عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 10 Aug 2010, 09:22 PM
أبو معاوية كمال الجزائري أبو معاوية كمال الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: الجزائر(قادرية- ولاية البويرة)
المشاركات: 513
افتراضي

مقال علي الطنطاوي. مجلة "الرسالة"، العدد 978، سنة 1952


" لما كانت المعركة الأولى (سنة 1938)كنتُ مع الأستاذ شاكر على الأستاذ سيد قطب، فكيف أكون الآن مع قطب على شاكر؟ ذلك لأني دائما مع ما أرَى أنه الحق. و الأستاذ شاكر صديقٌ من ربع قرن، و الأستاذ قطب رفيقِي على مقاعدِ الدرس في دار العلوم من ربع قرن.و ليس بي الآن مدح ولا هجاء، و لا إغضاب و لا إرضاء، و لكن بيان الحق الذي أراه، و لعلّي مخطِئٌ في ما أرَى.
و أنا أعلمُ أنّ للصّحابةِ منزلةً لا يدنو منها أحدٌ منا، و أننا مهما سعى الصالحون منّا فإنهم لا يلحقون غبارَ أحدِهم، فضلا عن أنْ يحاذوه أو يَسبِقُوه. و أنّ لبني أمية في نشرِ الإسلام و في فتحِ الفتوح فضلاً لا يُنكره أحد، و أنه كان منهم عظماء حقا إن عدّ عظماء الرجال، و لكن هل كانت دولة بني أميّة دولةً إسلامية؟ .
لقد هدمَ معاوية أكبرَ ركنٍ في صرح الدولة الاسلامية حين أبطلَ الانتخابَ الصحيح، وجعله انتخابًا شكليا مزيفا، و تركَ الشورى، و عطّلَ الكفايات. و سَنَّ هذه السنن السيئة. بل هذه الجناية التي جرت أكثرُ البلايا و الطامات التي تملأُ تاريخَنا السياسي، فهل نقولُ لمعاوية:أحسنتَ في هذا؟ بل إني لأَسأل: هل يقولُ هذا محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان حيًّا؟ إنّ معاوية صحابي جليل، و له مناقِبه وفضائله، و لكن حكم الدين على الجميع، ومقاييس الإسلام يُقاس بها كل كبير، فهل كان معاوية في عملِه هذا متبَِّعا أحكام الإسلام؟ هذه واحدة و إنْ كانت بألف.
و هذا الاستبداد، و الحكم الفردي، الذي سار عليه ملوكُ بني أمية، و تحكيم آرائهم وشهواتهم في مصلحة الامة، و دماء أفرادها و أموالهم، دون تقيدٍ بكتاب أو سُنّة، أو رجوع إلى علمٍ أو فقهٍ، هل هو من الإسلام؟ و اختيارهم شرّ الولاة، من الطغاة الظالمين و تحكيمِهم في رقابِ الناس، هل هو من الاسلام؟ هل يُقِرُّ الإسلامُ توليةَ مثل "الحجّاج" على رجولتِه وعظمةِ نفسه، و"خالد القسري"، وأمثالهما من الجبارين؟.
و إثارتهم العصابات و الخلافات، بين القبائل وبين الشعراء وتمهيدِهم سبيل اللهو والاستهتار، لأنفسِهم و للناس، لا سيما جيران بيت الله، وأهل مدينة رسول الله؟.
وعدوانهم على الحريات، وعلى المقدّسات، وقتلِهم العلماء من أمثالِ "الحسين"، و"سعيد بن جبير"، و إيذاؤهم "سعيد بن المسيّب"، وضربهم الكعبة بالحجارة و بالنار، هل هو من الاسلام.؟
إنّ هذه كلها أشياءٌ ثابتة، لم يَفْتَرها عدوٌّ، ولم يضعها خصمٌ، و هذه كلها تناقِضُ الإسلامَ أشدَّ التناقض، بل إنّ بعضها لم تأتِ بمثلِه الجاهليةُ الاولى.
وما كان عليه العباسيون ومَنْ جاء بعدُهم، من الطغيان و العدوان على الأنفسِ و الأموال، و اتّباع غير سبيل الهدى، كل ذلك يُسأَل عنه بنو أمية، لأنّ من سنَّ سُنّةً سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها الى يوم القيامة.
و أنا أكبر بني أمية، و أمجِّدُ آثارَهم، و أرفع أقدارَهم، لكن لا أستطيع أنْ أقول إنّ دولتهم كانت دولةً إسلامية، لأني أكون قد مدحتُهم بذمِّ الإسلام، و الإسلام أحبُّ إليّ و أعزُّ عليّ من بني أمية، وبني هاشم، و أهل الأرضِ جميعا ."

