عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 09 Aug 2010, 10:44 PM
أبو معاوية كمال الجزائري أبو معاوية كمال الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Mar 2010
الدولة: الجزائر(قادرية- ولاية البويرة)
المشاركات: 513
افتراضي

ردّ شاكر: "ذو العقل يشقى" -
نُشِر بمجلة «الرسالة» .العدد 974،سنة 1952 .


"لولا أني أكره خلائقَ السّوء، لما حملتُ هذا القلم لأردَّ به على هذا الذي تكلّفَ مؤونةَ الجدال عن صاحبِه، و لولا أنه كتبَ ما كتب في الرسالة، و هي مألف قديم يحنُّإليه هذا القلم، لما غلبني على ما أدّبتُ به نفسي من هجرِ صَغَائر الأمور. و مِنْ خلائقِ السّوء عندي أن يُجْهِدَ كاتبٌ قلمَه في نقدِ ما أكتبُ، ثمّ أغفلَ رَدَّه إلى الحق إنْ أخطأَ، أو متابعتِه على الصواب إذا أصابَ. و مهما يكُنْ رأيي فيما كتبَ الأستاذُ، فإني أجِدُ الحقَّ يلزمني أنْ أعودَ إليه بالتذكير و الإبانة، غير متلجلج في استنقاذِه مما تورّطَ فيه، و لا مستنكِفٍ أنْ يكون في بعض كلامي هذا تكرار لما قلتُ، مما أرجو أنْ يكون إنمّا غفلَ عنه غير متعمّد إن شاء الله.
وأنا أقدّم بين يدي الأستاذ الفاضل، معذرتـي في أنْ أسامِحَه فيما وصفَ به ما كتبتُ،و ما وقرَ في نفسه و أبان عنه بقوله أني اندفعتُ في سياق منبري، أسرد الأدلة الخطابية، و أستثيرُ النوازعَ العاطفية. و كان خليقاً به قبل أنْ يقولَ ما قال، أنْ يعرِفَ أسلوبي فيما أكتب، ثم ينظر إليّ بعينَي مبصر يتحقَّق: أصحيحٌ أني ألجأ إلى الخُطَب المنبرية، و الأدلة الخطابية، و النوازع العاطفية. أم الحق أني أتحرّى
أمراً أنا مسؤولٌ عنه بين يدي ربي، أو على الأقل: أعتقِدُ أنا أني مسؤولٌ عنه بين يديه سبحانه؟! و إذا كان كثيرٌ من الناس قد نسوا أنهم محاسبون يوم القيامة، فإني لم أنسَ بعد، و أسأل اللهَ أن يعينني على أن لا أنسى، و إنْ عدَّ الأستاذُ الفاضل هذا الكلام أيضاً خطبةً منبرية، أو استثارةً عاطفية! ولعلّ قُرّاء الرسالة، لم يقرأوا ما كتبتُ في مجلة «المسلمون» و لستُ أحبُّ أن أعيدَ
عليهم ما كتبتُ هناك، و لكني أحب أن أبين لهم عن أصلِ هذا النزاع الذي نازعنيه الأستاذُ الفاضل. و ذلك أني رأيتُ كاتباً بسَطَ لسانَه بسطاً عريضاً في دينِ جماعةٍ صحِبُوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، هم : معاوية بن أبي سفيان، و أبوه أبو سفيان، وأمه هند بنت عتبة، و عمرو بن العاص، ثم أدخلَ معهم سائرَ بني أميّة. و زعَمْتُ في هذه المقالة أيضاً أني لن أناقِشَ منهجَه التاريخي:«لأنّ كل مُدَّعٍ يستطيع