عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 04 Mar 2017, 10:58 PM
أبو أيوب صهيب زين أبو أيوب صهيب زين غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Aug 2015
الدولة: بسكرة
المشاركات: 351
افتراضي

بسم الله الرحمن الرّحيم


الحمد لله الذي نهج لنا سبل الرّشاد، وهدانا بنور الكتاب، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً [الكهف: 1] بل نزّله قيّما مفصّلا بيّنا ( لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )[فصلت 42] فقطع منه بمعجز التّأليف أطماع الكائدين، وأبانه بعجيب النّظم عن حيل المتكلّفين، فلا تنقضي عجائبه، ومفيدا لا تنقطع فوائده .[1] أمّا بعد :
فهذه كلمات سطّرتها لبيان ما ألقى "الكيالي" من الشّبه في قلوب الغافلين عن العلم من الناس مع أنه و أمثاله -و إن كانوا لا يشعرون- فهم من أكثر الناس تحريفا للنَّقْلِيَّاتِ، ومن أجهل النّاس في الْعَقْلِيَّات، يصَدِّقون من الْمَنْقولِ بما يَعْلَمُ الْعلماء بِالاضطرار أَنه من الْأباطِيل، وَيُكذّبونَ بِالْمَعْلُومِ مِنَ الِاضطرَار الْمُتَواتِر أعظم تَواتُرٍ فِي الْأُمَّةِ جيلًا بعد جِيل .نسأل الله لنا و لهم الهداية و التوفيق للبعد عن أسباب الضّلال و الغِواية .

مناقشة المقطع الذي تجرّأ فيه "الكيالي على إنكار عذاب القبر و نعيمه -أقصر مقطع و هو محلّ الشبهة الأولى - : https://www.youtube.com/watch?v=9Hsvb_k_vPI

ملاحظة : و أنبّه عليها هنا مادام هذا أوّل ردّ عليه -بعد المقدّمة- .

يكثر "الكيالي" من قول -في مقاطع لنفس الموضوع و غيره- : سلام الله عليكم و رحمة من لدنه و بركات .

أسألك بالله عليك ! من أين أتيت بهذه الصيغة من السلام يا "كيالي" ؟؟!!!
أولا : لا يقال السلام على الله لما جاء عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال: كنا نصلي خلف النبي ï·؛ فنقول: السلام على الله. فقال النبي ï·؛: ( إن الله هو السلام ولكن قولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليكم أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)[2] و غيره مثل حديث خديجة -رضي الله عنهما و عن أمهاتنا- .[3]

قال الخطابي: المراد أن الله هو ذو السلام فلا تقولوا السلام على الله فإن السلام منه بدأ وإليه يعود.[4]

ثم إن زيادة "من لدنه" كمثيلتها التي نصّ علماؤنا رحمهم الله على بدعيّة زيادتها[5] و أعني بذلك لفظة "تعالى" بعد "رحمة الله" إذ ليس لها أصل البتّة في دواوين السنّة .و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم .

و أرى أنه عليك أن تفقه معنى تحيّة الإسلام -هدانا الله و إياك- لئلا تقع في الخطأ مرّة أخرى .
قال العلماء : مَعْنَى ( السَّلَامُ عَلَيْك ) قِيلَ : هُوَ اِسْم اللَّه تَعَالَى ، أَيْ : اِسْم السَّلَام عَلَيْك ، وَمَعْنَاهُ : كِلَاءَة اللَّه عَلَيْك وَحِفْظه ، كَمَا يُقَال : اللَّه مَعَك ، وَاللَّه يَصْحَبك ؛ وَقِيلَ : السَّلَام بِمَعْنَى السَّلَامَة ، أَيْ السَّلَامَة مُلَازِمَة لَك ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : ( فَسَلَام لَك مِنْ أَصْحَاب الْيَمِين ) وَكَمَا قَالَ الشَّاعِر :
تُحَيِّي بِالسَّلَامَةِ أُمُّ عَمْرو ... وَهَلْ لِي بَعْد قَوْمِي مِنْ سَلَام
فَكَأَنَّ الْمُسَلِّم أَعْلَم مَنْ سَلَّمَ عَلَيْهِ أَنَّهُ سَالِم مِنْهُ وَأَنْ لَا خَوْف عَلَيْهِ مِنْهُ. [6]

