عرض مشاركة واحدة
  #22  
قديم 25 May 2008, 10:31 PM
أبو البراء إلياس الباتني أبو البراء إلياس الباتني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 106
افتراضي

أقوال العلماء في حكم قتالهم


اعترافه بأن العلماء لم يزكّوا قتال الثّوار بالجزائر


إن من محاسن الشريعة الإسلامية أن الله ـ تعالى ـ حافظ دينه من كل تحريف، و أن نصوص الكتاب و السنة التي أنزلها الله على قلب رسوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ من أول يوم هي نفسها التي بين أيدينا اليوم، كما قال سبحانه: {إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون} (الحجر 9)، و أن الله ـ تعالى ـ انتخب لهذه الشريعة فرسانها يدفعون عنها العاديات ف كل زمان؛ لقول رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" الحديث متفق عليه، و قد اتفقت كلمة أهل العلم على أن هذه الطائفة هي علماء الأمة أتباع الأثر، الذين هم أعرف الناس بهدي المصطفى ـ صلى الله عليه و سلم ـ، قال احمد بن حنبل ـ رحمه الله ـ: [إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث فلا أدري من هم؟!] رواه الحاكم في 'معرفة علوم الحديث' (ص 2) بإسناد صحيح، و كذا قال عليّ بن المديني و يزيد بن هارون و عبد الله بن المبارك و البخاري و غيرهم، و قال البخاري و مالك ـ رحمهما الله ـ: [هم أهل العلم]، و لا منافاة بينهما؛ لأن أهل العلم عندهم هم أصحاب الحديث؛ إذا لا يعلم أنه كان لمالك و البخاري من درس سوى [حدّثنا...]، و لذلك جمع بينهما أحمد بن سنَان ـ رحمه الله ـ فقال: [هم أهل العلم و أصحاب الأثر]، راجع 'السلسلة الصحيحة' للألباني عند الحديث (270). و أنا أعلم أن هؤلاء الثوّار المشار إليهم أعلاه يفسّرون الطائفة المنصورة بـ ’المقاتلين‘؛ لشُبَه أوردوها على بعض الروايات توهّموها حجة، و سأفصّل الرد عليهم في كتاب مستقلّ إن شاء الله.

و لمّا كان الأمر كذلك وجب على كل مسلم أن يرجع إلى العلماء فيما جهِله من دينه؛ لأن الله يقول: {فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (النحل 43)، و لا سيما إذا كان الأمر نازلة نزلت بالمسلمين فإنه لا بد من أن يرجع فيها إلى علماء زمانه؛ لأن الله يقول: {و لو ردّوه إلى الرسول و إلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} (النساء 83).

و نحن لمّا رجعنا إلى علماء زماننا – الذين يتنكّبهم أصحاب الأهواء ـ وجدنا كلمتهم واحدة في المسألة الجزائرية، و قد كنت جمعتها في كتابي: 'فتاوى العلماء الأكابر فيما أُهدر من دماء في الجزائر'، و ها أنا ذا أجتزئ منها ما يأتي:

- سُئل فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ـ رحمه الله ـ عن حكم الذين خرجوا على الحكومة الجزائرية فقال: [فنحن ذكرنا دائما و أبدا بأن الخروج على الحكّام ـ لو كانوا مقطوع بكفرهم... لو كانوا من المقطوع بكفرهم ـ أن الخروج عليهم ليس مشروعا إطلاقا...إن ما يقع سواء في الجزائر أو في مصر، هذا خلاف الإسلام].

و قال ـ رحمه الله ـ في جوابه عن القتال القائم في الجزائر: [نحن نؤيّد كل من يدعو إلى الرّدّ على هؤلاء الخارجين على الحكّام، و الذين يحثّون المسلمين على الخروج على الحكّام]، انظر مصدر هذه الفتوى في الكتاب المذكور قبل.

كما سُئل أيضا عمن يقاتلون الدولة المصريّة حتى تحكم بما أنزل الله، فيُقتلون؟ فقال: [ليس فيهم من يصحّ أن يقال أنه شهيد]، من شريط سمعي لـ 'سلسلة الهدى و النور' رقم (470 / 1)، و علّل ذلك بكون هؤلاء الخارجين قد خالفوا سيرة الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ في دعوته و جهاده.
- وقال فضيلة الشيخ عبد العزيز بن باز ـ رحمه الله ـ: [إن كان أحد من الدعاة في الجزائر قال عنّي: قلت لهم: يغتالون الشرطة أو يستعملون السلاح في الدعوة إلى الله هذا غلط ليس بصحيح، بل هو كذب... الدعوة إلى الله كما كان النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ و أصحابه في مكة المكرمة قبل أن يكون لهم سلطان، ما كانوا يدعون الناس بالسلاح، يدعون بالآيات القرآنية و الكلام الطيب و الأسلوب الحسن؛ لأن هذا أقرب إلى الصلاح و أقرب إلى قبول الحق، أما الدعوة بالاغتيالات أو بالقتل أو بالضرب فليس من سنة النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ و لا من سنة أصحابه...].

- و سُئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ عما يأتي:
هل كذلك أنكم قلتم باستمرار المواجهة ضد النظام بالجزائر؟
فأجاب بقوله: [ما قلنا بشيء من ذلك]، قال السائل: في اشتداد هذه المضايقات هل تُشرع الهجرة إلى بلاد الكفر؟ قال الشيخ: [الواجب الصبر؛ لأن البلاد بلاد إسلام، يُنادى بها للصلوات و تُقام فيها الجمعة و الجماعات، فالواجب الصبر حتى يأتي الله بأمره].