أنْ يقول هذا منهجي، و هذه دراستي»، و قلتُ:« و أيضاً فإنيّ لن أُحقِّقَ في هذه الكلمة فسادَ ما بنى عليه الحكمَ التاريخي العجيب، الذي استحدثَهُ لنا هذا الكاتب، بل أدعه إلى حينه»، و قلتُ: " بل غاية ما أنا فاعل:أن أنظرَ كيف كان أهل هذا الدين، ينظرون إلى هؤلاء الأربعة بأعيانهم، و كيف كانوا -هؤلاء الأربعة- عند من عاصرهم ومن جاء بعدهم من أئمة المسلمين و علمائهم." و أظنُّ أني بهذه الكلمات قد حدّدتُ كلّ التحديد غايتي فيما أكتبُ. أظن ذلك، و أظن أيضاً أنّ لكل كاتبٍ بعض الحرية!! في أنْ يحدِّدَ ما يريد لنفسه في سياق ما يريد أنْ يكتبَ.و بخاصة إذا كان يريدُ أن يُعرِّفَ الناس بشيء هم قد غفلوا عنه، و بخاصة في زمن أصبح العلم فيه لجاجات تُكتب كما تُكتب مقالات الصحف اليومية في المنازعات الحزبية! و بخاصة في أمرٍ فيه نذير شديد من الله سبحانه! و بخاصة إذا كان هذا الكاتب يؤمن بأنّ الإنسانَ مسؤولٌ بين يدي ربه عن كل ما يقول وكل ما يكتب وكل ما يفعل!.بيد أنّ الأستاذَ الفاضل ظنّ أنه كان يجِبُ عليّ أولاً غير هذا، إذ ظن أنّ صاحبَه نقدَ معاوية نقداً تاريخيا، فطالبني أنْ أبيِّنَ الوقائعَ التي ذكرها في كتابه غيرُ صحيحة، ثم زاد شيئاً آخر عجل إليه فزعمَ أني لا أستطيع أنْ أفعلَ شيئاً من ذلك، لأنّ صاحبَه نقلَها من كتب التاريخ ولم يخترعها اختراعاً، و لأنها معروفةٌ لدى الصغير و الكبير؟! فأظنُّ أنا أيضاً أني بيّنتُ عن طريقي في الكلمات التي نقلتُها آنفاً، و أني سوف أتركُ هذا إلى حينه، فلست أدري لم يعجل الأستاذُ الفاضل كلَّ هذه العَجَلَة على امرئٍ مثلي، فيضربه بالعجز عن ذلك قبل أنْ يُبين عن حجّتِه؟ فهذه العجلة هي التي أُنكِرُها على صاحبِه، و أنكر أنْ تكون أدباً يتأدّبُ به العالمُ أو المتعلِّمُ، و من الحق على كل عاقل أنْ يَنْهَى نفسَه عنها، و أنْ ينهى من يرتكبها، لأنها مخالفةٌ لكل أصلٍ من أصول العلم و التعلم، و لأنها تورِثُ مرتكبِها نفسَ الدّاء الذي أتى منه صاحبُه الذي تهجّم على ضمائرِ خلقِ الله، فكاد يقطَع قطعاً جازماً بنفاقِ معاوية و أبي سفيان وهند وعمرو بن العاص وسائر بني أمية!.مِنْ أين يعلم أني عجزتُ أو أني سوف أعجز؟ لا أدري!و مثل هذا في الجراءة ما أتبعَهُ من أسئلة إذ يقول:
"من الذي ينُكر أنّ معاوية حين صيّرَ الخلافةَ ملكا عضوضاً لم يكن ذلك من وحي الاسلام، إنما كان من وحي الجاهلية؟."
"و من الذي ينكر أنّ أميَّة بصفة عامة لم يعمُر الإيمانُ قلوبَها، وما كان الإسلام لها إلا رداء تلبسه وتخلعه حسب المصالح والملابسات؟..."