وقيل : مَعْنَى قَوْلنَا : ( السَّلَام عَلَيْك ) : الدُّعَاء ؛ أَيْ : سَلِمْت مِنْ الْمَكَارِه. [7]

قال الكيالي : "حياة البرزخ !لا يوجد ما يسمى حياة داخل البرزخ لماذا ؟ لأن البرزخ في القرآن الكريم يعني الحاجز الخفيف ". ثم استدل بقوله تعالى : (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ . بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ ) الرحمن/19-20
قال : "بينهما برزخ ( حاجز خفيف يفصل بين الماء العذب و الماء المالح ) "


أشرت بحافّة "يديك" يا "كيالي" و لم تحدد المسافة كأنك تقصد أن هذا الحاجز عبارة عن خط ..!
و في الكلام عن الآية التي استشهدت بها (مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَبْغِيَانِ (20)[الرحمن] قال العلّامة ابن عثيمين -رحمه الله- : والمراد بالبحرين كما قال العلماء معناه المالح والعذب، والبرزخ الذي بينهما :
قيل إنه ما يرى عند مصب النهر في البحر فإن النهر يأتي مندفعا بقوة ويكون أمامه كالحاجز فلا يمتزج بالبحر عند المصب.
وقال بعض أهل العلم: إن المراد بالبرزخ الذي بينهما هو اليابس من الأرض، وأن هذا من قدرة الله عز وجل لأن الأرض كروية وكيف أن الله عز وجل أمسك هذا البحر فيها حتى لا يبغي. ولا يبغي بمعنى لا يطغى على اليابس .
و قال بعضهم: إن هذا البرزخ هو برزخ دقيق بين البحر المحيط والبحار الأخرى التي تعتبر كالخلجان بالنسبة له. فبينها برزخ، ويقولون إنه يحس به بالأسماك التي تعيش في هذا ولا تعيش في الثاني أو بالعكس، وهذا يدل على أنها متنوعة على الرغم من أنها متلاصقة، فبينهما برزخ.[8]

و تفسيرات الشيخ رحمه الله بين مأثورة و علمية و ليست هي من قبيل التضادّ .
ثم على فرض صحّة قولك أن البرزخ بين البحرين في الآية عبارة عن خطّ . هل يعني هذا أن حياة البرزخ بضع ثوانِ أو بضع دقائق ؟!!!
اتّفقنا على أن المراد ب"البرزخ": الحاجز فهل يلزم أن تكون كل الحواجز بنفس الصفة !!؟؟ ألا ترى أنّ مذهبك غير سائغ عقلا فضلا على أن يعارض نقلا مجزمٌ بصحّته ؟!!!
لذلك فإنّ أدنى تفكّر يفضح "الكيّالي" و تقريراته الباطلة التي لم بسبقه إليها إلا شيخ المعتزلة "ضرار بن عَمْرو الْغَطَفَانِي" و شِرذِمَة من الخوارج مع أنّ منهم من أثبت (البرزخ و نعامه و عذابه) كالجبّائي و بشر بن المعتمر المعتزليَيْن.[9]فالله الله في عقلك يا "كيّالي" !

ثم قال : "القرآن الكريم يقولها صراحة في سورة المؤمنون : ( ...و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون )[101] الى ان قال : متى ما عبر الإنسان هذا البرزخ صار البرزخ وراءه ..

أقف مع "الكيالي" -أصلحه الله- وقفة هنا لنرى كلام السّلف و الخلف فيما نعته "الكيالي" ب"الصراحة" و لا أدري إن كانت الصراحة عندنا و عنده بمفهوم واحد أم لا !!
و لبيان بطلان استدلال "الكيّالي" بهذه الآية على أنّ البرزخ يمضي بعد الموت و ينتهي سأبيّن -بِسَرْدِ كلام الأئمة- المراد الصّحيح من الآية كلمةً كلمة .
أوّلا : الكلام عن قوله تعالى : ( و من ورائهم )

