عرض مشاركة واحدة
  #20  
قديم 23 May 2008, 08:24 PM
أبو البراء إلياس الباتني أبو البراء إلياس الباتني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 106
افتراضي

و مثله قوله في المقال نفسه: ”لقتل الذرية و النساء في واقع الجهاد اليوم يقع في صورتين: الأولى: و هي أن يرمى المرتدون بآلات فيها مواد متفجّرة تقتلهم هم و أبناؤهم و نساؤهم، و هذه حالة ذكرت في كتب أهل العلم بالجواز، و هي داخلة نصّا في مسألة البيات المتقدّمة، و قد رمى الصحابة مع رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ أهل الطائف بالمنجنيق...“.

قلت: إن أهل الطائف كانوا كفارا حين حاصرهم رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، فكيف يُقاس عليهم الشعب الجزائري المسلم؟!

و لذلك لمّا ذكر الشافعي ـ رحمه الله ـ جواز تبييت المشركين، نبّه أبو بكر الحازمي في 'الاعتبار في الناسخ و المنسوخ من الآثار' (ص 497) على معناه، فقال: [و معنى قوله: "منهم" أنهم يجمعون خصلتين: أن ليس لهم حكم الإيمان الذي يُمنع به الدم، و لا حكم دار الإيمان الذي يُمنع به الغارة على الدار].

أما الشعب الجزائري فشعب مسلم، و داره دار إسلام، فكيف نزّلت عليهم أحكام الكفّار؟!

قال البخاري في 'صحيحه' في باب قتل الخوارج و الملحدين بعد إقامة الحجة عليهم: [و كان ابن عمر يراهم شرار خلق الله؛ إنهم انطلقوا إلى آيات نزلت في الكفار فجعلوها في المؤمنين]، قال ابن حجر في 'الفتح' (12 / 286): [وصله الطبري في مسند علي من 'تهذيب الآثار' من طريق بُكير بن الأشج...]، ثم قال: [و إسناده صحيح].

فهذا واحد من الأدلة الواضحة على أن الرجل كمريديه يكفّرون الشعب، مع أن قصّة رمي أهل الطائف بالمنجنيق لم ترد بسند صحيح، و إنما رواها أبو داود في 'مراسيله' و الواقدي في 'معازيه' (3 / 927) و ابن هشام في 'سيرته' (2 / 483)،قال الصنعاني ـ رحمه الله ـ في 'سبل السلام' (4 / 111): [أخرجه أبو داود في المراسيل و رجاله ثقات، و وصله العقيلي بإسناد ضعيف عن علي ـ رضي الله عنه ـ، و أخرجه الترمذي عن ثور رواية عن مكحول، و لم يذكر مكحولا، فكان من قسم المعضل].

و هذا كله يعلمه المشبوه؛ لأنه نقل عن الصنعاني بعض كلامه من هذه الصفحة نفسها، و لكنه أغمض العينين جميعا عن ضعف الرواية!

هذه الرواية المرسلة هي عند أبي داود في 'مراسيله' (321-الزهراني).

أما رواية الترمذي فهي عنده في (5 / 94)، و هي على إعضالها فإن فيها عمر بن هارون عن ثور، و عمر هذا قال فيه الحافظ في'التقريب': [متروك، و كان حافظا]، و رواها ابن سعد في 'الطبقات' (2 / 159) و من طريقه ابن الجوزي في 'المنتظم' (3 / 341) من طريق الثوري عن ثور عن مكحول مرسلة، و قد أعلّها ابن الملقن كما في 'خلاصة البدر المنير' (2 / 345) و الزيلعي في 'نصب الراية' (4 / 104) و المباركفوري في 'تحفة الأحوذي' (8 / 37).

و أما رواية العُقيلي فهي عنده في 'الضعفاء' (2 / 243) عن علي موصولة، لكن فيها، عبد الله بن خراش عن العوّام بن حوشب، قال البخاري في 'التاريخ الكبير' (5 / 80): [عبد الله بن خراش عن العوّام بن حوشب منكر الحديث]، و هي عند الحسن الرامهرمزي في 'المحدّث الفاصل' (ص 312-317)، قال: حدّثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، قال سمعت علي ابن المديني يقول: [جلست إلى عبد الله بن خرَاش و أنا حَدَث، فسمعته يقول: حدثنا العوّام عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن علي (أن النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ نصب المنجنيق على أهل الطائف)، فعلمت أنه كذّاب!].