"و من الذي ينكر أنّ يزيدَ بن معاوية قد فرضه أبوه على المسلمين مدفوعاً إلى ذلك بدافع لا يعرفه الإسلام؟"
"و من الذي ينكر أنّ معاوية قد أقصى العنصرَ الأخلاقي في صراعه مع علي، وفي سيرته في الحكم بعد ذلك إقصاءً كاملا لأول مرة في تاريخ الإسلام،و قد سار في سياسة المال سيرة غير عادلة، فجعله للرشوة واللهو وشراء الضمائر في البيعة ليزيد؟ هذه و أمثالها أمورٌ مسلمة في التاريخ، لايستطيع الأستاذ شاكر أن ينكرها بحال.و نحن نعجب كثيراً حين نجده في مقاله يلبس مسوح الوعظ والإرشاد..."
نعم!
يا سيّدي الشيخ! نعم! فإنيّ لمحدّثُكَ عمّنْ يُنْكِرُها: أنا أنكِرُ هذا كلَّه و ينُكره المؤمنون من قبلي، و إذا كنتَ أنتَ و صَاحِبُكَ تسلّمان بها، فأنا لا أستطيع أنْ أسلم بها. و تقول: هذه دعوى ليس عليها بينّة! فأقول:نعم، هي في هذا السياق و ليس عليها بينة، إلا أنْ آتيكَ بالدليل على بطلان ما ذهبَ إليه صاحبُك الذي تولّيتَ الدفاعَ عنه. بَيْدَ أنكَ أسأتَ حين عجلتَ إلى شيءٍ لم تعرف ماذا أقولُ فيه، وكيف أستطيع أنْ أتناولَه بالنقد و التمحيص.و لو أنتَ صبرتَ حتى تعرفَ لأتاك البيان عما أنكرت و ما عرفت من أخبار صاحبِكَ، التي وصفتَها بأنها متلقفة من أطراف الكتب، لا أقول بلا تمحيص و حسب، بل أقول أيضا بالحِرص الشديد على تتبّعِ المثالب القبيحة، و بالحرص المتلهف على اجتنابِ المناقب الفاضلة، و بالغلوِّ الأرعن في سياقِ المثالب و في تفسيرها، و في تجليتها، و في استخراج النتائج من مقدماتٍ لا تنتجها، كما يقول أصحاب المنطق.و أنا أحبُّ أنْ أخلعَ معك مسوحَ الوعظ و الإرشاد خلعا لا رجعة بعده! فتعالَ أيها الشيخُ إلى غير واعظٍ و لا مرشد! تعالَ حدِّثني و أحدثك، و دَعْنِي ودَعْكَ مِنْ:«قال الله تعالى» و«قال رسول الله صلى الله عليه وسلم» فإنهما في زماننا هذا -من مسوح المتديّنين بلا دين!- دعنا نعرف الكتبَ التي بين أيدينا لا نرفع بعضاً و لا نضع بعضاً، لأنّ هذه كتبُ تاريخ لا يُوَثق بها، و لأنّ هذه كتُب أصحابِ دينٍ و وعظ و إرشاد يوثق بها! ثم ننظرُ بعدئذٍ بالعقل المجرد ماذا يكون؟!و دعني أيها السيد أعيدُ عليك ما قلتَ في مقالك:« و نحن نُقِرُّ أنّ معاوية كان حَسَنَ السِّيرة على عهد عمر، فولاه أعمال دمشق، ولكنه قلب المجن للتعاليم الاسلامية بعد مصرع عثمان...» و لا أسألك من أين علمتَ أنه كان حسنَ السيرة على عهد عمر؟ و لكني أسألك: ألستَ تعلم أنه قد نشبَ الخلافَ بينه وبين علي؟ فتقول:نعم ولا بد.ثم أسألكَ: ألستَ تعلم أنه كان لهذا شيعة و لذاك شيعة؟.
