عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 20 May 2008, 10:08 PM
أبو البراء إلياس الباتني أبو البراء إلياس الباتني غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Nov 2007
المشاركات: 106
افتراضي

3
- أبو قتادة يدافع عنهم مع اعترافه بأنه لايدري سبب فعلهم:

لقد كتبتْ جماعة أبي قتادة بيانا تفتخر فيه باغتيال الشيخ محمد سعيد الوناس و من معه، لكن أبا قتادة لم يتبين له السبب،و كتب مع ذلك مقاله السابق ـ و تأمل البرودة التي يتكلم بها في الدماء ـ فقال: ”و البيان لم يوضّح سببا شافيا و قاطعا لهذا القتل، بل أبقى الكثير من الاحتمالات، فإذا تعاملنا مع البيان فقط فهذا معتقدي، لكن عندي ما يجعل لقتله عذرا و تأويلا...“ !!

ثم ساق بعض الاحتمالات، و ذكر بعدها الحالات التي يجوز فيها الاغتيال، ثم عاد ليعترف ـ بعد دفاع مرير عن جماعته ـ في الصفحة التي تليها، فقال: ”و البيان الذي أخرجته الجماعة لم يحدّد لنا أحد هذه الأسباب“!!

و هذا اعتراف صريح منه بأنه يهرف بما لا يعرف، و بأنه ينصر من لا يعرف، فأين ذهب عن قول الله ـ تعالى ـ: {و لا تقف ما ليس لك به علم إن السمع و البصر و الفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} (الإسراء 36)؟ !

و فيه شهادة صريحة منه على أن نصرته لهذه الجماعة ليس إلا عصبية جاهلية؛ فأين ذهب عن قول الله ـ تعالى ـ: {إلا من شهد بالحق و هم يعلمون} (الزخرف 86)؟ !

و أنا أنقل هذا من قلم صاحبه؛ لأبين للمتعاطفين مع جماعته أننا نتعامل مع قوم يتكلّمون في دماء المسلمين بعشوائية كاملة، و يلغون فيها بوحشية قاتلة، كفى الله المسلمين شر هؤلاء المجرمين.

4- تفسير أبي قتادة لقتل الشيخ محمد سعيد الوناس:
قال المشبوه في مقاله ذلك (ص 10): ”اعلم ـ حفظك الله تعالى ـ أنه لا أحد فوق شرع الله ـ تعالى ـ؛ لقوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: "إنما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرَق الشريف تركوه، و إذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد، و أيمُ الله! لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها" رواه البخاري في كتاب الحدود، باب كراهية الشفاعة في الحد إذا رُفع إلى السلطان، من حديث عائشة ـ رضي الله عنها.

على هذا، فإنه ليسوء المرء المسلم أن يقتل أمثال محمد السعيد ممن عُرف بلاءه (كذا) في الدعوة إلى الله ـ تعالى ـ، و ليس محمد السعيد ككل أحد، لكن لا ينبغي التهويش باسمه دون النظر المبصر لسبب القتل“!!

قلت: هذه مقدمة قدمها ليقبَل قوله الآتي في تصحيح ذلك العمل الإجرامي، فالله حسبه.

و سبق أن نقلت من كلام المشبوه اعترافه بأنه لا يملك سببا قاطعا لتفسير قتل الشيخ محمد سعيد، و في مقاله هذا نفسه اجتهد اجتهادا بالغا لتصحيح هذا العمل الإجرامي، بحيث تبقى جماعته بمنأى عن كل طعن، بل تأوّل كل ما أورِد عليها؛ حتى يبرهن على أنها هي الطائفة المنصورة المعصومة.

و في الوقت الذي يشهد فيه على نفسه بأنه لا يدري سبب القتل بالضبط، فقد جعل يتأول لوحوشه حتى يدخل عملهم ذاك في عِداد عمل الآدميين، بل و في عداد ما يأمر به شرع أرحم الراحمين!

و بسبب تهافته في تفسير هذه الوحشية، فقد تردد جوابه بين إحدى ثلاث:
- تفسيره الأول: اتهم الشيخ محمد سعيد بفتح باب الحوار مع الطواغيت، و هذا يستلزم عنده القتل بال كرامة، قال بعد مقاله السابق: ”و ليس محمد سعيد ككل أحد، و لكن لا ينبغي التهويش باسمه دون النظر المبصر لسبب القتل، و البيان لم يوضِّح سببا شافيا قاطعا لهذا القتل، بل أبقى الكثير من الاحتمالات، فإذا تعاملنا مع البيان فقط فهذا معتقدي، و لكن عندي ما يجعل لقتله عذرا و تأويلا؛ فمن أراد أن يفتح باب الحوار مع الطواغيت أو ينشئ علاقات مع طواغيت أجانب عن بلده كالقذافي و غيره، أو يسعى عاملا للعودة إلى الديمقراطية، فهذا حكمه القتل و لا كرامة، و الله الحافظ و الهادي إلى كل خير، و إن لم يكن لهم عذر صحيح فهم آثمون“!!