و في سنن البيهقي الكبرى (9 / 84) من طريق هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن أبي عبيدة ـ رضي الله عنه ـ (أن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ حاصر أهل الطائف و نصب عليهم المنجنيق سبعة عشر يوما)، قال أبو قلابة: و كان ينكَر عليه هذا الحديث، قال الشيخ ـ رحمه الله ـ: فكأنه كان ينكر عليه وصل إسناده، و يحتمل أنه إنما أنكر رميهم يومئذ بالمجانيق؛ فقد روى أبو داود في 'المراسيل' عن أبي صالح عن أبي إسحاق الفزاري عن الأوزاعي عن يحيى هو ابن كثير قال: حاصرهم رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ت شهرا، قلت: فبلغك أنه رماهم بالمجانيق؟ فأنكر ذلك، و قال: ما يُعرف هذا.

هذه الرواية هي في 'مراسيل أبي داود' (322-الزهراني).

أيّا كان أمر إسناد الرواية، و أبا كان خلاف أهل العلم في المسألة، فإنني لا أقف طويلا عند هذا؛ لأن الصور التي تعرّض لها المشبوه لا تمت بصلة إلى واقع البلاد الجزائرية؛ فإن أهل الجزائر ليسوا كفّارا حتى يقاسوا على أهل الطائف يومئذ أو على المشركين الذين بيّتهم النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ، و مما يبّين لك أيضا خروج المشبوه في بحثه هذا عن حقيقة الأمر، أنه تكلم عن تترّس العدوّ بالنساء و الذرية، و ليس ثَمّ تترس قطّ؛ إذ لم يُعرف أن الدولة تترّست يوما بالنساء و الذرية.

كما تكلّم عن اعتصام العدوّ مع شعبه بحصن، و لا وجود لهذه الصور بالجزائر، فلهذا كان في هذا العرض غاشّا، كما كان في استدلاله خارجا عن محل النزاع، و قد سبق قريبا أن بيّنت الصور الإجرامية التي وقعت في الجزائر، و أن المشبوه لم يُوفّق للجواب عن واحدة منها، و إنما أتى بصور مغشوشة عن الوضع في الجزائر، و نظّل عليها أحكامه الوحشية، وهو فيها إما جاهل بواقع ما يفتي به، و إما عارف به و لكنه كاذب في وصفه.

قياس منكوس

لا يزال المشبوه يتابع أدلّته في جواز قتل الذرية المسلمين و النساء المسلمات، فيقول في مقاله السابق (ص 12): ”الصوة الثانية: قتل النساء و الذرية قصدا؛ دفعا لهتك أعراض المسلمات و قتل المسلمين.

تبيّن لنا في الباب السابق جواز قتل الذرية و النساء توصلا لقتل الكفار المقاتلين، فهل يجوز قتل الذرية و النساء توصلا لإحياء المسلم و دفعا لهتك عرض المسلمة؟

من المعلوم أن إحياء المسلم أعظم شأنا من قتل الكافر، فدفع المفاسد و إبطالها خير من جلب المنافع، و قتل المسلم مفسدة عظيمة، و أما قتل الكافر فمصلحة، فإذا تدافعت مصلحة قتل أسارى الكفار مع مصلحة فدائهم بأسارى المسلمين، وجب على المسلمين فداء الأسارى المسلمين، و ذلك بإطلاق أسارى الكفار.

إذا تبين لنا هذا، و علمنا سابقا جواز قتل الذرية و النساء توصلا لقتل الرجال المقاتلة، فإن من باب أولى جواز قتل هذه الذرية و قتل النساء توصّلا لمنع قتل المسلمين، بل المجاهدين و هتك أعراض المسلمات! !“.

قلت: يريد أن يقول: إن الدولة الجزائرية تقتل المسجونين من جماعته و تنتهك أعراض نسائهم، فلذلك رأى أن في قتله لنساء رجال الدولة وذراريهم توقيفا لعملية قتل المسجونين و انتهاك أعراضهم!

