عرض مشاركة واحدة
  #19  
قديم 22 May 2008, 08:46 PM
أبو البراء إلياس الباتني أبو البراء إلياس الباتني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 106
افتراضي

قلت: هل يبقى ـ مع هذا التصريح ـ مجال لعشّاق الثّورات و مدمني الفتن أن يقولوا: إن اتهام الإسلاميين بقتل هؤلاء أمر مرفوض؛ لأنه ـ عندهم دائما ـ هو من فعل المخابرات؟!

فإما أن ينزِعوا عن ولائهم البارد لهذه الجماعات؛ لأن الدليل الحسي بين أيديهم كما ترى، و إما أن يشهدوا على ’مجاهديهم هؤلاء! ‘ بأن فتاواهم يجهّزها لهم رجال المخابرات كهذا المشبوه، إن كانت أخلاقهم تستسهل التُّهم، و أحلاهما مرّ! !

ثم لم يكتف المشبوه بفتوى بنانه، حتى ضم إليها فتوى بيانه، و ذلك في خطبته التي أشرنا إليها، فقد قال: ”هل يجوز للمسلمين في الحرب أن يقتلوا النساء و يقتلوا الأطفال؟ و الأطفال ـ كما تعلمون ـ على الفطرة، الأطفال على الفطرة، لا يلحق عليهم وصف كفر أو إسلام، بل على الصحيح أطفال المشركين إذا ماتوا أنهم في الجنة...

إذا كان أهل العلم قد أجازوا في مسألة التِّرْس، أي التَّتَرُّس، كما أفتى الإمام مالك، و أقرّها عليه أهل العلم، قالوا: إذا كان قد تترّس الكفار بمسلمين أسراء، جاء الكفار أسروا جماعة من المسلمين و وضعوهم في صدر الجيش، مسلمين، فماذا نصنع؟ ماذا نصنع؟ لا نصل إلى الكفار حتى نقتل المسلمين، قال: يُقتل المسلمين (كذا) الذين تترّس بهم الكفار، فإذا كان مسلمين (كذا)، و مجمع على عدم جواز قتلهم، أنه لا يُقتل الكفار حتى يقتل المسلمين (كذا)، و مع ذلك أجازوا قتل المسلمين، إذا كان في ذلك مصلحة إلى الوصول إلى الكفّار، الله ـ عز و جل ـ قال: {ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله} (الحشر 5)، أجاز الشارع قطع الشجر الذي نهى عنه في حديث أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ، و هو يوصي جيش أسامة: لا تقطعوا شجرا، و لا تقتلوا وليدا، و ستجدون أقواما قد فحصوا رؤوسهم في الصوامع فلا تقربوهم، و مع ذلك فقد أجاز الشارع قطع الشجر من أجل المصلحة.

فهل قتل أولئك النساء و الأطفال؛ حتى لا يُدفع الشر عن المسلمين عن المسلمات الذي يفجُر بهم أولئك الكفار المرتدون إلا بقتل أبنائهم و التهديد بهم؟! هل هذه المسألة؟ دعني أقول لكم: ألا يبقى فيها شبهة قوية في جوازها؟!
ألا يبقى شبهة قوية بجواز الوصول إليها؟!!“.

ثم اصطنع أريحيّة في الخلاف الذي نسجه بنفسه، فقال: ”فمن اهتدى من قوله إلى أنه جائز (حتما! !) فنعم ما قال! !
و من قال غير جائز فنعم ما قال! !“.

قلت: نعوذ بالله من التلاعب بأرواح المؤمنين!
و إنا لله و إنا إليه راجعون!

أمر فظيع يقشعرّ لسماعه الجلد البشري من أي دين كان، و تشمئز له النفوس، و أعتقد أن لغة هذه الفتوى لا تُفهم إلا في بريّة الوحوش!

قال الله ـ تعالى ـ: {ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة و إن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار و إن منها لما يشقّق فيخرج منه الماء و إن منها لما يهبط من خشية الله و ما الله بغافل عما تعملون} (البقرة 74).