بل أمر كل حامل سلاح في الجزائر بإلقائه، و شدّد النكير عليه حتى حمّله مسؤولية الدماء و الأعراض و الأموال المنتهكة هناك، فقال: [نرى أنه يجب عليهم وضع السلاح و إلقاء السلام، و إلا فكل ما يترتب على بقائهم من قتل و نهب أموال و اغتصاب نساء فإنهم مسؤولون عنه أمام الله ـ عز و جل ـ، و الواجب عليهم الرجوع].

هذا القول هو قول سائر العلماء السلفيين، أمثال أصحاب الفضيلة الشيخ حمّاد الأنصاري ـ رحمه الله ـ، و الشيخ محمد السُّبَيل الرئيس العام لشؤون الحرمين، و السيخ عبد المحسن بن حمد العبّاد البدر، و الشيخ ربيع بن هادي المدخلي، و الشيخ صالح السدلان، و الشيخ أحمد النجمي، و الشيخ زيد المدخلي، و غيرهم من أهل العلم، و هم ـ حفظهم الله جميعا ـ القوم لا يشقى بهم جليسهم إن شاء الله.

فهؤلاء هم العلماء السلفيون، يعرف ذلك من يحبّهم و من يبغضهم، فأي سلفية هذه التي يدّعيها أبو قتادة و من شايعه من متهوّري الشباب؟!

و يا أيها العقلاء! أتذرون هؤلاء العلماء الذين لهم في العلم مقام معلوم إلى قول رجل مشبوه؟! {أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير}؟! (البقرة 61)، فبأي علم استخفّ عقولكم؟!

و قد رحمكم ربكم بأن أجرى الحق على لسانه، حين شهد بنفسه على فتنة الجزائر بأنها لم تحظ بتزكية أهل العلم، فقد قال في الخطبة المشار إليها: ”المجاهدون ـ إلى الآن ـ الذين يقاتلون طوائف الردة لم يأخذوا الإذن الشرعي من المشايخ و العلماء؛ لأن المشايخ ـ بكل صراحة و وضوح ـ لأن مشايخنا و علماءنا، لأنهم أتباع حكّامنا! و لا يقولوا (كذا) إلا ما يقول الحكّام! عندما يُطلب منهم من حكامنا يعطونها، و إلى الآن حكّامنا لا يرضوا (كذا) عن أولئك المجاهدين! !“.

أقول: لو لم يكن في إبطال الجهاد الشرعي المدّعى في الجزائر إلا هذا لكفى ذوي العقول السليمة، لكنني أخشى أن يكون أمر أتباعه كما قال ـ تعالى ـ: {فاستخفّ قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين} (الزخرف 54) !

و لقد قرأت مقالا لرجل تكنّى بـ ’أبي اليقظان‘، و عرّف نفسه بـ ’عضو الهيئة الشرعية للمنطقة الثانية‘ أي من الجماعة الإسلامية المسلحة بالجزائر كما هو على طرّه مقاله الذي بتاريخ: (الأحد 12 صفر 1419 هـ)، و بعنوان: ’التعقيب الحسن على أجوبة الشيخ علي حسن‘، يردّ فيه على الشيخ علي حسن عبد الحميد، فكان مما انتقده على الشيخ أن أورد قول الشيخ علي ـ حفظه الله ـ: [فكيف يجوز أن تكون هذه الفتنة العمياء شاملة لأولئك، شاملة لهؤلاء النساء و الشيوخ و الأطفال بغير دين و بغير بيّنة، و بغير فتوى ممن هم أكابر في علمهم و أكابر في دينهم، إلا من أولئك الأفراد الذين ليسوا في العير و لا في النفير؟!].

فقال المومى إليه أعلاه: ”أما قوله: [...و بغير فتوى ممن هم أكابر...]، فأقول إن كان المقصود بذلك فتوى على الاعتداء على الشعب و النساء فليس هناك فتوى: لا من بريطانيا، و لا من غيرها؛ أقول هذا حتى لا نظلم الناس، و أبو قتادة يستنكر ذلك، و قد سمعت له شريطا في هذا، و إنما هي فعل الاستخبارات و بعض الجهلة من التكفير و الهجرة! !

و إن كان المقصود أنه لا فتوى على الجهاد من علماء أكابر، فأقول: هذا خطأ؛ فإن للشيخ عبد الله الغنيمان ـ حفظه الله ـ شريطا أفتى فيه بالجهاد في الجزائر، و ذلك سنة (94) أو (95) ـ أي السنة الميلادية ـ فيما أذكر و الله أعلم“.

صورة غلاف المنشور

[ ]

صورة المقال السابق

[ ]

قلت: لي على هذا التعقيب تعقّبات، هي:

1- إن أبا اليقظان ينفي وجود فتوى من بريطانيا ـ بل و من غيرها ـ في مشروعية الاعتداء على الشعب و النساء، و قد نقلت لك ـ أخي القارئ! ـ نص الفتوى في ذلك، فما قيمة إنكارك ـ يا أبا اليقظان! ـ لو كنت يقظانا؟!

2- و أغرب ما رأيت له هنا: إثباته استنكار أبي قتادة لهذه الفتوى و هو صاحبها! !

و قد صرّح بها في خطبته كما سبق، و دوّنها في مجلّته ’الأنصار‘ في عددها (90)، في (ص 10)، بتاريخ: (29 شوّال 1415 هـ)، بعنوان: ’فتوى كبيرة الشان حول جواز قتل الذرية و النسوان درءاً لخطر هتك الأعراض و قتل الإخوان‘!!!

و قد صدرت هذه الفتوى ـ التي سبق تصويرها هنا ـ سنة (1415 هـ)، و أبو اليقظان استيقظ في سنة (1419 هـ) فكتب مقاله هذا، فهل يعقل أن تخفى عليه هذه الفتوى طيلة أربع سنين، و قد كانوا أنشط ما كانوا في إراقة الدماء؟!