و اعلم أنه يقصد بقتله كفرا، إلا أنه جبن عن التصريح بذلك، لكنني لا أفضحه إلا بقلمه؛ فقد قال في (ص 12) من مقاله ذلك: ”و أنا أعتقد بكفر من رفع راية الديمقراطية في حزب أو تنظيم في وضع مثل الجزائر، فمن دعا إلى العودة إلى الديمقراطية و حلِّ الأزمة كما يسمّونها ـ كذبا و زورا ـ عن طريق العودة إلى البرلمان و التعددية الحزبية، و بالتآلف و التحالف الوطني فهو يُقتل ردة بعد استتابته إن كان مقدورا عليه، و بدون استتابة إن كان غير مقدورا عليه (كذا) كما في الجزائر، و خاصة أن أمثال هؤلاء دورهم الرئيسي هو القضاء على الجهد، و إعطاء فرصة للدولة الطاغوتية للاطمئنان و ترتيب أوراقها للقضاء على الإسلام و أهله“!!

قلت: لقد عمّم الكلام هنا، مع أنه يدري بأن الشيخ محمد سعيد كان ممن ينحون هذا المنحى الديمقراطي، كما مرّ!

- تفسيره الثاني: أن محمد سعيد كان من المبتدعة عنده، ثم تاب بعد القدرة عليه، و من كانت حاله كذلك جاز قتله عندهم؛ قال المشبوه في منشوره السابق (ص 11): ”كانت هناك وقفة طويلة لقتل التائبين من التهمة، و أن الرجل إن تاب فلا يحل قتله، فكيف قتلت الجماعة الإسلامية المسلحة التائبين؟“

ثم أخذ يجيب على السؤال، محاولا إخراجه من الصبغة الإجرامية إلى الصبغة الفقهية المحمية بـ(الخلاف السائغ!)، ثم قال: ”و البيان الذي أخرجَته الجماعة لم يحدد لنا أحد هذه الأسباب، و بالتحقيق تبين أن التوبة كانت بعد القدرة عليهم، هذا مع العلم أني أعتقد أن الأفضل أنه كان على الجماعة أن تعفو عن التائبين، و خاصة في هذا الظرف العصيب، و يعالجوهم بإحدى طرق التعزير الأخرى، و لكن هذا رأي، و الرأي غير ملزم، و في هذه الأمور إنما يمضي أمر صاحب الشوكة، و هو أمير الجماعة، لا أمثالي من الناصحين المناصرين“!!!

قلت: إذا فإهدار دم الشيخ محمد سعيد دائر عندهم بين فاضل و مفضول، و إلى الله تُرجع الأمور!

تناقض:
قد مر نقل كلام المشبوه في أن الداعي إلى الرجوع للحل الديمقراطي يُعدّ كافرا، و يقتل بلا كرامة و لو تاب، إذا كانت توبته بعد القدرة عليه، كما مرّ أن الشيخ محمد سعيد هو ـ عنده ـ من هذا الصنف، فكيف كان الأفضل عنده ألا يُقتل؟!

- تفسيره الثالث: أنه قُتل على أساس أنه مبتدع حاول الوصول إلى القيادة و تغيير منهجها؛ قال المشبوه في (ص 12): ”فالقول إن الجماعة الإسلامية المسلحة قتلت الشيخ محمد سعيد و عبد الرزاق رجّام؛ لأنهما مبتدعة على عقيدة الأشاعرة قول ينقصه الدليل“.

ثم كرّ على كلامه هذا بالإبطال، فقال: ”نعم! يجوز للأمير السني السلفي أن يقتل المبتدعة إذا حاولوا الوصول إلى القيادة و تغيير منهجها؛ لأن حالهم حينئذ أشد من حالة الداعي إلى بدعته، فالمبتدعة هنا دعاة و زيادة“!!!

قلت: سبحان الله! شريعتنا تدرأ الحدود بالشبهات، و هؤلاء يقتلون بأدنى الشبهات!

و أرواح الرجال تتردد عندهم بين الاحتمال و البهتان، و تزهق أرواحهم كما تُزهق أرواح الخرفان!

قال أبو العباس القرطبي ـ رحمه الله ـ في 'المفهِم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم' (5 / 27): [و الدماء أحق ما احتيط لها؛ إذ الأصل صيانتها في أُهبها، فلا نستبيحها إلا بأمر بيّن لا إشكال فيه].