ثم قال: ”فحقيقة المسألة أننا إن لم نستطع منع المرتدين من قتل أسارى المسلمين ـ من مدنيّين و غيرهم ـ إلا بتهديد هؤلاء المرتدين بقتل نسائهم و أبنائهم فهو جائز، إن لم يكن واجبا! !

و كذلك إن لم نستطع منع المرتدين من انتهاك أعراض المسلمين، و التلعّب بالنساء إلا بتهديدهم بقتل ذريّتهم و نسائهم فهو جائز و لا شك، إن لم يكن واجبا؛ إذ أن مصلحة إحياء المسلمين و حفظ أعراضهم أشد و أهم من التوصل إلى قتل المرتدين بتترسهم بنسائهم و أبنائهم! ! !“

النقد:
1- لقد مرّ بنا أن التترس المذكور لا وجود له في واقع الجزائر، فهو تنزيل حكم على غير محل.

2- إذا كان أولئك يقتلون مجاهديهم و ينتهكون أعراض نسائهم، فما ذنب نساء أولئك القتلة و ذراريهم؟
أليس الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين لله شهداء بالقسط و لا يجرمنّكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى و اتقوا الله إن الله خبير بما تعملون} (المائدة 8).
و لو جاز هنا رد السيئة بمثلها فليكن بقتل الذين باشروا القتل، لا بقتل الأبرياء من النساء و الذرية، قال الله ـ تعالى ـ: {و قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم و لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} (البقرة 190).

و ذلك لأن في مجاوزته إسارفا لا يحبه الله، قال الله ـ عز و جل ـ: {و لا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلا بالحق و من قُتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورا} (الإسراء 33).

هذا لو كان القتل قتل أولاد مشركين و نساء مشركات، فكيف و هو قتل لمسلمين و مسلمات؟!

و لذلك روى احمد (3 / 435) و غيره بسند صحيح عن الأسود بن سريع قال: أتيت رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، و غزوت معه، فأصبت ظهر أفضل الناس يومئذ، حتى قتلوا الولدان، و قال مرة: الذريّة، فبلغ ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، فقال: "ما بال قوم جاوزهم القتل اليوم حتى قتلوا الذرية؟!" فقال رجل: يا رسول الله! إنما هم أولاد المشركين، فقال: "ألا إن خياركم أبناء المشركين"، ثم قال: "ألا لا تقتلوا ذرية، ألا لا تقتلوا ذرية"، قال: "كل نسمة تولد على الفطرة حتى يعرب عنها لسانها، فأبواها يهودانها، و ينصرانها" أخرجه أحمد (3 / 435) و الدارمي (2 / 223) و الحاكم (2 / 123) و غيرهم، و صحّحه الحاكم و وافقه الذهبي، و كذا الألباني في 'السلسلة الصحيحة' (402).

فعلى هذا، لا يجوز قتل النساء و الولدان بهذه الذريعة؛ لأنه لم يتوقف الأمر عند حد مقابلة السيئة بمثلها، و إنما تعدّاه إلى العدوان و المجاوزة لحدود الله؛ فمن قتلك لا يجوز أن يُقتل بك ولده أو امرأته أو واحد من أقاربه، فهذا انتقام غير مشروع، بل أجمع العلماء على أن من أكره على قتل نفس معصومة لم يَجُز له تنفيذه، و لم يكن الإكراه عذرا شرعيا في هذا.

3- كان عليهم إذا أرادوا أن يقابلوا القتل بالقتل ألا يَقتلوا إلا الذين باشروه دون سائر المسؤولين، فبأي حق استباحوا دماء الجميع؟!

و لو تذرّعوا بأنهم عجزوا عن تمييز المسؤول المباشر للقتل عن غيره، فلجؤوا إلى قتل الجميع، لقلنا: هذا ظلم ذريع؛ لأنه لا يجوز تجميل أحد خطأ غيره؛ لأن الله يقول: {و لا تكسب كل نفس إلا عليها و لا تزر وازرة وزر أخرى} (الأنعام 164).
و لمّا عجزوا عن قتل المسؤولين لجؤوا إلى الضعفاء من أقاربهم: النسوان و الولدان، فقتلوا من ظفروا به، فكان ظلما مضاعفا، و الله المستعان.