فتوى قدمها صاحبها في صيغة سؤال، و جعل يلوذ بتغيير صيغاتها، و يبحث لها عن العبارات المناسبة تخفيفا لوطئها، لعلها تكون متنفّسا لسلواه، و إن لم تكن حدّا لبلواه؛ لأنه لا يقول بها إلا من انسلخ من طبيعة البشرية، و لم يكن للرحمة محل من قلبه، قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: "خاب عبد و خسر لم يجعل الله ـ تعالى ـ في قلبه رحمة للبشر" رواه الدُّولابي في 'الكنى' (1 / 173) و غيره، و حسّنه الألباني في 'السلسلة الصحيحة' (456).

و قد كان لفتواه هذه في الجزائر زَهَم من لحوم الصبيان الذي جرى على أعناقهم الغضة البريئة خناجر الخوارج، و هم يجأرون إلى الله، و ليس الخبر كالمعاينة!

و الحدود تُدرأ بالشبهات، و هؤلاء يقتلون أصحاب الفطرة بالشبهات!

نعوذ بالله من فقد الحياء!

هذه شهادة من صاحبها على نفسه، بل على طائفته، نحتفظ لكم بها التاريخ، و قبل ذلك كلِّه ما هو مدوّن في صحيفة العبد عند من لا تخفى عليه خافية، الذي قال: {كلا سنكتب ما يقول و نمُدُّ له من العذاب مدا (79) و نرثه ما يقول و يأتينا فردا (80)} (مريم)، و قال: {و كل شيء فعلوه في الزبر (52) و كل صغير و كبير مستطر (53)} (القمر 52-53).

و ليمسك أولئك المحامون لأهل البدع عشّاق الفتن و الثورات عن قولهم: لا يجوز أن ننسب شيئا من المجازر إلى الجماعات الإسلامية؛ قال الله ـ عز و جل ـ: {إن يتبعون إلا الظن و تهوى الأنفس و لقد جاءهم من ربهم الهدى} (النجم 23).

نعم لقد جاءهم من ربهم الهدى؛ لأن الله أنطق هذا المفتي ـ مفتي الوحوش! ـ حتى اعترف بأنه صاحب هذه المقالة، و أن وحوش الجزائر هم منفّذوا تلك الضلالة، فأي شهادة أكبر من الإقرار، و قد قيل: الإقرار سيد الأدلة؟!

و لقد جعل غليظ الكبد مسألة التِّرس نظير مسألتنا هذه، و هذا أمر لا يطاق؛ لأن صورة التترّس هي أن يحتمي الكفار بالحصون و فيها أسرى مسلمون، أو أن يجعلوا هؤلاء في المقدمة كالدرع لهم، بحيث يأتي الرمي عليهم لا على الكفار.

أقول: اسألوا أهل الجزائر: متى أخرجت الدولة النساء و الأولاد لتجعلهم ترسا لها ضد مقاتليها؟!

اسألوهم جميعا حتى المتعصبين لأولئك الثوار! !

فهذا أكبر دليل على أن الرجل صاحب هوى، و إلا فما محل مسألة التترّس في باب استحلالهم قتل النساء و الصبيان و الأبرياء عموما؟!

فهذا لا يفسره لنا إلا قول ربنا ـ عز و جل ـ: {فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة و ابتغاء تأويله} (آل عمران 7)، و الله العاصم.

تنبيه:
نفى أبو قتادة عن أبناء المسلمين وصف (الإسلام) بقوله السابق: ”و الأطفال ـ كما تعلمون ـ على الفطرة، الأطفال على الفطرة، لا يلحق عليهم وصف كفر و لا إسلام! !“

و لعل القارئ قد أدرك من هذا السياق سبب نفيه عنهم وصف الإسلام؛ إنه أراد الوصول إلى استحلال دمائهم كما مرّ، و لا بدّ حينئذ من وصف يرفع به عنهم هيبة 'حرمة المسلم و دمه'!

قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في 'شرح حديث لا زني الزاني حين يزني و هو مؤمن' (ص 38): [و قد قال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ: "كل مولود يولد على الفطرة"1، و في رواية: "على فطرة الإسلام"، فالقلب مخلوق حنيفا، مفطور على فطرة الإسلام، و هو الاستسلام، و هو الاستسلام لله دون ما سواه...].

و هذه الرواية "على فطرة الإسلام" رواها ابن حِبّان (132) و الطبراني (1 / 283) من حديث الأسود بن سريع،و هي رافعة للخلاف، أفيقول رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: "على فطرة الإسلام"، و تقول أنت: لا كفر و لا إسلام؟!

و في رواية عند مسلم (2658) بلفظ: "ما من مولود يولد إلا على هذه الملة"، و انظر 'مجموع فتاوى بن تيمية' (16 / 345)، و المشبوه على علم بها؛ فإنه رآها في تعليقه على 'معارج القبول' لحافظ حكمي ـ رحمه الله ـ (1 / 91)، و أشار هناك إلى رواية البخاري، و فيها تصريح ابن شهاب الزهري بـ "فطرة الإسلام"، حيث قال ـ رحمه الله ـ: [يُصلى على كل مولود متوفّى و إن كان لغِيَّة2؛ من أجل أنه وُلد على فطرة الإسلام...].

فلماذا سكت عن اختيار المؤلف الحكمي الذي نقل عن ابن كثير أن الفطرة هي الإسلام عند تحقيقه لـ 'معارج القبول' (1 / 91)، ثم جعل هنا صبيان المسلمين في منزلة بين المنزلتين؟!

و أغرب من هذا أن الشيخ حافظا الحكمي ـ رحمه الله ـ ساق في الصفحة نفسها حديثا جمع بين وصفه الذرية بالفطرة و بين تحريم قتلهم، و لكن ذلك كله لم ينفع محققه، فنعوذ بالله من علم لا ينفع.

قال ابن حجر في 'فتح الباري' (11 / 111): [و قوله: "على الفطرة" أي على الدين القويم ملة إبراهيم؛ فإنه ـ عليه السلام ـ أسلم و استسلم، قال الله ـ تعالى ـ عنه: {جاء ربه بقلب سليم} (الصافات 84)، و قال: عنه: {قال أسلمت لرب العالمين} (البقرة 131)، و قال: {فلما أسلما} (الصافات 103)]، و كذلك قال الخطابي في شرحه على السنن، أي فسّر الفطرة بـ "دين الإسلام".

و مما يقوّي ما ذهب إليه هؤلاء أن أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ حين روى هذا الحديث، قال: (اقرؤوا إن شئتم: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيّم و لكن أكثر الناس لا يعلمون} (الروم 30))، و ذلك في رواية البخاري و مسلم التي تقدّمت الإشارة إليها، فكلمة {فطرة الله} هي إضافة مدح، و قد أمر الله نبيّه ـ صلى الله عليه و سلم ـ بلزومها، فعُلم أنها الإسلام، كما في 'فتح الباري' (3 / 248)، و قال البخاري ـ رحمه الله ـ في 'صحيحه' (8 / 512): [و الفطرة الإسلام]، ثم ساق الحديث، و لذلك قال شارح 'العقيدة الطحاوية' (ص 83-84 / الألباني): [و لا يقال: إن معناه يولد ساذجا لا يعرف توحيدا و لا شركا كما قال بعضهم؛ لِما تلونا3، و لقوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ فيما يرويه عن ربه ـ عز و جل ـ: "خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين" الحديث4، و في الحديث المتقدم ما يدل على ذلك؛ حيث قال: "يهوّدانه او ينصّرانه أو يمجّسانه"، و لم يقل: و يسْلمانه، و في رواية: "يولد على الملة"، و في أخرى: "على هذه الملة").

