عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 19 Dec 2017, 08:19 PM
أبوشهاب حسان خالد أبوشهاب حسان خالد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Feb 2011
المشاركات: 64
افتراضي في حكم تشييخ الحدث.للشيخ محمد علي فركوس حفظه الله تعالى .

في حكم تشييخ الحدث


السـؤال:

قد كَثُرَ في هذا الزمانِ التلقيبُ بالشيخ على كُلِّ مَنْ تَصَدَّرَ للتدريس أو الدعوة ، حتَّى ولو كان مستواه عاديًّا جدًّا ، فأرجو مِن فضيلتكم بيانَ مدلولِ هذه الكلمةِ ومَن يَسْتَحِقُّها ؟ وجزاكم اللهُ خيرًا .

الجـواب :

الحمدُ لله ربِّ العالمين ، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين ، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدين ، أمَّا بعد :
فالشيخ هو كُلُّ مَن زادَ على الخمسين، وهو فوق الكهلِ ودون الهَرِمِ الذي فَنِيَتْ قوَّتُه ، وهو يُسَمَّى بالشيخ الفاني (١) .
وفي مَقامِ العلم يُطْلَق هذا اللقبُ على كُلِّ كبيرِ السنِّ المَهيبِ الوَقورِ الذي اكتسب التجربةَ في مُخْتَلَفِ العلوم واستصحب الخبرةَ في مجالاتها ، ويتمتَّع غالبًا بقوَّةٍ في رَدِّ الشبهة وتقريرِ الحُجَّة ، ويظهر ذلك في إنتاجه العلميِّ والتربويِّ والتوجيهيِّ ، بعيدًا عن الهوى واستمالةِ النفس به إلى الطمع بما في أيدي الناس .
وتأسيسًا على هذا المعيار فلا يَليقُ تلقيبُ طالبٍ مبتدئٍ في العلوم أو شابٍّ حديثِ السِّنِّ ﺑ « الشيخ » بالمعنى الاصطلاحيِّ ، ولو اكتسب بعضَ العلوم أو تخرَّج مِن جامعةٍ شرعيةٍ أو مركزٍ للعلوم أو زاويةٍ لحفظِ كتاب الله وبعضِ سنن المصطفى صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ، أو وُسِم بشهاداتٍ وإجازاتٍ وتزكياتٍ ، لأنَّ المناهج الدراسية المتَّبعة حاليًّا قصيرةُ المدَّة لا تَفي بالغرض ولا تغطِّي المطلوبَ ، وجوانبُ النقص في الطالب على العموم بارزةٌ بل حتَّى في أستاذه فهو ـ في الجملة ـ يحتاج بدوره إلى إعادة تأهيلٍ . وقد نُقِلَ عن الشافعيِّ ـ رحمه الله ـ قوله : «مَن طَلَبَ الرئاسةَ فرَّتْ منه ، وإذا تَصَدَّرَ الحَدَثُ فاتَهُ علمٌ كثيرٌ» (٢) .
وفي تعليقٍ لابن قتيبة ـ رحمه الله ـ على أثَرِ ابنِ مسعودٍ رضي الله عنه قولُه : « لا يَزال الناسُ بخيرٍ ما أخذوا العِلْمَ عن أكابرهم وأُمَنائهم وعلمائهم » (٣) ، قال رحمه الله ـ شارحًا معنى الأثر ـ : « لأنَّ الشيخ قد زالت عنه متعةُ الشباب وحِدَّتُه وعجلتُه وسَفَهُه ، واستصحب التجربةَ والخبرة ، فلا يدخل عليه في عِلْمِه الشبهةُ ، ولا يَغْلِب عليه الهوى ، ولا يَميل به الطمعُ ، ولا يستزلُّه الشيطانُ استزلالَ الحدث ، فمع السنِّ والوقار والجلالة والهيبة ، والحَدَثُ قد تدخل عليه هذه الأمورُ التي أُمِنَتْ على الشيخ ، فإذا دَخَلَتْ عليه وأفتى هَلَكَ وأهلك » (٤) .
وعليه ، فإنَّ تلقيبَ مَن لا يَليق برتبة المشيخة يندرج تحت « وضعِ الأشياء في غير موضعها الصحيح » مع فتحِ مَداخِلِ الشيطان في نَفْسِ الطالب المتطلِّع وتُورِّثُه هذه التلقيباتُ مِن أنواع أمراض القلوب ما لا يخفى مِن العُجب والغرور والاكتفاء بالنفس والتكبُّر عند الطلب ونحوِ ذلك مِن آفات العلم ، وقد ينعكس الأمرُ سلبًا على سلوكه النفسيِّ والتربويِّ ، فيؤدِّي إلى التشنيع بالأكابر والتنقُّص منهم والنيلِ مِن مَناصِبِهم .
وفي مَقامِ الرئاسة والفضل والمكانة فإنَّ إطلاق لفظِ « الشيخ » يكون غالبًا مُضافًا إلى مكانٍ أو مكانةٍ كشيخ البلد فإنه يُطْلَق على منصبٍ إداريٍّ في القرية وهو دون العمدة ، وشيخِ الفضل والإحسان وما يُقابِلُ ذلك في باب الرذيلة كشيخ الضلالة والغواية والفساد ونحو ذلك .
والعلمُ عند اللهِ تعالى ، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ، وصلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين ، وسلَّم تسليمًا .
الجزائر في : ١٥ جمادى الثانية ١٤٣٠ﻫ
الموافق ﻟ : ٠٨ جوان ٢٠٠٩م
(١) انظر: «التعريفات الفقهية» للبركتي (١٢٥) .
(٢) «صفة الصفوة» لابن الجوزي (٢/ ٢٥٢) .
(٣) «نصيحة أهل الحديث» للخطيب البغدادي (١/ ٢٨) .
(٤) المصدر نفسه (١/ ٣٠).
https://ferkous.com/home/?q=fatwa-1014


التعديل الأخير تم بواسطة يوسف عمر ; 20 Dec 2017 الساعة 10:00 AM
رد مع اقتباس