قال جلّ المفسّرين عن قوله ( و من ورائهم برزخ ) : من "ورائهم" هاهنا تعني من "أمامهم".[انظر تفسير القرطبي (12/142) و "تفسير" ابن كثير (5/495) و "تفسير" البغوي (5/428) و "زاد المسير" لابن الجوزي (5/491) و "تفسير" ابن رجب (2/31) و "التحرير و التنوير" لابن عاشور (9/125) و فتح القدير للشوكاني (1/994) و "تفسير" الآلوسي (18/65) و "تفسير" البيضاوي (4/96) و "أضواء البيان" للشنقيطي (6/83) و "تفسير" السعدي (1147) رحمهم الله]

قد يقول قائل : كيف فسّر المفسّرون "وراءهم" ب"أمامهم" ؟
الجواب أن الذي عليه أكثر أهل اللغة -قديما و حديثا- أن ( الأضداد ) موجودة في لسان العرب، قال بذلك: الخليل، وأبو عبيدة، وابن جني، والزجاج، وغيرهم من أئمة اللغة -رحمهم الله- ، وكفى بهم سنداً فيه . و من أحسن من صنّف في هذا المبحث "ابن الأنباري" -رحمه الله- و سمّاه "الأضداد" و ذكر فيه مالا يحصى من الأمثلة من القرآن و لغة العرب فليُرجَع إليه.

أمّا "الكيّالي" فأظنه يكفيه مثالان من القرآن -مادام يدير بظهره للسنّة نسأل الله العافية- :
الأول :
قال القرطبي -رحمه الله- عن - قوله عز وجل: {مهطعين مقنعي رؤوسهم} (إبراهيم:43)
(مقنعي رءوسهم) أي رافعي رءوسهم ينظرون في ذل . وإقناع الرأس رفعه ; قاله ابن عباس ومجاهد . قال ابن عرفة والقتبي وغيرهما : المقنع الذي يرفع رأسه ويقبل ببصره على ما بين يديه .و قال المهدوي : ويقال أقنع إذا رفع رأسه ، وأقنع إذا طأطأ رأسه ذلة وخضوعا ، والآية محتملة الوجهين ، وقاله المبرد ، و القول الأول أعرف في اللغة ; قال الراجز :
أنغض نحوي رأسه وأقنعا كأنما أبصر شيئا أطمعا .[10]

الثاني :
و قال الزجاج -رحمه الله- وهو من فحول اللغة : عن قوله: ( إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى)
بضم الألِفِ، وجاء في التفسير: أكاد أخفيها من نفسي، فالله أعلم بحقيقة هذا التفسير، وقرئت: أكاد أُخْفِيهَا - بفتح الألف - معناه أكاد أُظْهِرها .
قال امرؤ القيس:
فإنْ تَدْفِنوا الداءَ لا نَخْفِهِ. . . وإنْ تُوْقِدُوْا الحربَ لا نَقْعُدِ
أي أن ندفنوا الداء لا نظهره.
وهذه القراءة الثانية أبين في المعنى، لأن معنى أكاد أظهرها، أي قَدْ
أخفيتها وَكِدتُ أظْهِرُهَا.[11]

هذا التخبّط كله نتيجة جهلك بلغة العرب يا "كيالي"!!...ولهذا قال الحسن البصري -رحمه الله- عن أمثالك: "إنما أهلكتهم العجمة يتأولونه على غير تأويله".[11-2]

و قال ابن قتيبة -رحمه الله- في ذكره لما ميزّ الله به العرب من العارضة و قوة البيان و اتّساع المجاز[11-3] : "وإنما يعرف فضل القرآن من كثر نظره، واتسع علمه، وفهم مذاهب العرب وافتنانها في الأساليب، وما خصّ الله به لغتها دون جميع اللغات، فإنه ليس في جميع الأمم أمّة أوتيت من العارضة، والبيان، واتساع المجال، ما أوتيته العرب خصّيصى من الله، لما أرهصه في الرسول، وأراده من إقامة الدليل على نبوّته بالكتاب".[11-4]
ثانيا : الكلام عن قوله تعالى : ( برزخ )
وقال قتادة و الضحاك و مجاهد و الحسن و غيرهم -رحمهم الله-عن ( برزخ ) : البرزخ ما بين الموت إلى البعث .[انظر "المصادر السابقة"] .
وأخرج سعيد بن منصور ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وسمويه في " فوائده " عن أبي أمامة أنه شهد جنازة، فلما دفن الميت قال : هذا برزخ إلى يوم يبعثون . [12]

ثالثا : الكلام عن قوله تعالى : ( إلى يوم يبعثون )

و قالوا عن قوله تعالى :( إلى يوم يبعثون ) أي : يستمر به العذاب إلى يوم البعث ، كما جاء في الحديث : " فلا يزال معذبا فيها " ، أي : في الأرض .[انظر المصادر السابقة للآية نفسها]

الوجه الثاني : الكلام عن الحياة البرزخية (عذاب القبر و نعيمه) .

