عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 07 Jan 2018, 10:55 AM
عبد القادر شكيمة عبد القادر شكيمة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2015
الدولة: الجزائر ولاية الوادي دائرة المقرن
المشاركات: 315
افتراضي توجيه القراءات في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ [إبراهيم:46]



إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أمابعد:

فهذا بحث في توجيه قراءات قوله تعالى: ﴿وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ (إبراهيم:46)، فيها فوائد تفسيرية ولغوية وإزالة موهم التناقض بين القراءتين.
اختلاف القراء:
اختلف القراء في قراءة (لتزول) فقرأ الكسائي بفتح اللام الأولى ورفع الفعل بعدها (لَتزولُ)( 1)، وقرأ الباقون بكسر اللام الأولى ونصب المضارع بعدها(لِتزولَ) ( 2).
توجيه القراءتين:
- اختلف المفسرون ومن اعتنوا بتوجيه القراءات في توجيه قراءة كسر اللام الأولى ونصـب الثانية من ﴿ لِتَزُولَ ﴾ في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ﴾ على أقوال:
القول الأول: أن (إن) نافية واللام من ﴿ لِتَزُولَ ﴾ لام الجحود، والمعنى على هذا: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال. وهو قول جمهور المفسرين واللغويين( 3).
والمعنى على هذا التوجيه: ما كان مكرهم ليزول به أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمر دين الإسلام وثبوته كثبوت الجبال الراسية( 4).
القول الثاني: أن (إن) شرطية، واللام من ﴿ لِتَزُولَ ﴾ لام كي؛ أي وعند الله جزاء مكرهم وهو مكر أعظم منه وإن كان مكرهم لشدته معدا لأجل زوال الأمور العظام المشبهة في عظمها بالجبال، كما تقول: أنا أشجع من فلان وإن كان معدا للنوازل. وهو قول ابن هشام الأنصاري(5 )، وذكره السمين الحلبي(6 ).
القول الثالث: أن (إن) بمعنى (لو)، أي ولو كان مكرهم لتزول منه الجبال لم يبلغوا هذا ولن يقدروا على الإسلام، وقد شاء الله تبارك وتعالى أن يظهره على الدين كله. وهو قول النحاس( 7).
القول الرابع: أن (إن) مخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة، والمعنى: تعظيم مكرهم، وزوال الجبال مثل لعظم مكرهم وشدته، أي: وإن الشأن كان مكرهم معدا لذلك. وهو قول ذكره "البـغوي وابن عطية والقرطبي وأبو حيان والسمين الحلبي والبناء الدمياطي والشوكاني وآخرون"(8 )

- واتفقوا في توجيه قراءة الكسائي (فتح اللام الأولى ورفع الثانية) على أن (إن) مخففة من الثقيلة، واختلفوا في المعنى على خمسة أقوال:
القول الأول: أي: مكروا مكرا عظيما كادت الجبال تزول منه( 9).
القول الثاني: المعنى: إن مكرهم وإن عظم حتى بلغ محلا يزيل الجبال لم يقدروا على إزالة أمر محمد صلى الله عليه وسلم، لأن الله عصم ووقى. وهو قول ابن جزي( 10)، وذكره البغوي( 11).
القول الثالث: المعنى: إنهم مكروا ليزيلوا ما هو كالجبال الثابتة ثباتا وتمكنا من آيات الله تعالى, وشرائعه، وذلك محال. وهو قول "البناء الدمياطي ومحمد المظهري"( 12)
القول الرابع: أي: هو مكر عظيم لتزول منه الجبال لو كان لها أن تزول، أي جديرة، فهو مستعمل في معنى الجدارة والتأهل للزوال لو كانت زائلة. وهو قول ابن عاشور( 13).
القول الخامس: وإن كان مكرهم تزول منه الجبال فى المثل وعند من لم يؤمن. وهو قول أبي عبيدة( 14).

الجمع بين القراءتين:

لم أجد من جمع بين القراءتين مزيلا موهم التناقض بين النفي والإثبات في القراءتين إلا ابن الحاجب والسمين الحلبي وأبا شامة.
أما ابن الحاجب فقال: (( والجمع بين القراءتين، مع أن النفي والإثبات فيهما تواردا على صورة واحدة. ولا يستقيم تناقض القراءتين عندنا لأنهما ثابتتان بالتواتر، فكلاهما مقطوع به، فلا بد من التأويل. فمعنى قراءة الكسائي: إثبات أن مكرهم عظيم تزول منه الأمور العظيمة التي لا تبلغ مبلغ المعجزات كالقرآن ونحوه.
ومعنى قراءة الجماعة: نفي أن مكرهم تزول منه المعجزات العظام كالقرآن ونحوه لثبوتها واستقرارها كاستقرار الجبال.
فالجبال على قراءة الكسائي: الأمور العظام التي لم تبلغ مبلغ المعجزات. والجبال على قراءة الجماعة: المعجزات العظام كالقرآن ونحوه. وعلى هذا التأويل لم يجيء النفي والإثبات باعتبار واحد. وإذا لم يكونا باعتبار واحد فلا تعارض بين القراءتين. والله أعلم بالصواب. ))(15 )
ووافقه أبو شامة (16 ).
وأما السمين الحلبي فخالفهما بقوله: (( فأما القراءة الأولى ففيها ثلاثة أوجه، أحدها: أنها نافية واللام لام الجحود؛ لأنها بعد كون منفي، ... الوجه الثاني: أن تكون المخففة من الثقيلة... والثالث: أنها شرطية، وجوابها محذوف، أي: وإن كان مكرهم معدا لإزالة أشباه الجبال الرواسي، وهي المعجزات والآيات، فالله مجازيهم بمكر هو أعظم منه.
وقد رجح الوجهان الأخيران على الأول وهو أنها نافية؛ لأن فيه معارضة لقراءة الكسائي، وذلك أن قراءته تؤذن بالإثبات، وقراءة غيره تؤذن بالنفي. ))( 17)

