عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 10 Aug 2010, 09:07 PM
أبو معاوية كمال الجزائري أبو معاوية كمال الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: الجزائر(قادرية- ولاية البويرة)
المشاركات: 513
افتراضي

ردّ شاكر: "أعتذر إليك..."
مجلة «الرسالة» العدد، 976، سنة 1952


" أكتبُ هذه الكلمة محزون النفس لشيءٍ اجترمتُه، كان أولى بي أنْ أصبرَ حتى لا أزِلَ عليه. و ذلك أني قرأتُ كلمةً في بعض المجلات يقولُ فيها كاتبُها:« فإذا مُنِع الفقيرُ حقّه، فله أن يقاتِل عليه، لأنّ الله يأمُرُ بقتالِ الباغين « وإنْ طائفتانِ من المؤمنين اقتتَلُوا فأصْلِحُوا بينهما، فإِنْ بغَتْ إحداهما على الأخرى فقَاتِلُوا التي تَبْغِي حتى تَفِيء إلى أمرِ الله»، و لا شكَّ أنَّ مانِعَ الحقّ باغٍ". فاحتملتني العجلةُ وسوء الظن، أنْ أرى الكاتِبَ قد استدلَّ بالآية في غيرِ مكانِ الاستدلالِ بها. فساءَ قولي في الرجل بين جماعاتٍ من الناس، إذ لم يقعْ لي إلا أنّ الآية في اقتتال طائفتين من المؤمنين ثم بَغْيِ إحدى الطائفتين على الأخرى. و لما سكن بي الليل أمس (السبت 12 جمادى الآخرة سنة 1371هـ)حاكَ في قلبي شيءٌ لم أدرِ ما هو، و ألحَّ عليَّ أني كتسبتُ في أيامي هذه إثمًا أخشى أنْ لا أفلتَ من عقابِه. و ارتفعَتْ لعيني هذه الآية بختامِها «إنّ اللهَ يحبُّ المقسطين» فرأيتُ من العدل و القسط أن أرجعَ إلى تفسيرها، و إلى أقوال الأئمة في قتالِ أهل البغي، فعرفتُ ما لم أكن أعرِف، أنَّ بعضَهم قد استدلَّ بها في مثل ما استدلَّ عليه الكاتبُ الفاضل، وإنْ كان لطريقةِ الاستدلال عندهم نهجٌ غير نهجِه وقيدٌ فيما أطلقَهُ. و إذا أنا قد ظلمتُه ظلمًا لا ينبغي، فلم أزل منذ تلك الساعة أستغفِرُ اللهَ لما فرط مني و ما جرى من لساني منالكلِم السيئ، و استغفرتُ له بما أسأتُ إليه بظهر الغيب.فلما قرأتُ "الرسالةَ" في صباحِ ليلتي (الأحد 13 جمادى الآخرة)، كنتُ أوشكُ أنْ لا أحمِلَ القلمَ مرة أخرى للردِّ على الكاتبِ الفاضل في مقاله:«أجل..ذو العقل يشقى».و لكني وجدتُ السبيلَ قد تيسّرَ لي أن أعتذِرَ من سيئةٍ اكتسبتُها في الإساءة إلى رجلٍ بظهر الغيب، لنفسِ الداء الذي نهِيتُ الاستاذَ عنه، وهو العجلة، و أنا لم أقصِد نُهْيَتَهُ إلا لما فيه خيرٌ له و لي إن شاء الله. و قد تبيّنَ لي بعد قراءة كلمتِه أني أخطأتُ أيضا في الذي كتبتُ به إليه، فوقعتُ بما كتبتُ في نفسِ ما نهيتُه عنه. و ما كان أغناني عن هذه الخصلة السيئة التي تجلبُ عليَّ غضبَ أستاذٍ فاضل، لم أسمع به ولم أعرفه و لا أظنُّه يعرفني. و الأستاذ الفاضل بلا ريب