و إذا كانت جماعة أبي اليقظان من حين صدور الفتوى إلى هذا اليوم و هي تُزهق الأرواح بشهادة مجلة مفتيها كما سبق، فأين كان أبو اليقظان؟!

3- لقد ذكر هذا المتعقّب أنه سمع أبا قتادة يستنكر الاعتداء على الشعب و النساء!

و بناء على ما سبق، فلا بدّ من أن يكون أحدهما كاذبا، إما أبو قتادة في استنكاره، و قد فضحه لسانه و قلمه، و إما أبو اليقظان في نسبته الاستنكار إلى أبي قتادة، و قد خانته يقَظته أحوج ما يكون إلى يقظة!

و إذا كانت الجماعة المسلحة لا ترضى أن يُنسب الكذب إلى ’عضوها الشرعي!‘ فلترض إذاً بنسبة الكذب إلى ’مفتيها الشرعي!‘، و هذه مصيبة المصائب؛ حين تعتمد ’جماعة مجاهدة لإقامة دولة الإسلام! ‘ على الفتاوى الكواذب! !

و ثَمّ احتمال آخر أذكره من باب حسن الظن بل من باب التغافل، و هو أن يكون لأبي قتادة رأيان في المسألة: قول خاص بمن يقبله من الغلاة، و قول خاص بمن لا يقبله من المتظاهرين بالاعتدال!

و على هذا، فنحن نهنّئ الجماعتين جميعا بمفتيهم مزدَوَج المذهب، بل ثلاثي المذهب؛ لأنه زاد ’جبهة الإنقاذ‘ فضمّها إليه كما سبق، و معلوم أن ’جبهة الإنقاذ‘ غير ’الجماعة الإسلامية المسلحة‘، و غير ’المتسلِّفين!‘ زورا كأمثال صاحب هذا المقال!

و لو استُزيد أبو قتادة من قِبل جماعة أخرى لزادهم، بدليل أنه ذكر في خطبته هذه أنه يقاتل مع جميع الخارجين حتى و لو كانوا خوارج إباضية، بل أزارقة كما سيأتي نقله عنه ـ إن شاء الله ـ في القسم الثاني من هذا الكتاب! !

4- لقد اعترف صاحب التعقيب بوجود اعتداء على الشعب و النساء من قبل ’بعض الجهلة من التكفير و الهجرة‘ على حد تعبيره، و هؤلاء هم أصحاب أبي قتادة، كما نص عليه هذا الأخير في خطبته!

و إذا كان كل من هؤلاء و أولئك ينسبون الرجل إليهم، و يبرأ بعضهم من بعض، فلمن يكون أبو قتادة حقيقة؟!!

5- أخبر صاحب التعقيب بوجود فتوى للشيخ الغنيمان؛ ليسلِّك جهاده من فتوى الأصاغر إلى فتوى الأكابر حتى تجوز دماؤهم القنطَرة، و قد أرّخها متردّدا بين سنة (1994 م) و سنة (1995 م)، و هذا التاريخ وحده كاف للحكم على جهاد هذه الجماعة بأنه بُني على شرارةِ شباب لا على نظر أهل العلم؛ لأن خروجهم كان قبل ميلاد الفتوى المنسوبة للشيخ، أي أن ادِّعاءه أن قتالهم كان مبنيا على غرار فنوى لعالم كذِب؛ لأنه مما يُرتاب فيه أن قتال هؤلاء الثوّار كان قبل ذلك، بل سمعت قبل ذلك بثلاث سنوات تقريبا من استحلّ دم رئيس الجمهورية في خطاب علنيّ و عساكر الرئيس يسمعون، في ساحة الإضراب المشهور، ساحة أول ماي بعاصمة الجزائر، و دعا إلى حمل السلاح، فالتحق منهم من التحق بركبهم المشؤوم! فكيف يزعم إذا أن جهادهم كان تابعا لفتوى أهل العلم؟!

لذلك ينبغي لهذه الجماعة أن تعترف ـ و الصِّدق محمود العاقبة ـ بأن خروجها كان من نفسها لا من فتوى هيئة شرعية من أهل العلم، و أن الأمر كان بعيدا عن تدبير أهل العلم، و إنما فُتِّش عن ’الفتوى الشرعية! ‘ بعد أن وجدوا أنفسهم وحدهم، فأرادوا بذلك برقعة وجه خارجيّتهم!

و كم أجهدنا أنفسنا يومها لإيصال فتاوى أهل العلم إليهم، إلا أن القوم كانوا في نشوة و غرور.

5- أنقل ههنا فتوى الشيخ عبد الله الغنيمان ـ وفقه الله للخير ـ في المسألة نفسها، و هي في هذه السنة سنة (1421 هـ)، في مجلسين مختلفين، في أحدهما فتوى شفويّة و هي مسجّلة، و في الآخر فتوى شفوية و كتابية.

أما في المجلس الأول، فقد سُئل الشيخ عما يتناقله بعض الجزائريين من أنه أفتاهم بحمل السلاح في وجه دولتهم؟

فأجاب ـ وفقه الله للخير ـ بقوله:
[بسم الله الرحمن الرحيم، بلغني أن في الجزائر من يقول أني قد أفتيت بجواز الخروج عن المسلمين، و بالتالي فأقول: إن هذا افتراء و بهتان، و أنا أبرأ إلى الله من ذلك، و أعلن بأن هذا لا يجوز؛ لأن قتال المسلمين من أكبر المحرمّات، و أنّ قتل مسلم بلا حق أعظم عند الله من زوال السماوات و الأرض، قال الله ـ تعالى ـ: {و من يقتل مؤمنا متعمّدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها و غضب الله عليه و لعنه و أعدّ له عذابا عظيما} (النساء 93).