عذاب القبر و نعيمه نفسه عذاب البرزخ و نعيمه

قال ابن القيم -رحمه الله- : وَاعْلَمْ أَنَّ عَذَابَ الْقَبْرِ هُوَ عَذَابُ الْبَرْزَخِ، فَكُلُّ مَنْ مَاتَ وَهُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلْعَذَابِ نَالَه نَصِيبُه مِنْهُ، قُبِرَ أَوْ لَمْ يُقْبَرْ، أَكَلَتْه السِّبَاعُ أَوِ احْتَرَقَ حَتَّى صَارَ رَمَادًا وَنُسِفَ فِي الْهَوَاءِ، أَوْ صُلِبَ أَوْ غَرِقَ فِي الْبَحْرِ - وَصَلَ إِلَى رُوحِه وَبَدَنِه مِنَ الْعَذَابِ مَا يَصِلُ إِلَى الْمَقْبُورِ.[13]

لماذا أضيفت تسمية البرزخ إلى القبر ؟

قال السيوطي -رحمه الله- : "قَالَ الْعلمَاء عَذَاب الْقَبْر هُوَ عَذَاب البرزخ أضيف إِلَى الْقَبْر لِأَنَّهُ الْغَالِب وَإِلَّا فَكل ميت وَإِذا أَرَادَ الله تَعَالَى تعذيبه ناله مَا أَرَادَ بِهِ قبر أَو لم يقبر".[14]

معنى البرزخ :
البرزخ : ما بين كل شيئين ، وفي الصحاح : "الحاجز بين الشيئين" . والبرزخ : ما بين الدنيا والآخرة قبل الحشر من وقت الموت إلى البعث ، فمن مات فقد دخل البرزخ . وفي حديث المبعث عن أبي سعيد : في برزخ ما بين الدنيا والآخرة .[15]
أدلّة ثبوته :
دلّ على ثبوت عذاب القبر و نعيمه -أو الحياة البرزخية- الكتاب(كما ذكرت في أوّل الكلام) و السنّة (و الاحاديث فيها ثابتة متواترة) و الإجماع .

أولا من : القرآن :
دلّ على الحياة البرزخية قوله تعالى: { النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب }( غافر: 46 ) والعرض على النار هنا نوع من العذاب وهو حاصل قبل يوم القيامة بلا شك، بدليل قوله تعالى في الآية نفسها { ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب } فدل ذلك على ثبوت عذاب القبر .
ومن الأدلة أيضا قوله تعالى: { فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون }( الطور: 45-47) .و قوله تعالى:( سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ )[التوبة: 101].
وقد روى الطبري و غيره عن ابن عباس و البراء -رضي الله عنهم في قوله تعالى: { وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك } يقول: " عذاب القبر قبل عذاب يوم القيامة ".[16]
وقال تعالى: { ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون }( الأنعام: 93)، فقول ملائكة العذاب: "اليوم" يدل على الزمن الحاضر وهو بلا شك قبل يوم القيامة. فدل ذلك على أن الكفار يعذبون قبل البعث والحساب -أي في قبورهم-. وغيرها كثير مما يطول ذكره ..