فتقول:نعم،و لا بد.فأسألكَ: ألستَ تعلم أنّ كل شيعة قد غَلَتْ في صاحبِها و تعصّبت له؟ فتقول نعم و لا بد. فأسألكَ:ألستَ تعلم أنّ الأمرَ حين انتهى إلى معاوية و اجتمعَ عليه الناسُ في عام الجماعة إذ أسلمَ إليه الحسن أمرَ الخلافة.لم تزل شيعةُ علي باقيةً في الناس كشيعة معاوية؟ فتقول:نعم و لا بد. فأسألك:ألستَ تعلم أنَّ الخلافَ بين الشيعَتَين ظَلَّ مستمراً مدةَ بقاءِ معاوية و من بعده؟ فتقول:نعم ولابد.فأسألكَ:ألستَ تعلم أنّ الحسين بن علي قُتِل في عهد يزيد بن معاوية؟ فتقول:نعم ولا بد.فأسألكَ:ألستَ تعلم أنّ مقتلَ الحسين وما تبعه من الحوادث في عهد يزيد بن معاوية قد أوقدَ نارَ العداوة بين شيعة علي و شيعة معاوية؟ فتقول:نعم و لابد.فأسألكَ: ألستَ تعلم أنَّ شيعة كل منهما قد انتشرت في الناس بما بينهما من العداوة؟ فتقول:نعم و لا بد. فأسألكَ:ألستَ تعلم أنَّ من هاتين الشيعتَين العالم والجاهل؟ فتقول:نعم و لا بد.فأسألك:ألستَ تعلم أنّ كلَّ عالم أو جاهل كان يُحدِّث عن خَبَرِ شيعته وخبرِ شيعة عدوِّه؟ فتقول:نعم و لا بد.فأسألكَ ألستَ تعلم أنّ هذه الأخبار ربما كان فيها الصّحيح و السقيم و الصادق والمكذوب كما يكون في كل شيعتَين متنابزَتَين؟ فتقول:نعم و لا بد.فأسلكَ:ألستَ تعلم أنّ الأمرَ سارَ على ذلك إلى ما بعدَ انقضاءِ دولة بني أمية؟ فتقول:نعم ولا بد، فأسألكَ:ألستَ تعلم أنها استمرت إذن على ذلك منذ سنة 40 من الهجرة إلى وقتِ تدوين الكتب، أي في أواخر القرن الأول؟ فتقول:نعم و لا بد. فأسألكَ:ألستَ تعلم أنه ليس في أيدي الناس كتابٌ مكتوب قبل ذلك العهد؟ فتقول:نعم و لا بد.فأسألكَ:ألست تعلم أنّ طريقَ القوم كان هو الرواية فحسب؟ فتقول: نعلم و لا بد.فأسألكَ:ألستَ تعلم عندئذ أنّ العقلَ يوجب أنْ تَعْرِفَ راوي كلّ خبر حتى تتبين من أي الشيعتَين هو؟ فتقول: نعم ولا بد.فأسألكَ: ألستَ تعلم أنه ظلمٌ قبيح أنْ تأخُذَ الخبرَ لا تدري مَنْ رواه، فتطعَن به في أحد الرَّجلين، معاوية أو علي، و أنت لا تأمن أنْ يكون كذبا صرفا؟ فتقول: نعم ولا بد.فإذا صحَّ كلّ هذا عندك ولم تشغب عليّ فيه، فإني أراكَ رجلاً صالحا، فهل تظنّ، و لا أقول هل تَحَقَّقَ عندكَ، أنّ هذا الطّعَّان في معاوية و أهلِه، قد ميّزَ هذا كلَّه قبل أنْ يكتبَ ما كتب؟ فإنْ كان قد صحَّ لكَ، فأنا أحبُّ أنْ أعلمَ كيف صحَّ لك،حتى أتبعكَ على الحق.