عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 28 Sep 2016, 05:46 PM
أبو إكرام وليد فتحون أبو إكرام وليد فتحون غير متواجد حالياً
موقوف
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
الدولة: الجزائر
المشاركات: 1,798
افتراضي

- 9 - رسالته إلى محمد بن عبيد وعبد القادر العديلي

بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد بن عبد الوهاب، إلى من يصل إليه هذا الكتاب من المسلمين، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته، خصوصاً محمد بن عبيد، وعبد القادر العديلي وابنه، وعبد الله بن سحيم، وعبد الله بن عضيب، وحميدان بن تركي، وعلي بن زامل، ومحمد أبا الخيل، وصالح بن عبد الله.

أما بعد، فإن الله تبارك وتعالى أرسل محمداً صلى الله عليه وسلم إلينا على حين فترة من الرسل، فهدى الله به إلى الدين الكامل والشرع التام؛ وأعظم ذلك وأكبره وزبدته هو: إخلاص الدين لله بعبادته وحده لا شريك له، والنهي عن الشرك؛ وهو أن لا يُدعى أحد من دونه من الملائكة والنبيين، فضلاً عن غيرهم. فمن ذلك أنه لا يسجد إلا لله، ولا يركع إلا له، ولا يدعى لكشف الضر إلا هو، ولا لجلب الخير إلا هو، ولا ينذر إلا له، ولا يحلف إلا به، ولا يذبح إلا له. وجميع العبادات لا تصلح إلا له وحده لا شريك له.
وهذا معنى قول: "لا إله إلا الله"؛ فإن المألوه: هو المقصود المعتمد عليه؛ وهذا أمر هين عند من لا يعرفه، كبير عظيم عند من عرفه. فمن عرف هذه المسألة، عرف أن أكثر الخلق قد لعب بهم الشيطان، وزين لهم الشرك بالله، وأخرجه في قالب حب الصالحين وتعظيمهم.

والكلام في هذا ينبني على قاعدتين عظيمتين:
القاعدة الأولى: أن تعرف أن الكفار الذين قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرفون الله ويعظمونه، ويحجون ويعتمرون، ويزعمون أنهم على دين إبراهيم الخليل، وأنهم يشهدون أنه لا يخلق ولا يرزق ولا يدبر الأمر، إلا الله وحده لا شريك له، كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} الآية. فإذا عرفت أن الكفار يشهدون بهذا كله فاعرف:
القاعدة الثانية: وهي أنهم يدعون الصالحين، مثل الملائكة وعيسى وعزير وغيرهم، وكل من ينتسب إلى شيء من هؤلاء سماه إلهاً، ولا يعني بذلك أنه يخلق أو يرزق، بل يدعون الملائكة وعيسى ويقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله، ويقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى، والإله في لغتهم هو الذي يسمى في لغتنا: الذي فيه سر، والذين يسمونه الفقراء شيخهم، يعنون بذلك أنه يُدعى وينفع ويضر، إلا أنهم مقرّون لله بالتفرد بالخلق والرزق. وليس ذلك معنى الإله بل الإله المقصود المدعو المرجو، لكن المشركون في زماننا أضل من الكفار في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجهين:
أحدهما: أن الكفار إنما يدعون الأنبياء والملائكة في الرخاء، وأما في الشدائد فيخلصون لله الدين، كما قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} 3 الآية.
والثاني: أن مشركي زماننا يدعون أناساً لا يوازنون عيسى والملائكة.

إذا عرفتم هذا، فلا يخفى عليكم ما ملأ الأرض من الشرك الأكبر عبادة الأصنام: هذا يأتي إلى قبر نبي، وهذا إلى قبر صحابي كالزبير وطلحة، وهذا إلى قبر رجل صالح، وهذا يدعوه في الضراء وفي غيبته، وهذا ينذر له، وهذا يذبح للجن، وهذا يدخل عليه من مضرة الدنيا والآخرة، وهذا يسأله خير الدنيا والآخرة، فإن كنتم تعرفون أن هذا من الشرك كعبادة الأصنام الذي يخرج الرجل من الإسلام، وقد ملأ البر والبحر وشاع وذاع، حتى إن كثيراً ممن يفعله يقوم الليل ويصوم النهار وينتسب إلى الصلاح والعبادة، فما بالكم لم تفشوه في الناس، وتبينوا لهم أن هذا كفر بالله، مخرج عن الإسلام؟

أرأيتم لو أن بعض الناس أو أهل بلدة تزوجوا أخواتهم أو عماتهم جهلاً منهم، أفيحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يتركهم لا يعلمهم أن الله حرم الأخوات والعمات. فإن كنتم تعتذرون أن نكاحهم أعظم مما يفعله الناس اليوم عند قبور الأولياء والصحابة، وفي غيبتهم عنها، فاعلموا أنكم لم تعرفوا دين الإسلام، ولا شهادة أن لا إله إلا الله؛ ودليل هذا ما تقدم من الآيات التي بينها الله في كتابه. وإن عرفتم ذلك، فكيف يحل لكم كتمان ذلك والإعراض عنه، وقد أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه.

فإن كان الاستدلال بالقرآن عندكم هزؤاً وجهلاً كما هي عادتكم ولا تقبلونه، فانظروا في "الإقناع" في باب حكم المرتد، وما ذكر فيه من الأمور الهائلة التي ذكر أن الإنسان إذا فعلها فقد ارتد وحل دمه، مثل الاعتقاد في الأنبياء والصالحين، وجعلهم وسائط بينه وبين الله، ومثل الطيران في الهواء، والمشي في الماء. فإذا كان من فعل هذه الأمور منكم مثل السائح الأعرج ونحوه تعتقدون صلاحه وولايته، وقد صرح في الإقناع بكفره، فاعلموا أنكم لم تعرفوا معنى شهادة أن لا إله إلا الله. فإن بان لكم في كلامي هذا شيء من الغلو، من أن هذه الأفاعيل لو كانت حراماً فلا تخرج من الإسلام، وأن فعل أهل زماننا في الشدائد في البر والبحر وعند قبور الأنبياء والصالحين ليست من هذه، بينوا لنا الصواب وأرشدونا إليه. وإن تبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه، وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه النساء والرجال، فرحم الله من أدى الواجب عليه، وتاب إلى الله وأقر على نفسه؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وعسى الله أن يهدينا وإياكم وإخواننا لما يحب ويرضى، والسلام.

ــــإنتهى ــــ

:: يتبع بإذن الله ::

رد مع اقتباس