ثانيا : من السنّة :
و أما من السنّة فالأحاديث متواترة -نقل هذا غير واحد من السّلف و الخلف و قد أفردتها بملف في المرفقات حتى لا أطيل- و منها حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- الطويل في بيان فتنة القبر و عذابه و نعيمه : قال : قال رسول الله عليه و سلم : ( ...فيأتيه ملكان شديد الانتهار فينتهرانه ويجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله - ï·؛ - فيقولان له: وما عملك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينتهره فيقول: من ربك؟ ما دينك؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن فذلك حين يقول الله - عز وجل -: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ)(إبراهيم:27) ) الحديث .[17]
فهذا تفسير صريح منه صلّى الله عليه و سلّم للآية .فأيّهما الصّريح يا "كيالي" ؟! تفسيرك أم تفسير النبيّ صلّى الله عليه و سلم ؟!!! و لْيُعلَم -كما قال شيخ الاسلام ابن تيميّة- أن القرآن والحديث إذا عرف تفسيره من جهة النبي ï·؛ لم يحتج في ذلك إلى أقوال أهل اللغة فإنه قد عرف تفسيره و ما أريد بذلك من جهة النبي ï·؛ لم يحتج في ذلك إلى الاستدلال بأقوال أهل اللغة ولا غيرهم .وكان من أعظم ما أنعم الله به عليهم اعتصامهم بالكتاب والسنة فكان من الأصول المتفق عليها بين الصحابة والتابعين لهم بإحسان أنه لا يقبل من أحد قط أن يعارض القرآن لا برأيه ولا ذوقه ولا معقوله ولا قياسه ولا وجده فإنهم ثبت عنهم بالبراهين القطعيات والآيات البينات أن الرسول جاء بالهدى ودين الحق وأن القرآن يهدي للتي هي أقوم ).[18]
ثالثا : إجماع السلف

قال الإمام ابن القيّم -رحمه الله- :
وقد سئل شيخ الإسلام عن هذه المسألة ، ونحن نذكر لفظ جوابه فقال : مذهب سلف الأمة وأئمتها :
أن الميت إذا مات يكون في نعيم أو عذاب ، وأن ذلك يحصل لروحه وبدنه ، وأن الروح تبقى بعد مفارقة البدن منعمة أو معذبة ، وأنها تتصل بالبدن أحياناً ويحصل له معها النعيم أو العذاب ، ثم إذا كان يوم القيامة الكبرى أعيدت الأرواح إلى الأجساد وقاموا من قبورهم لرب العالمين ومعاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى .[19]

و لا يفهم من قوله (مذهب السّلف ) إلّا الإجماع على المسألة -رحمه الله- و لا يُعلم لهم مخالف من المعتبرين من أهل القبلة -غير شرذمة من الخوارج و المعتزلة- كما سبق أن ذكرنا في البداية .

و في ذكر بطلان هذا القول الذي قاله "الكيالي" قال ابن القيّم -رحمه الله- بعد أن ذكر بعض أقوال المخالفين في حقيقة البرزخ : وَالْقَوْل الثَّالِث الشاذ قَول من يَقُول إِن البرزخ لَيْسَ فِيهِ نعيم وَلَا عَذَاب بل لَا يكون ذَلِك حَتَّى تَقول السَّاعَة الْكُبْرَى كَمَا يَقُول ذَلِك من يَقُوله من الْمُعْتَزلَة وَنَحْوهم مِمَّن يُنكر عَذَاب الْقَبْر ونعيمه بِنَاء على أَن الرّوح لَا تبقى بعد فِرَاق الْبدن وَأَن الْبدن لَا ينعم وَلَا يعذب فَجَمِيع هَؤُلَاءِ الطوائف ضلال فِي أَمر البرزخ لكِنهمْ خير من الفلاسفة فَإِنَّهُم مقرون بالقيامة الْكُبْرَى .
فَإِذا عرفت هَذِه الْأَقْوَال الْبَاطِلَة فلتعلم أَن مَذْهَب سلف الْأمة وأئمتها أَن الْمَيِّت إِذا مَاتَ يكون فِي نعيم أَو عَذَاب وَأَن ذَلِك يحصل لروحه وبدنه .[20]

