عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 05 May 2015, 01:26 PM
أبو عبد الرحمن أسامة أبو عبد الرحمن أسامة غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Oct 2011
المشاركات: 509
افتراضي

قال فضيلةُ الشّيخ العلاّمة مُحمّد بن هادي المدخليّ -حفظهُ اللهُ-:

فتتمَّة لحديثنا الذي تقدَّم في لقائنا الماضي يوم الأربعاء، في الكلام على ما سمعتم في الرَّد على من كان على جادَّةٍ ثم انحرف، والاعتراض على من قام في ذلك مُحَذِّرًا من انحرافِه، وناصِحًا للنَّاس، والاعتراضِ عليه بأنّه لا ينبغي ذلك له، وأنَّ هذا له سابِقَة ونحو ذلك من الأعذارِ التي في الحقيقة هي تثبيطٌ لأهل الحقّ،ِ ودعوة إلى إضلال الخَلْق، إذ بالسُّكوتِ عن الباطل ولاسِيَّما إذا كان ممن يُنْظَر إليه، أو يُقتدى به ونحوِ ذلك؛ يِستلزمُ هذا أنْ يسرِيَ الباطل، والسُّكوتُ عليه وعدم الإنكار له، يُشْعِرُ بأنَّ ما قاله ذلك المُبْطِل حقًّا، وهذا في الحقيقة شرٌّ عظيمٌ وبلاءٌ جسيم، إِذْ يترتَّب على هذه المقولة التي يُعْتَذرُ بها لمن رَكِبَ الباطِل بعد أنْ كان على حقٍّ وخيرٍ واستقامةٍ؛ يترتَّبُ عليها أمورٌ عظيمةٌ، ويترتب عليها نتائجُ وخيمة، فمن ذلك:

.......

سابعًا: ألا وهو ما يحصل من تلبيس إبليس في هذا الجانب بجعلِ السُّكوت على الباطلِ من أسبابِ الدّعوة، وطرائِق الدّعوة التي يُكتسب بها الناس، فَجَعلوا هذا طريقًا أو أسلوبًا من أساليب الدعوة، ألا وهو كسبُ النّاس، وذلك بالسكوتِ على الباطِل، وهذا خِلاف ما جاءت به النصوص، بل ربّما أدّى ذلك إلى انحراف الساكِت نفسه إذا لم يُقابِل صاحب البطلان بالنكير والهجران، فإنَّ هذا يترتب عليه آثار فاسدة، وربّما جرَّ ذلك إلى انحراف الساكتِ نفسه - نسأل الله العافية والسلامة-.

وكنتُ قد أشرتُ فيما سبق في لقائِنا إلى كلام سماحة شيخنا ووالدنا شيخ الإسلام في هذا الزمان الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله- في هذا الصدد مما يحصل من الجفّوة بين بعض طلبةِ العلمِ وبعضِ مُعلّميهِم، إذا وقع الانحراف لدى بعض المعلمين، وها أنا اليوم جئتُ بالكتاب لأقرأه عليكم، والسبب في هذا لأنَّ بعض هؤلاء المُلبسين كما أشرت سابقًا يقولون دائمًا ويرددون هذه المقالة (هذا على خلاف طريقة شيخنا ابن باز)، (هذا خلاف منهج الشيخ ابن باز)، (هذا خلاف منهج الشيخ ابن عُثَيْمِين) وهكذا، وهذا فيه كذب على الشيخين يترتب عليه تغريرٌ بالعامّة، وخديعة لطلبة العلم القاصرين في هذا الجانب.

فهذا المجلد كما تَرَوْن السابع من فتاوى سماحة شيخنا - رحمه الله- في التوحيد وما يلحَقُ به، حيث سُئِل - رحمه الله تعالى- في هذا الجانب، قال: (نجد في هذا الزمان فجوة بين العلماء وبين طلاب العلم وعموم المجتمع، وهذه الفجوة تعتبر مشكلةً من المشكلات، فما هي الحلول التي تراها لهذه المشكلة؟)