و قد حكى ابن القيم في 'أحكام أهل الذمة' (2 / 572) و ابن حجر في 'فتح الباري' عن محمد بن نصر أن آخر قولي أحمد أن المراد بالفطرة الإسلام، و منها رواية عند الخلال في 'الجامع / أهل الملل و الردة' (28)، فسر فيها أحمد الفطرة بالدين، و قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ كما في 'مجموع فتاواه' (10 / 134): [و القلب إنما خلق لأجل حبّ الله ـ تعالى ـ، و هذه الفطرة التي فطر الله عليها الله عباده، كما قال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمةً جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء"، ثم يقول أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ اقرؤوا إن شئتم: {فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله} أخرجه البخاري و مسلم، فالله ـ سبحانه ـ فطر عباده على محبّته و عبادته وحده، فإذا تركت الفطرة بلا فساد كان القلب عارفا بالله، محبا له، عابدا له وحده، لكن تفسد فطرته من مرضه، كأبويه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجسّانه، و هذه كلّها تغيّر فطرته التي فطر الناس عليها].

و لست أقصد هنا الكلام عما قيل في معنى الفطرة؛ لأن العبرة من هذا كله هي بيان أن الرجل أراد الوصول إلى دماء صبيان المسلمين، فنفى عنهم وصف الإسلام إذا وُلِدوا كما سبق، و بيان أنه قد يحقق من الكتب السلفية ما يوهم به أنه مؤمن بما فيها، لكنه ينقض ذلك كله في واقع دعوته.

أما ما قيل في معنى الفطرة فقد جاء فيه روايات، منها ما هو على معنى أن كل مولود يولد على المعرفة بربه، و منها ما هو على معنى العهد الذي أخذ على ذرية آدم في عالم الذّر، كما رواه أبو داود عن حماد بن سلمة كما في 'فتح الباري' (11 / 249)، و منها ما هو على معنى ما كُتب على الإنسان في أم الكتاب من الشقاوة و السعادة، كما مقل الخلّال عن أحمد في 'الجامع / أهل الملل و الردة' (31-33)، لكن نص ابن القيم على أنه قوله الأول كما في 'أحكام أهل الذمة' (2 / 573)، و إن كان ابن تيمية قد حقق أن لا منافاة بين هذا القول و القول المختار أولا، انظر'مجموع فتاواه' (4 / 246)، و ثَمّ أقوال يمكنك مراجعتها في 'فتح الباري' (11 / 249) و 'مجموعة الرسائل الكبرى' لابن تيمية (2 / 333).

لكن [أشهر الأقوال أن المراد بالفطرة الإسلام، قال ابن عبد البر: و هو المعروف عند عامة السلف]، كما في 'فتح الباري' (11 / 248).

و هذا واحد من الأدلة على أن ادِّعاء هؤلاء القوم الانتساب إلى السلف في عقيدتهم أو تحقيق ما كتبوه في ذلك إنما هو مجرد دعوى لا حقيقة لها، و الله المستعان.

ثم تأمل ما رواه البخاري (6311) و مسلم (2710) و أبو داود (5046) و الترمذي (3574) عن البراء ابن عازب ـ رضي الله عنه ـ قال: قال لي رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: "إذا أتيت مضجعك قتوضّأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، و قل: اللهم أسلمت وجهي إليك، و فّضت أمري إليك، و ألجأت ظهري إليك؛ رغبة و رهبة إليك، لا ملجأ و لا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، و نبيّك الذي أرسلت؛ فإن متّ متّ على الفطرة، فاجعلهن آخر ما تقول، فقلت أستذكرهن: و برسولك الذي أرسلت، قال: لا! و بنبيّك الذي أرسلت"

قلت: فما معنى الفطرة ههنا عند المشبوه؟
أفتكون هذه الجمل العقدية العظيمة هي غير الإسلام على زعمه في خطبته تلك؟!