كما أنه لا يجوز الخروج على الإمام المسلم و لو ظلم و أخذ المال؛ لأن الأحاديث الكثيرة جاءت عن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ جاءت بالتحذير من ذلك، و لما يترتّب على هذا من المفاسد و سفك الدماء و نهب الأموال و التعرّض لأعراض المسلمين، و الله أعلم، و صلى الله و سلّم على نبيّنا محمد.

قاله عبد الله بن محمد الغنيمان في اليوم (4/5/1421 هـ)، و صلى الله و سلّم على نبيّنا محمّد]. شريط سمعي.

و أمّا في الثاني، فهذا نص السؤال:

إلى فضيلة السيخ عبد الله بن محمد الغنيمان ـ حفظه الله و رعاه ـ:
لقد استند بعض من حمل السلاح و خرج في الجزائر على الحكّام على فتواكم بأنه يجوز الخروج في الجزائر و محاربة الحكّام و من والاهم من الشعب، مع العلم أن الجزائر حاكما و محكومون مسلمون، و يؤدّون الصلوات الخمس و باقي أركان الإسلام.

فهل هذه الفتوى صحيحة منكم؟ و ما نصيحتكم لهؤلاء الذين يحملون السلاح، مع العلم أن الحكومة جعلت مصالحة عامة بين الشعب الجزائري و العفو الشامل على جميع من استسلم و وضع السلاح؟

فأجاب بقوله:
[الحمد لله ربّ العالمين، و صلى الله على عبده و رسوله نبيّنا محمد و آله و صحبه.

و بعد، فإذا كان المر كما ذكر، فالذي أرى أنه متعيّن على من يحمل السلاح أن يلقيه و يسعى بالمصالحة، و ما تدعو إليه الحكومة من المسألة، ثم الدعوة إلى الله ـ تعالى ـ عن طريق التفاهم مع الحكومة، و أرى في مثل هذه الحال أنه لا يجوز الخروج و حمل السلاح؛ لما يترتّب عليه من المفاسد من سفك دماء المسلمين و إخافتهم و إخافة الطرق و غير ذلك من المفاسد الكبيرة، و قد ذكر العلماء أنّ من قواعد الإسلام احتمال المفاسد القليلة لدفع ما هو أعظم مفسدة، ثم عن حمل السلاح و الخروج في مثل ما ذُكر لا يأتي إلا بما لا تُجمد عقباه.

أسأله ـ تعالى ـ أن يوفّقنا و إخواننا لما فيه خير الدنيا و الآخرة، و أن يدفع عنا جميعا ما فيه إضرار على المسلمين.
قاله وكتبه الدكتور عبد الله بن محمد الغنيمان، في (19/11/1421) هـ].

توقيع الشيخ.

صورة فتوى الشيخ عبد الله الغنيمان لأهل الجزائر

[ ]

إذا كان قد ثبت لديكم أن الشيخ يدعوكم إلى وضع السلاح في آخر ما أفتى به، فما قيمة قولكم: ”فإن للشيخ عبد الله الغنيمان ـ حفظه الله ـ شريطا أفتى فيه بالجهاد في الجزائر...“؟ !

فها هنا ثلاثة أمور:

الأول: أنهم نسبوا إلى الشيخ الفتوى بالخروج، و أنا أعلم بأنهم لا يزالون مصرّين على هذا.

الثاني: أن الشيخ يكذّبهم في نسبة هذه الفتوى إليه.

و أنا لا يهمّني كثيرا تتبع هذه الحكاية بقدر ما يهمّني أن ينتبهوا إلى مآل كلامهم في الاتكاء على ما ينسبون للشيخ؛ لأن النتيجة ـ بعد استسماح الشيخ ـ تكون كما يأتي:

- إمّا كذبهم فالنتيجة وخيمة.

- و إما صدقهم، فالنتيجة أشد؛ لأنهم يجرّئون بذلك الناس على أن يطعنوا على الشيوخ الذين ينتسبون إليهم، بل يجرّئون الأحزاب العلمانية على الإسلام؛ على أساس أن شيوخ المسلمين كذبة، فبأي شيء ندينهم و أحلاهما مر؟!!

ثم هل يُعقل أن يقوم جهاد أو أن تشاد دولة الإسلام على الفِرى، قال الله ـ تعالى ـ: {إن الله لا يُصلح عمل المفسدين} (يونس 81)، و الله المستعان.

الثالث: أنه لو سلّمنا بوجود هذه الفتوى، فقد وُلد خروجهم قبل أن تولد؛ بدليل ما سبق بيانه قريبا، و هذا وحده يبيّن للعاقل أنهم أتباع هوى.

فبان حينئذ صدق مقولة الشيخ علي سن فيهم، و هو أن جهادهم لا يزكّيه العلماء، كما بان صِدق مقولة مفتيهم ـ و هو كذوب ـ التي سبق نقلها، ألا و هي قوله: ”المجاهدون ـ الآن ـ الذين يقاتلون طوائف الردّة لم يأخذوا الإذن الشرعي من المشايخ و العلماء“.

تنبيه مهمّ:

لقد انتبه بعض الثوّار في الجزائر إلى أن ثورة لا يزكيها أهل العلم لا تجد لها أتباعا،بل إن أتباعها أنفسهم يوشك أن تضعف ثقتهم بمصداقية قتالهم، فلذلك جعلوا يبحثون عند أهل العلم المعاصرين عما يُشبه ما هم عليه، فيا فرحتهم و هم يعثرون على شريط لمعالي الشيخ وزير الشؤون الإسلامية و الأوقاف و الدعوة و الإرشاد بالمملكة العربية السعودية فضيلة الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ـ حفظه الله ـ، قد حسِبوه لهم و هو عليهم؛ و ذلك لسببين:

الأول: أن الشيخ ـ حفظه الله ـ قد نص في الشريط نفسه على أن خروجهم غير مشروع.