هو عندي أكبرُ مما ظنَّ في نفسه، و إذا كان هو قادرًا على أن يضنّ بكرامته، فالواجب عليَّ أنا من قبله أن أضنَّ بكرامته. و إذا كانت كرامته تأبى أن تنزِلَ منزلةً يُوجَّه إليه من أجلها شيئاً يقدح فيها، فأنا أيضا أنزهه عما ظنَّ في كلامي من «الشتائم و التنقص والسباب»، و إذا كان كلامي الطويل العريض، كما وصفَ، ليس فيه شيءٌ يُقنع المنصفِين و ليس هو إلا فقرات مبعثرة مضطربة أسوقُها مساقا مهلهلا لا يعرف الدقة ولا الحدود، و إذا كان كل ّما أقولُه لا أبغي منه إلا إرسال الكلام في الهواء، و إذا كنتُ عنده لستُ مؤرِخًا ولم أخُط كتابًا في التاريخ، و أني أدخلتُ نفسي في قومٍ لستُ منهم، فأظنُّ أنّ واجبه على الأقل أنْ يُلغي كلَّ ما أقول بمرة، فإنَّ من الشقاء له أنْ يتعقبَ كلامَ كاتبٍ هذا شأنه. و أنا لا أستطيع صادقا أن أُفْهِمَ الأستاذَ الفاضل شيئا مما أقولُ، فقد عرفتُ هذا بالتجربة، و إذا كان مما يُرضيه أنْ أقولَ له أني مخطئٌ في كلِّ ما قلتُ قديما، و ما أقولُه الآن، و ما سوف أقوله إلى أنْ يكفَّ لساني وقلمي عن اللجاجة و إرسالِ الكلام، فأنا أقولُ له: إني أخطأتُ وسوف أخطئ. و لن يسمَعَ مني إلا ما أنا مُقِرٌّ على نفسي بأنه خطأ محض، و أزِيدُه أني عاجزٌ كلّ العجز عن مقاومةِ حجّتِه وعن دفعِ براهِينِه و عن التصدي لما يحُسنه من العلم. بيد أني أعودُ فأسأله أنْ يتغمّدَ سوءَ أدبي بفضله، و إذا كان قد استخرجَ من كلامِي سبابًا وشتائمَ، فأنا أعيذه أنْ يكونَ غرضًا لها، و أعتذر إليه، وأستغفرُ اللهَ مما أزلفتُ إليه من إساءةٍ، و له أحسن الأسوة في أصحابِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّ بعض السّفهاء لم يتورّعُوا قط عن سَبِّهم والطعنِ فيهم، بأقبح اللفظ.فأين يَقَع مثلي من هؤلاء! فأنا مهما ملكتُ من السباب والشتائم و البذاءة و سوءَ الأدب، فلن أبلغَ بعضَ ما بلغُوا من هؤلاء الصحابة، فلا عليه مني و من سبابي وشتائمي. و ليعلَمْ الأستاذُ الفاضل إنْ كان لا يعلم، أنَّ هؤلاء السفهاء في الدنيا كثير، فإذا كان يغضَبُ لكلِّ سفاهة من سفيه، فإنَّ شقاءَه سيطولُ بغضبِه، فَدَعِ السُّفهاء و ليقولوا ما شاؤوا، وكُنْ أنت ضنيناً بكرامتك، فإنها أعزُّ و أغلى من أن تبُذل على الألسنة. و تقبَّلْ إنْ تفضلتَ عذري و شكري واحترامي وتقديري، وعجزي عن مخالفتِكَ، وحبي لرضاك، وقد بلغتَ مني في مقالِك ما شئتَ، وناصيتي بيدك، و في المثل:«ملكتَ فأسجِح».فافعل مؤيداً منصورا، والسلام ".


التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاوية كمال الجزائري ; 10 Aug 2010 الساعة 09:11 PM
رد مع اقتباس