تفصيل الفتوى

بدأ المشبوه عرض فتواه بقوله في مجلة الأنصار، العدد (90)، في (ص 10)، بتاريخ: (29شوّال 1415 هـ)، و قد تقدّم تصويره: ”هذا البحث شامل لمسألتين من مسائل الجهاد، هما:
1- جواز قتل الذرية و النسوان درءا لخطر هتك الأعراض و قتل الإخوان! !
2- جواز العمليات الاستشهادية، و أنها ليست بقتل النفس!5
و سبب بحث هاتين المسألتين هنا، هو ما وقع من المجاهدين في الجزائر، من القيام بهذه الأعمال، ثم رفع بعض المخالفين رأس الخلاف لهاتين المسألتين؛ حيث ظن من لا خبرة له أن ما قام به المجاهدون في الجزائر ليس له وجه شرعي، و هو مخالف للدين من كل وجه، فأحببت أن يطلع المحبُّ المخالفُ، و كذلك المؤيّد، على دليل ما قام به الإخوة؛ ليطمئن بال المحبّين، أن ما وقع من المجاهدين هو عمل شرعي، و لا ينكر عليهم، و الخطاب هنا هو لمن آمن و اعترف أن جهاد هذه الطوائف الحاكمة لبلادنا هو تحت باب قتال المرتدّين و جهادهم، و أن ما وقع في عصر الصحابة من قتال مسيلمة و سَجَاج و من معهما هو نفس قتال المجاهدين في الجزائر لطائفة الرّدّة الحاكمة، و أن مخرجهما واحد، لا يفترق في نقير أو قطمير! !“.

النقد:

يستفاد من مقدمة المشبوه فائدتان:
الأولى: اعترافه بقتل ’مجاهديه‘ في الجزائر للذريّة و النساء، هذه الحقيقة المرّة التي يتفانى لإنكارها الحركيّون على بكرة أبيهم، و يجهدون أنفسهم لإلصاقها كلّها بالمخابرات؛ حتى تبْرأ ساحتهم مما كسبت أيديهم، و قد اجتمع على هذا الرأي الدّمويّون و الثوريّون و السياسيّون و المرتابون المتردّدون، و هم الذين مدّوا في أجل الفتنة مع الأسف.

و لعلّ في اعتراف مفتي هذه الجماعة بما سبق إنهاء للخلاف، فعلام يصرّ أهل الفتن على تزكية أولئك لولا أنهم يشاركونهم في الفكر على تقيّة و جبن، فإن لم يكونوا على فكرهم فلينطقوا بعلم، و إلا فليسكتوا بحلم، و الله يقول: {و لا تكن للخائنين خصيما} (النساء 105).؟!

و الثانية: أن قتال هؤلاء للشعب الجزائري كان منطلقا فيه من أساس تكفيره؛ لأن المشبوه قد صرّح بأن قتال هؤلاء للحكّام و لطائفتهم ـ التي هي الشعب ـ كقتال الصحابة لمسيلمة الكذاب و سجاج و من معهما، فأي صراحة أكبر من هذه؟!

و أسأل ههنا القارئ المنصف: ما رأيك فيمن يعتبر الشعب الجزائري المسلم بمثابة من كان مؤمنا بمسيلمة الكذّاب المدّعي للنبوة؟

ثم إن المشبوه قد أوضح رأيه هذا بقوله فيما تقدّم تصويره من مجلته (ص 12): ”و تبقى مسألة: قد يقول قائل: إن منهج جماعات الجهاد هو تكفير الطائفة، فهل تدخل نساء المرتدين في مسمى الطائفة؟ فيقال ههنا: إن جنس جهاد هؤلاء المرتدين هو جنس قتال الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ للمرتدين من أتباع مسيلمة و مانعي الزكاة، و قد عامل الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ هذه الطائفة معاملة المشركين، أصحاب الشوكة و المنَعة في إقامة الحجة عليهم، و ذلك عن طريق البلاغ العام، فقد روى الطبري ـ رحمه الله ـ ذلك في تاريخه، في المجلد الثاني عند خبر المرتدين، فكون هذه الطائفة ممتنعة، و لها شوكة و قوّة، فإنها تعامل معاملة الكفرة الممتنعين بشوكة و قوة، و حكمكم في كل أمر حكمهم بلا فارق، إلا ما افترقت أحكام المرتدّين عن أحكام الكفرة الأصليين! !

