عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 09 Dec 2009, 11:49 AM
أبو إبراهيم خليل الجزائري أبو إبراهيم خليل الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2009
المشاركات: 379
افتراضي " طاعة الله و الرسول صلى الله عليه و سلم ضمان لحصول الأمن و الرزق " للشيخ حسن آيت علجت حفظه الله

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .


طَاعَةُ اللهِ وَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ
ضَمَانٌ لِحُصُولِ الأَمْنِ وَ الرِّزْقِ



للشّيخ حسن آيت علجت الجزائري - حفظه الله -



إنَّ الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له و أشهد أنَّ لا إله إلاَّ الله و حده لا شريك له و أشهد أنَّ محمدا عبده رسوله .

و بعد:

فإنَّ مماَّ قرَّره علماء الطبيعة و الأحياء، و علماء النفس و الاجتماع ، أنه ما من إنسان – بل ما من حيَّ- إلاَّ و هو بين حركتين: حركة يجلب بها ما ينفعه ، و حركة يدفع بها ما يضرَّه (1) ، فالحيتان في بحارها و محيطاتها ،و السباع في آجامها ، و الطيور في أوكارها ، كلَّها بين هاتين الحركتين العظيمتين : جلب المنافع و تحصيلها و دفع المضار و تعطيلها.

أمَّا الإنسان ذلك المخلوق العجيب الذي كرَّمه الله تعالى ، كما قاله سبحانه :{و لقد كرَّمنا بني آدم و حملناهم في البرَّ و البحر و رزقناهم من الطَّيَّبات و فضَّلناهم على كثير ممَّن خلقنا تفضيلا} [الإسراء : 70] هذا الإنسان دائم السعي في جلب المنافع لنفسه في دفع المضارَّ عنها ، و هذا فطريَّ ضروري فطره ربَّه سبحانه عليه:{فطرة الله التي فطر النَّاس عليها لا تبديل لخلق الله} [الروم : 30] .

إذا تقرَّر هذا، فإنَّ أعظم مطلوب للعبد في هذه الحياة الدنيا شيئان اثنان هما : الأمن و الرزق ، و هما جماع مصالحه في معاشه ذلك أنَّه بالأمن يحصل دفع الضرر، و الرزق يتضمن حصول المنفعة و به استمرار الحياة.

من أجل ذلك فإنَّ الله تعالى كثيرا ما يمتنَّ على عباده بهاتين النعمتين الجليلتين و يذكَّرهم بها، و ذلك في مثل قوله تعالى: {فليعبدوا ربَّ هذا البيت الذي أطعمهم من جوع و آمنهم من خوف}[قريش : 3-4] وقوله سبحانه: {أولم نمكَّن لهم حرما آمنا يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنَّا}[القصص : 57] و قوله تعالى حكاية عن خليله إبراهيم عليه السلام :{ربَّ اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثَّمرات من آمن منهم بالله و اليوم الآخر}[البقرة : 129]، و في موضع آخر:{ربَّ اجعل البلد آمنا و اجنبني و بني أن نعبد الأصنام}إلى قوله تعالى {وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون}[إبراهيم : 35-37].

وفي مثل قوله تعالى أيضا:{أمَّن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرَّحمن إن الكافرون إلاَّ في غرور أمَّن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجَّوا في عتو و نفور}[الملك: 20-21] فذكر سبحانه هنا الرزق و النصر اللذين هما وسيلة لحصول الأمن ،فعبَّر بالوسيلة عن الغاية .

كما جعل النبيَّ صلى الله عليه و سلم أيضا هاتين النعمتين من أجلَّ النعم الدنيويَّة و أعظمها، فعن عبيد الله ابن محصن الأنصاري رضي الله عنه مرفوعا : " من أصبح منكم آمنا في سربه (2) معافى في جسده ،عنده قوت يومه فكأنَّما حيزت له الدَّنيا بحذافيرها " (3).

إذا عرف هذا ،فلعلَّك يا أخي تتساءل : ما هو السبيل إلى تحصيل هاتين النعمتين ،و ما هو الطريق الذي ينبغي سلوكه لنيلهما ؟

لقد بيَّن الله تعالى في كتابه الكريم أنَّ سبب الحصول على هاتين النعمتين هو طاعة الله و تقواه، والاستقامة على شرعه القويم و صراطه المستقيم.