و الثاني: أن تاريخ الشريط كان في سنة (1417 هـ)، و هم خرجوا قبل ذلك بخمس سنين على أقصى تقدير، فقد قالت الجماعة السلفية للدعوة و القتال في رسالتها إلى أبي بصير كما في ’إرشاد ذوي البصائر من مجاهدي أهل الجزائر لما في هذه المرحلة من مخاطر‘ (ص 1)، حيث جاء في نص خطابهم قولهم: ”...فإن البداية كانت عام 1412 هـ، و كانت على ’منهج صحيح وفق الكتاب و السنة و المنهج السلفي! !‘، و كان هناك طلبة علم كثيرون، منهم من قُتل ـ رحمهم الله ـ، و منهم من أُسر، و بذهابهم بدأت بوادر الغلوّ و الزيغ تظهر، و كان ذلك جليّا عام 1417 هـ عند مقتل أخينا أبي عبد الرحمن جمال زيتوني ـ رحمه الله ـ، الذي كان أميرا للجماعة آنذاك“.

و لا يفوتني أن أنبّه على أن عثورهم على شريط الشيخ كان بعد سنوات من تاريخه المثبّت أعلاه، فهل يصدق على قتالهم أنه بُنِي على فتوى الشيخ؟!

فليكن الإنصاف إذاً شعارهم، و ليكن الصدق دِثارهم.

و ها أنا ذا أخرج من الخلاف، فلأنقلَنّ عن معاليه ما يدلّ على بطلان ما ادّعوه عليه؛ و ذلك ببيان أنه حمد للعلماء صنيعهم في كفّ الجزائريّين عن مواصلة قتالهم اليوم، فقد قال لمجلّة 'الدعوة' السعودية، في عددها (1827)، في (ص 23)، بتاريخ: (10 من ذي القعدة 1422 هـ): [بعض الجزائريين رموا السلاح و تركوا القتال بعد فتاوى علمائنا الأجلّاء].

الخلاصة أنه لا قائل من أهل العلم بالخروج الذي تولّى كبره ثوّار الجزائر.

صورة المقال السابق

[ ]

- و أما قول المتعقّب في رسالته المذكورة آنفا: ”و أم العلامة الألباني ـ حفظه الله ـ، فهو و إن لم يُفت بالجهاد، فإنه يعلل ذلك بأننا غير مستعدّين، و لم يعلّل ذلك بوجود طيّبين في النظام، و قد سمعنا له عدّة أشرطة في ذلك و الله أعلم، و الآن لقد أثبت إخواننا ’السلفيّون! ‘ استعدادهم لمواجهة المرتدّين، و الحمد لله رب العالمين.. ! !“.

أقول ههنا ملاحظتان:

الأولى: قوله: ’المرتدين‘ يُفهم منه أن الشيخ الألباني يُسلّم لهم بذلك، فليثبتوه؛ و إلا فهي مغالطة مكشوفة، أما فقد نقلت عنه ـ رحمه الله ـ في كتاب 'فتاوى العلماء الأكابر فيما أهدر من دماء في الجزائر' (ص 81-82) أنه يخالفهم في هذا التكفير، بل هم يعلمون أن الشيخ يخاصمهم ـ أول ما يخاصمهم ـ في هذا الوصف: أي الوصف بالردة، فكيف يوافقهم على الحكم الذي توصّلوا إليه؟!!

و الثانية: أين الدليل على أن الشيخ ـ رحمه الله ـ كان يعلّل نهيه لهم عن الخروج بعدم الاستعداد فقط؟!

لماذا لم ينقل أبو اليقظان كلام الشيخ في ذلك لو كان صادقا، مع انه يدّعي أنه في عدة أشرطة؟!

إذاً، فالمتعقّب بنى حكمه على هاتين المقدّمتين الباطلتين.

بل كل هذا لا يصح عن الشيخ، و قد بيّنته في الكتاب المسمى آنفا و رأيتَ بعضه قريبا، و الشيخ ـ رحمه الله ـ لم يعلّق الحكم على وجود الاستعداد أو عدمه فقط، كيف و هو يشهد بأن الدولة مسلمة، و إنما كان يتنزّل مع السائل الذي زعم أن الدولة كافرة، فيبيّن له الشيخ أنه لو فرضنا أنها كذلك فأنتم غير مستعدّين للخروج من جهة القوة بقسميها: القسم الإيماني، و القسم المادي.

و ها أنا ذا أنقل لكم كلمة مختصرة مما كان الشيخ يقوله، ففي شريط سمعي برقم: (830/1) من 'تسجيلات الهدى و النور'، قال الشيخ ـ رحمه الله ـ: [فنحن ذكرنا دائما و أبدا بأن الخروج على الحكّام ـ لو كانوا من المقطوع بكفرهم، لو كانوا من المقطوع بكفرهم ـ أن الخروج عليهم ليس مشروعا إطلاقا؛ ذلك لن هذا الخروج إذا كان و لا بدّ ينبغي أن يكون خروجا قائما على الشرع، كالصلاة التي قلنا آنفا إنها ينبغي أن تكون قائمة على الطهارة، و هي الوضوء، و نحن نحتجّ في مثل هذه المسألة بمثل قوله ـ تبارك و تعالى ـ: {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة} (الأحزاب 21).