اسمعوا الجواب؛ جواب العارِف الخبير والناقِد البصير، قال- رحمه الله-: (الفَجْوة تَنشأُ عَن انحرافِ الطالِب)، انحراف الطالب، طالب العلم ينحرف عن الطريقة التي عَلّمه إياها أستاذ السُّنّة، أستاذه في هذا الباب، يقول: (الفَجْوة تَنشأُ عَن انحرافِ الطالِب أو انْحراف العالِم الذي يُنسب إلى العلم)، إما أن ينحرف الطالب عن السُّنّة، تُريد الشيخ يسكت عليه؟ ما يجوز له، فلا بُدّ أن يُبِيِّنَ ذلكوهذا كثير، لكن العكس الجانبُ الآخر أو انحراف العالِم الذي يُنسبُ إلى العلِم، هذا قليلٌ مَن يتكلّم عليه، وذلك لخوفِ الطالِبِ وضعفهِ، ومُداهنة بعضُ من يُنسبُ إلى العلِم لذلك العالِم، لا يُريدُ أن يقولَ كلمةُ الحقّ، فكانَ الإضلالُ في هذه الصورةِ الثانية أعظّم وَأشد - اسمعوا بقية كلامه- يقول: (فإذا كانَ الطالِبُ رديئًا في الصلاة ونحنُ نذكر الذي لنا والذي علينا، ونُحيلُ على هذه الكُتب التي بين أيدينا، فمن وَقفَ على أنَّا كتمنا منها نصف حرفٍ واحد فليرفع ذلك)، يقول – رحمهُ الله-: (فإذا كانَ الطالِبُ رديئًا في الصّلاة، أو يتظاهر بالمعاصي أو بالعجلةِ والشدّة كَرههُ العلماء، وكرههُ الأخيار فلم يفرحوا بطلبه)، لأن هذا سُبّة على أهل العلِم، سيكونُ شؤمًا، وكذلك العالِمُ الفاسِق، والعالِمُ المُعرِض يكرههُ الطلبة الطيّبون، إذا أعرضَ عن السُّنّة، وذَهَبَ في ميدان البِدعة، أعرضَ عن الاستقامِة وذهبَ في ضدّها، كرههُ طلبة العلِم الطيّبون والمُجتهدون في الدّعوّةِ إلى الخير، والراغبونَ في الأجر فيكونُ بينهم فجوة.

أمَّا العُلماء الصَّالحون، والطُلاب الصالحون فليس بينهم فجوةٌ أبدا، بل بينهم التعاون الصادِق في كُلّ خير ولكنَّ الفجوةَ بين المنحرف الذي يدّعي العلِم وهو مع الفُسَّاقِ ومع المُدخنينَ وشُرّابِ الخمرِ ومع المنحرفين عن الصَّلاة وأشباهِ ذلك، فمن يُحبُّ هذا، ومن يقبلُ منه وهذه أخلاقه، فهو يحتاجُ إلى دعوةٍ ونصيحةٍ وعنايةٍ وصبرٍ ومُصابَرَة حتى يستقيم، فالفجوة جاءَت من جهتهِ هو الذي بَعُد بأقوالهِ وأعمالهِ عَن أهل العلِم، وسيرتهِم الحميدة.

والعالِم الذي لا يُمثّلُ علمهُ بالتقوى والسيرةُ الحميدة، بل هو مع الخُرافيين ومع عُبّاد القبور ومع الخَمَّارينَ ومع أشباههم ليسَ بعالِم، ولا يستحقُ التقدير، بل يستحقُّ أن يجفوهُ أهل العلم النافع، والطلبةُ الصالِحون حتى يرجعَ إلى الحقّ، ويستقيمَ مع أهل الحقّ، الذي يكون مع أهل الفِسق والفجور لا خيرَ فيهِ.

وهكذا الذي يكون مع الخُرافيين، مع أهل الأهواء والبِدع، مع الصوفية وأمثالِهِم المُخرّفين، وهكذا مع أهل الضلال من مُتَجّهمة ومُعتَزِلَة وغيرِهِم، وهكذا مع رؤوس الخوارِج، ومن دُعاة الخوارِج، ويمشي مع الإخوان المسلمين، ويمشي مع التبليغ أهل الضلال وأمثالِهِم كثير- لا كثرهُم الله- أهلُ البِدع كثير، صنوفٌ شتّى فكيفَ إذا كانَ يعتذرُ لهم ويهوِّنُ من شأنهم ويلتمسُ لهم المخارِج، هذا يجب على طلبتهِ أن يقوموا لهُ بحقّ الله من النصيحة، فإن قَبِل فالحمد لله، وإن لم يقبَل فهو هو الذي فعلَ بنفسهِ ذلك، فيستحقُ أن يجفوَهُ طلبة العلِم الصالِحون، حتى يَرْجِع إلى الحقّ ويَستقيمَ مع أهل الحقّ.

ثُمَّ قالَ-رحمهُ الله-: ( وَلا شَكّ أنَّ طلبة العلِم يمقتونهُ، ولا يفرحون بقُربهِ لِسوءِ سيرتهِ، بل تسرّهُم الفجوة التي تكونُ بينهم وبينه لعدمِ الفائدةِ منه ولضررهِ على المُجتمع، وعلى طلبة العلِم فهو بحاجةِ إلى أن يُدعى إلى الله ويُنصَح حتى ينفعهُ علمهُ، وحتى ينفع النّاس أيضا) إلخ.