ذلك بأن التقوى مجلبة للرزق ، دافعة للضَّر، قال تعالى : {و من يتَّق الله يجعل له مخرجا و يرزقه من حيث لا يحتسب}[الطلاق : 21-20] ، فمن اتَّقى الله تعالى بامتثال أوامره و اجتناب نواهيه دفع الله عنه المضرَّة بما يجعل له من المخرج – و هذا هو الأمن - و جلب له المنفعة بما ييسَّره الله من الرزق .

و من هنا جاء تقرير النبيَّ عليه الصلاة و السلام لهذا الأمر في الحديث الذي يرويه عنه سعد ابن أبي وقَّاص رضي الله عنه مرفوعا: " هل تنصرون و ترزقون إلاَّ بضعفائكم بدعوتهم وصلاتهم و إخلاصهم " (4) .

ومن ذلك أيضا قوله تبارك و تعالى:{و ألَّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا} [الجن: 12] ،أي : و لو استقاموا على طريقة الإسلام لأغدقنا عليهم بالأموال و الخيرات ، ووسَّعنا عليهم أرزاقهم و معايشهم، كما في القول الراجح لأهل االتفسير في هذه الآية (5).

وقال تعالى أيضا:{و لو أنَّ أهل القرى آمنوا و اتَّقوا لفتحنا عليهم بركات من السَّماء والأرض ولكن كذَّبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون}[الأعراف: 92] ، و قال تعالى في شأن أهل الكتاب :{و لو أنَّهم أقاموا التوراة و الإنجيل و ما أنزل أنزل أليهم من ربَّهم لأكلوا من فوقهم و من تحت أرجلهم}[المائدة :66]

و سرَّ هذه المسألة و حقيقتها أنَّ الله تعالى خلق الخلق لحكمة سامية و غاية جليلة ألا و هي عبادته وطاعته ، وضمن لمن فعل ذلك جلب الرزق له و دفع الضرَّ عنه ، فقال سبحانه :{و ما خلقت الجنَّ و الإنس إلاَّ ليعبدون ما أريد من رزق و ما أريد أن يطعمون إنَّ الله هو الرزَّاق ذو القوة المتين}[الذاريات : 56-58] ، فهو سبحانه رزَّاق يرزق عباده من فضله ، و ذو قوة متين ينصر عباده ويدفع عنهم الضَّر بقوَّته جلا و علا.

وفي هذا المعنى جاء قول النبي صلى الله عليه و سلم الذي يرويه عنه أبو هريرة رضي الله عنه : " إنَّ الله يقول : يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى و أسد فقرك ، و إلاَّ تفعل ملأت يديك شغلا و لم أسدَّ فقرك " (6).

بيد أنَّ العبد قد يخلَّ بالتقوى و يرتكب المعاصي و الذَّنوب ، و يفرَّط في جنب علاَّم الغيوب فشرع الله له التوبة و الاستغفار ، و الرجوع إلى العزيز الغفاَّر ، فيكون سببا لاستمرار حصول الرزق و وفور الخيرات ، و عموم البركات و دفع المخاوف و الكريهات ، قال تعالى :{و أن استغفروا ربَّكم ثمَّ توبوا إليه يمتَّعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمَّى و يؤت كلَّ ذي فضل فضله}[هود:3] ، وقال سبحانه و حكاية عن دلك العبد الصالح نوح عليه السلام :{استغفروا ربَّكم إنَّه كان غفَّارا يرسل السَّماء عليكم مدرارا و يمددكم بأموال و بنين ويجعل لكم جنات و يجعل لكم أنهارا} [نوح : 10-12] و قال سبحانه حكاية عن نبيه هود عليه السلام :{و يا قوم استغفروا ربَّكم ثمَّ توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا و يزدكم قوَّة إلى قوَّتكم و لا تتوَّلوا مجرمين}[هود :52] .

ففي قوله تعالى : {يرسل السماء عليكم مدرارا} إشارة إلى وفرة الأرزاق ، و في قوله :{ويزكم قوَّة إلى قوتكم} إشارة إلى النَّصر الذي هو من مسبَّبات القوَّة.