فأين عدلهم و هم يطالبون بدولة العدل؟!

قال الله ـ تعالى ـ: {أتأمرون الناس بالبر و تنسون أنفسكم و أنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} (البقرة 44).

وروى البخاري (3045) عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: (بعث رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ عَشَرَة رهطٍ سرية عَيناً، و أمّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطّاب، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهدأة و هو بين عسفان و مكة، ذكروا لحيّ من هذيل يقال لهم بنوا لَحيان، فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام، فاقتصّوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرا تزوّدوه من المدينة، فقالوا: هذا تمر يثرب، فاقتصوا آثارهم، فلما رآهم عاصم و أصحابه لجؤوا إلى فدفدٍ1، و أحاط بهم القوم، فقالوا انزلوا و أعطونا بأيديكم و لكم العهد و الميثاق و لا نقتل منكم أحدا، فقال عاصم بن ثابت أمير السريّة: أما أنا فو الله! لا أنزل اليوم في ذمّة كافر، اللهم أخبر عنا نبيّك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما في سبعة، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد و الميثاق، منهم خبيب الأنصاري و ابن دثِنة و رجل آخر، فلمّا استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قِسٍيّهم فأوثقوهم، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر و الله! لا أصحبكم، إن لي في هؤلاء لأسوة يريد القتلى، و جرّروه و عالجوه على أن يَصحبهم، فأبى فقتلوه، فانطلقوا بخبيب و ابن دثِنة حتى باعوهما بمكة بعد وقيعة بدر، فابتاع خبيبا بنو الحارث بن عامر ابن نوفل بن عبد مناف2، و كان خبيب هو قتل الحارث بن عامر بوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرا، فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسى يستحد بها3، فأعارته، فأخذ ابنا لي و أنا غافلة حتى أتاه، قالت: فوجدته مُجلِسَه على فخذه و الموسى بيده، ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي، فقال: تخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك، و الله! ما رأيت أسيرا قطّ خيرا من خبيب، و الله! لقد وجدته يوما يأكل من قطف عنب في يده و إنه لموثق في الحديد، و ما بمكة من ثمر، و كانت تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيبا، فلمّا خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحِلّ قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، ثم قال: لو لا أن تظنّوا أن ما بي جزع لطوّلتها، اللهم أحصهم عددا.
و لست أبالي حين أٌقتل مسلما [][][] على أي شقّ كان لله مصرعي
و ذلك في ذات الإله و إن يشأ [][][] يبارك على أوصال شَلْوٍ ممزعِ4
فقتله ابن الحارث، فكان خبيب هو سنّ الركعتين لكل امرئ مسلم قُتل صبرا، فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب، فأخبر النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ أصحابه خبرهم و ما أصيبوا، و بعث ناسٌ من كفّار قريش إلى عاصم حين حُدِّثوا أنه قُتل ليُؤتَوا بشيء منه يُعرف، و كان قد قتل رجلا من عظمائهم يوم بدر، فبُعث على عاصم مثل الظلة من الدَّبر5 فحمته من رسولهم فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئا).

فأنت ترى أن خبيبا أُخذ مظلوما، ثم غُدر به، ثم علم أنه مقتول، ثم مكّنه الله من صبي لقوم أسروه بغير حق، فلم يحمله ذلك على قتله، قال ابن حجر ـ رحمه الله ـ في 'الفتح' (7 / 384): [و فيه الوفاء للمشركين بالعهد و التورع عن قتل أولادهم]، فأين المشبوه من هذا الخُلُق الرفيع؟!

3- هذه الفتوى مبنية على الظن؛ و ذلك أن امتناع الدولة من قتل المسجونين من ’مجاهديهم!‘ بمثل التهديد السابق مجرد تصور، فكيف يبنى على الظن استباحة دماء أمة مسلمة معصومة الدم يقينا؟!

قال الله ـ تعالى ـ: {إن تتبعون إلا الظن و إن أنتم إلا تخرصون} (الأنعام 148).

