عرض مشاركة واحدة
  #29  
قديم 20 Dec 2007, 01:15 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

ثانياً : المثابرة والاستمرار على طلب العلم

يتعين على طالب العلم أن يبذل الجهد في إدراك العلم والصبر عليه ، وأن يحتفظ به بعد تحصيله ؛ فإن العلم لا ينال براحة الجسم ؛ فيسلك المتعلم جميع الطرق الموصلة إلى العلم ؛ وهو مثاب على ذلك لما ثبت في صحيح مسلم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال : (( من سلك طريقاً يلتمس به علماً سهل الله له طريقا إلى الجنة )) (1) .
فليثابر طالب العلم ويجتهد ويسهر الليالي ويدع عنه كل ما يصرفه أو يشغله عن طلب العلم.

وللسلف الصالح قضايا مشهورة في المثابرة على طلب العلم ، حتى أنه يروى عن ابن عباس – رضي الله عنه – أنه سئل بما أدركت العلم؟ قال:" بلسان سؤول، وقلب عقول، وبدن غير مئول" وعنه أيضا – رضي الله عنه – قال : " ... إن كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه – وهو قائل – فأتوسد ردائي على بابه، تسفي الريح عليّ من التراب، فيخرج فيقول : يا ابن عم رسول الله ما جاء بك ؟ ألا أرسلت إلي فآتيك ؟ فأقول: أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث ... " ؛ فابن عباس – رضي الله عنه – تواضع للعلم فرفعه الله به.

وهكذا ينبغي لطالب العلم أن يثابر المثابرة الكبيرة ؛ ويُروى أيضاً عن الشافعي – رحمه الله – أنه استضافه الإمام أحمد ذات ليلة فقدم له العشاء، فأكل الشافعي ثم تفرق الرجلان إلى منامهما؛ فبقي الشافعي – رحمه الله – يفكر في استنباط أحكام من حديث، وهو قول النبي -صلى الله عليه وسلم- : (( يا أبا عمير ما فعل النغير )) (2) "أبا عمير" كان معه طائر صغير يسمي النغير ؛ فمات هذا الطائر فحزن عليه الصبي ؛ وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يداعب الصبيان ويكلم كل إنسان بما يليق به ؛ فظل طول الليل يستنبط من هذا الحديث ؛ ويقال إنه استنبط منه أكثر من ألف فائدة ؛ ولعله إذا استنبط فائدة جر إليها حديث آخر ، وهكذا حتى تتم ؛ فلما أذن الفجر قام الشافعي – رحمه الله – ولم يتوضأ ثم انصرف إلى بيته؛ وكان الإمام أحمد يثني عليه عند أهله فقالوا له: " يا أبا عبد الله ، كيف تثني على هذا الرجل الذي أكل فشرب ونام ولم يقم، وصلى الفجر بدون وضوء؟" فسأل الإمام الشافعي فقال: " أما كوني أكلت حتى أفرغت الإناء فذلك لأني ما وجدت طعاماً أطيب من طعام الإمام أحمد ؛ فأردت أن أملأ بطني منه ؛ وأما كوني لم أقم لصلاة الليل فإن العلم أفضل من قيام الليل ؛ وقد كنت أفكر في هذا الحديث ؛ وأما كوني لم أتوضأ لصلاة الفجر فكنت على وضوء من صلاة العشاء ولا يحب أن يكلفهم بماء الوضوء .

أقول على كل حال، إن المثابرة في طلب العلم أمر مهم ؛ فلننظر في حاضرنا الآن هل نحن على هذه المثابرة؟ لا. أما الذين يدرسون دراسة نظامية إذا انصرفوا من الدراسة ربما يتلهون بأشياء لا تعين على الدرس ؛ وإني أضرب مثلا -وأحب ألا يكون وإلا يوجد له نظير- أحد الطلبة في بعض المواد أجاب إجابة سيئة ، فقال المدرس: لماذا؟ فقال : لأني قد أيست من فهم هذه المادة ؛ فأنا لا أدرسها ولكن أريد أن أكون حاملاً لها. كيف اليأس؟ وهذا خطأ عظيم، يجب أن نثابر حتى نصل إلى الغاية.

وقد حدثني شيخنا المثابر عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – أنه ذُكر عن الكسائي إمام أهل الكوفة في النحو ، أنه طلب النحو فلم يتمكن ؛ وفي يوم من الأيام وجد نملة تحمل طعاماً لها وتصعد به إلى الجدار ؛ وكلما صعدت سقطت ؛ ولكنها ثابرت حتى تخلصت من هذه العقبة وصعدت الجدار، فقال الكسائي: هذه النملة ثابرت حتى وصلت الغاية، فثابر حتى صار إماماً في النحو.
ولهذا ينبغي لنا أيها الطلبة أن نثابر ولا نيأس ؛ فإن اليأس معناه سد باب الخير ؛ وينبغي لنا ألا نتشاءم بل نتفاءل وأن نعد أنفسنا خيراً.


--------------------------
(1) أخرجه مسلم، كتاب الدعوات، باب: فضل الاجتماع على تلاوة القرآن وعلى الذكر.
(2) أخرجه البخاري ، كتاب الأدب باب : الانبساط إلى الناس.

رد مع اقتباس