قلت: قد عصم رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ دماء كفارٍ تابوا بعد القدرة عليهم، فالإطلاق السابق يقيّده ما جاء في الصحيحين البخاري (4019) و مسلم (95) عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن المقداد بن عمرو الكندي ـ وكان حليفا لبني زهرة، و كان ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم ـ أخبره أنه قال لرسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: أرأيتَ إن لقيت رجلا من الكفار فاقتتلنا، فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، أأقتله ـ يا رسول الله! ـ بعد أن قالها؟ فقال رسول الله ـ صلى اله عليه و سلم ـ: "لا تقتله؛ فإن قتلته فإنه فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله، و إنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال".

قال النووي ـ رحمه الله ـ في 'رياض الصالحين (ص 186-الألباني): [و معنى "إنه بمنزلتك" أي معصوم الدم محكوم بإسلامه، و معنى "إنك بمنزلته" أي: مباح الدم بالقصاص لورثته، لا أنهم بمنزلته في الكفر، و الله أعلم].

تزكية أبي قتادة لجماعته بعد هذه الفظائع

قال المشبوه عند نهاية مقاله ذاك: ”و في الختام: إن الجماعة الإسلامية المسلحة بقيادة الشيخ أبو عبد الرحمن (كذا) أمين(1) هي راية أهل السنة و الجماعة على أرض الجزائر، و لا تسقط هذه الراية بالاحتمالات العقلية الجائزة، و لسنا بمغيرين ذلك إلا ببيّنة مثل عين الشمس، و الله الموفق“!!

و قال أيضا (ص 11): ”فالجماعة الإسلامية المسلحة لم يصدر منها ـ و إلى الآن ـ إلا التسديد و المقاربة في إصابة الحق و تحري منهج الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ في قتالهم للمرتدين في الجزائر، فالواجب عدم إشاعة الفاحشة بمتابعة هوى النفس في إبطال هذه الراية و هذا المنهج“!!

قلت: و أي فاحشة أعظم من قوله: ’فتوى عظيمة الشان في جواز قتل الذرية و النسوان...‘؟ ! !و سيأتي إن شاء الله.

بهذا و ذاك الذي سبق يتبين أنه لم تكن هذه المحاماة المتهافتة من أجل حماية روح مسلمة، و إنما كانت من أجل إحياء جماعة من الوحوش الضارية و بعث نَفَس جديد لإجرامها، قال الله ـ تعالى ـ: {و لاتجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوّانا أثيما} (النساء 107).

أما كون وحوشه يتحرون منهج الصحابة، فأنّى لهم ذلك و هم من اجهل الخلق بدين الله، فكيف بمنهج الصحابة؟!

و هاك بعض ما كان عليه الصحابة و التورع في الدماء و التحرز من مواطن الفتن، أخرج البخاري (6863) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال: (إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله).

و أخرج أيضا (4513) عن ابن عمر أنه أتاه رجلان في فتنة ابن الزبير، فقالا: إن الناس ضُيّعوا، و أنت ابن عمر و صاحب النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ، فما يمنعك أن تخرج؟ فقال: يمنعني أن الله حرم دم أخي، فقالا: ألم يقل الله: {و قاتلوهم حتى لا تكون فتنة} (البقرة 193)؟ !فقال: قاتلنا حتى لم تكن فتنة و كان الدين لله، و أنتم تريدون أن تقاتلوا حتى تكون فتنة و يكون الدين لغير الله!).

و أخرج أيضا (4650) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: (أن رجلا جاءه، فقال: يا أبا عبد الرحمن! ألا تسمع ما ذكر الله في كتابه: {و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} إلى آخر الآية (الحجرات 9)، فما يمنعك أن لا تقاتل كما ذكر الله في كتابه؟ فقال: يا ابن أخي! أعيَّر بهذه الآية و لا أقاتِل، أحب إليّ من أن أعيّر بهذه الآية التي يقول الله ـ تعالى ـ: {و من يقتل مؤمنا متعمدا} إلى آخرها (النساء 93)، قال: فإن الله يقول: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} (البقرة 193)، قال ابن عمر: قد فعلنا على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ إذ كان الإسلام قليلا، فكان الرجل يُفتن في دينه؛ إما أن يقتلوه، و إما أن يوثقوه، حتى كثُر الإسلام فلم تكن فتنة، فلما رأى أنه لا يوافقه فيما يريد، قال: فما قولك في علي و عثمان؟ قال ابن عمر: ما قولي في علي و عثمان؟ أما عثمان،فكان الله عفا عنه، فكرهتم أن يعفو عنه، و أما علي، فابن عم رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ و خَتَنه، و أشار بيده: و هذه ابنته أو بنته حيث ترون!).

و في رواية عنده (4515) رجّحها ابن حجر في 'الفتح' (8 / 311) بلفظ (هذا بيته حيث ترون).