إذا تبيَّن أنّ طاعة الله و تقواه ، سبب لحصول الأمن و الرزق ، فإن المعاصي و الذنوب سبب لزوالها ، فقد قصَّ الله تعالى علينا في القرآن الكريم عن قرية أسبغ عليها نعمتين عظيمتين : أماَّ النعمة الأولى فهي الأمن و الاستقرار ، و أما النعمة الثانية فهي رغد العيش و وفرة الأرزاق ، و لكن بدل أن تشكر الله تعالى عليهما، قابلتهما بالكفر و الجحود ، وانهمكت في المعاصي و الذنوب ، فكان عقاب الله تعالى لها أن سلبها هاتين النعمتين و أبدل الخوف و الجوع عوضهما ، قال تعالى : {و ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كلَّ مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما كانوا يصنعون}[النحل: 121] .

و من ذلك أيضا قوله تعالى :{أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا و هم نائمون أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى و هم يلعبون} [الأعراف97- 98 ].

" فقوله: {و هم نائمون} يدل على كمال الأمن ، لأنَّهم في بلادهم و أنَّ الخائف لا ينام ، و في قوله :{ضحى و هم يلعبون} يدلَّ أيضا على كمال الأمن و الرخاء و عدم الضَّيق ، لأنَّه لو كان عندهم ضيق في العيش ، لذهبوا يطلبون الرزق و العيش ، و ما صاروا في الضحى في رابعة النهار يلعبون " (7).

هذا من جهة و من جهة أخرى فإنَّ الله تعالى قد أخبر أيضا أنَّه حرَّم على بني إسرائيل بعض الطيَّبات بعد أن كانت حلالا لهم ، قال تعالى:{كلَّ الطَّعام كان حلا لبني إسرائيل إلاَّ ما حرَّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزَّل التوراة} [آل عمران:93] ، ثمَّ ذكر سبحانه أنَّ تحريم هذه الطيَّبات عليهم كان سبب ذنوبهم و معاصيهم فقال سبحانه :{فبظلم من الَّذين هادوا حرَّمنا عليهم طيَّبات أحَّلت لهم و بصدَّهم عن سبيل الله كثيرا و أخذهم الرَّبا و قد نهوا عنه و أكلهم أموال النَّاس بالباطل}[النساء : 160-161] ثمَّ فصَّل سبحانه في موضع آخر ما أجمله هنا ممَّا حرَّمه بني إسرائيل ، و ذكر أنَّ ذلك كان جزاء ظلمهم و تعدَّيهم في حقوق الله و حقوق عباده (8) فقال جلَّ و علا : {و على الَّذين هادوا حرَّمنا كلَّ ذي ظفر و من البقر و الغنم حرَّمنا عليهم شحومهما إلاَّ ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم و إنَّا لصادقون} [الأنعام : 146].

هذا فيما يخص" الرزق " ، أماَّ فيما يخصُّ " الأمن " ( فقد أخبر الله تعالى عنهم أنَّهم لمَّا طغوا و بغوا سلَّط الله عليهم عدوَّهم فاستباح بيضتهم ، و سلك خلال بيوتهم ، و أذلَّهم و قهرهم ، جزاء وفاقا و ما ربَّك بظلام للعبيد و كانوا قد تمرَّدوا و قتلوا خلقا من الأنبياء و العلماء ) (9) ، قال الله تعالى :{و قضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدنَّ في الأرض مرتين و لـتعلنَّ علوا كبيرا فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلال الديَّار و كان وعدا مفعولا} [الإسراء : 4-5].

