عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 10 Aug 2010, 09:02 PM
أبو معاوية كمال الجزائري أبو معاوية كمال الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: الجزائر(قادرية- ولاية البويرة)
المشاركات: 513
افتراضي

ردّ البيومي.أجل ذو العقل يشقى!

مجلة «الرسالة»، العدد 975 سنة 1952

" حين يكتبُ القارئ نقدًا لمقالٍ قرأه، يودُّ من أعماقِ نفسه أنْ يصلَ إلى الحقيقة على ضوءِ ما يعقُبُ المقالَ من حِوارٍ و حديثٍ. و واجبِ المنقود أنْ يُواجِهَ الحقائق سافرة واضحة، ثم يجيبُ عنها واحدة واحدة، إذ إن القُرّاء يتتبّعُون النقاشَ فقرة..فقرة، و يُوازنون بين الطيب والخبيث في دقّةٍ بالغة، و يُصدرون الرأيَ عن ثقة و اقتناع. و قد ناقشتُ الأستاذَ شاكر، بما لا أستطيع أنْ أحيدَ عنه من الأدب و الذوق، راجيا أنْ أجِدَ لديه الإجابةَ الشافية المقنعة، فماذا وجدتُ؟! وجدتُ أنّ الأستاذَ المهذَّب قد خصّني بكثيرٍ من الزّراية و الجهل و قِلّة المعرفة وضعفِ المنطق وسوءِ الأدبِ،وليته وقفَ عندي بشتائِمِه و سبابِه، بل انتقلَ إلى الأستاذ الكبير سيد قطب، فرماهُ ظالمًا بسُوءِ الفهم، و ولجَ إلى ضميره، فاتهّمَهُ بقبح المقصد وخبث الطوية و معاندة الحقِّ لهوىً في النفوس يعلمه الله، و بالحرص على تتبع المثالب القبيحة و اجتنابِ المناقب الفاضلة، و بالغلو الأرعن في سياقِ المثالب و تفسيرها، ثم ينضح إناؤُه بهذه التُّهم الجاحِدة ملقيًا بها في عنفٍ وحِدّة إلى قُرّاءِ الرسالة، و هم جميعا يعرِفُون فضائِلَ قطب، فأين ذهبَتْ عنه الحصافة و الاتزان؟.
وقد حاولتُ أن أجِدَ لدى الأستاذ في ردِّهِ الطويل العريض شيئا يُقنع المنصِفِين، فما وجدتُ غيرَ التنقّص والسّباب!! و قد دعوتُه في مقالي السّالِف إلى هجرِ الوعظ و الإرشاد في الجدل العلمي، فصاحَ يقولُ على رؤوس الاشهاد «من العسير أنْ أكتبَ في هذا الموضوع دون ان أتوشَّحَ بذيلٍ من ذيول الوعظ والإرشاد»، و الدفع مع ذيوله الضافية إلى أبعدِ مدى و إقصاء، و هكذا ضاعَتِ الحقائقُ التاريخية لدى كاتبٍ يزهي بنفسه، فيقولُ أنه (يعرف حقَّ الكلام، و يلتزم مقاطعَه ومطالعَه وحدودَه، و أنّ للعقل شرفًا لا يرضى معه بالتدهور في مواطئ الغفلة وسوء الادب والخوض في العبث والجهالات).و لا أريد أنْ أكيلَ للأستاذ صاعًا بصاع، ضَنًّا بكرامتي، و لكني أحاول أنْ أجمعَ من مقالِه العريض فقراتٍ مبعثرة مضطربة في أنحائه، ساقَهَا مساقًا مهلهلا لا يعرفُ الدقة و الحدودَ! لأِستطيعَ دحضَها بالرأي الموجز الصّريح، جَزَعًا على الحقيقة العلمية مِنَ الغَرق في أطنابِ المنابر وإسهابِ الخطباء. لقد سطّرَ الكاتبُ خمسين سطرا من مقاله تبدأُ من قوله: «دعني أيها السيد أعيدُ عليك، إلى قوله خالصة من قلبي بلا مسوح وعظ و ارشاد»!..سطّرَ هذه السطور لِيقول:"إنَّ أخبارَ معاوية و عليّ جاءتْ عن طريق الرواية فحسب، و لكلا الرجلين شيعته التي تنسج الحوادِثَ و تلفق الأخبار"، و قد كنتُ أقرأ سطورَه الطويلة و أنا أسألُ نفسي: أذلك نقاشٌ أم مجرّد كلام؟ و لو كانت النتيجة التي وصلَ إليها الكاتبُ صحيحةً لعذرناه وسكتْنَا عنه، و لكنها باطلةٌ كلّ البطلان، و لو جاز لإنسانٍ أنْ يأخُذَ بها في شيءٍ لمزّقنا جميعَ صحف التاريخ الإسلامي من أول عامٍ في حياته إلى مائة عام أتت عليه، فلا نتكلمُ عن أبي بكر و عمر و علي و معاوية و يزيد و الحسين و عمر بن عبد العزيز!! حتى يعرِفَ الأستاذُ شاكر، اسمَ الراوي و أباه وأمّه، ولِحُسْنِ الحظ أنَّ كُتَّاب التاريخ و رُوَاتِه لم يستمِعُوا لهذه الضجّة و قدّموا إلينا مددًا وفيرا من الأحداث التاريخية!! ولم تُسجَّل حوادِثُ معاوية و أضرابه عند مؤرّخٍ واحد حتى يتّهمه الأستاذُ بالافتراء والهوى، ولكنها أنباء متواترة، رواها جميعُ المؤرخين دون استثناءٍ، ولو أنّ شيعةَ علي وحدهم الذين اختلقُوا مثالبَ معاوية، لسكَتَ عنها بعضُ المؤرخين، و لكن هيهات..هيهات!