زيادة على قولي شيخي الاسلام ابن تيمية و تلميذه ابن القيّم -رحمهما الله- . أحيل "الكيّالي" أولا و القارئ ثانيا على كلام السّلف و الخلف في وجوب الإيمان بهذه المسألة و من مؤلّفاتهم -في الاعتقاد و غيره- و التي لا تكاد تحصى . و هذه بعضها :
"السنة" لعبد الله بن أحمد بن حنبل(2/614) و "أصول اعتقاد أهل السنة" للالكائي (6/ 1127)، و "الشريعة" للآجري (358) و "انظر لوامع الأنوار البهيّة" للسفّاريني الحنبلي(2/5) و 'الإبانة" للأشعري (1/247)و "اعتقاد أئمة الحديث" للجرجاني (1/69) و "أصول السنّة" لابن أبي زمنين المالكي (1/154) و "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة (1/56) و "الأهوال" لابن أبي الدنيا (1/67) و "جامع العلوم و الحكم" لابن رجب (2/573) و "الاقتصاد في الاغتقاد" للمقدسي (174) و "الاعتقاد في الردّ على المعتزلة القدرية" للعمراني الشافعي (1/100) و "أصول الدين" للغرنوي الحنفي (1/215) و"شرح الطحاوية" لابن أبي العز الحنفي (2/578) و "قطر الثّمر في بيان عقيدة أهل الأثر" للشيخ صديق خان (1/124) و "شرح نونية ابن القيم" لاحمد عيسى (1/102) و "الصواعق المرسلة الشهابية" للعلامة سليمان بن سحمان(1/202) و "الكشف المبدي" للعلامة محمد بن ابراهيم آل الشيخ (1/379)و "التنبيهات اللطيفة على الواسطية" للعلامة بن سعدي (1/86) و "معارج القبول" للعلامة حافظ حكمي (2/437) و "حاشية الدرّة المضيّة" للعلامة بن قاسم (1/74) و الإرشاد" للعلامة صالح الفوزان (1/238) و "مرقاة المفاتيح" لملّا علي القاري(3/1173) و "مرعاة المفاتيح" للمباركفوري (3/273) و "الفواكه الدواني" للنفراوي ( شرح المقدّة العقديّة1/96) و "الدّرر السنّية في الأجوبة النّجدية" (12/500) و "فتاوى أركان الإسلام" للشيخ ابن عثيمين (1/110) و "فتاوى نور على الدّرب" للشيخ ابن باز (13/468) وغيرهم كثير مما يصعب حصره، ويطول ذكره، ولو تقصيت أقوالهم في ذلك، ودونتها، لطال المقام، وأفضى إلى الإملال.

رابعا : ابطال حجّة الكيالي بالعقل :
أرانا الله يا "كيّالي" بلطفه ورحمته وهدايته من ذلك أنموذجاً في الدنيا من حال النائم. فإن ما يُنَعّم به أو يُعذّب في نومه يجري على روحه و بدنه في ذلك تبعٌ . ويقد يقوى حتى يؤثر في البدن تأثيراً مشاهداً، فيرى النائم في نومه أنه ضُرِب فيصبح وأثر الضرب في جسمه. ويرى أنه قد أكل أو شرب فيستيقظ وهو يجد أثر الطعام والشراب في فيه. ويذهب عنه الجوع والظمأ. وأعجب من ذلك أنك ترى النائم يقوم في نومه ويضرب ويبطش ويُدافع كأنه يقظان وهو نائم لا شعور له بشيء من ذلك .

قاعدة يحصّن بها العبد عقيدته

يذكر شيخ الاسلام ابن تيمية -رحمه الله- في فتاويه قاعدة مهمّة حريّ بالمسلم أن يحفظها و يفهمها-خاصّة مع تكاثر أمثال "الكيالي" يوما بعد يوم- فيقول : "و الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- يخبرون بما تعجز عقول الناس عن معرفته, لا بما يعرف الناس بعقولهم أنه ممتنع, فيخبرون بمحارات العقول لا بمحالات العقول".[21]

و شرح تلميذه الإمام ابن القيّم -رحمه الله- هذه القاعدة في غير موضع من كتبه . منها أنه قال : "الرُّسُل صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِم لم يخبروا بِمَا تحيله الْعُقُول وتقطع باستحالته بل اخبارهم قِسْمَانِ :
أَحدهمَا : مَا تشهد بِهِ الْعُقُول وَالْفطر .
الثَّانِي : مَالا تُدْرِكهُ الْعُقُول بمجردها كالغيوب الَّتِي أخبروا بهَا عَن تفاصيل البرزخ وَالْيَوْم الآخر وتفاصيل الثَّوَاب وَالْعِقَاب وَلَا يكون خبرهم محالا فِي الْعُقُول أصلا وكل خبر يظنّ أَن الْعقل يحيله فَلَا يَخْلُو من أحد أَمريْن أما يكون الْخَبَر كذبا عَلَيْهِم أَو يكون ذَلِك الْعقل فَاسِدا وَهُوَ شُبْهَة خيالية يظنّ صَاحبهَا أَنَّهَا مَعْقُول" .[22]