قال ابن حجر (8 / 310): [و أما قوله: فما هو قولك في علي و عثمان؟ فيؤيّد أن السائل من الخوارج؛ فإنهم كانوا يتولّون الشيخين و يحطّون عثمان و عليّاً].

و أخرج أيضا عن سعيد بن جُبَير قال: (خرج علينا أو إلينا ابن عمر، فقال رجل: كيف ترى في قتال الفتنة؟ فقال: و هل تدري ما الفتنة؟ كان محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ يقاتل المشركين، و كان الدخول عليهم فتنة، و ليس كقتالكم على الملك).

قلت: و لا ريب أن قتال هؤلاء اليوم على الملك، و إن بهرجوا بخلافه؛ لأنه من الصعوبة بمكان أن يشهد الإنسان على نفسه بأنه مبتغي دنيا و طالب ملك، و قد قال الله ـ عز و جل ـ: {أفمن زُيّن له سوء عمله فرآه حسنا} (فاطر 8)، و إنما يعرف ذلك بقرائنه، و لو أرادوا بما فعلوا وجه الله لوقفوا عند حدوده، و لتعرّفوا على الحق فيه عن طريق أهله الذين هم العلماء، و لم يهجموا على الأرواح المعصومة لأدنى شبهة.

و قبل أن يعجل عليّ عَجِل، فإنني أنقل للقارئ الكريم شهادة عزيزة من المشبوه نفسه، يشهد فيها على قتال هذه الجماعات، فقد قال في ’الجهاد و الاجتهاد‘ (ص 305): ”إن الجهاد في سبيل الله ـ تعالى ـ حركة بشرية، و حركة من أجل السلطان و الملك، ففيه تتداخل كل انفعالات الإنسان، و من دعا للسيف أو حرّض على السيف فلا ينتظر أن يناقشه الناس و يحاربوه بالخطب الرنّانة و الورق الصقيل، بل عليه أن يحضّر نفسه ليذوق حر السيف، هذه هي سنة الله ـ تعالى ـ“؟!!

قلت: هذه الشهادة الصريحة غريبة، لكنها وقعت كما نقلتُ، و هي تأكيد على أن الله هو الذي يوفق أهل التوفيق للخير، و أنه هو يخذل أهل الخذلان، و الأمور لا تجري على سَنَن الحيل و الذكاء، و لكن الله يحكم ما يريد!

و المتبع لأصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ حقيقة لا ادعاء لا يختار لنفسه الدخول في هذه الدماء التي أُنتنت بها أرض الجزائر، بل يحقنها ما استطاع، و يتأسى في ذلك بالسيّد الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ، فعن الحسن البصري قال: (استقبل ـ و الله! ـ الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال، فقال عمرو بن العاص: إني لأرى كتائب لا توّلي حتى تقتل أقرانها، فقال له معاوية ـ و كان و الله خير الرجلين ـ: أي عمرو! إنْ قتل هؤلاء هؤلاء، وهؤلاء هؤلاء، من لي بأمور الناس؟ من لي بنسائهم، من لي بضيعتهم؟)، و ذكر القصة إلى أن قال الحسن البصري: (و لقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ على المنبر ـ و الحسن بن علي إلى جنبه ـ و هو يقبل على الناس مرة و عليه أخرى، و يقول: "إن ابني هذا سيد، و لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين") رواه البخاري (2704).

و في رواية للآجري في 'الشريعة' (1659) تعليقا، و من طريقه عبد الغني المقدسي في 'تحريم القتل' (12)، و اسماعيل الخطبي في 'تاريخه' كما في 'الإصابة' لان حجر (2 / 72)، و من طريقه ابن عساكر في 'تاريخ دمشق' (13 / 234) قال الحسن (أي البصري): (فرآهم أمثال الجبال في الحديد، فقال: أضرب بين هؤلاء و هؤلاء في ملك من الدنيا؟! لا حاجة لي فيه)، و هو صحيح بشواهده الكثيرة التي منها ما رواه أحم في 'فضائل الصحابة' (1364)، و الآجرِّي في 'الشريعة' (1660) بإسناد صحيح عن رياح بن الحارث قال: (اجتمع الناس إلى الحسن بن علي ـ رضي الله عنه ـ بعد وفاة علي ـ رضي الله عنه ـ، فخطبهم، فحمد الله ـ عز و جل ـ و أثنى عليه، ثم قال: إن كلّ ما هو آت قريب، و إن أمر الله ـ عز و جل ـ لواقع، ما له من دافع، و لو كره الناس، و إني ما أحب أن أليَ من أمر أمة محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ ما يزن مثقال ذرة حبة خردل يهراق فيها محجمة من دم، قد عرفت ما ينفعني مما يضرني، فالحقوا بطيبَتكم).

