بأن الله معه يسمع كلامه مهما دق وخفي، ويرى فعله مهما تخفّى به، وأنه –سبحانه- لا يحجب بصره حجاب ولا يُغلَق عنه باب، وأنه –سبحانه- العالِم بالسرائر والعلانية، لا تخفى عليه خافية، وأنّ الأمر كما أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- في قوله: ((ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه يوم القيامة ليس بينه وبينه ترجمان، ثم ينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر تلقاء وجهه فلا يرى إلا النار))، وجاء عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- قال: (كنا عند رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فضحك فقال: ((هل تدرون مما أضحك؟)) قال: قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((مِن مخاطبة العبد ربه يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم؟ قال: يقول: بلى، قال: فإني لا أُجيز على نفسي إلا شاهدا مني، قال: فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا، قال: فيُختم على فيه فيقال لأركانه: انطقي، قال: فتنطق بأعماله، قال: ثم يخلَّى بينه وبين الكلام، قال: فيقول: بُعدا لكن وسحق فعنكن كنتُ أناضل)).

فأعظم أسباب السلامة أيها الإخوة من التردي في أوحال الاعتداء في الشهوات: أن يؤمن العبد بأسماء الله –عز وجل- وصفاته إيمانا حقيقيا، وأن يؤمن أنه واقف بين يدي الله –عز وجل-، وأنّ الله –عز وجل- سيكلمه، وأنّ جوارحه ستشهد عليه بين يدي الله –عز وجل-.

أيها الإخوة والأخوات.. إنّ هذا الأمر أمر عظيم، فينبغي على كل مسلم يغار على أهله ويغار على مجتمعه ويخاف على بلاده أن يتنبه لهذا الأمر، وأن يسعى للتحذير من الاعتداء في الشهوات، وأن يبيّن ذلك للناس، وأن نسعى لأن يذكِّر بعضنا بعضا في هذا.


فيا من أحرقه لهيب الشهوات، يا من وقع في شيء من الشهوات وهي تحرقه ليل نهار، إنّ الباب مفتوح، فما عليك إلا أن تندم على ما فعلت وتقلع عنه وتعزم على ألا ترجع إليه، فإذا بالأمر قد مضى وإذا بالذنب قد انمحا، والندم توبة، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.


ويا من أحرق قلبك ما تراه من اعتداء في الشهوات عند كثير من المسلمين عليك أن تسعى جَهدك بالطرق الشرعية لإنكار المنكرات وألا تعتدي في هذا، وأن تناصح المسلمين بالأساليب الحكيمة الرحيمة لعل الله –عز وجل- أن يجعلني وإياك مفاتيح للخير مغاليق للشر.

أيها الإخوة.. هذا الباب باب عظيم وينبغي على كل واحد منا أن يستشعر خطورة الأمر وأن يسعى جَهده بقدر ما يستطيع في العمل على إعادة الناس إلى الطريق الصحيح البيِّن الذي بيَّنه النبي –صلى الله عليه وسلم- .


أيها الإخوة والأخوات.. إنّ الأمر المعلوم أنه لن يُصلِح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، وإنّ السلف الصالح –رضوان الله عليهم- كانوا ناصحين للأمة، كانوا معلِّمين للأمة، كانوا محذّرين من كل ما يجر الفساد للأمة، فعلينا أن نقتفي أثرهم وأن نسير على سيرهم.

أيها الإخوة والأخوات.. أعتذر عن عدم التوسع في الباب لضيق الوقت ولأنّ الإخوة –كما أسلفت- قد طلبوا مني أن يكون هناك مجال للأسئلة، كما أني أعتذر عن أنّ صوتي لم يكن كما أحب أن يكون، ويبدو –والله أعلم- أنّ انتقالي من الجو الجاف إلى الجو الرطب قد أثَّر عليّ، فأسأل الله –عز وجل- أن يكتب لي ولكم الأجر وأن يكتب لإخواني أجرهم على استماعهم وصبرهم.