وَكم من عائب قولا صَحِيحا ... وآفته من الْفَهم السّقيمِ


كلام بعض السّلف فيمن ترك السنّة و الآثار و راح يخوض برأيه
صح عن الشعبي -رحمه الله- أنه قال: "إنما هلكتم حين تركتم الآثار وأخذتم بالمقايي".
وعن الحسن -رحمه الله- أيضا : "إنما هلك من كان قبلكم حين تشعبت بهم السبل، وحادوا عن الطريق فتركوا الآثار، وقالوا في الدين برأيهم، فضلوا وأضلوا" .
وعن دراج أبي السمح -رحمه الله- أنه قال: "يأتي على الناس زمان يسمن الرجل راحلته حتى تعقد شحما، ثم يسير عليها في الأمصار حتى تعود نقضا --، يلتمس من يفتيه بسنة قد عمل بها، فلا يجد إلا من يفتيه بالظن".
ذكر هذه الآثار الإمام الشاطبي -رحمه الله- في "الاعتصام" (1/179.178) ثم قال : وقد اختلف العلماء في الرأي المقصود بهذه الأخبار والآثار. فقد قالت طائفة: المراد به رأي أهل البدع المخالفين للسنن، لكن في الاعتقاد كمذهب جهم -و إليه تنسب الجهمية الفرقة الضالة- وسائر مذاهب أهل الكلام، لأنهم استعملوا آراءهم في رد الأحاديث الثابتة عن النبي ï·؛، بل وفي رد ظواهر القرآن -مثل "الكيالي"- لغير سبب يوجب الرد ويقتضي التأويل، كما قالوا نفي عذاب القبر ، ونفي الميزان ، والصراط -و هذه الثلاثة كلها يؤوّلها الكيالي على غير مذهب السّلف- ، وكذلك ردوا أحاديث الشفاعة والحوض إلى أشياء يطول ذكرها، وهي مذكورة في كتب الكلام .انتهى بتصرّف يسير

سبحان الله ! كأن الشاطبيّ -رحمه الله- يتكلّم عنك يا "كيالي"..
و كلّ من استبان له الحقّ أيقن أنّ ( خلوّ الذهن من العلم، وعدم الشعور بشيء منه أخف ضرراً، وأقل خطراً مما ابتلي به هذا الرجل، من تحريف الكلم، والخروج عما عليه أهل العلم، وما يعرفه أهل هذه الصناعة من العدل والإنصاف، ومصاحبة التقوى، فيما يعانونه من الأحكام والفتوى.
ومن نظر في كلام هذا من أهل العلم والبصيرة، وتأمل أبحاثه ...، عرف أنه أجنبي من هذه الصناعة، معدم من تلك التجارة والبضاعة.
وقد يتزيا بالهدى غير أهله ... ويستصحب الإنسان من لا يلائمهْ
لكنه -هداه الله- يخرج عما عليه أهل التحقيق والعلم، ويظن أنه من ذوي الإصابة والفهم، ويتجاسر على تجهيل مشايخ الإسلام، ويعرض عند ذكرهم بقبيح المنطق والكلام؛ وهذا أعدل شاهد ودليل على أنه لم يتأهل للتوقيع عن الله ورسوله، والتسجيل; وعن عائشة رضي الله عنها قالت: لم يكن رسول الله ï·؛ فاحشاً ولا متفحشاً ).[23]
و المتأمّل في عامّة كلام "الكيالي" و أمثاله يدلّ على أنهم بعيدون عن معرفة الصواب في هذا الباب، كأنهم غرباء عن دين الإسلام في مثل هذه المسائل لم يتدبّروا القرآن ولا عرفوا السنن ولا آثار الصحابة ولا التابعين ولا كلام أئمة المسلمين، وفي مثل هؤلاء قال النبي صلى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح: ( بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ ).فشريعة الإسلام في هذا الباب غريبة عند هؤلاء لا يعرفونها، فإن هذا وأمثاله لو كان عندهم علم بنوع من أنواع الأدلة الشرعية في هذا الباب لوزعهم ذلك عما وقعوا فيه من الضلال والابتداع ومخالفة دين المرسلين، والخروج عما عليه جميع أئمة الدين. [24]

