عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 09 Feb 2008, 11:00 PM
أم جهان أم جهان غير متواجد حالياً
وفقها الله
 
تاريخ التسجيل: Oct 2007
المشاركات: 118
افتراضي

الباب الخامس في استحباب تحنيكه

ص -23- الباب الخامس: في استحباب تحنيكه
وفي الصحيحين من حديث أبي بردة عن أبي موسى قال ولد لي غلام فأتيت به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسماه إبراهيم وحنكه بتمرة زاد البخاري ودعا له بالبركة ودفعه ألي وكان اكبر ولد أبي موسى
وفي الصحيحين من حديث انس بن مالك قال كان ابن لأبي طلحة يشتكي فخرج أبو طلحة فقبض الصبي فلما رجع أبو طلحة قال ما فعل الصبي قالت أم سليم هو أسكن مما كان فقربت إليه العشاء فتعشى ثم أصاب منها فلما فرغ قالت واروا الصبي فلما أصبح أبو طلحة أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال: "أعرستم الليلة قال نعم قال اللهم بارك لهما" فولدت غلاما فقال لي أبو طلحة احمله حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وسلم وبعثت به بتمرات فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم فقال "أمعه شيء قالوا نعم تمرات فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها في الصبي ثم حنكه وسماه عبد الله"
وروى أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أسماء أنها حملت بعبد الله ابن الزبير بمكة قال فخرجت وأنا متم فأتيت المدينة فنزلت بقباء فولدته بقباء ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعته في حجره فدعا بتمرة فمضغها ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ثم حنكه بالتمرة ثم دعا له وبرك عليه وكان أول مولود ولد في الإسلام للمهاجرين بالمدينة قالت ففرحوا به فرحا شديدا وذلك انهم قيل لهم إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم
وقال الخلال أخبرني محمد بن علي قال سمعت أم ولد أحمد بن حنبل



ص -24- تقول لما أخذ بي الطلق كان مولاي نائما فقلت له يا مولاي هو ذا أموت فقال يفرج الله فما هو إلا أن قال يفرج الله حتى ولدت سعيدا فلما ولدته قال هاتوا ذلك التمر لتمر كان عندنا من تمر مكة فقلت لأم علي إمضغي هذا التمر وحنكيه ففعلت والله أعلم

الباب السادس في العقيقة وأحكامها وذكر الاختلاف في وجوبها وحجة التابعين

ص -25- الباب السادس: في العقيقة وأحكامها وفيه اثنان وعشرون فصلا
1 الفصل الأول في بيان مشروعيتها
2 الفصل الثاني قي ذكر حجة من ذكرها
3 الفصل الثالث في أدلة الاستحباب
4 الفصل الرابع في الجواب عما أحتجوا به
5 الفصل الخامس في اشتقاق اسمها ومن أي شيء أخذ
6 الفصل السادس هل تكره تسميتها عقيقة أم لا
7 الفصل السابع في ذكر الخلاف في وجوبها واستحبابها وحجج الفريقين
8 الفصل الثامن في الوقت الذي تستحب فيه العقيقة
9 الفصل التاسع في أنها افضل من الصدقة
10 الفصل العاشر في تفاضل الذكر والأنثى فيها
11 الفصل الحادي عشر في ذكر الغرض من العقيقة وحكمها وفوائدها واحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم
12 الفصل الثاني عشر في أن طبخ لحمها أفضل من التصدق به نيئا
13 الفصل الثالث عشر في كراهة كسر عظمها



ص -26- 14 الفصل الرابع عشر في السن المجزىء فيها
15 الفصل الخامس عشر في أنه لا يجزىء عن الرأس إلا الرأس و لا يصح اشتراك السبعة فيها في البدنه والبقرة
16 الفصل السادس عشر هل تجزىء العقيقة بغير النعم من الابل والبقر
17 الفصل السابع عشر في بيان مصرفها وما يتصدق به منها ويهديه واستحباب الهدية منها للقابلة
18 الفصل الثامن عشر في حكم اجتماع العقيقة والأضحية وهل يجزىء أحدهما عن الآخر أم لا
19 الفصل التاسع عشر في حكم من لم يعق عنه أبواه هل يعق عن نفسه إذا بلغ
20 الفصل العشرون في حكم جلدها وسواقطها هل يجوز بيعه أم حكمه حكم الأضحية
21 الفصل الحادي والعشرون فيما يقال عن ذبح العقيقة
22 الفصل الثاني والعشرون في حكمة اختصاصها باليوم السابع والرابع عشر والحادي والعشرين
الفصل الأول - في بيان مشروعيتها
قال مالك هذا الأمر الذي لا اختلاف فيه عندنا وقال يحيى بن سعيد الأنصاري أدركت الناس وما يدعون العقيقة عن الغلام والجارية قال ابن المنذر وذلك أمر معمول به بالحجاز قديما وحديثا يستعمله العلماء