و الحقيقة أن هذه الفتوى تدلّ على أن صاحبها أحد رجلين:

- إما أنه سخيف التفكير، ضعيف العقل؛ إذ توهّم أنه ـ بقتله النساء و الأطفال ـ يستطيع أن يضغط على عدوّه حتى يكفّه عما هو فيه، و قد دلّت التجربة و شهد التاريخ على أن ذلك يزيده طغيانا و عتوّا في الأرض و إثخانا في جِراح المسلمين، و قد قيل:
لكل داء دواء يُستطب به [][][] إلا الحماقة أعيت من يداويها

- و إما أنه محتال يحتج بأي شيء للوصول إلى مراده، و الستر على جماعته، و لو باستخفاف عقول قرّائه!

و إذا كانت نتيجة هذا الفعل هي أن يزداد صاحب الطغيان طغيانا، فإن صاحبه يرجع موزورا، و قد قال الله ـ تعالى ـ: {و لا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدوا بغير علم} (الأنعام 108).

5- إذا نظرنا إلى واقع البلاد الجزائرية، وجدنا أن عدد المقتولين من نساء المسؤولين المرتدين ـ عندهم! ـ وأطفالهم قليل جدا، لا تحدث نكاية، و لا تصلح لحكاية، و إنما حصل الاغتيال الأكبر لنساء الشعب و أطفالهم، الأمر الذي يدلّك ـ أخي القارئ! ـ على أن هذه الفتوى عبارة عن ذرّ للرماد في العيون، و الأمر لله!

6- ما هي نسبة المقتولين في السجون من قِبل النظام إلى نسبة المقتولين من الذريّة و النسوان من قِبل الثوّار؟
و الجواب معروف؛ لأن عدد من قُتل من الأسارى محصور بالنسبة لما يقابلهم، و لكن لا يُعقل أن يقول عاقل: (اقتلوا ما شئتم من الذرية و النسوان؛ حتى تتحرر البقية الباقية من الإخوان)؛ فهذا اعتداء و إسراف، قال الله ـ تعالى ـ: {و من قُتل مظلوما فقد جعلنا لوليّه سلطانا فلا يسرف في القتل} (الإسراء 33).

7- إن في كلام المشبوه إيهاما بأن كل من يُسجن يُقتل، و هذا غير صحيح، بل قتله أمر ظنّي؛ لأنه قد يعاقب بلا قتل، و قد يُحكم عليه بالإعدام و لا يُنفّذ فيه، و قد يُطلق سراحه، بل قد حصل للآلاف منهم ذلك كما هو معلوم، فكيف يُبنى تجويز قتل الشعب و ترويع المستضعفين من النساء و الولدان على أمر ظني؟!

و بأي حقّ تُذبّح شرائح واسعة من الشعب يقينا؛ لظن أن فلانا و فلانا سيُقتلون؟!

و إذا قُتل فلان و فلان، فبأي عدل يُقابل ذلك بغزو قرية كلّها؟!

فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: "إن أعظم الناس فرية لرجل هاجى رجلا فهجى القبيلة بأسرها، و رجل انتفى من أبيه و زنّى أمّه" أخرجه ابن ماجه، و صحّحه الألباني في 'الصحيحة' (763).

و الحقيقة أن هذه الفتوى نُزّلت على غير محلّها؛ لأن الكلام هنا منصبّ على حكم غزو القرى و تذبيح أهلها جميعا بلا تمييز، كما فعلته الجماعة الإسلامية المسلّحة بالجزائر يقينا بلا ريب، و ليس هو من التترس أو تبييت المشركين كما مرّ.

و أمّا تحويل المسألة من هذه الصورة إلى صورة تذبيح عائلات المرتدين، فهو من اختراع المشبوه؛ لأنه لا واقع لها، إذ الذين قُتلوا من هؤلاء قليل جدا بالنسبة إلى الغزو الوحشي الجماعي.

و نحن لا نرى قتل هؤلاء و لا هؤلاء، و لكنني أحببت بيان الظلم الواضح عند من ينادي برفع الظلم و رفض الضَّيم.

ثم إن توقّف ’المرتدّين !‘ عن قتل المساجين إذا هدّدوا بقتل أهليهم أمر ظنّي، و قتل نساء ’المرتدّين !‘ أيضا أمر ظني؛ لأنهم لا يصلون إليهم غالبا، فكانت الفتوى ظنّا في ظن، مع ذلك استحلّت بها الدماء المعصومة، و الأمر لله!