و إنْ لم يكن صَحَّ عندك، وهو لم يَصِحّ عندي بعد، فدعني عند قولي لك:أنا أُنْكِرُ هذا كلَّه و ينكره المؤمنون من قبلي، و اذكرني دائماً بأني لا أعدُّ أمثالَ هذه الروايات المجردة من رواتها، و في مثل هذا الموضع المشتبه من العداوات، شيئا يمكن أنْ أسلِّمَ به.فإني لا أحبُّ أنْ أستهلكَ عقلي في العبث و الجهالات.و اعلَمْ أني لا أنْقَادُ لما لا بيّنة عليه، و أنّ للعقل شرفاً لا يرضى معه بالتدهور في مواطئ الغفلة و سوء الأدب. و لو أنتَ لم تعجل لكان البيانُ آتيك بعدقليل عن الذي أستطيعه من ذلك و ما لا أستطيعه، غفر الله لك، أقولهُا خالصةً منقلبي، بلا مسوح وعظ أو إرشاد!و أنا أخذتكَ من أهونِ المآخِذ في طريق العقل، فهناك طرقٌ أخرى أشقُّ و أصعب في تمييزِ هذا العبث لم أَدْفَعْكَ إليها، و أرجُو أنْ تصبِرَ حتى تعرفَها يوما، أو أن تحاولَ أنت أن تصِلَ إليها بما أوتيت من حسنالعقل، فإنّ المحاولة خليقَةٌ أن تفضي بك إليها.و لكن شرطها أنْ تدَعَ العصبِيّةَ لآراء الرجال، و بخاصة إذا كان هؤلاء الرجال ممن يَبْنُونَ أقوالهَم على الغُلُوِّو التسرع وسوءِ الفهم، و قبح المقصد، و معاندةِ الحق لهوًى في النفوس يعلمُه اللهُ وحده، و لكن يدلُّ مطلعُه على أنه هوى. فإذا فعلتَ استطعتَ أن توفِّر على نفسك مطالبتي بنقدِ الحوادث التاريخية التي رواها صاحبُك «نقداً موضوعيا»!و مع ذلك فسأفعلُ حيث كتبت كلامي ما يرضيك.و لكن على شرط أنْ أجِدَ عندك ما أحب لكَ من حسن الظن فيك:أنْ تعرِفَ أنَّ النقد الموضوعي الذي زعمتَ، ينبغي أن يسبقَهُ التحقُّق من صحة هذه الحوادث تحققاً ينفي كل ظنه.و أستطيع أن أظن أني قدمتُ لك في هذه الكلمة ما يجعلكَ تقف من هذه الروايات التاريخية! موقفَ المتردد على الأقل، أنَفَةً لعقلك و أدبِك أن يزلا حيث زلّ من دافعتَ عنه.أما الموضوع الذي نصبت له كلامي في مجلة «المسلمون» فهو سبّ الصحابة، و أظن أن الأستاذ يوافقني على أنَّ كلام صاحبِكَ خرجَ أولاً عن أن يكونَ تخطئةً لمعاوية، ثم خرج عن أنْ يكون طعناً فيه، ثم خرج عن أن يكون سبًّا.خرج من هذه المراتبِ الثلاث إلى مرتبة رابعة، هي أنّ معاوية بريءٌ من الإسلام، و الإسلام بريء منه. فأدنى مراتبِ هذا القول أنْ يكون منافقاً، و آخرها أنْ يكون كافراً بما جاء به الرجلُ الذي آمن به المسلمون و أُمِروا أنْ يُسَمّوه "رسول الله صلى الله عليه وسلم."