هذا هو عمل المصلحين، و هذا هو خوف المتورّعين، على الرغم من أنهم بهذه المثابة من الاستحقاق، و لكن حرمة المؤمن عظيمة،و ليس من الحكمة أن يصر المرء على السعي لتحقيق مصلحة محضة فيما يتوهّم، و يغفل عن مفسدة راجحة محدقة به، و التي قد تعطي نتيجة معكوسة غير متوقعة، كما قال الحسن بن علي ـ رضي الله عنهما ـ: (لو نظرتم إلى ما بين جابرس إلى جابلق ما وجدتم رجلا جده نبي غيري و أخي، أرى أن تجتمعوا على معاوية، {و إن أدري لعله فنتة لكم و متاع إلى حين} (الأنبياء 111)، قال معمر: معنى جابرس و جابلق: المشرق و المغرب) أخرجه عبد الرزاق (11 / 20980) و أحمد في 'فضائل الصحابة' (1355) و الطبراني (3 / 87) و الآجري في 'الشريعة' (1661) و غيرهم، و هو صحيح، و أخرجه الحاكم (3 / 175) بلفظ: (إن أكْيَسَ الكَيْس التُّقى، و إن أعجز العجز الفجور، و إن هذا الأمر الذي اختلفت فيه أنا و معاوية حق لامرئ، و كان أحق بحقه مني، أو حق لي فتركته لمعاوية؛ إرادة استضلاع المسلمين و حقن دمائهم، {و إن أدري لعله فتنة لكم و متاع إلى حين} (الأنبياء 111)، أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم).

و في هذا دليل على سقوط تعليل علي بن حاج لما فعله الحسن ـ رضي الله عنه ـ، فقد قال في ’وجوب نصرة المجاهدين‘ (ص 29): ”إن الحسن عندما تنازل عن الخلافة لمعاوية لا على أنه أقر الاغتصاب؛ و الدليل على ذلك ما قاله عند التنازل: (ما أردت بمصالحتي معاوية إلا أن أدفع عنكم القتل؛ عندما رأيت من تباطؤ أصحابي عن الحرب! ! !“

قلت: ههنا ثلاثة أمور:
الأول: رمى علي بن حاج في هذا التحليل الصحابي معاوية ـ رضي الله عنه ـ بالاغتصاب، و الكلام في معاوية كاتب الوحي ـ رضي الله عنه ـ دليل فساد عند السلف، سيأتي ـ إن شاء الله ـ عند فصل علاقة المشبوه بسيد قطب.

و الذي يشد الانتباه أنه حكم في كتابه كله على المغتصب بالقتل، بل و بدخول النار، و من ذلك ما نقله عن الإخوانيِّ المرِّ الخالدي في (ص 31) مقرّا له على قوله: ”إن حكم اغتصاب السلطة هو مقاتلة المغتصب بالسلاح قتالا مستمرا حتى يخلع، و إن قُتل فهو في النار، هو و كل من يقاتل معه! ! !“.

أهكذا يعامل ’السني! ‘ صاحب رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ و أمينه على الوحي؟!

و قد عنون لفصل من كتابه في (ص 23) بقوله: ’اغتصاب السلطة جريمة يحاربها الإسلام‘، إذا فقد خُدع أهل السنة حين دافعوا في عقائدهم عن مجرم و امتحنوا الناس به، بل كيف خُدع المسلمون الأولون حين وكلوا أمر كتابة الوحي إلى مجرم، و إنا لله؟!

ثم نقل مثله في الصفحة نفسها عن المودودي و محمد الغزالي، و قد قيل:
وفي السماء طيور اسمها بَقَع [][][] إن الطيور على أشكالها تقعُ ! !

الثاني: أتى بقصة لا خطام لها و لا زمام كعادته، ثم بنى عليها ما يريد، و زعم أن الحسن ـ رضي الله عنه ـ ما منعه من قتال المسلمين إلا أنه لم يجد قوة، و صرّح به في (ص 30)، فقال: ”لو وجد قوة على المحاربة لفعل! ! “، و هذا خلاف الروايات الصحيحة التي نقلتها من قبل؛ إذ فيها أن الحسن كان يملك جيشا عرمرما، كما في الرواية: (كتائب أمثال الجبال)، إلا أن الذي منعه من خوض المعركة هو حقن دماء المسلمين، كيف لا و هو الذي يناصح أباه عليّا ـ رضي الله عنه ـ بترك القتال في المعارك التي كانت بين المسلمين، رضي الله عن الجميع، و كان أبوه ـ بعد ندمه ـ يذكر هذه الحسنة لابنه، و هي روايات صحيحة مشهورة.