كتبه : أبو أيوب صهيب بن عبد الحميد زين البسكري ثم الجزائري.
أمسية :الأربعاء 14 شوال 1437 ه.

الهامش
__________________________________________________ _
أدلّة وجوب الإيمان بنعيم و عذاب القبر : http://www.4shared.com/file/Q1nhw1sTce/___________.html
1 [من مقدّمة "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة -رحمه الله-. بتصّرف يسير]
2 [متفق عليه]
3 [ في سنن النسائي و حسنه العلامة مقبل -رحمه الله- في الصحيح المسند (116).]
4 [ "فتح الباري" لابن حجر -رحمه الله- (2/321)]
5 [ "فتوى" الشيخ د. عبد الرزاق البدر -حفظه الله- المدرّس بالحرم المدني : https://www.youtube.com/watch?v=5xMBefJlSmk ]
6 [ انظر "شرح مسلم للنووي" (14 / 141 )، و"فتح الباري" لابن حجر ( 11 / 13 )].
7 [ نقله ابن حجر عن التوربيشتي ؛ انظر "فتح الباري" ( 2 / 314 ).
8 ["شرح مقدمة التّفسير" لشيخ الاسلام]
9 [انظر "الفصل في الملل و النحل" لابن حزم (4/55)و "الفتح" لابن حجر (11/467)]
10 [ "أحكام القرآن" له (3/331)]
11 [ "معاني القرآن و إعرابه" له (3/352)]
2-11 [ "الاعتصام" للشاطبي (2 / 299)]
3-11 [كاصطلاح باعتباره من عوارض الألفاظ لا كما يقرّره المبتدعة.انظر فتاوى ابن تيمية -رحمه الله- (7/87)]
4-11 [انظر مقدمة تأويل "مشكل القرآن" له (17/1) و "الإعتصام" للشاطبي -رحمه الله- (2/293) و "مقدّمة الصاحبي" لابن فارس -رحمهم الله-]
12 [ "الدّر المنثور" للسيوطي (10/620)]
[ وقال الزجاج : البرزخ في اللغة : الحاجز ، وهو هاهنا ( و من ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون ) ما بين موت الميت وبعثه . زاد المسير لابن الجوزي -رحمه الله (5/ 619 )]
13 ["الروح" له(1/39)]
14 ["شرح الصدور بشرح حال الموتى و القبور"له (1/181)و انظر أيضا "الفواكه الدواني" للنفراوي ( شرح المقدّة العقديّة(1/96)]
15 ["لسان العرب" (2/62) و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (1/119)و "التسهيل لعلوم التنزيل" لابن جزي (2/57) و"غريب القرآن" لابن قتيبة (1/256) و "إعراب القرآن" للنحّاس (3/85) و هؤلاء كلّهم من فحول اللغة -رحمهم الله-]
16 ["تفسير الطبري"(22/488)]
17 [أخرجه الإمام أحمد في مسنده (17803) صححه الإمام الألباني في "صحيح الجامع" (1676)] .
18 [مجموع الفتاوى له (13/29)]
19 ["الروح" له (51 ، 52) و انظر أيضا "الاختيارات الفقهية" لشيخ الاسلام(94)].
20 ["الروح" له (1/52)]
21 ["مجموع الفتاوى" له (11/135)]
22 ["الروح" له(1/62)]
23 [مابين القوسين "ردّ عبد الللطيف آل الشيخ -رحمه الله- على ابن منصور" .انظر الدرر (4/73).]
24 [ "منهاج السنة" لشيخ الاسلام (1/33)و حديث الغربة عند مسلم (146) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه]


التعديل الأخير تم بواسطة أبو أيوب صهيب زين ; 05 Mar 2017 الساعة 09:01 PM
رد مع اقتباس