8- لقد قال المشبوه قولا أبطل به فتواه من حيث لا يشعر، و ذلك حين قال فيما سبق: ”من المعلوم شرعا أن إحياء المسلم أعظم شأنا من قتل الكافر؛ فدفع المفاسد و إبطالها خير من جلب المنافع، و قتل المسلم مفسدة عظيمة، و أما قتل الكافر فمصلحة…!!“.

قلت: و إذا أردنا أن نطرِّد هذه القاعدة، قلنا: لا يجوز قتل المسلمين الذين تترس بهم الكفار تَوصُّلا إلى قتل الكفار؛ لأن ”مصلحة إحياء المسلم أعظم شأنا من قتل الكافر“ كما قال هو، إذاً عادت قاعدته عليه بالإبطال، فتأمل!

و ليس من شأني ههنا تبيين حكم التترس و ما إليه، لكن الشأن في تبيين تهافت أقوال هذا المشبوه، و أن آخرها كفيل بنقض أولها، و هذا هو حال المتعالمين، الذين يستقلّون بالفتيا، و لا يرفعون رأسا بعلم العلماء، و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

و مما يوضح خطورة استباحة دماء النساء و الولدان ما رواه ابن سعد في 'الطبقات' (2 / 91) و الواقدي في 'المغازي' (1 / 392،394) و ابن هشام في 'السيرة' (2 / 275) و أبو عوانة في 'مسنده' (4 / 221، 222-223) و البيهقي في 'دلائل النبوة' (4 / 33-34) في قصة إرسال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ بعض أصحابه إلى أبي رافع اليهودي لقتله، و قد كان يؤذي النبي ـ صلى الله عليه و سلم ، فعن عبد الله بن عتيك ـ رضي الله عنه ـ: (... و لمّا صاحت بنا امرأته، جعل رجل منّا يرفع عليها سيفه، ثم يذكر نهي رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ فيكفّ يده، و لولا ذلك لفرغنا منها بليلٍ).

قال ابن تيمية في 'الصارم المسلول' (2 / 258) بعد هذه القصة: [و إنما ذكرنا هذا رفعا لِوهم من قد يظنّ أن قتل النساء كان مباحا عام الفتح ثم حرُم بعد ذلك، و إلا فلا ريب عند أهل العلم أن قتل النساء لم يكن مباحا قطّ؛ فإن آيات القتال و ترتيب نزولها كلّها دليل على أن قتل النساء لم يكن جائزا، هذا مع أن أولئك النساء اللاتي كن في حصن ابن أبي الحُقيق إذ ذاك لم يكن يطمع هؤلاء النفر في استرقاقهن، بل هن ممتنعات عند أهل خيبر قبل فتحها بمدة، مع أن المرأة قد صاحت، و خافوا الشرّ بصوتها، ثم أمسكوا عن قتلها لرجائهم أن ينكف شرّها بالتهويل عليها].

فهذه قصة امرأة كافرة امتنع أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ من إصابة دمها، على الرغم من إحراجها لهم، و لذلك بوّب لها أبو عوانة في 'مسنده' (4 / 220) بقوله: 'بين خطر قتل النساء و الصبيان في دار الحرب و الغزو'.

أبو قتادة يعيد حجة ابن الأزرق الخارجي

نافع بن الأزرق الحنفي أبو راشد الخارجي، خرج في البصرة أيام ابن الزبير، كما الخطط للمقريزي (2 / 354).

قال البلاذري في 'جمل من أنساب قريش' (7 / 146): [و كتب نافع إلى من بالبصرة من الحرورية يدعوهم إلى الجهاد... فلما أتاهم الكتاب قال أبو بيهس هيصم بن جابر الضّبعي بقوله: في أن الدار دار كفر، و الاستعراض (أي القتل) مباح، و إن أصيب الأطفال فلا حرج على من أصابهم] ! !