فهل وُجِد من المؤرخين من أنْكَرَ أنّ معاوية قد أحال الخلافةَ إلى ملكٍ عضوض مخالِفًا بذلك تعاليمَ الاسلام؟ وهل وُجِد من المؤرخين من أنكرَ أنّ يزيد بن معاوية قد فرضَهُ أبوه مدفوعا إلى ذلك بِدَاعٍ لا يعرفه الإسلام؟ و هل وجِد من المؤرخين من أنكر أنّ معاوية قد جعلَ جزءًا من بيت المال للرشوة و شراءِ الضمائر في بيعةِ يزيد. لم يوجَد من أنكرَ ذلك من المؤرخين، ولكن الأستاذَ شاكر ينكِرُهُ و يدّعي أنّ المؤمنين قبله قد أنكروه، و هو بحمدِ الله لم يكنْ مؤرِّخًا، و لا نعلمُ أنه خطَّ كتابا في التاريخ، فلم ينسب نفسَه إلى قومٍ ليس معهم؟.
ويدّعي الأستاذُ أنه لم يفهَمْ شيئا مما كتبتُهُ في تحديدِ معنى الصّحابي، فإذا وجدني أستدِلُّ بحديثِ الرسول عن "عبد الله بن أبيّ" لجأ إلى مخرج يُنقذه مما واجهتُه به فذكرَ أنّ الرسولَ قال:معَاذَ الله أنْ يَتَحدَّثَ الناسُ أنَّ محمدا يقتل أصحابَه، خشية أنْ تدورَ على ألسنةِ المشركين الذين لا يميّزون مؤمنًا عن منافق، وكلّهم عندهم من أصحابِ محمد صلى الله عليه وسلم!!.
و أنا أقول للأستاذ إن المشركين كانوا يميزون المؤمنَ عن المنافق، ويعرفون نفاقَ ابن أبيّ كما يعرِفُه المؤمنون سواء بسواء، بل إنه تعاهدَ معهم على التنكيل بالدعوة المحمدية و لمسوا من نفاقِه ما شجَّعهم على التعاون معه، وكان إذا خلا اليهم يقول «أنا معكم إنما نحن مستهزئون»، فليس هناك مشركون لا يميزون مؤمنًا عن منافق، وعلى الأستاذ أنْ يبحثَ له عن مخرج آخر، لو يستطيع!!
و إذا كان الأستاذ يَصِمُنِي بالجهل وسوءِ الفهم وقلة المعرفة، ثم ينقل فقراتٍ طويلة من مقالِه ليبين لقُرّاءِ الرسالة حقيقةَ ما قال، و من هذه الفقرات قوله:"فإذا أخطأَ أحدُهم فليس يحِلُّ لهم و لالأحدٍ من بعدهم أنْ يجعَلَ الخطأَ ذريعةً إلى سبِّهم و الطعنِ عليهم".
إذا كان الأستاذ ينقُلُ ذلك، فلم لم يُجِبْ عما وجّهتُه إليه بشأنِ هذه الفقرة، فقد قلتُ أنّ الصحابة قد طعنَ بعضُهم بعضا واستباحوا ما حرمه عليهم، أفيكونونَ بذلك قد خرجوا عن منهجِ الاسلام؟ أم أنّ الأستاذ شاكر يرسل كلامَه في الهواء فإذا ناقشَه كاتبٌ متواضع مثلي لجأَ إلى الشتائم والسباب!!و لقد دعوتُ الأستاذَ إلى النقدِ الموضوعي، فقال في الرد على ذلك: «إنّ النقد الموضوعي ينبغي أن يسبِقَه التحقق من صحة هذه الاحداث تحققا ينفي كل ظنة» وأنا أقولُ له: ما دُمْتَ تُنكر هذه الاحداث المتواترة لدى المؤرِخين، فلن تُقَدِّمَ للقارئ ما يقنعه و يشفيه، و أنا أعلمُ أنَّ الطعنَ في رواية الآثار الفردية سائغٌ ومقبول،أما الوقوف في وجهِ التاريخ وتفنيدِ ما أجمعَ عليه المؤرّخون بلا دليل، فلم يجد من يصغي إليه في كثير أو قليل. ولقد نصحني الأستاذُ شاكر أنْ أضعَ عن يدي عبءَ القلم، فإنه ثقيل..ثقيل، وذَكَرَ أنّ الحياءَ يمنعهُ أن يتركَ كلامي بلا مجيب!! و أنا أعجَبْ للحياءِ الذي يمنَعْ صاحبَه من الصّمتِ المريح، ثم يدفعه الى السّبِّ المقذِع والطعنِ الجارح في كاتبٍ كبيرٍ كالأستاذ سيد قطب!! فضلا عما وجّهه إليّ من قذائف ظالمة، ثم ما الفرق بيني و بينه حتى يطلبُ إليَّ أن أكفَّ عن الكتابة، و ما هي مؤلفاته التي تبيحُ له أنْ يتقدّمَ إليّ بمثل هذا الأمر، لأحفظَ له حقَّه في الارشاد والتوجيه؟! أخشى أنْ يكون استياؤه المفزِع من نشاطِ الأستاذ قطب و إنتاجِه قد دفعَهُ إلى الهجومِ عليَّ بألفاظه الحِداد!! و إني لأستغفر اللهَ له رغم ما أصابني من كلوم ".


التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاوية كمال الجزائري ; 10 Aug 2010 الساعة 09:05 PM
رد مع اقتباس