هذا ما تيسر إعداده وكفى الوقت لإيراده، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

***

الأسئلة:

اللهم صلِّ وسلم وبارك وأنعم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين. أحسن الله إليك فضيلة الشيخ وبارك فيك ونفع بعلمك المسلمين.. وإنك بهذا الكلام قد وضعت يدا على جرح عميق في الأمة فإننا جميعا -أيها الإخوة- أمام مثل هذا الكلام إن من كان في سلامة من الاعتداء في الشهوات فليحمد الله –سبحانه وتعالى-، والمقصِّر فليُقصِر وليرجع وليعد إلى الله –سبحانه وتعالى-.

إنكم فضيلة الشيخ بمثل هذا الطرح الذي نحتاج إليه جميعا فقلّما مَن يطرق مثل هذه الأبواب، فجزاكم الله خيرا وبارك فيكم ونفع بكم.

فضيلة الشيخ إن أذنتَ لي فيما تبقى من وقت مخصص أن أعرض إليكم جملة من الأسئلة، ما الأسئلة جميعا، وليعذرني من لا يُعرَض سؤاله، فالعذر هو ضيق الوقت.


سـ1: فضيلة الشيخ.. هذا السائل يقول: إنه يصوم ولكن لا يصلي، فهل يُقبل صومه؟


جـ: الحمد لله، أولا هذا الأخ يذكر إنه يصوم، وأنا أسأله سؤالا يسأله لنفسه: لِمَ أصوم؟ هل أصوم تقربا لله –عز وجل- أو أصوم عادة لأن الناس يصومون فأصوم معهم؟ وإن كان الأول -وهو المأمول- فإنّ الذي شرع لك الصيام هو الذي شرع لك الصلاة، والصلاة أعظم من الصيام، وأعظم أعمال العبد هي الصلاة، ومن وفّقه الله –عز وجل- للشهادتين فشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وحققهما وأقام الصلاة فقد قام له أصل الدين، ولذا يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: ((أُمِرتُ أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها وصلَّوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حَرُمَتْ علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله –عز وجل-))، فأصل الدين يا أُخيّ إنما يستقيم لك بتحقيق الشهادتين العظيمتين مع الصلاة، ولذلك إذا أردتَ أن يُقبَل عملك فلابد لك يا أُخيّ من أن تصلي، فإنّ النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)).

هنا أيها الأخ قد تقول: إني عزمتُ على أن أصلي فماذا أفعل فيما مضى سواء من أيام هذا الشهر أو من أيام عمري الماضية وقد مر عليّ عدد من أشهر رمضان وأنا أصوم ولا أصلي، فهل يجب عليَّ أن أقضي تلك الأيام؟ الجواب: لا، بل قف الآن مع نقسك واعزم على الصلاة وصلي واستأنف العمل ولا يُطلَب منك -على الصحيح من أقوال أهل العلم- أن تقضي ما فات من أيام الصيام. أسأل الله –عز وجل- بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يفتح على قلبك وأن يهديك سواء السبيل.


سـ2: أحسن الله إليكم.. سائلة تقول: امرأة مستقيمة تزوجت لكنها تغيّرت بعد هذا الزواج إلى الأسوأ؛ لأنها لا تجد عونا من زوجها على الخير، وهي تخاف على نفسها من الفساد، فماذا تنصحونها. وتسألكم الدعاء لها بالثبات.


جـ: أولا أقول أنّ الأصول الشرعية في كل الأبواب كلها خير، والنبي –صلى الله عليه وسلم- أرشد الرجل في كيفية اختيار الزوجة، في الحديث المعلوم الذي نعلمه جميعا ((تُنكَح المرأة لأربع)) ثم قال –صلى الله عليه وسلم- :((فاظفر بذات الدين تربت يداك))، وأرشد الزوجة إلى اختيار الزوج في قوله –صلى الله عليه وسلم- : ((إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه))، فهذا أمر ينبغي أن نهتم به؛ لأنّ الحياة الزوجية حياة طويلة مستمرة تؤثر في الإنسان إن خيرا فخير وإن شرا فشر.