إن الدور الذي يمر به المسلمون اليوم من تحكّم بعض الحكام ـ و على افتراض أنهم أو أن كفرهم كفر جلي واضح ككفر المشركين تماما، إذا افترضنا هذه الفرضية ـ فنقول: إن الوضع الذي يعيشه المسلمون بأن يكونوا محكومين من هؤلاء الحكّام ـ و لنقل (الكفار) مجاراة لجماعة التكفير لفظا لا معنى؛ لأن لنا في ذلك التفصيل المعروف ـ فنقول إن الحياة التي يحياها المسلمون اليوم تحت حكم هؤلاء الحكام لا يخرج عن الحياة التي حييَها رسول الله ـ عليه الصلاة و على آله و سلم ـ، و أصحابه الكرام فيما يسمّى في عرف أهل العلم: بالعصر المكّي].

فثبت هنا أن الشيخ لا يوافق هؤلاء الخارجين على التكفير، كما لا يوافقهم على الخروج، و لقد كان السؤال عن الجزائر كما هو معلوم من أوّل الشريط، بل عن أوضاع الجزائر التي تحدّث عنها أبو اليقظان بالضبط، و لذلك كان من كلام الشيخ فيه أيضا أنه قال: [فجوابنا واضح جدا أنّ ما يقع في الجزائر و في مصر و غيرها هو سابق لأوانه أولا، و مخالف لأحكام الشريعة غاية و أسلوب ثانيا].

و أنا ذكرت هنا مسألة التكفير؛ لأن الشيخ يشترط الكفر البواح للقول بمشروعية الخروج، كما هو معلوم من مذهب أهل السنة، فقد قال صراحة بعد أن ذكر بعض المذاهب التي تمنع من الخروج على أئمة الجَور: [هؤلاء ـ في هذه المسألة ـ اتفقوا جميعا على أنه لا يجوز على الحكّام مهما ظلموا و مهما جنوا، و ما دام أنهم يريدون الإسلام و يقيمون الصلاة للأئمة المسلمين و في أنفسهم أيضا.

لذلك فإن هذه الجماعات التي تعلن كتابة و محاضرة الخروج على الحكام، هؤلاء في نقدي أنا أولا: جهلة بحكم الشرع؛ لأن الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ توترت عنه الأحاديث في طاعة الحكام إلا في معصية الله؛ كما قال في حديث البخاري: "لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق"1، و في أحاديث أخرى أنه تجِب طاعتهم و لو ظلموك، و لو ضربوا ظهرك ما لم تروا كفرا...]، انظر هذه الفتوى في الكتاب المذكور (ص 90 – 100).

كما أنني نقلت هناك نص فتوى الشيخ ـ رحمه الله ـ التي يزعم الثوّار أنهم اعتمدوها، و بان منها أنه لا تعلّق لهم بشيء منها، لا من قريب، و لا من بعيد.

ثم لو فرضنا أن الشيخ نهاهم عن الخروج لتوهّمه أنهم غير مستعدّين فقط، و هم في الحقيقة على أتمّ استعداد من حيث القوة كما يزعمون، أفلا يكون من النصح أن يَعرضوا ما لديهم على الشيخ؟! لا أن يُعرضوا عنه فرحين بما أوتوا من حماسة، معتمدين على أمثالهم، ينفث بعضهم في رَوع بعض زخرف القول غرورا، مع أن أمثالهم لا يشاوَرون حاضرين، و لا يُنتظرون غائبين!

و رحم الله جيلا كان أهله لا يتقّدمون فيه بين أيدي أهل العلم، ففي 'السير' للذهبي (8 / 420) أن سُئل عبد الله بن المبارك بحضور سفيان بن عيينة عن مسألة، فقال: [إنّا نُهينا أن نتكلّم عند أكابرنا].

ألا ليت هؤلاء لم يستجيبوا للشيطان حين استفزّهم للخروج عن فتاوى العلماء قبل أن يخرجوا على الأمة بما خرجوا به؛ فعن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: "البركة مع أكابركم" رواه ابن حبان (559) و الحاكم (1 / 62) و أبو نُعيم (8 / 171-172)، و صححه الحاكم على شرط البخاري و وافقه الذهبي، و كذا الألباني في 'الصحيحة' (1778).

فالخلاصة الأولى: أن التحدّث عن الاستعداد للخروج قبل إثبات كفر المَخروج عليهم دليل على أن أصحابه لم يعرفوا مذهب أهل السنة في هذا الباب بعدُ.

و الخلاصة الثانية: أن يكون قد بان بهذا كلِّه أنه ليس للقوم فتوى يعتمدونها، بل قد تبرّأ من خروجهم كل عالم يشار إليه بالفتوى، فما الذي يمنعكم ـ معشر المقاتلين! ـ من أن ترجعوا إلى العلماء و تريحوا ضمائركم، و تكفّوا هذه الفتنة عن ذوي بلدتكم، و تحرّروا المسألة من جديد بعلم و تأصيل و رجوع صادق إلى العلماء إن كنتم تشكّون في نقولاتنا؟

فافعلوا هذا مع تواضع لأهل الدليل، و تعقّل، و تُؤدَة، و اعلموا أنه إن فاتكم فيها الصواب، فلا يفوتنّكم منها المآب، أما تخشون أن يتخطفكم الموت و أنتم على هذه الحال؟!

و احذروا التسويف؛ فإن لديكم الآن الأدلّة من الكتاب و السنة، و أقوالا لأئمة السنة، مجتمعة على تخطئتكم، يقابلها شُبه لا تناهضها، و لا تقوى عليها؛ لأن أحسن أحوالها أنها محتملة، فلا تتركوا المتيقَّن للمحتمل، لأن الرسول ـ صلى الله عليه و سلم ـ يقول: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" أخرجه الترمذي، و هو صحيح.

و على مثل الشمس فاشهدوا في هذه القضايا العظيمة؛ كي تُعذِروا إلى ربّكم في أعراض المسلمين و أموالهم و دمائهم؛ لأن الله يقول: {إلا من شهد بالحق و هم يعلمون} (الزخرف 86).