الثالث:
إن ما جاء في الروايات الصحيحة التي سُقتها صريح في أن الحسن امتنع من دخول المعركة حقنا لدماء المسلمين جميعا، سواء معه، أو أولئك الذين يخالفونه من أهل الشام، أم علي بن حاج فقد جاء برواية أخرى لا خطام لها أيضا و لا زمام، أثبت بها أن الحسن ما أراد بحقن الدماء إلا دماء جماعته،فزعم في (ص 29) أن الحسن ـ رضي الله عنه ـ قال: (فصالحت بقيا على شيعتنا خاصة من القتل، و رأيت دفع هذه لحرب إلى يوم ما! !“.

و مما يفنّد دعوى علي بن حاج في أن الحسن ـ رضي الله عنه ـ لم يجد بمن يقاتل، ما رواه أبو نعيم في 'الحلية' (2 / 37) بإسناد صحيح عن جُبير بن نفير قال: (قلت للحسن (أي ابن علي ـ رضي الله عنهما ـ): إن الناس يقولون إنك تريد الخلافة؟ فقال: قد كانت جماجم العرب في يدي يحاربون من حاربت، و يسالمون من سالمت، فتركتها ابتغاء وجه الله وحقن دماء أمة محمد ـ صلى الله عيه و سلم ـ).

فهذا دليل واضح على أن الحسن ـ رضي الله عنه ـ كان يملك عُدة بشرية هائلة، أما علي بن حاج فقد صور هذا المصلح ـ رضي الله عنه ـ ريحانة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ سفّاكا للدماء، و أنه كان يتمنى إراقة دماء مسلمي الشام، فانظر ماذا تفعل السياسة البشرية بأهلها؛ إذ تُحوِّّل الآدمي من رجل سياسي إلى متوحّش دموي، لا يردّه دين، و لا يردعه تقوى، و قارن بينه و بين قول أهل السنة في هذا، قال الآجري ـ رحمه الله ـ عقب روايته التي سقتها أعلاه: [انظروا ـ رحمكم الله ـ و ميّزوا فعل الحسن الكريم بن الكريم، أخ كريم بن الكريم، ابن فاطمة الزهراء مهجة رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ الذي قد حوى جميع الشرف، لمّا نظر إلى أنه لا يتم ملك من ملك الدنيا إلا بتلف الأنفس و ذهاب الدين، و فتنة متواترة و أمور تُتخوّف عواقبها على المسلمين، صان دينه و عرضه، و صان أمة محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ، و لم يحبَّ بلوغ ما له فيه حظ من أمور الدنيا، و قد كان لذلك أهلا، فترك ذلك بعد القدرة منه على ذلك؛ تنزيها منه لدينه، و لصلاح أمة محمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ، و لشرفه، و كيف لا يكون ذلك، و قد قال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ: "إن ابني هذا سيّد، و إن الله ـ عز و جل ـ يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"، فكان كما قال النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ، رضي اللخ عن الحسن و الحسين و عن أبيهما و عن أمهما، و نفعنا بحبهم].

تنبيه:
كان حق كتاب علي بن حاج المسمى ’وجوب نصرة المجاهدين‘ أن يسمى: ’وجوب نصرة الديمقراطيين‘؛ فإن صاحبه قرّر مذهبهم بحماسة منقطعة النظير، و دافع عن مبدئهم في أن الحكم يرجع إلى الشعب باستماتة، كما في (ص10، و 23، و 24، و 25، و 26، و 29، و 30، و 31، إلى آخر الكتاب)، فهذه الصفحات، و ذاك المداد الكثير كلّه مهر للديمقراطية، كما طعن في الصحابة: معاوية و أبي موسى الأشعري، و عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهم ـ، إلى أن شبّههم في (ص 34، و 35) بلجنة الحوار الوطني الجزائرية، التي يكفّرها هو نفسه! !

و لولا أنني في غير هذا الصدد لبيّنت فيه مواضع أخرى من الضلال، و الله المستعان.

و من نظر إلى حال هؤلاء الدعاة السياسيين اليوم وجدهم صائرين في النهاية إلى تكفيريين أو إلى ديمقراطيين، فهل هذا علامة على التوفيق أو هو علامة على الخذلان؟!

و لو تأمل علي بن حاج حاله: من أين بدأ و إلى أين انتهى لعرف الجواب؛ فإن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ قال: "إنما الأعمال بالخواتيم" متفق عليه، و الله العاصم! !

ثم أعود لأقول: كان أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم و رضي الله عنهم ـ يفرّون من مواطن الفتن و الدماء، فعن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ قال: (إني لأعرف رجلا لا تضره الفتنة: محمد بن مَسلَمة، فأتينا المدينة، فإذا فُسطاط مضروب، و إذا فيه محمد بن مسلمة الأنصاري، فسألته، فقال: لا أستقر بمصر من أمصارهم حتى تنجلي هذه الفتنة عن جماعة المسلمين) رواه الحاكم (3 / 434)، وقال: [هذه فضيلة كبيرة بإسناد صحيح]، و وافقه الذهبي على تصحيحه.