وأما سؤال أختي والأمر قد وقع فإني أوصيها باللجوء إلى الله –عز وجل- والانطراح بين يديه في أن يثبتها الله –عز وجل- على الخير وأن يهدي زوجها للخير، كذلك أوصيها بأن تُكثِر من استماع المواعظ فإنّ المواعظ تجلو القلوب، كما أوصيها أن تحرص على أن تُسمِع زوجها تلك المواعظ، وأن تُحضِر الكتب الطيبة والأشرطة النافعة إلى بيتها، وأن تستعين بعد استعانتها بالله –عز وجل- بمن تعلمهم من أهل الخير الذين يمكنهم أن يؤثروا على زوجها، ومن أعظم النعم أن يتعاون الزوجان على الخير وأن تحرص المرأة على أن تقود زوجها إلى الخير، وأن يحرص الرجل على أن يقود زوجته إلى الخير. أسأل الله –عز وجل- أن يهدي كل مسلم ومسلمة.


سـ3: سائل يسأل ويقول: ظهر في أوساط عدد غير قليل من طلاب العلم: التساهل بالشهوات في أنفسهم وأهليهم، فيا ترى ما السبب في وجهة نظركم لاسيما أنكم قد لمستم شيئا من ذلك فنرجو التكرم بنصح في ذلك.


جـ: الحقيقة أنا أشرت لشيء من هذا، وأول خيط في السبب في نظري - والله أعلم-: هو اغترار الإنسان بنفسه، أن يغتر بصلاته، أن يغتر بصلاحه، أن يغتر بطاعته، فيتساهل في جانب شيء من الشهوات، ثم يجره الشيطان شيئا فشيئا، والشيطان له وسائله، فقد يأتي لهذا الإنسان ويقول له: أنت خير من غيرك أنت تصلي وأنت محافظ على الخيرات وأنت كذا وأنت كذا وغيرك يفعل منكرات عظيمة ولا يفعل مثلك هذه الخيرات، هذا الأمر البسيط قليل في جانب الخيرات التي تعملها، ثم يجره شيئا فشيئا حتى يتساهل في هذه الشهوات.

كذلك أيضا ملابسة الشهوات من غير نكير، هذا يُنبِت في القلب حب الشهوات ويبدأ هذا قليلا لكنه سرعان ما يكثر ويكبر في النفس.

فبعض أهل الخير قد لا يكون واقعا في الاعتداء في الشهوات لكنه يتساهل في مجالسة أهل الاعتداء في الشهوات من غير نكير، فيقوده ذلك إلى أن يحب هذه الشهوات، قد يبدأ هذا بأن يحدث نفسه مجرد حديث للاعتداء في الشهوات ثم يجره الشيطان شيئا فشيئا إلى الوقوع في هذا الأمر العظيم، ولذلك -كما ذكرت أيها الإخوة- ينبغي على الإنسان أن يعلم أنه في هذه الدنيا يسير في أرض ذات شوك، وشوكها الشبهات والشهوات المحرمة، والإنسان إذا كان يسير في أرض ذات شوك لا يغفل عن موطئ قدمه، بل يكون حريصا متنبِّها مهما كان حاله، فوصيتي أيها الإخوة أن نتنبه لهذا.

ثم هناك نقطة أنا أراها في بعض أهل الخير، وهي: اعتقاد بعض الناس أنه ليس بحاجة للمواعظ ولا للدروس وأن المواعظ التي تقال إنما تقال لغيره، حتى خطيب الجمعة قد يغره الشيطان من هذا الباب فيحضِّر خطبة لا لينتفع هو وإنما لينفع الناس أما هو فلا يستشعر أنه في حاجة للاستفادة من هذا الموضوع، ولذلك أيها الإخوة من الخطر على الخطيب أن يفعل هذا الأمر لأنه قد يصل إلى درجة أن يقول ما لا يفعل، والنبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: ((مررتُ ليلة أسري بي بأقوام تُقرَض شفاههم بمقاريض من نار فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون، وفي رواية: ويقرؤون القرآن ولا يعملون به))، ولذلك يا طالب العلم إذا حضَّرت درسا، إذا ألقيت خطبة، إذا ألقيت موعظة، فاجعل في نفسك أنك أول المحتاجين لهذه الموعظة وأول المحتاجين لهذا الدرس حتى تكون على استفادة دائمة من مثل هذا. والله أعلم.