ومن العسير أنْ أكتُبَ في هذا الموضوع الآن دون أنْ أتوشح بذيلٍ من ذيول «مسوح الوعظ و الإرشاد»، فليأذَنْ لي الأستاذُ قليلا أنْ أَرُدَّ فضلة من الثوب الذي خلعتُ حتى أستطيع أنْ أوضِّحَ له: زعمتَ يا سيدي أنّ لي رأياً، فقلتَ أني أثرتُ هذه العاصفة و حجّتي الوحيدة:«أنّ كل صحابي رأى الرسولَ وسمع عنه قد اكتسبَ مكانةً تحرم على كل إنسان أن ينقد أخطاءه أو يظهر أغلاطَه». ويلك! نسبْتَ إليّ شيئاً لمأقله قط كما ستعلم بعد، فلا تَنْسَ إذن أنّ مثلَ هذا جائز أيضاً أنْ يكون وقع من مثلِك قديما، فنسَبَ إلى معاوية شيئاً لم يقله كما نسبْتَ أنتَ إليَّ شيئاً لم أقله، و لكني كنتُ أحسنَ حظاً من معاوية رضي الله عنه، فإنّ كلامي مكتوبٌ منشور، أما معاوية، فقد رَوَى الناسُ عنه شيئًا ذهبَ أصله، لأنه لم يكتبه كما كتبتُ. صدّقني، فلستُ أدري من أين فهمتَ هذا الكلام الذي ترجمته؟ ولكن عذرك بادٍ ظاهر، فإنَّ دفاعَكَ عن صاحبِك دليلٌ على أنك على الأقل تُفكِّر كما يفكر، و هذه الطريقة هي نفسُها طريقتُه التي أدعوك إلى فراقها حتى لا تُهلك عقلَكَ فيما لا يجدي. و الذي قلتُه بعد الخطبة المنبرية التي زعمتها، والتي بدأتهُا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تسبوا أصحابي..» هذا نصّه:« وليس معنى هذا أنّ أصحابَ محمد رسول الله معصومون عصمة الأنبياء، و لا أنهم لم يخطئوا قط ولم يُسيئوا، فهم لم يدّعُوا هذا، و ليس يدّعِيهِ أحدٌ لهم. فهم يخُطئون و يُصيبون، ولكنّ اللهَ فضّلهم بصحبَةِ رسولِه، فتأدبوا بما أدّبهمبه، وحرصوا على أنْ يأتوا من الحق ما استطاعوا، وذلك حسبُهم، و هو الذي أُمِروا به، وكانوا بعد توّابين أوابين كما وصفهم في محكم كتابه. فإذا اخطأ أحدُهم، فليس يحلّ لهم، ولا لأحدٍ ممن بعدهم، أنْ يجعلَ الخطأَ ذريعَةً إلى سبِّهم والطعن عليهم. هذا مجملُ ما أدّبنا به اللهُ ورسولُه. بيد أنّ هذا المجمل أصبح مجهولا مطروحًا عند أكثر من يتصدّى لكتابة تاريخ الإسلام من أهلِ زماننا، فإذا قرأَ أحدُهم شيئا فيه مطعن على رجلٍ من أصحاب رسولِ الله سارعَ إلى التوغل في الطعن و السّبِّبلا تقوى ولا ورع. كلا بل تراهم ينسون ما تقضي به الفطرة من التثبت من الأخبار المروية، على كثرة ما يحيط بها من الريب والشكوك، و من الأسباب الداعية إلى الكذب في الأخبار و من العِلل الدافعة إلى وضع الأحاديث المكذوبة على هؤلاء الصحابة(مجلة المسلمون عدد 3 ص 247).