و قد كان علي ـ رضي الله عنه ـ يلوم محمد بن مسلمة على عدم مشاركته في قتال الفتنة المعروفة، فعن الحسن البصري قال: (إن علياّ بعث إلى محمد بن مسلمة، فجيء به، فقال: ما خلّفك عن هذا الأمر؟ قال: دفع إليّ ابن عمك ـ يعني النبي صلى الله عليه و سلم ـ سيفا، فقال: قاتل ما قوتل العدو، فإذا رأيت الناس يقتل بعضهم بعضا فاعمد به إلى الصخرة، فاضرب بها، ثم الزم بيتك حتى تأتيك منية قاضية أو يد خاطئة، قال (أي علي): خلّوا عنه) رواه أحمد (4 / 225) و ابن أبي شيبة (7 / 457، 452) و الطبراني في 'الأوسط' (1289) و في 'الكبير' (6 / 32) و غيرهم، و هو صحيح إن كان الحسن سمع من محمد بن مسلمة؛ لأنه عاصره و كان في بلدته، و إلا فهو حسن لكثرة طرقه.

فأنت ترى تورع الصحابة عن المشاركة في الدماء، على الرغم من أن الذين دعوهم إلى ذلك من أمثال الزبير و علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنهما ـ، و معرفة المصيب من المخطئ في تلك القضايا كانت ممكنة، لكن شأن الدماء عظيم.

و قد قال مروان بن الحكم لابن عمر: هلمّ أبايعك؛ لأنك سيّد العرب و ابن سيّدها، فقال ابن عمر: (كيف أصنع بأهل المشرق؟ و الله! ما أحب أنها دانت لي سبعين سنة، و أنه قتل في سببي رجل واحد! فخرج مروان و هو يقول:
إني أرى فتنة تغلي مراجلها [][][] و الملك بعد أبي ليلى لمن غلبا.
أخرجه ابن سعد في 'الطبقات' (4 / 169) و ابن أبي الدنيا في 'الإشراف في منازل الأشراف' (7) و ابن عساكر في 'تاريخه' (31 / 185) و عبد الغني المقدسي في 'تحريم القتل و تعظيمه' (85)، و إسناده حسن كما قال محقق المرجع الخير.

هذا هو ورع أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ، و خوفهم من تبعة الدماء، و قد كانوا يتّهمون خيرة الناس في وقتهم بالتلبس بالدنيا إذا وجدوهم يشاركون في الفتن و لو كانت باسم الجهاد، قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في 'منهاج السنة' (5 / 152-153): [و بالجملة العادة المعروفة أن الخروج على ولاة الأمور يكون لطلب ما في أيديهم من المال و الإمارة، و هذا قتال على الدنيا، و لهذا قال أو برزة الأسلمي عن فتنة ابن الزبير و فتنة القرّاء مع الحجاج و فتنة مروان بالشام: (هؤلاء و هؤلاء إنما يقاتلون على الدنيا!).

قلت: و قد روى هذا الأثر ابن سعد في 'الطبقات' (4 / 300) و أبو نعيم في 'الحلية' (2 / 32-33) بإسناد قوي عن أبي المنهال قال: (لمّا كان زمن أخرج ابن زياد وثب مروان بالشام، و ابن الزبير بمكة، و وثب الذين كانوا يُدعون القرّاء بالبصرة، غمّ أبي غمّّاً، و كان يثني على أبيه خيرا، قال: قال لي: انطلق إلى هذا الرجل الذي من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: إلى أبي برزة الأسلمي، فانطلقت معه حتى دخلنا عليه في داره، و إذا هو في ظلٍّ علوٍّ ه من قصب في يوم شديد الحر، فجلست إليه، قال: فأنشأ أبي يستطعمه الحديث، و قال: يا أبا برزة! ألا ترى؟ قال: فكان أول شيء تكلم به أن قال: إني أحتسب عند الله ـ عز و جل ـ أني أصبحت ساخطا على أحياء قريش، و أنكم ـ معشر العرب! ـ كنتم على الحال الذي قد علمت من جهالتكم و القلّة و الذلّة و الضلالة، و أن الله ـ عز و جل ـ نعَشَكم بالإسلام و بمحمد ـ صلى الله عليه و سلم ـ خير الأنام، حتى بلغ بكم ما ترون، و أن هذه الدنيا هي التي أفسدت بينكم، و إن ذاك الذي بالشام ـ و الله! ـ إن يقاتل إلا على الدنيا، و إن الذي حولكم الذين تدعونهم قرّاءكم ـ و الله! ـ لن يقاتلوا إلا على الدنيا، قال: فلما لم يدع أحدا، قال له أبي: بما تأمر إذاً؟ قال" لا أرى خير الناس اليوم إلا عصابة ملبّدة، خماص البطون من أموال الناس، خفاف الظهور من دمائهم).