سـ4: أحسن الله إليك فضيلة الشيخ.. ويمكن أن يثنّى على كلامكم –بارك الله فيكم-بأن الشيطان قد يوسوس على البعض أن تساهله في بعض الشهوات المحرمة يتقي بذلك التساهل تهمة التشدد في الدين. فما توجيهكم؟


نعم، هذا صحيح، الغلو مذموم، والتساهل مذموم، والطريق الوسط ما جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم-، لكن يجب أن نعلم أنّ التمسك بما جاء به محمد –صلى الله عليه وسلم- ليس تشددا وليس غلوا، فإذا اتُهمتَ بأمر ثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقيل إنك متشدد فاعلم أنك على الوسط وإياك ثم إياك أن يغرك الشيطان، نعم هناك من قد يفعل بعض الشهوات المحرمة يريد كسب قلوب الناس، يريد كسب الكراسي؛ إما الكراسي الدنيوية وإما كراسي القلوب، من أجل أن يقول الناس عنه مثلا أنه متشدد ونحو ذلك.
وأعود وأقول أيها الإخوة: المؤمن ينطلق من منطلق عظيم وهو: أنّ النبي –صلى الله عليه وسلم- دلنا على كل خير وحذّرنا من كل شر وأنّ ما جاءنا به النبي –صلى الله عليه وسلم- فيه الخير كله، فإذا أردت السلامة من التشدد والغلو ومن التساهل فما عليك إلا أن تلزم سنة النبي –صلى الله عليه وسلم- بفهم خير الأمة؛ بفهم سلف الأمة، ولذا قال النبي –صلى الله عليه وسلم- : ((فإنّ من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعَضوا عليها بالنواجذ))،

قال بعض العلماء: إنّ التمسك بسنة النبي –صلى الله عليه وسلم- في ذاته كافٍ، وأنّ الخلفاء الراشدين لا يأتون إلا بما جاء عن النبي –صلى الله عليه وسلم- في السنة، لكن النبي –صلى الله عليه وسلم- أراد أن يعلِّمنا أنّ سنة النبي –صلى الله عليه وسلم- إنما تُفهَم بفهم الخلفاء الراشدين المهديين ومن اتصف بهاتين الصفتين العظيمتين؛ الرشد والهداية، فإذا أردت السلامة وأردت الخير فالزم ما جاء في كتاب الله وفي سنة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- على ضوء فهم سلف الأمة. والله أعلم.


سـ5: سائلة تسأل: جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى النساء أكثر أهل النار؛ وبيَّن ذلك أنه بسبب كفر العشير. والسؤال فضيلة الشيخ: إذا وقع في القلب شيء من نكران إحسان الزوج دون النطق بذلك هل تحاسَب على ذلك؟ ثم تقول: إذا وقع نكران العشير من الزوج تجاه معروف زوجته هل يدخل في هذا الحديث؟


أولا ما معنى نكران العشير؟ معنى هذا: أنّ الزوج يحسن للمرأة في أمور كثيرة وفي أوقات كثيرة ثم يقع منه شيء من النقص أو الزلل مرة أو نحو ذلك فتنسى المرأة كل إحسانه وتقول قالبة يدها ما رأيت منك خيرا قط.

أما أن يقصِّر الزوج في حق من الحقوق فتخاطبه امرأته بأنه قصّر في هذا الحق وأنّ من حقها كذا ومن حقها كذا فليس هذا من كفران العشير، ولكن ينبغي التزام الأدب في طلب الحق والحرص على ما يؤدي إلى المودة بين الزوجين.

وأما إذا وقع الكفران في القلب بدون نطق اللسان فهذا من حديث النفس، وحديث النفس لا يؤاخَذ به الإنسان؛ لأنّ النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم)) لكن قال العلماء: ينبغي للإنسان ألا يسترسل في حديث النفس في الشر وإن كان لا يؤاخَذ به؛ خشية أن يؤثر ذلك على العمل، فإذا وجد الإنسان نفسه تحدثه بشر فإنه يقطع الطريق، وإن كان لا يؤاخَذ بهذا ولا يعذبه الله –عز وجل- بهذا فالأمر الذي يقع من أحاديث النفس لا يؤاخذ به الإنسان. والحمد لله.


---------------------



جزى الله خيرا من ساهم في النشر ابتغاء الثواب والأجر

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

رد مع اقتباس