عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 10 Aug 2010, 09:19 PM
أبو معاوية كمال الجزائري أبو معاوية كمال الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: الجزائر(قادرية- ولاية البويرة)
المشاركات: 513
افتراضي

رد سيد قطب على محمود محمد شاكر
مجلة الرسالة. العدد977 ، بتاريخ 24مارس 1952م


إلى أخي الاستاذ: رجب البيومي …السلام عليكم ورحمة الله ، وبعد: فإنني لم أرد أن أدخل بينك وبين الأستاذ شاكر فيما شجر بينكما من خلاف حتى ينتهي إلى نهاية كما انتهى ، ذلك أنني كنت حريصاً على أن أدعك ورأيك ، وألا أبدأ تعارفي بك في زحمة الجدل ، وإن ظن أخونا شاكر أن بيننا صحبة وثيقة ، وهي التي تدفعك إلى رد تهجمه أو تقحمه ، حتى لقد أنذرنا معاً عداوة يوم القيامة: ] الأخِلاءُ يَوْمئَذٍ بعْضُهُم لِبَعضٍ عَدوُّ [ ؛ لأن مألوف الناس قد جرى في هذا الزمن الصغير على أن الحق وحده أو الرأي وحده لا يكفي لأن يدفع كاتباً فيكتب دون هوى من صداقة أو علاقة .

ولو كانت بيننا معرفة سابقة ، ولو استشرتني قبل أن تدخل مع صاحبنا في جدل حول ما أثاره من صخب وما نفضه من غبار ؛ لأشرت عليك ألا تدخل ، ولآثرت لك ما آثرته لنفسي من إغضاء وإغفال … ذلك أنني لم استشعر في هذا الصخب الصاخب أثراً من صفاء نية ، ولا رغبة في تجلية حقيقة ، ولو استشعرت شيئاً من هذا ؛ ما تركت صاحبي دون أن أجيبه ، على الأقل من باب الأدب واللياقة ، ولكنني اطلعت على أشياء ، ما كان يسرني والله أن أطلع عليها ، في نفس رجل ربطتني به مودة ، أصفيتها له في نفسي ، بعدما كان بيننا من جدل قديم ، يعرفه قراء ((الرسالة ))) عام (1938م) ، وما أزال أرجو أن أكون مخطئاً فيما أحسست به ، وأن تبقى لي عقيدتي في ضمائر الناس وفي الخير الذي تحتويه فطرتهم.

ولو كانت الحقائق هي المقصودة لما احتاج الكاتب الفاضل إلى اصطناع مثل هذا الأسلوب الصاخب المفرقع ، ولما لجأ منذ مقاله الأول في ((المسلمون)) إلى الشتم ، والسب والتهم بسوء النية ، وسوء الخلق والنفاق والافتراء ، والسفاهة ، والرعونة… إلى آخر ما خاضه – ويغفر الله له فيه – فبدون هذا تعالج أمور النقد العلمي ، وبغير هذا الأسلوب يمكن تمحيص الحقائق .

إنه لا ((معاوية )) ولا ((يزيد)) ، ولا أحد من ملوك بني أمية قد اغتصب مال أبي أو جدي ، أو قدّم إلى شخصي مساءة ، ولا لأحد من عشيرتي الأقربين أو الأبعدين… فإذا أنا سلكت في بيان خطة ((معاوية)) في سياسة الحكم وسياسة المال ، وخطة الملوك من بعده – فيما عدا الخليفة الراشد: عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه – مسلكاً غير الذي سلكته في بيان خطة ((أبي بكر )) و ((عمر)) و ((علي)) رضوان الله عليهم جميعاً ، فليس أول ما يتبادر إلى الذهن المستقيم والنية السليمة أن ما بي هو سب صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، لا عن خطأ ، ولكن عن رغبة قاصدة في إفساد الإسلام ، وسوء نية في تدنيس المسلمين !!

وكتاب ((العدالة الاجتماعية )) مطبوع متداول منذ أربع سنوات ، وطبعته الثالثة في المطبعة ، والصخب حوله الآن فقط قد يشي بشيء لا أرضاه للصديق ، وقد قرأه الناس في أنحاء العالم الإسلامي ، فلم يستشعر أحد من موضوعه ولا من سياقه أن النية السيئة المبيتة لهذا الإسلام وأهله هي التي تعمر سطوره ، إنما أحس الألوف الذين قرؤوه – أو على الأقل المئات الذين أبدوا رأيهم فيه – أن كل ما كان يعنيني هو أن أبرئ الإسلام من تهمة يلصقها به أعداؤه ، وشبهة تحيك في نفوس أصدقائه(8) و (المستشرقين ) ، وهم الذين فرحوا بكتابك وترجموه إلى لغاتهم.) ؛ إذ يحسبون أن سياسة بني أمية في الحكم وسياستهم في المال تحسب على الإسلام ، والإسلام بريء من هذا الاتهام.

وأحسب لقد كان بنفسي وأنا أعرض النظام الاجتماعي في الإسلام أن أقول شيئاً كالذي قاله مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا عداء شخصياً لبني أمية ، ولكن تبرئة للإسلام من أن تحسب عليه سياسة لا يعرفها ؛ لا في الحكم ولا في المال ، والإسلام منها بريء؛ من مكوس ظالمة ، واشتراكية غالية ، مأخوذة من النظم الشيوعية الحمراء ، وبرأ الله الخلافة الإسلامية السمحة مما تلصقه بها.) ؛ فيجب أن يعرف الناس براءته ، وأن يعرض عليهم في صورته التي عرفتها الخلافة السمحة ، وأن ينفى عنها ما لحقه في عهود الظلام والاستبداد . وما كان لي بعد هذا؛ وأنا مالك زمام أعصابي ، مطمئن إلى الحق الذي أحاوله ، أن ألقي بالاً إلى صخب مفتعل ، وتشنج مصطنع ، وما كان لي إلا أن أدعو الله لصديقنا ((شاكر )) بالشفاء والعافية والراحة مما يعاني ، والله لطيف بعباده الأشقياء. أما أنا ؛ فما أحب أن يكون لي مع قوم خرجوا على خليفة رسول الله ، وقتلوا ابن بنت رسول الله ، وحرقوا بيت الله ، وساروا في سياسة الحكم وسياسة المال على غير هدى من الله … أدب رفيع من أدب مولى رسول الله الذي أدبه ورباه.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاوية كمال الجزائري ; 10 Aug 2010 الساعة 09:21 PM
رد مع اقتباس