قلت: تأمل قوله: (إني أحتسب عند الله ـ عز و جل ـ أني أصبحت ساخطا على أحياء قريش)؛ فإن معناه أنه يتقرّب إلى الله ـ عز و جل ـ بسخطه على الذين دخلوا في هذا الأمر من الخروج، مع أن الخارجين ذوو قدر و جلالة، و المخروج عليهم ذوو إفساد و صيالة، كالحجاج بن يوسف، فكيف لو رأى هؤلاء اليوم؟! و الله وليّ التوفيق.

و لذلك قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في 'منهاج السنة' (4 / 468): [و قتال الفتنة مثل قتال الجاهلية، لا تنضبط مقاصد أهله و اعتقاداتهم].

و كي لا يقول قائل: إن هذه الأحاديث و الآثار ليست في بابنا،؛ لأن قتال المشركين غير قتال المسلمين، فإنني أنقل هنا قصة في قتال المشركين استدل بها الصحابي على المنع من قتال المسلمين، و هي ما رواه مسلم (160) عن صفوان بن محرز: (أن جند بن عبد الله البجلي بعث إلى عسعسَ بن سلامة زمن فتنة ابن الزبير، فقال: اجمع لي نفرا من إخوانك حتى أحدّثهم، فبعث رسولا إليهم، فلما اجتمعوا جاء جندب و عليه برنس أصفر، فقال: تحدّثوا بما كنتم تحدّثون به، حتى دار الحديث، فلما دار الحديث حسر البرنس عن رأسه، فقال: إني أتيتكم و لا أريد أن أخبركم عن نبيّكم(2)، إن رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ بعث بعثا من المسلمين إلى قوم من المشركين، و إنهم التقوا، فكان رجل من المشركين إذا شاء أن يقص إلى رجل من المسلمين قصد له فقتله، و إن رجلا من المسلمين قصد غفلته، قال: و كنا نتحدث أنه أسامة بن زيد، فلما رفع عليه السيف، قال: لا إله إلا الله، فقتله! فجاء البشير إلى النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ فسأله فأخبره، حتى أخبره خبر الرجل كيف صنع، فدعاه فسأله، فقال: لم قتلته؟ فقال: يا رسول الله! أوجع في المسلمين، و قتل فلانا و فلانا، و سمّى له نفرا، و إني حملت عليه، فلما رأى السيف قال: لا إله إلا الله! قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: أقتلته؟ قال: نعم! قال: فكيف تصنع بـ(لا إله إلا الله) إذا جاءت يوم القيامة؟! قال: يا رسول الله! استغفر لي، قال: و كيف تصنع بـ(لا إله إلا الله) إذا جاءت يوم القيامة؟! قال: فجعل لا يزيده على أن يقول: كيف تصنع بـ(لا إله إلا الله) إذا جاءت يوم القيامة؟!).

قلت: تأمل، فإن القتال هنا مع ابن الزبير، ابن حواري رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ و قد بويع له قبل خصمه، مع ذلك منعوا من الخروج معه، فأي حجة أكبر من هذه يريد القوم؟!

----------------------------

1: هو جمال زيتوني، أمير الغلاة قبل أن يهلك.
2: قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرحه: [فكذا وقع في جميع الأصول، و فيه إشكال من حيث إنه قال في أول الحديث: (بعث إلى عسعس، فقال اجمع لي نفرا من إخوانك حتى أحدّثهم، ثم يقول بعده: أتيتكم و لا أريد أن أخبركم)، فيحتمل هذا الكلام وجهين:
أحدهما: أن تكون (لا)زائدة، كما في قوله ـ تعالى ـ: {لئلا يعلم أهل الكتاب} (الحديد 29)، و قوله ـ تعالى ـ: {قال ما منعك ألا تسجد} (الأعراف 12).
و الثاني: أن يكون على ظاهره: أتيتكم و لا أريد أن أخبركم عن نبيكم ـ صلى الله عليه و سلم ـ، بل أعظكم و أحدثكم بكلام من عند نفسي، لكني الآن أزيدكم على ما كنت نويته، فأخبركم أن رسول الله ت صلى الله عليه و سلم ـ بعث بعثا، و ذكر الحديث، و الله أعلم].


التعديل الأخير تم بواسطة أبو البراء إلياس الباتني ; 20 May 2008 الساعة 10:15 PM سبب آخر: تصحيح
رد مع اقتباس