ص -27- وذكر مالك أنه الأمر الذي لا اختلاف فيه عندهم قال وممن كان يرى العقيقة عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعائشة أم المؤمنين وروينا ذلك عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن بريدة الأسلمي والقاسم بن محمد وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والزهري وأبي الزناد وبه قال مالك وأهل المدينة والشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجماعة يكثر عددهم من أهل العلم متبعين في ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا ثبتت السنة وجب القول بها ولم يضرها من عدل عنها قال وأنكر أصحاب الرأي أن تكون العقيقة سنة وخالفوا في ذلك الأخبار الكائنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وعمن روي عنه ذلك من التابعين انتهى
الفصل الثاني - في ذكر حجج من كرهها
قالوا روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة فقال : "لا أحب العقوق": قالوا ولأنها من فعل أهل الكتاب كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "إن اليهود تعق عن الغلام ولا تعق عن الجارية" ذكره البيهقي قالوا وهي من الذبائح التي كانت الجاهلية تفعلها فأبطلها الإسلام كالعتيرة والفرع قالوا وقد روى الإمام أحمد من حديث أبي



ص -28- رافع رضي الله عنه أن الحسن بن علي لما ولد أرادت أمه فاطمة أن تعق عنه بكبشين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تعقي ولكن احلقي شعر رأسه فتصدقي بوزنه من الورق" ثم ولد حسين بعد ذلك فصنعت مثل ذلك
الفصل الثالث _ في أدلة الاستحباب
فأما أهل الحديث قاطبة وفقهاؤهم وجمهور أهل العلم فقالوا هي من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واحتجوا على ذلك بما رواه البخاري في صحيحه عن سلمان بن عمار الضبي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى" وعن سمرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه" رواه أهل السنن كلهم وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح وعن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة" رواه الإمام أحمد والترمذي وقال حديث صحيح وفي لفظ "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين" رواه الإمام أحمد في مسنده وعن أم كرز الكعبية أنها سألت الرسول عن العقيقة فقال "عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثا" رواه أحمد والترمذي وقال هذا حديث صحيح
وقال الضحاك بن مخلد أنبأ أبو حفص سالم بن تميم عن أبيه عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن اليهود تعق عن



ص -29- الغلام ولا تعق عن الجارية فعقوا عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة" ذكره البيهقي
وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا رواه أبو داود والنسائي ولفظ النسائي بكبشين كبشين
وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق قال الترمذي هذا حديث حسن غريب
وعن بريدة الأسلمي قال كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران رواه أبو داود وروى ابن المنكدر من حديث يحيى بن يحيى أنبأنا هشيم عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أن أبا بكرة ولد له ابنه عبد الرحمن وكان أول مولود ولد بالبصرة فنحر عنه جزورا فأطعم أهل البصرة وأنكر بعضهم ذلك وقال "أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاتين عن الغلام وعن الجارية بشاة"
وعن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة "كل غلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويدمى" قال أبو داود فكان قتادة إذا سئل عن الدم كيف يصنع به قال إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة واستقبلت بها أوداجها ثم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل على رأسه مثل الخيط ثم يغسل رأسه ويحلق
قال أبو داود وهذا وهم من همام بن يحيى يعني ويدمى ثم ساقه من طريق أخرى قال كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى قال أبو داود ويسمى أصح وأخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة وقال الترمذي حديث حسن صحيح
وهذا الحديث قد سمعه الحسن من سمرة فذكره البخاري في صحيحه عن حبيب بن الشهيد قال قال لي ابن سيرين سئل



