عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 05 Mar 2021, 12:13 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي





القصة الثالثة:

قصة موسى عليه السلام مع الخضر

والخضر للعلماء فيه أقوال: هل كان نبيا أم كان وليا صالحا أجرى الله على يده كرامات؟ أقوال لأهل العلم.

سئل موسى عليه السلام كما في صحيح البخاري: ( أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟)، فقال موسى عليه السلام : (أَنَا)، فأراد الله –جل وعلا- أن يبتليه، وأن يعلّمه وفي إعلامه له إعلام لنبي إسرائيل، وإعلام لأتباع الأنبياء أهل الإسلام إلى قيام الساعة، قال الله –جل وعلا- له: (بَلَى، لِي عَبْدٌ بِمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ)، وهو الخضر، قال موسى عليه السلام : (أَيْ رَبِّ وَمَنْ لِي بِهِ؟)، أي: وما علامة ذلك، قال (تَأْخُذُ حُوتًا، فَتَجْعَلُهُ فِي مِكْتَلٍ، حَيْثُمَا فَقَدْتَ الحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ)،(16) فالعلامة فقدان الحوت، والقصة كما تعلمونها، فنسيا الحوت {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا * فَوَجَدَا عَبْدًا مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْمًا}[الكهف:64، 65]،
موسى فهم أنّ هذا هو المقصود، قال له موسى عليه السلام : {هَلْ أَتَّبِعُكَ} ولاحظ أنّ العالم يتواضع، وهذا نبي من أنبياء الله وكليم الله، قال للخضر وهو لا يعلم مَن هو الخضر، بل قال الله له: (بَلَى، لِي عَبْدٌ بِمَجْمَعِ البَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ)، قال له: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَن تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا}[الكهف:66-68]، دائما الذي لا يصبر على الأشياء الذي ليس لديه معلومات كافية، بل يرى شيء حدث لا يحيط به، فيصبح يحكم عليه من الزاوية التي نظر إليها هو بحد علمه، وفي قصة موسى عليه السلام مع الخضر أبلغ درس في الابتلاء في هذا النوع، وخاصة لأهل هذا الزمان الذين يحكمون على الأشياء بظواهرها وهم لا يعرفون حقائق الأمور ولا مآلتها ولا عواقبها،

{وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا} تذكّر موسى عليه السلام أنّه قال: أنا أعلم أهل الأرض، فلم يقل: ستجدني صابرًا، خشي أن يحرم حتى الصّبر، بل قال: {سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَن شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانطَلَقَا} فـخرق السفينة، وقتل الغلام، والجدار بناه، في أول موضع ذكر الخضر موسى فقال: {أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا}[الكهف:72]، وفي الموطن الثاني غلظ العبارة على موسى عليه السلام فقال:{أَلَمْ أَقُل لَّكَ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا}[الكهف:75]، زاد (لَّكَ)، وفي الثالثة قال:{هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا} [الكهف:78]، ثم بيَّن له فظهر فضل علم الخضر على علم موسى ابتلاء لنا جميعا، في أنّ المرء مهما كان عنده من معلومات فلا يغترّ بأنّه علم كل شيء، وهذا خاصة لأهل العلم، وأهل الشهادات والذين يتابعون اليوم القنوات والمواقع يظن أنّ ما يقرأه هو كل شيء في الدنيا،
لا، هناك شيء تتطلع عليه، وهناك شيء لم تتطلع عليه، وهناك شيء تعلمه بالقراءة، وهناك شيء لا يمكن أن تعلمه إلاّ بعمر وسنين في فهم الأمور على حقيقتها، ولذلك موسى عليه السلام اعترض على الخضر، لأنّه ليس عنده علم الخضر، قال: {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا}[الكهف:71]، اعتراض، أنكر عليه، ولكن الصواب مع مَن؟ الصواب مع الحكمة، وليس مع ظاهر الأمر،
الخضر خرق السفينة وكانت لمساكين يعملون في البحر، وموسى عليه السلام أنكر عليه، ولكن الصواب مع مَن؟ ابتلي موسى عليه السلام هنا بالعلم بظواهر الأمور، ولكن الصواب كان مع من معه الحكمة والعلم الإلهي في ذلك، وليس هذا خاص بـالعلم الإلهي أو اللادنيا ولكن أيضًا الحكمة والعلم والتجارب في منازعة الصغير للكبير، أيضًا في الغلام قال:{أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَّقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُّكْرًا}[الكهف:74]، وفي الجدار قال: {لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}[الكهف:77]، يعني: لا يضيفونكم
ولا يكرمونكم ولا يعطونا ثم تبني لهم جدارًا، ظاهر الأمر أن العطاء ببناء الجدار أعطى، الخضر بنى لهم جدارًا يريد أن ينقض فأقامه، فهذا غريب، هم أبوا أن يضيفوك وأنت تبني لهم جدار؟!!
هذه فيها الفرق، لابد أن تكون صاحب تأمل وحكمة، الفرق ما بين الظواهر والحقائق، فهناك فرق بين الظواهر والحقائق. فـلا تغتر دائما بالظواهر سلبا أو إيجابا حتى توافق الحقيقة، ولذلك أجابه عن الأسئلة حتى قال له في آخرها: {ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا}[الكهف:82]،