و قد أنذر الإخوة المجاهدون في الجزائر نساء المرتدين بأن أزواجهن قد ارتدوا، فوجب الفراق، و أنه لا يجوز لها أن تمكّن المرتد منها، فإن رفضت فحكمها حكمه! !

و من أحكامها هو ما تقدّم في هذا البحث، و قد اختلف أهل العلم قديما في حكم نساء المرتدّين: أتسبى أم لا؟

و هذا له مقام آخر! !

و لذلك فليعلم أن نساء و ذرية كل طائفة تعامل معاملة الطائفة ممتنعة (كذا) بقوة و شوكة التي انتسبت إليها، في الأحكام الشرعية، إلا ما خصوا به دون المقاتلة! !“.

النقد:

ههنا ثلاثة أمور:
1- إن الذي يقرأ له هذا يتصوّر أن المسؤولين في الجزائر لا يفارقون نساءهم، فلذلك اضطرت جماعته إلى اغتيالهم بنسائهم، و هذا كذب في تصوير المسألة، لأن المسؤولين يغدون و يروحون إلى وظائفهم، بل هم في أكثر الحالات مفارقون لأهليهم؛ خوفا من أن يباغتوا في بيوتهم مع من فيها.

ثم إن الأمر هنا لا يتمثل في قتل النساء و الذرية بمعزل عن أوليائهم المراد اغتيالهم أصلا، بل قصدهم بأعيانهم و اختطافهم حيث وجدوهم، و قد صرّح بذلك هو نفسه، فقال في مقاله السابق (ص 12): ”بهذا يتبين أن ما فعلته الجماعة الإسلامية المسلحة من تهديد ذرية و نساء المرتدّين بالقتل؛ من أجل تخفيف وطأتهم على النساء و المساجين و الإخوان، هو عمل شرعي لا شبهة فيه! !“.

2- لو فرضنا أن هؤلاء الرجال المكفّرين من قبلهم كانوا كفارا حقيقة، فعلى أي أساس تُقتل نساؤهم بعد إنذارهن كما قال؟! إن هذا لدليل على أن امرأة فرعون المؤمنة لو عاشت وقتهم لأعملوا فيها السيف؛ لأنها لم تفارق زوجها الكافر، مع أن الله مدحها و جعلها مضرب المثل للذين آمنوا، فقال: {و ضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة و نجّني من فرعون و عمله و نجني من القوم الظالمين} (التحريم 11) !

3- إذا كان حكم نساء المسؤولين و ذريتهم هو القتل، فما بال سائر الشعب؟!
أي ما داموا يقتلون النساء لأنهن لا يفارقن أزواجهن المرتدين عند المشبوه فما بالهم يقتلون بقية الشعب؟!

و الجواب أن هذا المشبوه و مريديه يكفرون الشعب، فلذلك استباحوا دمه، و ليس الأمر قاصرا على نساء المسؤولين و ذريتهم، و قد مضى بعض ما يدلّ عليه، و أزيد هنا من أدلتهم قول المشبوه في مقاله السابق (ص 11)، تحت عنوان: ’باب جواز قتل النساء و الذرية لمقاصد شرعية‘: ”إذا بيّت المسلمون الأعداء، فلم يستطيعوا إصابة الرجل إلا بقتل الذريّة و النساء: روى البخاري في صحيحه و مسلم في صحيحه عن الصعب بن جُثامَة6 قال: سُئل النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ عن الذراري من المشركين يبيّتون، فيصيبون من نسائهم و ذراريهم؟ فقال: "هم منهم"، هذا لفظ مسلم، و لفظ البخاري: فسئل عن أهل الدار يبيّتون من المشركين، فيصاب من نسائهم و ذراريهم؟ قال: "هم منهم"7... فالحديث يدل على جواز قتل الذريّة و النساء إذا تترّس الكفار بهم!“