قلت: ها هو مذهب صاحب مقالتنا كما مرّ، فقد قال بأن ديار المسلمين اليوم كلّها ديار كفر؛ لأن حكّامها كفّار عنده، و قال بإباحة القتل و إن أصيب الأطفال و النساء، و منه قوله في مجلة الأنصار، العدد (90)، في (ص 10)، بتاريخ (29 شوال 1415 هـ)، الموافق لـ (30/3/1995 م) و قد تم تصويره: ”و الخطاب هنا لمن آمن و اعترف أن جهاد هذه الطوائف الحاكمة لبلادنا هو تحت باب قتال المرتدين و جهادهم، و أن ا وقع في عصر الصحابة من قتال مسيلمة و سجاج و من معهما هو نفس قتال المجاهدين في الجزائر لطائفة الردة الحاكمة، و أن مخرجهما واحد، لا يفترق في نقير أو قطمير!“..

و قال فيه أيضا (ص 11): ”أن يرمى المرتدّون بآلات فيها مواد متفجرة تقتلهم هم و أبناؤهم و نساؤهم، و هذه حالة ذُكرت في كتب أهل العلم بالجواز! !“.

قلت: هذا واحد من الأدلة على أنهم يقاتلون المجتمعات الإسلامية حكّاما و محكومين على أساس تكفيرهم.

و قد كان الأزارقة يقتلون أطفال مخالفيهم حتى لا يكثر سوادهم، قال العسكري في 'الأوائل' (ص 367): [ثم تأوّل نافع بن الأزرق قول الله ـ تعالى ـ: {ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا (26) إنك إن تذرهم يضلوا عبادك و لا يلدوا إلا فاجرا كفارا (27)} (نوح 26-27)، تأوّل هذه الآية على أن قتل الأطفال و بَقر النساء على الأجنة حلال، فلمّا أظهر ذلك فارقه طائفة من أصحابه ثمّ قُتل...] ! !

و انظر 'الكامل' للمُبرد (2 / 284-285،288)، و كتاب 'جمل من الأنساب' للبلاذري (7 / 144)، و قارن بينها و بين قول المشبوه في خطبته المشار إليها: ”فهل قتل أولئك النساء و الأطفال ـ حتى لا يدفع الشر عن المسلمين، عن المسلمات ـ الذين يفجر بهم أولئك الكفار المرتدون إلا بقتل أبنائهم و التهديد بهم؟! هل هذه المسألة؟ دعني أقول لكم: ألا يبقى فيها شبهة قوية بجوازها؟! ألا يبقى شبهة قوية بجواز الوصول إليها؟!“.

إذاً فهو يقتلهم حتى لا يفجر بهم الذين سمّاهم: كفارا مرتدين! !

و لهذا لمّا أراد ابن الأزرق أن يستدل لقتله الأطفال بقصة الخضر مع الغلام، بيّن له ابن عبّاس بأن ذلك جائز إذا كان يميّز الطفل الذي يصير مؤمنا من الذي يموت كافرا؛ و ذلك على سبيل التعجيز له، ففي صحيح مسلم (1812) أن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال له: (و سألت هل كان رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ يقتل من صبيان المشركين أحدا؟ فإن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ لم يكن يقتل منهم أحدا، و أنت فلا تقتل منهم أحدا، إلا أن تكون تعلم منهم ما علم الخضر من الغلام حين قتله!)، و في رواية: (و تميّز المؤمن؛ فتقتل الكافر و تدع المؤمن! !)، قال ابن القيّم ـ رحمه الله ـ في 'أحكام أهل الذمة' (2 / 577): [فإذا رأيت الصغير بين أبوين مسلمين حكمت له بحكم الإسلام في المواريث و الصلاة و كل أحكام المسلمين، و لم يعتدّ بفعل الخضر؛ و ذلك لأنه كان مخصوصا بذلك لما علّمه الله من اعلم الخفيّ، فانتهى إلى أمر الله في قتله].

و مما ينبغي التنبه له أن حجة ابن عباس هذه هي نفسها التي نتلوها على المشبوه؛ لأن ابن الزرق استحل دماء الأطفال إذا أصيبوا في القتال كما مر في أول هذا الباب، و كذلك قال المشبوه، و قد مرّ، فتأمل كيف تشابهت قلوبهم!

--------------------------

1: أي الرابية المشرفة.
2: أي أنهم اشتروا خبيبا.
3: أي ليحلق بها عانته.
4: أي أعضاء جسد يقطّع.
5: أي مثلَ السحابة من الزنابير، و قيل: ذكور النحل؛ لتحميه من أن يقطّع شيء من جسده.

رد مع اقتباس