فمَن أرادَ الحقّ فهذا هو كما سمعتم، وهكذا من يقومُ المقام الذي يضلُّ بهِ النّاس، يكون مع علماء السوء مع الجهميّة والمُعتَزِلَة وأشباهِهم، يتمَحّلُ لهم ونحوِ ذلك، هذا لابُدّ أن يوقَفَ منهُ الموقف الحقّ في هذا.

يقولُ فيهِ الشيخ - رحمهُ الله-في نفس الباب حينماسُئِل ما معنى قولِكَ-حَفِظَكَ الله- (على طالِب العلِم أن يجتهِد)، وهل كُلُّ واحدٍ منّا مُهيّأ لذلك؟ وما موقفنا من مذاهب الأئمة الأربعة التي انتشرت في البلاد وبين العباد وقَلدّها الكثيرُ في كُلِ مكانٍ وزمان؟
استمرّ في الجواب إلى أن قال: ( فطالِبُ العلِم يعرفُ قدرَ من قبلهُ) - يعني العلماء- (وما ألّفّوا وما جَمَعوا، ويَعرِف نُصحهم لله ولعبادهِ ويستفيدُ من كلامهم، وليسَ معناهُ أنّهُ يُقلِدهم في الحقّ والباطِل، بل يعرفُ الحقّ بدليلهِ، قالَ مالِكٌ - رحمهُ الله-ما منّا إلا رادّ ومردود عليه)، إلخ، (وقالَ الشافعي - رحمهُ الله-أجمعَ الناس على أنهُ مَن استبانت لهُ سُنةُ رسول الله- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يَكُن لهُ أن يدعها لقولِ أحدٍ مِن النّاس)

وقال- رحمهُ الله-: ( إذا قُلتُ قولًا يُخالِفُ قول رسول الله فاضربوا بقولي عَرْضَ الحائِط) واستمرَ فيهِ هذا الكلام إلى أنَّ قال: (وهكذا قالَ غيرهم من الأئمة كُلُّهم نصحوا النّاسَ وأَوصوهم باتبّاعِ الأدلةِ الشرعيّة) إلى أن قال: ( هذا هو موقف العلماء المُعتبرين، وهذا هو موقف طالب العلِم منهم، حتى ينشأَ على أخلاقِهِم في تقديمِ قول الله، وقولِ رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وترجيحِ الراجِحِ بالأدلّة، واحترامِ العُلماء ومعرفةِ أقدارِهِم والتَرضي عنهُم والترحُم عليهم، أما عُلماء السوء من الجهميّةِ والمُعتَزِلةِ وأشباهِهم، فهولاءِ يجب أن يُمقتوا).

إنسان يكتب كتاب كامِل في الدفاع عن المُعتَزِلَة والجَهميّة ويُوصَف بأنهُ عالِم وعلم من أعلام السُّنة وهو يذّم علماء الحديث قاطبة ويمدحُ جَهْمًا ويعتذرُ له!
ويمْدح عمرو بن عُبيد ويعتذِرُ له في كتابهِ، ويُسْمِيه هكذا - بِكُلِ بجاحة- (تاريخُ الجهميّة والمُعْتَزِلَة)، وبعدُ ذلك يُعتَذرُ عن هذا ؟!
والله هذا هو الضلالِ المُبين، ولئِن سكتنا عنه فذلك هو الخُسران المُبين، ولئِن سكتنا عن صاحبهِ وقائِلِه فذلك هو الضلالُ المُبين، ولئِن سكتنا عمّن يُحسِّن له، أو يُبرّر له أو يُزينهُ للناس ويُظهرهُ في أعين النّاس بأنه عالِمٌ سُنِّي سلفيٌّ أثري قد ضللنا وما نحنُ إذن من المُهتدين، فيجب أن يُمقت هذا يقول الشيخ: ( يجب أن يُمقتُ ويُبغض في الله) هذا الأول تكرههُ، تُبغِضهُ في الله، تمقتهُ على صنيعهِ ، ( وأنّ يُحَذّر الناس من شَرّهِم وأعمالِهِم القبيحة، وعقائِدِهم الباطِلة نُصحًا لله ولعباده، وعملًا بواجِب الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكّر كما تقدّم ذكرهُ واللهُ الموفق).

اللقاء الحادي والأربعون من لقاءات طلبة العلم مع فضيلة الشيخ محمد بن هادي المدخلي والذي كان يوم الأحد 23 جمادى الثانية عام 1436هـ
تفريغ الإخوة في ميراث الأنبياء -جزاهُمُ اللهُ خيرًا-

(الرابط على موقع ميراث الأنبياء)

رد مع اقتباس