ردّ شاكر على الطنطاوي. مجلة «الرسالة» العدد 979 .سنة 1952

"أخي الأستاذ علي الطنطاوي،
سلامٌ عليك. يُقال في المثَل: "كُرْهًا تَرْكَبُ الإبِلُ السَّفَرَ". و قد استطعتَ أنتَ أن تُكرِهَ القلمَ إلى ما أردتُ أنْ أنزِّهَه عنه. فلولا ما أضمرتُ من قديمِ المودة لك، ولولا ما عرفتُ من صِدْقِك، ولولا أنني أُجِلُّك عن أن تكونَ عجولا إلى غير صواب، و لولا أني أكرهُ أنْ تأخُذَ عني شيئا لم أقله بلساني، لولا ذلك كله، لكان أبغض شيء إليّ أن استكرِهَ نفسي على غير ما رأيتُ أنه أجملُ بي و أصون.و إنكَ لتعلمُ، أيها الصديق القديم، أني أكرهُ أنْ أزدادَ من الشر، أو أنْ أتزوّدَ من لجاجة الباطل. و الكتابةُ في زماننا هذا شرٌّ مستحكم، و باطلٌ لجوج متوقح. و قد اقتحَمَ وَعْرَها من لا يحسِنُ المشيَ في سهولها، و تشَهَّاها من لو أنصَفَ نفسَه لحالَ بينها وبين ما تشتهي، و اتخذها صناعةً مَنْ لو عَقِل لأعفى نفسَه من مزاولتها، ولكن هكذا كان. و رَحِمَ اللهُ الطائي إذْ يقولُ لمحمّد بن عبد الملك الزيات:
أبا جعفـر ، إنَّ الجهالةَ أُمُّها
وَلُودٌ، و أمُّ العلم جدّاء حائِلُ
أرى الحَشْوَوالدّهماءَ أضْحَوْا كأنهم
شعوبٌ تلاقَتْ دوننا و قبَائلُ
غَدَوْا، وكأنَّ الجهلَ يجمعُهُم به
أبٌ، و ذو الآداب فيهم نَواقِلُ
و أنتَ تعلم أنّ من أَنْصَبِ النَّصَب، أنْ تتصدَّى لإفهامِ من لا يَفْهَمُ عنك، فإذا بلغَ الأمرُ أنْ تراه ينتصِب لجدالِك، فاذكُرْ قولَ من قال:"إذا أردتَ أنْ تُفحِمَ عالمًا فأَحْضِرْهُ جاهلاً". وقد لقيتُ أنا من شرِّ ذلك ما لقيت، فآثرتُ أنْ أسلكَ سبيلي لا يشغلني عنه متعلق بأذيالي، إرادةَ أنْ يصرفني عن الوجه الذي أردتُ.
و لقد قرأتُ كلمتَكَ في الرسالة، فأسفتُ أشدَّ الأسف، لأني عرفتُ منها أنكَ لم تقرأ ما كتبتُه في مجلة «المسلمون» و في أربعة أعدادٍ منها. و لو كنتَ قرأتَها لما كتبتَ ما كتبتَ، لأني لا أشكُّ في ذكائك وحُسْنِ فهمك.فأنا لم أتعرَّضْ في شيءٍ منها لبني أمية أو بني العباس، ولا لحكمِهم، ولا لسياستِهم، فعجبتُ أشدَّ العجب كيف يمكن أن تكونَ معي أو عليَّ في أمرٍ لم أقُلْ فيه كلمةً، و لا يعلم أحدٌ ممنْ كتبَ رأيي فيه، ولا كيف أقولُ إذا أنا تعرضتُ للبيان عنه؟ فَمِنْ أجل ذلك عجبتُ، لأنكَ لم تنصِفْ على عادتك من الإنصاف.
و أنا محدثُكَ باختصار عن هذا الذي كتبتُه. أصلُ ذلك كله أني رأيتُ من كَتَبَ من المُحْدَثين في شأنِ تاريخ الماضين من أسلافِنا، يكتبُ أو يتحدّثُ بأسلوبٍ أقلّ ما يُقال فيه أنه مشوبٌ بالحماقة الشديدة، مختلِطٌ بالجهالة المتراكبة، في معرفة أصولِ التاريخ، مغموسٌ في حمأة من الافتراء والتطاول، مستنقِعٌ في أهواءٍ سيئةٍ ورديئة.وزعمتُ أنّ للناس أدبًا و أسلوبا في كتابةِ التاريخ، و أن للمسلمين خاصة أدبًا و أسلوبًا في التاريخ ينبعُ من أصلِ دينِهم، في العدل، و في حسنِ النظر، و في الأناة في طلبِ الحق، وفي كفِّ اللسان عن التهجم بالقولِ السيئ على عبادِ الله بلا بيّنة، وفي التناهي عن اقتفاءِ المرءِ ما ليس له به علم، و في التثبتِ من الأخبار قبل تصديقِها، و هو أدبٌ كما تعلمْ كان قديما في كُتُبِنا.