و لا يَكبر عليكم أن تتوبوا؛ فإنّكم إن تذكّرتم مصيركم غدا: {فريق في الجنة و فريق في السعير} (الشورى 7) هان عليكم مقولة الخلق فيكم، و كان همّكم الأكبر مغفرة الحق ـ سبحانه ـ لكم، كما قال خليل الرحمن ـ صلى الله عليه و سلم ـ: {و الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} (الشعراء 82).

9- لقد اتهمتم الشيخ ـ رحمه الله ـ بعد درايته عن استعدادكم للخروج، فقد مضى على خروجكم ما يقارب عشر سنوات و الأمر يزداد سوءا، فالجماعة تتفرّق، و الصف يتمزّق، و لا يُراق إلا دماء الأبرياء، و سُبل الخير تتعطّل، و سبل الشر تقوى و تتشكّل.

فمتى كان الناس يتحدّثون في الجزائر عن البعث النصراني من جديد قبل خروجكم؟!

و متى كانت شركيّات الطرق الصوفية من رسميّات البلاد و رسومها قبل خروجكم؟!

و متى كان الزنا على مرأى و مسمع من مسلمي الجزائر قبل ذلك؟!

و متى كان الجزائري يتقمّم الفضلات ليضمن العيش لعياله؟!

و متى خُلع حجاب المرأة بصفة مذهلة إلا عقِب خروجكم؟!

و هل انتعشت النزعات العرقية الممزِّّقة لأوصال الأمة إلا بنزغاتكم؟!

فهل أيقنتم الآن أنكم كنتم واهمين، و أن الشيخ كان على علم بعدم استعدادكم؟

فإن لم تفهموا اليوم فاعلموا أنكم لن تفهموا بعد اليوم أبدا، و صدق الله إذ يقول: {يعدهم و يُمنّيهم و ما يعدهم الشيطان إلا غرورا} (النساء 120).

و في 'أخبار ابن المزرع' (6) كما في كتاب 'نوادر الرسائل' لإبراهيم صالح، أنشد بعضهم:

دهتنا أمور تشيب الوليد [][][] و يخذل فيها الصديقَ الصديق ُ
قتال مبيد و سيف عنيدٌ [][][] و جوع شديد و خوف و ضيقُ
و داعي الصباح يطيل الصياح [][][] السلاح السلاح فما يستفيق
فبالله نـبـلـغ مـا نـرتـجي [][][] و بالله ندفـع ما لا نطيق

و لا بد أن أنقل أيضا كلام الشيخ الذي هو من أواخر ما تكلّم به عن وضع الخارجين في الجزائر؛ حتى لا يبقى أحد يتعلّل بشيء، قال ـ رحمه الله ـ في 'السلسلة الصحيحة' عند تعليقه على الحديث (3418)، الذي أخرجه البخاري و مسلم، و اللفظ لمسلم: "بايعنا رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ على السمع و الطاعة في العسر و اليسر، و المنشط و المكره، و على أثَرَةٍ علينا، و أن لا ننازع الأمر أهله؛ إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم فيه من الله برهان، و على أن نقول بالحق أينما كنا، لا نخاف في الله لومة لائم"، قال: [و اليوم التاريخ يعيد نفسه كما يقولون، فقد نبتت نابتة من الشباب المسلم، لم يتفقّهوا في الدّين إلا قليلا، فرأوا الخروج عليهم دون أن يستشيروا أهل العلم و الفقه و الحكمة منهم، بل ركبوا رؤوسهم، و أثاروا فتنا عمياء، و سفكوا الدماء، في مصر، و سوريا، و الجزائر، و قبل ذلك فتنة الحرم المكي، فخالفوا بذلك هذا الحديث الصحيح الذي جرى عليه عمل المسلمين سلفا و خلفا إلا الخوارج.

و لمّا كان يغلب على الظن أن في أولئك الشباب من هو مخلص يبتغي وجه الله، و لكنّه شُبّه له الأمر أو غُرّر به؛ فأنا أريد أن أوجه لهم نصيحة وتذكرة، يتعرفون بها خطأهم، و لعلهم يهتدون.

فأقول: من المعلوم أن ما أمر الله به المسلم من الأحكام منوط بالاستطاعة؛حتى ما كان من أركان الإسلام، قال ـ تعالى ـ: {و لله على الناس حِج البيت من استطاع إليه سبيلا} (آل عمران 97)، و هذا من الوضوح بمكان فلا يحتاج إلى تفصيل، و الذي يحتاج إلى تفصيل؛ إنما هو التذكير بحقيقتين اثنتين:

الأولى: أن قتال أعداء الله ـ من أي نوع كان ـ يتطلّب تربية النفس على الخضوع لأحكام الله و اتباعها؛ كما قال ـ صلى الله عليه و سلم ـ: "المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله" 'الصحيحة' (549).

و الأخرى:أن ذلك يتطلب الإعداد المادي و السلاح الحربي؛ الذي ينكأ أعداء الله؛ فإن الله أمر به المؤمنين2، فقال: {و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوّكم} (الأنفال 60).

و الإخلال بذلك مع الاستطاعة؛ إنما هو من صفات المنافقين، و لذلك قال فيهم رب العالمين: {و لو أرادوا الخروج لأعدّوا له عدّة} (التوبة 46).

و أنا أعتقد جازما أن هذا الإعداد المادي لا يستطيع اليوم القيام به جماعة من المؤمنين دون علم من حكامهم كما هو معلوم، و عليه؛ فقتال أعداء الله من جماعةٍ ما سابق لأوانه، كما كان الأمر في العهد المكي، و لذلك؛ لم يؤمروا به إلا في العهد المدني؛ و هذا هو مقتضى النص الربّاني: {لا يكلّف الله نفسا إلا وسعها} (البقرة 286).