وأنا أكره أنْ أنقلَ كلاما لي من مكان إلى مكان، و لكنك استكرهتني على نقلِه، حتى لا يقع في عقلِ أحدٍ من قُرّاء الرسالة، أني مستطيعٌ أنْ أقول هذه القالة المنكرةالقبيِحَة بكل مسلم: أنّ للصّحابة مكانةً تحرم على كل إنسان أن ينقد أخطاءَهم أو يظهر أغلاطَهم. هذه يا سيدي كلمة قبيحة جدا، وأقبح منها أن تجعلَها ترجمةً لكلامٍ مكتوب باللغة العربية التي تكتُبُ بها وتقرأ فيما أظنُّ، ثم تنسِبُها إلى امرئٍ يعرف حقَّ الكلام و يلتزم مقاطعَه ومطالعَه وحدودَه، و ما يوجبه اللفظ من المعاني، وما يتناوله من دقيقِ الاستنباط. و أنا أُشْهِدُ كلَّ قارئ أني لم أقل ما قوّلتَنِيه وأدع له حقَّ الحكم بيني و بينك أنْ يكونَ في كلامي حرف واحد يدل على أني أردتُ بعضَ هذا المعنى الذي ترجمتَه كما ترجمَ صاحبُك تاريخَ معاوية ومن معه من الصحابة و تاريخَ سائر بني امية. أفتظنُّ أنّ قولي أنه لا يحِلُّ لأحدٍ أن يجعلَ «خطأهم» ذريعةً إلى سبِّهم و الطعنِ فيهم معناه أنهم لا يُخطئون أو أنَّ أخطاءَهم لا تُنقَد؟ و أين ذهب عمري إذن، إذا كنتُ لا أعلم أنّ الصحابة أخطأوا، و أنّ علماءَنا رضيالله عنهم قد بيّنُوا أخطاءَهم حتى فيما هو من أمور دينِهم؟ و لكن فرق كبير بين أنْ تذكُرَ عملَ الصّحابي أو قولَه، وتأتي بالبرهان على أنّه مما أخطأَ فيه، و بين أنْتجاوز ذلك إلى الطعنِ فيه، ثم إلى سبِّه، ثم إلى إخراجِه عن الدين، كما فعلَ صاحبُك. و هذا فرقٌ ليس بالخفِيّ فيما أظنّ، و لا أظنك إلا تورّطتَ فيه من شدة أثر صاحبِك عليك، حتى خدعَكَ عما أنت خليقٌ أن تكون من أهله. هذه واحدةٌ أرجو أنْ تكون راجعًا عنها منتفيا من سوء أثر صاحبِكَ عليك فيها.وأخرى تبيّنَ فيها سوءُ أثرِ صاحبك عليك: وهي تحديدك، فيما تزعم، لمعنى "الصحابي" واستدلالِك بالكلمة التي جاءت في الخبر عن عبد الله بن أبي «معاذ الله أنْ يتحدّثَ الناسُ أنّ محمدا يقتل أصحابّه».فهذه كلمة ذِكْرها، يخشى أن تدور على ألسِنَة المشركين الذين لا يميزون مؤمنًا عن منافق، وكلهم عندهم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، لا أنَّ رسولَ الله يُسمّي المنافقين أصحابًا له!! وكيف وقد نزلَ عليه من ربه نفاقَهم وكفرَهم، ونهاه أنْ يصلي عليهم، وبيّنَهم له بأعيانهم، فمعاذ الله أن يُسمي رسولُ الله أحدًا من المنافقين الذين يعلمهم "صاحبا". فمن سوء الأدبأنْ يقول مسلمٌ: «فعبد الله بن أُبَيّ من أصحابِ محمد كما ينطق الحديث»، ومن قلة المعرفة بالعربية أنْ يقولهَا قائل، و من التسرّع البغيض أن يلجأ إليها باحث، و من ضعف المنطق والفهم أنْ يحتجَّ بها محتج. فهي حكايةُ قولٍ يخشى أنْ يقولوه، لا تسمية له باسم الصّحبة. أعوذ بالله من الخطل! ورحم الله العربَ ولسانهَم!