أمَّا هذه الأمَّة المحمَّدية المرحومة ذات الملَّة الحنيفيَّة المعصومة –على نبيها أفضل الصلاة و أزكى التسليم - ، فإنَّها و إن كانت لا تعاقب كلَّها بهذا ، أحلَّت لها الطيَّبات شرعا إلى يوم القيامة ، لأنَّ شريعة محمد صلى الله عليه و سلم لا تنسخ لأنه خاتم الأنبياء و المرسلين فلا نبيَّ بعده ، إلاَّ أنها قد تعاقب ظلمتهم و عصاتهم بهذا – أي بتحريم الطيَّبات – تحريما كونيَّا قدريَّأ لا تحريما شرعيا دينيَّا ، و كيف يكون هذا ؟ يكون هذا كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية (10) – بأن لا يوجد غيثهم فيصابوا بالقحط، أو تهلك ثمارهم و تفسد بالآفات و الجوائح ، فتنقص بذلك أرزاقهم ، و أنَّهم لا يجدون لذة مأكل ولا مشرب و لا منكح كما كانوا يجدونه قبل ذلك ، و تسلَّط قبل ذلك ، و تسلط عليهم الغصص ، و ما ينغَّص ذلك و يكدَّره ، حتى أنَّك تجد احدهم لا ينقصه شيء من متاع الدنيا و مع ذلك لا يجد لذَّة ولا طعما لأيَّ شيء منها ، لكثرة الهموم و المنغَّصات .

ومن تحريم الطيَّبات أيضا –قدرا- ارتفاع الأسعار و فشوَّ الغلاء ، فيعجز النَّاس عن شراء السلع الأرزاق ، فتصبح بذلك محرمة عليهم قدرا مع أنها محلَّلة لهم شرعا!

و في هذا المعنى جاء حديث النبيَّ صلى الله عليه و سلم الذي رواه أصحاب السَّنن عن أنس ابن مالك رضي الله عنه قال : غلا السَّعر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا :"يا رسول غلا السعر فسعَّر لنا " فقال : " إنَّ الله هو القابض الباسط المسعَّر ، و إنَّي لأرجوا أن ألقى الله و لا يطلبني أحد بظلمة ظلمتها إيَّاه في دم ولا مال " (11) .

ففي هذا الحديث ، طلب الصحابة من النبيَّ صلى الله عليه و سلم أن يلزم التجَّار في السوق بسعر معيَّن حتَّى يدفع عن الناس الغلاء ، فأخبرهم أنَّ الله تعالى هو الذي يرفع الأسعار ، فالغلاء و الرَّخص من الله تعالى ، و قد يكون بسبب ظلم العباد كما قال ابن تيمية (12) .

و هذا كلَّه من تحريم الطيَّبات الكونيَّ القدريَّ الناتج عن معاصي الخلق كما تقدَّم و الله تعالى أعلم.

و صلى الله و بارك و أنعم على نبيَّنا محمَّد و على آله و سلَّم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.







الحواشي :

(1) انظر:" فتاوى ابن تيمية"(99/19) .
(2) " بكسر السين – على الأشهر- أي في نفسه ، و روي بفتحها ، أي : في بيته " قاله المناوي في "فيض القدير"(88/6 ، ط: دار الكتب العلمية.
(3) حسن: رواه الترمذي ، و ابن ماجه و البخاري في "الأدب المفرد" (ص127).
عبرةَ! تأمَّل يا أخي في هذا الحديث ، وانظر كم منَّا قد جمعت له الدنيا ووضعت بين يديه و هو لا يشعر فضلا أن يشكر.
(4) صحيح : رواه النسائيَّ، و أصل الحديث في "صحيح البخاري"،انظر "الصحيحة"(779) "صحيح الترغيب"(حديث:5).
(5) انظر" تفسير ابن كثير " (4/431-ط:دار التراث) .
(6) صحيح: رواه الترمذي و ابن ماجه و أحمد ، انظر "الصحيحة"(1359) ، "صحيح سنن الترمذي " (2/300) " صحيح سنن ابن ماجة"(2/393).
(7) قاله الشيخ العلامة محمد بن عثيمين في "القول المفيد شرح كتاب التوحيد" (2/100،ط:3)
(8) انظر تفسير" الشيخ عبد الرحمن السعدي " (ص241 ، ط: مؤسسة الرسالة).
(9) قاله ابن كثير في "تفسيره" (3/25) .
(10) انظر " فتاوى ابن تيمية" (13/153)
(11) صحيح : أخرجه أبو داود ، ة الترمذي ، و ابن ماجه. انظر" غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال و الحرام " (حديث:323) .
(12) انظر "مجموع الفتاوى" (8/519-523) .




انظر مجلة " منابر الهدى " - السنة الأولى / العدد الثاني / 1421ه .

رد مع اقتباس