عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 18 Dec 2007, 06:34 PM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

الفصل الثاني

الأسباب المعينة على طلب العلم



الأسباب المعينة على طلب العلم كثيرة، نذكر منها :

أولا: التقوى

وهي وصية الله للأولين والآخرين من عباده ؛ قال الله -تعالى- : (( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيّاً حَمِيدا )) [النساء: الآية131] .

وهي أيضاً وصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأمته ؛ فعن أبي إمامة صدي بن عجلان الباهلي– رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب في حجة الوداع فقال:
(( اتقوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم، وأدٌوا زكاة أموالكم، وأطيعوا أمراءكم تدخلوا جنة ربكم )) (1) وكان -صلى الله عليه وسلم- إذا بعث أميراً على سرية أوصاه في خاصة نفسه بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً ؛ ولم يزل السلف الصالح يتواصون بها في خطبهم ومكاتباتهم ووصاياهم عند الوفاة ؛ كتب عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – إلى ابنه عبد الله : " أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله -عز وجل– فإنه من اتقاه وقاه ؛ ومن أقرضه جزاه ؛ ومن شكره زاده" ؛ وأوصى علي – رضي الله عنه – رجلاً فقال: " أوصيك بتقوى -عز وجل- الذي لا بد لك من لقائه ولا منتهى لك دونه، وهو يملك الدنيا والآخرة " ؛ وكتب أحد الصالحين إلى أخ له في الله –تعالى-: " أما بعد ... أوصيك بتقوى الله الذي هو نجيك في سريرتك ، ورقيبك في علانيتك ؛ فاجعل الله من بالك على كل حال في ليلك ونهارك ؛ وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك ؛ واعلم أنك بعينه لا تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره ؛ ولا من ملكه إلى ملك غيره ؛ فليعظم منه حذرك وليكثر وجلك والسلام ".

ومعنى التقوى : أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه وقاية تقيه منه.

وتقوى العبد ربه:
أن يجعل بينه وبين من يخشاه من غضبه وسخطه وقاية تقيه من ذلك، بفعل طاعته واجتناب معاصيه.

واعلم أن التقوى أحياناً تقترن بالبر، فيقال: بر وتقوى ؛ كما في قوله –تعالى-: (( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى )) [المائدة: الآية2]

وتارة تُذكر وحدها ؛ فإن قرنت بالبر صار البر فعل الأوامر، والتقوى ترك النواهي.

وإذا أفردت صارت شاملة تعم فعل الأوامر واجتناب النواهي ؛ وقد ذكر الله في كتابه أن الجنة أعدت للمتقين ؛ فأهل التقوى هم أهل الجنة – جعلنا الله وإياكم منهم – ولذلك يجب على الإنسان أن يتقي الله – عز وجل – امتثالاً لأمره، وطلباً لثوابه، والنجاة من عقابه ؛ قال الله – عز وجل -:
(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيم )) [الأنفال الآية:29] .

وهذه الآية فيها ثلاث فوائد مهمة:

الفائدة الأولى: (( يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانا )) أي يجعل لكم ما تٌفرقون به بين الحق والباطل، وبين الضار والنافع ؛ وهذا يدخل فيه العلم ، بحيث يفتح الله على الإنسان من العلوم ما لا يفتح لغيره ؛ فإن التقوى يحصل بها زيادة الهدى، وزيادة العلم، وزيادة الحفظ، ولهذا يذكر عن الشافعي – رحمه الله – أنه قال :

شكوت إلى وكـع سـوء حفظـي : : : : فأرشـدني إلى تـرك المعاصي
وقـال أعـم بأن العلــم نــور : : : : ونـور الله لا يؤتـاه عاصـي


و لا شك أن الإنسان كلما ازداد علماً ازداد معرفة وفرقاناً بين الحق والباطل، والضار والنافع، وكذلك يدخل فيه ما يفتح الله على الإنسان من الفهم ؛ لأن التقوى سبب لقوة الفهم، وقوة الفهم يحصل بها زيادة العلم ؛ فإنك ترى الرجلين يحفظان آية من كتاب الله يستطيع أحدهما أن يستخرج منها ثلاثة أحكام، ويستطيع الآخر أن يستخرج أكثر من هذا بحسب ما أتاه الله من الفهم.

فالتقوى سبب لزيادة الفهم ؛ ويدخل في ذلك أيضاً الفراسة أن الله يعطي المتقي فراسة يميز بها حتى بين الناس.
فبمجرد ما يرى الإنسان يعرف أنه كاذب أو صادق، أو بر أو فاجر ؛ حتى أنه ربما يحكم على الشخص وهو لم يعاشره، ولم يعرف عنه شيئاً بسبب ما أعطاه الله من الفراسة.


الفائدة الثانية: (( وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ )) [الأنفال الآية: 29] وتكفير السيئات يكون بالأعمال الصالحة ؛ فإن الأعمال الصالحة تكفر الأعمال السيئة ، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : (( الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان ، كفارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر )) (2) ؛ وقال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : (( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما )) (3) ؛ فالكفارة تكون بالأعمال الصالحة ؛ وهذا يعني أن الإنسان إذا اتقى الله سهل له الأعمال الصالحة التي يكفّر الله بها عنه.

الفائدة الثالثة: (( ويغفر لكم )) بأن ييسركم للاستغفار والتوبة، فإن هذا من نعمة الله على العبد أن ييسر للاستغفار والتوبة.


--------------------
(1) أخرجه الترمذي، كتاب الجمعة.
(2) أخرجه مسلم، كتاب الطهارة باب: الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر.
(3) أخرجه البخاري، كتاب العمرة ، ومسلم، كتاب الحج.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو نعيم إحسان ; 18 Dec 2007 الساعة 06:45 PM
رد مع اقتباس