و لكن حضارة هذا القرن قد نشرَتْ وباءً شديدَ الفتك، ذهبَ بأكثرِ هذا الأدب، و أخذتُ في طريقي أضرِبُ المثلَ على هذا بكاتبٍ رأيتُه لم يتورّع عن سلبِ الناس دينهم، ولم يَخْشَ اللهَ في نفيِ الإسلام عن بعضِ أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، و في تصويرِ أعمالهِم بصورةِ أعمالِ المنافقين، و في أخذِ الروايات الباطلة وجعلِها دليلاً على الغميزة في إيمانهم، و في ردّ الروايات الثابتة الصادقة برواياتٍ كاذبة ادّعاها مُدَّعٍ من الرافضة، إلى غير ذلك مما سأبيِّنُه فيما أكتبُ في مجلة "المسلمون"، وزعمتُ أنّ هذا ليس دَيْدَنَ هذا الكاتب وحده، بل صار ديدنًا لأكثرِ من يكتبُ الآن في شيءٍ من تاريخ هذه الامة المسلمة، حتى صار الطعن في صحابة رسول الله أمرا مرتكبًا بلا حَذَر.
وما دمتُ لم أزد في كلامي على هذا، فلستُ أدري بعدُ ما الذي يحمِلُكَ على أنْ تخذلني أو تنصرني في أمرٍ لم أنطِقْ بعد فيه بكلمة!.
نعم! قد يكون رأيي فيما أبديتَ أنتَ فيه رأيك، مخالِفًا لك، و لكني لم أتكلم بعد فتعرِفَ حجتي فيه.بل لعلي إذا كنتُ لك مخالفا، ثم عرضتُ عليك خِلافي لك، أنْ تكونَ أسرعَ إلى موافقتي منك إلى الخلاف عليّ، حين ترى في ما أقولُ صوابًا يُرضيك.
أليس هذا جائزا، و ممكنا أيضا؟ فإذا رأيتَني بلغتُ في سياق مقالاتي في "المسلمون" إلى ذكرِ دولِ الإسلام، فعندئذٍ فَقُلْ، فأنا أقبلُ منك ما تقول. و اعلَمْ أني لا آنف أن أصِيرَ إلى الحق إذا عرفتُه. و لقد عشتُ على هذه الارض زمانا طويلا، واعتقدتُ منذ عقلتُ آراءً كثيرة، ثم تبينَ لي أنّ الحق في خلافِها، فرجعتُ عنها جملة، ولم أبالِ بما كنتُ أرى. ولعلك أنتَ خاصة تعلمُ من ذلك ما لا يعلمه غيرُك.
و أنا أحبُّ أن ترجِعَ إلى ما كتبتُه في مجلة «المسلمون» ولا تأخذ كلامَ أهل اللجاجة، فإنهم أوهمُوك، فيما أظُنُّ، أني قلتُ شيئا، و الحقيقة أني لم أقل بعد فيما تناولتَه أنتَ شيئا، و أنا أعيذك أنْ تتورطَ في هذا الشر الذي نجاهِدُ جميعا في دفع الناس عنه، وهو أخذ الأقوال بلا بينة، و بلا حجة، وبلا برهان. و لك مني تحية كنت ُأحبُّ أن تبلُغَكَ، على غيرِ هذه الراحلة المكرهة على ارتكابِ طريقٍ دنّسته الأقدام، و السلام."

ردّ علي الطنطاوي .مجلة «الرسالة» العدد 981 سنة 1952

"صدقتَ و الله، إني لم أقرأ ما كتبتَ في (المسلمون) ولقد فهمتُ مما قرأتُ في الرسالة أنّ الخلاف على دولة بني أمية، فقلتُ الكلمة التي لا أزال أراها حقا، و أنا أعتذِرُ إنْ كنتُ قد أخطأتُ الفهم، أو أسرعتُ في الحكمِ ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته".


التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاوية كمال الجزائري ; 10 Aug 2010 الساعة 09:25 PM
رد مع اقتباس