و عليه فإني أنصح الشباب المتحمّس للجهاد، و المخلص حقا لرب العباد: أن يلتفتوا لإصلاح الداخل، و تأجيل الاهتمام بالخارج الذي لا حيلة فيه،وهذا يتطلب عملا دؤوبا، و زمنا طويلا؛ لتحقيق ما أسمّيه بـ 'التصفية و التربية'؛ فإن القيام بهذا لا ينهض به إلا جماعة من العلماء الأصفياء، و المربّين الأتقياء، فما أقلّهم في هذا الزمان، و بخاصة في الجماعات التي تخرج على الحكّام!

و قد ينكر بعضهم ضرورة هذه التصفية ، كما هو واقع بعض الأحزاب الإسلامية، و قد يزعم بعضهم أنه قد انتهى دورها، فانحرفوا إلى العمل السياسي أو الجهاد، و أعرضوا عن الاهتمام بالتصفية و التربية، و كلّهم واهمون في ذلك، فكم من مخالفات شرعية تقع منهم جميعا بسبب الإخلال بواجب التصفية، و ركونهم إلى التقليد و التلفيق، الذي به يستحلّون كثيرا مما حرّم الله!

و هذا هو المثال: الخروج على الحكّام، و لو لم يصدر منهم الكفر البواح.

و ختاما أقول: نحن لا ننكر أن يكون هناك بعض الحكّام يجب الخروج عليهم؛ كذاك الذي كان أنكر شرعيّة صيام رمضان، و الأضاحي في عيد الأضحى، و غير ذلك مما هو معلوم من الدين بالضرورة، فهؤلاء يجب قتالهم بنص الحديث، و لكن بشرط الاستطاعة كما تقدّم.

لكن مجاهدة اليهود المحتلّين للأرض المقدّسة، و السافكين لدماء المسلمين أوجب من قتال مثل ذاك الحاكم من وجوه كثيرة، لا مجال الآن لبيانها، من أهمّها أن جند ذاك الحاكم من إخواننا المسلمين، و قد يكون جمهورهم ـ أو على الأقل الكثير منهم ـ عنه غير راضين، فلماذا لا يجاهد هؤلاء الشباب المتحمّس اليهود، بدل مجاهدتهم لبعض حكّام المسلمين؟!

أظن أن سيكون جوابهم عدم الاستطاعة بالمعنى المشروح سابقا، و الجواب هو جوابنا، و الواقع يؤكّد ذلك، بدليل أن خروجهم ـ مع تعذّر إمكانه ـ لم يثمر شيئا سوى سفك الدماء سدىً! ـ مع الأسف الشديد ـ لا يزال ماثلا في الجزائر، فهل من مدّكّر؟!].

تغيّرت البلاد و من عليها [][][] فلون الأرض مُغْبرّ قبيح
تغيذر كل ذي لون و طعم [][][] و قلّ بشاشة الوجه المليح

تنبيه آخر:

لم تيقّن بعضهم أن أهل العلم يخالفونهم فيما هم فيه، وقفوا حيارى حتى جاءهم الغوث من الشيطان، فخوّفهم من الرجوع عمّا هم فيه،و زيّن لهم أعمالهم بدعوى أنه لا يشترط أن تؤخذ الفتوى عن العلماء الأحياء، بل تكفي موافقة الأموات لهم! !

و في هذا التزيين تكذيب لقول رسول الله ت صلى الله عليه و سلم ـ: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" الحديث متفق عليه؛ لأنه يُفهم من صنيعهم أنهم ما تركوا علم الأحياء لعلم الأموات إلا لأنهم وجدوا العلماء الأحياء بعلم الأموات أمواتا، و هذا يستلزم بداهة خلوّ الأرض من ناطق بالحجة،و انطماس معالم الدين، و الله المستعان.

ثم إن المسألة من مسائل النوازل، و تنزيل الأدلة عليها يحتاج إلى أهله و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

تناقض:

إنهم في الوقت الذي يقولون: إننا نعمل بفتوى الأموات من أهل العلم كابن تيمية مثلا، فإنهم يردّون علماء عصرهم بدعوى أن هؤلاء غير مطّلعين على واقعهم، كذاك الذي زعم أن الشيخ الألباني لا يدري أنهم على استعداد للمواجهة... !

فنقول لهم: هل جاءكم ابن تيمية ـ رحمه الله ـ فأخبركم أنكم على استعداد؟!!

و قد ذكّرني هؤلاء بمدّعٍ في محكمة، قيل له: من شهودك؟ قال: ”فلان و فلان لكنهم غائبون و أنا أنوب عليهم!“، كما قال إياس بن معاوية لرجل: [إن أردتَ الخصومة فعليك بصالح السدوسي، و تدري ما يقول لك؟ يقول لك اجحد ما عليك، و ادّع ما ليس لك، و استشهد الغيّب! ! !]، انظر 'تهذيب التهذيب' لابن حجر (1 / 197).

فهذا هو منطق هؤلاء؛ إذ يحيلوننا على الغيّب من أهل العلم، مع أن منهم شهودا أحياء، فانظر إلى آثار تلبيس إبليس، و صدق الله إذ يقول: {و لقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون} (يس 62).

-----------------------------------

1: الحديث صحيح، لكنه بهذا اللفظ عند غير البخاري، و إنما رواه أحمد (4 / 426، 427، 436)، و (5 / 66)، كما قال هو نفسه ـ رحمه الله ـ في 'السلسلة الصحيحة' (179 – 180)، و أما الذي عند البخاري (7257) فهو بلفظ: "لا طاعة في المعصية، إنما الطاعة في المعروف".
2: في الأصل المطبوع: [أمر به أمير المؤمنين] و لعل كلمة [أمير] مقحمة.

رد مع اقتباس