قال أحد كبار أهل العلم في هذه القصة وهو ابن الوزير في كتابه (إيثار الحق على الخلق) : (17)

تَسَلَ عَن الْوِفَاق فَربِنَا قَدْ***حَكَى بَين الْمَلائِكَة الخِصَامَا
كَذَا الْخضر المكرم والوجيه المكلم***إِذْ ألم بِهِ لماما
تكدر صفو جَمعهمَا مرَارًا***فعجل صَاحبُ السِّر الصَّرَاما
ففارقه الكليم كليم قلب***وَقد ثَنَا على الْخضر الملاما
وَمَا سَبَب الْخلاف سوى اخْتِلاف***الْعُلُوم هُنَاكَ بَعْضًا أَو تَمامًا
فَكَانَ من اللوازم أَن يكون الإلهُ*** مُخَالفا فِيهَا الأناما
فلا تجهل لها قدرًا***وخذها شكورًا للذي يحيي الأناما

قوله: (تكدر صفو جَمعهمَا مرَارًا) يعني: اعتراضات موسى على الخضر تكدر الصفو.
قوله: (فعجل صَاحب السِّرّ الصَّرَاما)، يعني: الخضر عجل الصرام فقال: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ}[الكهف:78]، لقد انتهينا، تكفي ثلاث اعتراضات.
قوله: (ففارقه الكليم) يعني: موسى عليه السلام .
قوله:
وَمَا سَبَب الْخلاف سوى اخْتِلاف الْعُلُوم هُنَاكَ بَعْضًا أَو تَمامًا

يعني: لماذا يختلف اثنان، هذا يعاند هذا، وهذا يختلف مع هذا، الولد يقول لأبيه كذا، والأب يقول له: لا، اعمل كذا فإنّ المصلحة في كذا، وهو يقول: لا، فسبب الاختلاف: أنّ الصغير أو صاحب المعلومات الأقل أو صاحب المعلومات غير الرصينة لا يملك القدرة على اتخاذ القرار الأصوب، لأنّ اتّخاذ القرار الأصوب هو مبني على مجموعة أمور منها: مجموعة معلومات متنوعة، متعددة المصادر، ومتعددة المصالح، متعددة الرؤيا للحاضر وللمستقبل، قال الشيخ الحافظ ابن الجوزي: (كان شيخنا أبوعبد الله يقول: لَوْ سَكَتَ مَنْ لا يَعْلَمُ سَقَطَ الِاخْتِلافُ)،(18)، ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (الْعَلْمُ نُقْطَةٌ كَثَّرَهَا الْجَاهِلُونَ)،(19)يعني: لو سكت الذين لا يعلمون لقلّ الخلاف، ولكن ما الذي يكثر الخلاف؟ الذين لا يعلمون، يأتي أناس ويعجب بنفسه، ويقول ويقول وينقد ويفتي وهو علمه محدود، ولكن ابتلى الله الناس بوجود هذا النوع، فلابد أن يعالجوا بالعلم، أن يعالجوا بالرد المحكم بالحكمة، واليقظة كما علمتنا هذه الآيات في الابتلاء في الاختلاف في المعلومات، لذلك هناك واحد يحكم على الأشياء وهو يرى بهذا الشكل فـرؤيته محدودة، وآخر يرى أوسع، فلابد أن يقدر في حس المسلم حجم علمك، وحجم علم العالم، أو علم القيادة، أو علم ولي أمرك، أو علم صاحب العلم.
ففي قول الشاعر هنا:

وَمَا سَبَب الْخلاف سوى اخْتِلاف الْعُلُوم هُنَاكَ بَعْضًا أَو تَمامًا

نلحظ ملحظ آخر:

يعني قد يكون جاهلا ويعاند عالما، وقد يكون لا بل جهل بعضا، ولكن ليس عنده علم بكل شيء، فهو عنده معلومات ويتحمس لها ويريد ويريد، ولكن في النهاية أنت ابتليت بذلك، وابتليت الناس بهذا الأمر.