الـنـتـيـجــة:

الذي يظهر لي – والله تعالى أعلم – أن في توجيه قراءة الجمهور (كسر اللام الأولى ونصب الثانية) ﴿ لِتَزُولَ ﴾ يترجح القول الأول، وهو أن (إن) نافية واللام لام الجحود، أي: وما كان مكرهم لتزول منه الجبال، والمقصود بالجبال محمد صلى الله عليه وسلم ودينه؛ وذلك لأنه القول الذي سلم من التقديرات المختلفة كما في القول: أن (إن) مخففة من الثقيلة. فقد تعددت المعاني واختلفت.
أما في توجيه قراءة الكسائي فيضطرنا إلى القول بأن (إن) مخففة من الثقيلة، ويترجح المعنى الذي تضمنه القول الثاني وهو: إن مكرهم وإن عظم حتى بلغ محلا يزيل الجبال لم يقدروا على إزالة أمر محمد صلى الله عليه وسلم، لأن الله عصم ووقى؛ لأن هذا المعنى قريب من معنى القراءة الأولى.
أما في الجمع بين القراءتين فيترجح قول ابن الحاجب، ويتضح ذلك في أن مكر الكفار وإن عظم حتى بلغت عظمته لإزالة الجبال، فإن مكرهم لا يقوى على إزالة دين محمد وشرعه لأن الله حاميه وناصره.
هذا ما تيسر جمعه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــ
(1 ) ينظر:كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد:(ص363)،المبسوط في القراءات العشر لأبي بكر الأصبهاني: (ص257)،النشر لابن الجزري:(2/300)،غيث النفع للصفاقسي:(ص159)،البدور الزاهرة لعبد الفتاح القاضي:(ص174).
(2 ) ينظر:كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد:(ص363)، الحجة للقراء السبعة للفارسي:(5/31)،المبسوط في القراءات العشر لأبي بكر الأصبهاني:(ص257)،النشر لابن الجزري:(2/300)،غيث النفع للصفاقسي:(ص159)،البدور الزاهرة لعبد الفتاح القاضي:(ص174).
(3 ) ينظر:معاني القرآن للفراء:(2/79)،مجاز القرآن لأبي عبيدة:(1/345)،معاني القرآن وإعرابه للزجاج:(3/81)،الحجة في القراءات السبع لابن خالويه:(ص204)، معاني القراءات للأزهري:(2/64)،الحجة للقراء السبعة للفارسي: (5/31)،بحر العلوم للسمرقندي:(2/248)،تفسيرالسمعاني:(3/124)،تفسيرالبغوي:(4/360)، المحررالوجيز لابن عطية: (3/346)، تفسير القرطبي:(12/164)،التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي:(1/413)،التحرير والتنوير لابن عاشور: (13/250)...
( 4) ينظر:معاني القرآن وإعرابه للزجاج:(3/81)،معاني القراءات للأزهري:(2/64)،الحجة للقراء السبعة للفارسي:(5/31)،بحر العلوم للسمرقندي:(2/248)،تفسير السمعاني:(3/124)،المحرر الوجيز لابن عطية: (3/346)،التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي:(1/413)...
( 5) ينظر:مغني اللبيب لابن هشام:(ص209).
( 6) ينظر:الدر المصون للسمين الحلبي:(7/126).
( 7) ينظر:معاني القرآن للنحاس:(3/542).
( 8) ينظر:تفسيرالبغوي:(4/360)،المحررالوجيز لابن عطية:(3/346)،تفسيرالقرطبي:(12/164)،الدرالمصون للسمين الحلبي: (7/126)،إتحاف الفضلاء للبناء الدمياطي:(ص344)،فتح القدير للشوكاني:(3/140).
(9 ) ينظر:معاني القرآن للفراء:(2/79)،الحجة للقراء السبعة للفارسي:(5/32)،تفسير القرطبي:(12/164).
( 10) ينظر:التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي:(1/413).
(11 ) ينظر:تفسير البغوي:(4/360).
(12 ) ينظر:إتحاف الفضلاء للبناء الدمياطي:(ص344)،تفسير المظهري:(5/281).
( 13) ينظر:التحرير والتنوير لابن عاشور:(13/250)
(14 ) ينظر:مجاز القرآن لأبي عبيدة:(1/345).
( 15) أمالي ابن الحاجب:(1/260-261).
(16 ) ينظر: إبراز المعاني من حرز الأماني لأبي شامة:(ص553).
(17 ) الدر المصون للسمين الحلبي:(7/126-127).


التعديل الأخير تم بواسطة عبد الله سنيقرة ; 07 Jan 2018 الساعة 11:59 AM
رد مع اقتباس