قلت: إن الحديث جاء جوابا على سؤال حول الذراري من المشركين و المشبوه طبّقه على ذراري المسلمين، فأين عقول تابعيه؟!

----------------------------
1: رواه البخاري (1358) و مسلم (2658).
2: أي من زنا.
3: يريد الآية السابقة مع غيرها مما في معناها.
4: أخرجه أحمد و مسلم من حديث عياض بن حمار ـ رضي الله عنه.
5: هذه من نوازل هذه الأيام و إن كانت مطروقة عند المتقدّمين، إلا أن تطبيقها على واقع البلاد الإسلامية يحتاج إلى العالم المجتهد، مع ذلك فقد هجم عليها الأحداث الأغمار فأتوا بالعجائب، و لا بأس من أن ارشد القارئ للرجوع إلى شريط سمعي بعنوان 'فتاوى العلماء في الاغتيالات و التفجيرات و العمليات الانتحاري و الاعتصامات و القنوت' لمجموعة من أهل العلم الأكابر،منهم ابن باز و الألباني و ابن عثيمين و صالح الأطرم و صالح الفوزان وعبد العزيز آل الشيخ و غيرهم، تسجيلات دار بن رجب للإنتاج و التوزيع بالمدينة، فاستمع إليه؛ لتفرق بين العالم و الحالم.
6: هكذا هو عنده، و الصواب "جَثَّامة"، بفتح الجيم و تشديد الثاء.
7: قال الصنعاني ـ رحمه الله ـ في 'سبل السلام' (4 / 101-102): [التبييت: الإغارة عليهم في الليل على غفلة مع اختلاطهم بصبيانهم و نسائهم، فيصاب النساء و الصبيان من غير قصد لقتلهم ابتداء، و هذا الحديث أخرجه بن حبان من حديث الصعب، و زاد فيه: (ثم نهى عنهم يوم حنين)، وهي مدرجة في حديث الصعب، و في سنن أبي داود زيادة في آخره، قال سفيان: قال الزهري: ثم نهى رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه و على آله و سلم ـ بعد ذلك عن قتل النساء و الصبيان، يؤيّد أن النهي في حنين ما في البخاري، قال النبي ـ صلى الله عليه و على آله و سلم ـ لأحدهم: "الحق خالدا، فقل له: لا تقتل ذريّة و لا عسيفا"...].
و يدلّ له ما رواه ابن حبان عن الصعب بن جَثَّامة قال:سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ يقول: "لا حِمى إلا لله و لرسوله، و سألته عن أولاد المشركين، أنقتلهم معهم؟ قال: نعم؛ فإنهم منهم، ثم نهى عن قتلهم يوم حنين"، و صححه الألباني في 'صحيح موارد الظمآن' (1380).

و لذلك بوّب أبو عوانة في 'مسنده' (4 / 222) بقوله:[بيان الخبر المبيح بيات المشركين و الغارة عليهم بالليل و قتلهم و إن أُصيب في قتلهم نساؤهم و صبيانهم حتى قُتلوا معهم، و الدليل أن نهيه عن قتل النساء و الصبيان هو المتأخر، و أن السنة في ترك الغارة بالليل حتى يصبح، و على أنه لا يجوز حرق القرية التي فيها مسلم أو الغارة أو نصب المنجنيق عليها].


التعديل الأخير تم بواسطة أبو البراء إلياس الباتني ; 23 May 2008 الساعة 01:30 PM
رد مع اقتباس