فإذًا مَن ابتلي بقلة علم، فعليه أن يعلم حجم نفسه فلا يتكلم إلاّ بما يعرف ويدين لذي الفضل بفضلهم، ولذي العلم بعلمهم، ولذي الرأي برأيهم، ولذي الحكمة بحكمتهم، ولذي القيادة بقيادتهم؛ ولذلك جاء النبي صلى الله عليه وسلم فحذرنا في آخر الزمان من فتنة، هذه الفتنة قال فيها صلى الله عليه وسلم:(وَإِعْجَابُ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ)،(20) لا أحد يسلم لأحد، اثنان يكونون ضد واحد في الراي، ثم يختلفون ويصبح لهم رأيان ويصير كل واحد ضد الآخر، هذا خلاف ما أمر الله به من الاجتماع في العلم؛ ولذلك جاء في القرآن في وصف هذه الأمة: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ}[الشورى:38]، المهم أن لا يكون عندك أثرة في الرأي وإعجاب كل ذي رأي برأيه، اليوم ظاهرة بداية لهذه الفتنة العظيمة أن يعجب كل ذي رأي برأيه وبخاصة مع هذه القنوات التي تتيح للإنسان في وسط بيته أن يكتب رأيه ويتفاخر يقول: أنا لي ألف متابع، لي ألفين.. وهكذا، أنت ابتليت فليس الصواب بكثرة المتابعين، الصواب هل أنت على حق أم لا، فأعظم شيء أن لا تنظر في الليالي ذوات العدد إلى تكثير من يتابعك، أو تكثير من يمشي معك في موقعك أو في حساباتك، الذي تسعى لذوات العدد محاسبة بينك وبين الله هل أنت على صواب أم لا، هذا الابتلاء العظيم الذي دلتنا عليه هذه الآيات.
قال هنا:
فَكَانَ من اللوازم أَن يكون الإلهُ*** مُخَالفا فِيهَا الأناما
فَلَا تجْهَل لَهَا قدرا وخذها****شكُورًا للَّذي يحيى العظاما

من اللّوازم إذًا أن لا تعترض على قدر الله، يأتي واحد ويقول: لِمَ أنا هكذا، فقد ابتلاني الله أنا قصير وفلان طويل، أنا فقير وفلان غني، أنا ابتلاني الله فقد تزوجت وطلقت وأعيش في نكد .. إلى آخره، لا تنظر إلى أفعال الله فيك، لأنّ أفعال الله فيك لاتعلم حكمتها، ولكن انظر إلى ما يجب عليك في فعل الله فيك، ليجب عليك ما هو، لأنّ هذا هو النجاح في الابتلاء، ولكن الاعتراض لا، فعلمك محدود، وعلم الله –جل وعلا- كلي وجزئي والله بكل شيء عليم، قال:
فَكَانَ من اللوازم أَن يكون الإلهُ*** مُخَالفا فِيهَا الأناما

أكيد أنّ هناك أشياء من قدر الله –جل وعلا- لن تفهمه، لأنّ علم الناس جميعا في علم الله تعالى هو كمخيط إبرة غرزت في البحر فخرج منها قليل ماء، فهذا هو العلم الذي بيننا جميعا، ولكن علم الله –جل وعلا- واسع واسع،{وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}[البقرة:247]، سبحانه وتعالى.

إذًا كن مع القدر ومع القضاء في التسليم له والنظر فيما يجب عليك فيه، لاالاعتراض عليه، لأنّ المعترض على القدر هو معترض على الله -جل وعلا-، وكذلك المعترض على القدر يدخل فيه الحاسد، قال صلى الله عليه وسلم: (إِيَّاكُمْ وَالْحَسَدَ، فإنّ الْحَسَدَ يَأْكُلُ الْحَسَنَاتِ كما تَأْكُلُ النَّارُ الْحَطَبَ)،(21)

لماذا الحسد يأكل الحسنات؟ لأنّ حقيقة الحاسد أنّه يحسد فلانا لما أعطاه الله إياه، الله هو المعطي هو المفضل سبحانه، فضّل بعض الناس على بعض، بل فضّل بعض النبيّين على بعض، قال تعالى:{وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ}، فتن الله الفقير بالغني، والغني بالفقير، والصحيح بالمريض، والمريض بالصحيح، والملك بالشعب، والشعب بالملك، والناس جميعا بعضهم ببعض، {أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا}[الفرقان:20].



الصور المرفقة
نوع الملف: jpg قصة موسـى والخضر.jpg‏ (27.7 كيلوبايت, المشاهدات 953)
نوع الملف: png لله في شرعة الأقدار حكمة.PNG‏ (41.2 كيلوبايت, المشاهدات 1078)
رد مع اقتباس