عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 05 Mar 2017, 08:14 PM
أبوعبدالرحمن عبدالله بادي
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي


عرفات بن حسن المحمدي:
المطلب الرابع: هل تأول الإمام أحمد شيئًا من الصفات.
فإن الإمام أحمد –رحمه الله- سار على مذهب السلف في تقرير أسماء الله وصفاته، وفي محنة خلق القرآن (أبان الله به الحق، ودفع به الضلال، وأوضح به المنهاج، وقمع به بدع المبتدعين، وزيغ الزائغين، وشك الشاكين، فرحمة الله عليه من إمام مقدم، وجليل معظم، وكبير مفهم)(1).
قلت: (ورفع الله قدر هذا الإمام، فصار إمامًا من أئمة السنة، وعلمًا من أعلامها، لقيامه بإعلامها وإظهارها، واطلاعه على نصوصها وآثارها، وبيانه لخفي أسرارها)(2).
لم يخالفْ هذا الإمام المبجل منهج السلف في صغيرٍ فضلاً أن يخالفه فيما يتعلق بذات الله وصفاته وأسمائه، فقد كان على وجوب إثبات ما أثبته الله تعالى لنفسه من أسمائه وصفاته، وما أثبته له رسوله ﷺ فقد سُئل عن الأحاديث التي تردها الجهمية في الصفات، والرؤية، والإسراء، وقصة العرش، فصححها، وقال:
"قد تلقتها العلماء بالقبول، نسلم الأخبار كما جاءت، فقيل له:
إنَّ رجلاً اعترض في بعض هذه الأخبار كما جاءت، فقال: يُجفى، وقال: ما اعتراضه في هذا الموضع، يسلم الأخبار كما جاءت(3).
وقال –رحمه الله-: (نحن نؤمن بالله عز وجل على عرشه كيف شاء وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد فصفات الله عز وجل منه وله وهو كما وصف نفسه لا تدركه الأبصار بحد ولا غاية، وهو لايدرَك وهو يدرك الأبصار، وهو عالم الغيب والشهادة علام الغيوب، ولا يدركه وصف واصف وهو كما وصف نفسه...)(4).
وما نقل عن الإمام أحمد أنه تأول بعض الصفات فهذا غير صحيح، ولا يثبت عنه.
جاء في كتاب المحنة لحنبل بن إسحاق:
(وقد نقل حنبل عن أحمد في كتاب "المحنة" أنه تأول قول الله تعالى:
{هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ}،
فإن الجهمية الذين ناظروه احتجوا على خلق القرآن بقول النبي ﷺ : "بأن البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف، تحاجان عن صاحبهما"،
وما يجئ إلا مخلوق. فقال الإمام أحمد:
فقد قال الله تعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ}.
والجواب من أوجه:
الأول:
أنَّ حنبلاً خالف في نقل هذه الرواية، فروايته شاذة مخالفة لجادة مذهب الإمام أحمد، والجماهير يرون خلافه(5).
قال شيخ الإسلام –رحمه الله-:
(ولا ريب أنَّ المنقول المتواتر عن أحمد يناقض هذه الرواية، ويبين أنه لا يقول: إنَّ الرب يجيء ويأتي وينزل أمره، بل هو ينكر على من يقول ذلك)(6).
الثاني:
قول الإمام أحمد إنما كان إلزاماً للمنازعين له، فإنهم يتأولون مجيء الرب بمجيء أمره.
قال: فكذلك قولوا: يجئ كلامه مجيء ثوابه، ومن المتقرر أن المعارضة لا تستلزم اعتقاد المعارض صحة ما عارض به، وهذا قريب.
الثالث:
أنَّ الرواية المشهورة من مذهبه ترك التأويل في الجميع، حتى أنَّ حنبلاً نفسه ممن نقل عنه ترك التأويل صريحًا؛ فإنه لما سأله عن تفسير النزول هل هو أمره أم ماذا؟ نهاه عنه.
الرابع:
والصحيح عن أحمد، ومن قبله من السلف والأئمة أنه يقر بذلك، ويمره كما جاء، ولا يفسره، ويقول: هو مجيء وإتيان يليق بجلال الله وعظمته سبحانه(7).
قلت:
ومن الهذيان ما ذكره الغزالي في كتابه "إحياء علوم الدين"(8)، حيث قال:
(سمعت بعض أصحابه يقول إنه حسم باب التأويل إلا لثلاثة ألفاظ قوله ﷺ:
"الحجر الأسود يمين الله في أرضه"، وقوله ﷺ: "قلب المؤمنين بين إصبعين من أصابع الرحمن"، وقوله ﷺ: "إني لأجد نفس الرحمن من جانب اليمين").
لقد كان الإمام أحمد أبرز الأئمة الذين بصَّرهم الله بشر المعطلة، والمفوضة، والمؤولة، وشرَّفه الله للتصدي لهم، فقام بهذا الواجب العظيم، وصبر وتحمَّل الأذى والسجن والضرب، واستحقَّ لقب "الإمام"؛ لأنَّ الله تعالى نصر الدين به في زمن المحنة، فكيف يقال عنه أنه ممن أوَّل صفات الله تعالى.
قلت: من المسلم به أن كتب الغزالي فيها من المنقولات المكذوبة الموضوعة ما شاء الله.
قال شيخ الإسلام -رحمه الله-:
(وأما ما حكاه أبو حامد الغزالي عن بعض الحنبلية، أن أحمد لم يتأول إلا ثلاثة أشياء: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض"، و "قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن"، و "إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن": فهذه الحكاية كذب على أحمد، لم ينقلها أحد عنه بإسناد, ولا يعرف أحد من أصحابه نقل ذلك عنه. وهذا الحنبلي الذي ذكر عنه أبو حامد مجهول لا يعرف، لا علمه بما قال، ولا صدقه فيما قال)(9).
وقال –رحمه الله-:
(ولا يتنازع من يعرف أحمد وكلامه أن هذا كذب مفترى عليه ونصوصه المنقول عنه بنقل الثقات الأثبات والمتواتر عنه يرد هذا الهذيان الذي نقله عنه بل إذا كان أبو حامد ينقل عن رسول الله ﷺ وعن الصحابة والتابعين من الأكاذيب ما لا يحصيه إلا الله فكيف ما ينقله عن مثل أحمد) (10).
عرفات بن حسن المحمدي:
• ═════ ❁✿❁═════ •
(1) الابانة للأشعري (201).
(2) انظر: منهاج السنة النبوية (2/606).
(3) انظر: السنة للخلال (1/246).
(4) انظر: بيان تلبيس الجهمية (3/707).
(5) انظر: مختصر الصواعق (3/1235)
(6) مجموع الفتاوى (5/401) .
(7) انظر: فتح الباري لابن رجب (7/230).
(8) الإحياء (1/103-104).
(9) شرح حديث النزول (203-205). وفي المجموع (5/398).
(10) بيان تلبيس الجهمية (6/127).
••


المصدر : قناة الشيخ على التيليجرام

رد مع اقتباس