أما ما حاول الأستاذُ أن يجعله تحديدًا لمعنى الصحابي، وهو ثلاثة أرباع مقالِه، فأظنّني لم أفهمه، ولم أَدْرِ ماذا كان يريدُ أنْ يقول ثم أخطأَه، و أظنُّ أنه أراد أنْ يقول في كل ما كتب:أنَ الصّحابي هو الذي رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وسمعه و آمن به ولازمه ومات على إيمانه ولم يرتدْ. ولم يشهد له رسولُ الله بنفاقٍ أولم يُذْكَرْ فيه حكمٌ خاص من رسول الله. و هذا حق، إلا أنّ الأستاذ أدخلَ شرطَ الملازمة، وهو باطلٌ من وجوه كثيرة، لا أطيل بذكرها، و مع ذلك فإني أؤكِّدُ أنّ معاوية ممّن صاحَبَ رسولَ الله منذ رمضان سنة ثمان من الهجرة إلى أن توفّي بأبي هو و أمي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول من السنة الثانية عشرة من مهاجره الى المدينة. وأما أبوه أبو سفيان فقد ولاه صلى الله عليه وسلم نجران وصدقات الطائف، و رسول الله لا يولي منافقا!! و أما عمرو بن العاص، فلا أظنّ الأستاذ َيستطيع أن يُنكر هجرتَه ومصاحبتَه وبلاءَه في الإسلام، وأما هند فأسلمت يوم أسلمَ زوجُها أو بعده بيوم في سنة ثمان من الهجرة. و هجران الأستاذ لمعرفة تاريخ هؤلاء الأربعة، عادةٌ اكتسبَها من الكتب التي يقرؤها، كتب تُكتب بلا بيِّنة ولا حذر ولا معرفة. ولا أظن أني قرأتُ كلاما لم أفهمه، كالذي قرأتُه في مسألةِ الصّحابة، و إنْ كان الأستاذ بالطبع يظنُّ بكلامه غيرَ ما أظنُّ، و لكني أنصحه مرة أخرى أنْ يلتمِسَ العلمَ في كتب من يُلتمَس عندهم العلم. وإذا كان يَخشى على دينه –و معذرة ارتداء مسوح الوعظ والإرشاد ـ فليأخُذْ أمرَ دينِه عن ثقة في تمييز الصّحيح من الزيف، والحق من الباطل، و ليدعْ أصحابَ الأهواء حيث رضوا لأنفسهم منازلَهم من مزالق الهوى. وليستغفِرْ ربهَّ من الكلمة الكبيرة التي قالها حميةً لصاحبِه وَغضبا أنه "قد يوجد في القرن العشرين من هم أفضلُ بكثيرٍ من بعض من عاصروا الرسولَ العظيم».والظاهر أنّ الأستاذ لا يعيشُ في هذا القرن العشرين عيشة العارِفِ البصير. و الظاهر أيضا أنه يحتاج إلى معرفةٍ كثير مما خفي عليه من شؤون أصحابِ رسول ِالله صلى الله عليه وسلم، و مِنْ أمرِ دينِ الله الذي أكمله للمؤمنين، و أتمَّ عليهم نعمتَه ورضيه لهم ولنا دينًا. و نصيحة أخرى إلى الأستاذ أن يضع عن يده عبء القلم، فإنه ثقيل ثقيل. ولولا الحياء من أنْ أتركَ كلامَه و منطقَه في الكتابة بلا مجيب، لخففتُ عنه ثقلَ الكتابة، و ثقل الفكر، و ثقل القلم جميعا، بالصّمتِ عما جاء به ودهوره في أمورٍ قلّتْ معرفتُه بها، ويعجز فكرُه عن معاناتها.والسلام."


أصل المقال المنقول ضعيف من ناحية التنسيق في جل أجزائه ، وقد أتعبني بعض الشيئ .وسأكمله إن شاء الله بعد الإنتهاء من تنسيقه مجددا على جهازي الخاص

كما أرجو من الإدارة تغيير عنوان المشاركة من "نقل السجال الفكري بين شاكر وقطب للعظة والعبرة!!"
إلى هذا العنوان : " السجال الفكري بين شاكر وقطب للعظة والعبرة!!"..


التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاوية كمال الجزائري ; 09 Aug 2010 الساعة 11:31 PM
رد مع اقتباس