ص -30- الحسن ممن سمع حديث العقيقة فسألته فقال من سمرة بن جندب
وقد ذكر البيهقي عن سلمان بن شرحبيل حدثنا يحيى بن حمزة قال قلت لعطاء الخرساني ما مرتهن بعقيقته قال يحرم شفاعة ولده وقال اسحق بن هانيء سألت أبا عبد الله عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم "الغلام مرتهن بعقيقته" ما معناه قال نعم سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعق عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة فإذا لم يعق عنه فهو محتبس بعقيقته حتى يعق عنه وقال الأثرم قال أبو عبد الله ما في هذه الأحاديث أوكد من هذا يعني في العقيقة كل غلام مرتهن بعقيقته وقال يعقوب بن بختان سئل أبو عبد الله عن العقيقة فقال ما أعلم فيه شيئا أشد من هذا الحديث الغلام مرتهن بعقيقته وقال حنبل قال أبو عبد الله ولا أحب لمن أمكنه وقدر أن لا يعق عن ولده ولا يدعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال "الغلام مرتهن بعقيقته" وهو أشد ما روي فيه وإنما كره النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك الاسم وأما الذبح فالنبي صلى الله عليه وسلم قد فعل ذلك وقال أحمد بن القاسم قيل لأبي عبد الله العقيقة واجبة هي فقال أما واجبة فلا أدري لا أقول واجبة ثم قال أشد شيء فيه أن الرجل مرتهن بعقيقته وقد قال أحمد في موضع آخر مرتهن عن الشفاعة لوالديه
وأما قوله ويدمى فقد اختلف في هذه اللفظة فرواها همام عن يحيى عن قتادة فقال ويدمى وفسرها قتادة بما تقدم حكايته وخالفه في ذلك أكثر أهل العلم وقالوا هذا من فعل أهل الجاهلية وكرهه الزهري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق قال أحمد أكره أن يدمى رأس الصبي هذا من فعل الجاهلية وقال عبد الله بن أحمد سألت أبي عن العقيقة أيذبح ويدمى رأس الصبي أو الجارية فقال أبي ولا يدمى وقال الخلال أخبرني العباس بن أحمد أن أبا عبد الله سئل عن تلطيخ رأس الصبي بالدم فقال



ص -31- لا أحبه انه من فعل الجاهلية قيل له فان هماما كان يقول يدميه فذكر أبو عبد الله عن رجل قال كان يقول يسميه ولا أحب قول همام في هذا
وأخبرنا أحمد بن هاشم الأنطاكي قال قال أحمد اختلف همام وسعيد في العقيقة قال أحدهما يدمى وقال الآخر يسمى وعن أحمد رواية أخرى أن التدمية سنة قال الخلال أخبرني عصمة بن عصام قال حدثنا حنبل قال سمعت أبا عبد الله في الصبي يدمى رأسه قال هذه سنة ومذهبه الذي رواه عنه كافة أصحابه الكراهية قال الخلال وأخبرني عصمة بن عصام في موضع آخر حدثنا حنبل قال سمعت أبا عبد الله يقول يحلق رأس الصبي وأخبرني محمد بن علي حدثنا صالح وأنبأ أحمد بن محمد ابن حازم حدثنا إسحاق كلهم يذكر عن أبي عبد الله قال الدم مكروه لم يرو إلا في حديث سمرة أخبرني محمد بن الحسين أن الفضل حدثهم أنه قال لأبي عبد الله فيحلق رأسه قال نعم قلت فيدمى قال لا هذا من فعل الجاهلية قلت فحديث قتادة عن الحسن كيف هو ويدمى فقال أما همام فيقول ويدمى وأما سعيد فيقول ويسمى وقال في رواية الأثرم قال ابن أبي عروبة يسمى وقال همام ويدمى وما أراه إلا خطأ
وقد قال أبو عبد الله ابن ماجة في سننه حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب حدثنا عبد الله بن وهب حدثني عمرو بن الحارث عن أيوب بن موسى أنه حدثه عن يزيد بن عبد المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم" وقد تقدم حديث بريدة كنا في الجاهلية إذا ولد لأحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران وقد روى البيهقي وغيره من حديث ابن جريج عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت كان أهل الجاهلية يجعلون قطنة في دم العقيقة ويجعلونه على رأس الصبي فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل



ص -32- مكان الدم خلوقا قال ابن المنذر ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أهريقوا عليه دما وأميطوا عنه الأذى" والدم أذى فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بإماطة الأذى عنه والدم أذى وهو من أكبر الأذى فغير جائز أن ينجس رأس الصبي بالدم
الفصل الرابع في الجواب عن حجج من كرهها
قال الإمام أحمد في رواية حنبل وقد حكي عن بعض من كرهها أنها من أمر الجاهلية قال هذا لقلة علمهم وعدم معرفتهم بالأخبار والنبي صلى الله عليه وسلم قد عق عن الحسن والحسين وفعله أصحابه وجعلها هؤلاء من أمر الجاهلية والعقيقة سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال الغلام مرتهن بعقيقته وهو إسناد جيد يرويه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال في رواية الأثرم في العقيقة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندة وعن أصحابه وعن التابعين وقال هؤلاء هي من عمل الجاهلية وتبسم كالمعجب
وقال الميموني قلت لأبي عبد الله يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في العقيقة شيء فقال أي والله غير حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة قلت له فتلك الأحاديث التي يعترض فيها فقال ليست بشيء لا يعبأ بها وأما أحاديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا أحب العقوق" فسياق الحديث من أدلة الاستحباب فان لفظه هكذا سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال "لا أحب العقوق" وكأنه كره الاسم فقالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما نسألك عن أحدنا يولد له ولد فقال "من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة" وأما حديث أبي رافع فلا يصح وقد



ص -33- قال الإمام أحمد في هذه الأحاديث المعارضة لأحاديث العقيقة ليست بشيء لا يعبأ بها وقد استفاضت الأحاديث بأن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين فروى أبو أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا ذكره أبو داود وقد ذكر جرير بن حازم عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشين وذكر يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين يوم السابع ولو صح قوله لا تعقي عنه لم يدل ذلك على كراهة العقيقة لأنه أحب أن يتحمل عنها العقيقة فقال لها لا تعقي عق هو وكفاها المؤنة وأما قولهم إنها من فعل أهل الكتاب فالذي من فعلهم تخصيص الذكر بالعقيقة دون الأنثى كما دل عليه لفظ الحديث فانه قال "إن اليهود تعق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة"
الفصل الخامس في اشتقاقها ومن أي شيء أخذت
قال أبو عمرو فأما العقيقة في اللغة فذكر أبو عبيد عن الأصمعي وغيره أن أصلها الشعر الذي يكون على رأس الصبي حين يولد وإنما



ص -34- سميت الشاة التي تذبح عنه عقيقة لأنه يحلق عنه ذلك الشعر عند الذبح قال ولهذا قال أميطوا عنه الأذى يعني بذلك الشعر قال أبو عبيد وهذا مما قلت لك انهم ربما سموا الشيء باسم غيره إذا كان معه أو من سببه فسميت الشاة عقيقة لعقيقة الشعر وكذلك كل مولود من البهائم فإن الشعر الذي يكون عليه حين يولد عقيقة وعقة قال زهير يذكر حمار وحش

أذلك أم أقب البطن جأب عليه من عقيقته عفاء

قال يعني صغار الوبر وقال ابن الرقاع يصف حمارا

تحسرت عقة عنه فأنسلها واجتاب أخرى جديدا بعدما ابتقلا

قال يريد أنه لما فطم من الرضاع وأكل البقل ألقى عقيقته واجتاب أخرى قال أبو عبيدة العقيقة والعقة في الناس والحمر ولم يسمع في غير ذلك انتهى كلام أبي عبيد وقد أنكر الامام أحمد تفسير أبي عبيد هذا للعقيقة وما ذكره عن الأصمعي وغيره في ذلك وقال إنما العقيقة الذبح نفسه وقال ولا وجه لما قال أبو عبيد قال أبو عمرو واحتج بعض المتأخرين لأحمد بن حنبل في قوله هذا بأن ما قال أحمد من ذلك فمعروف في اللغة لأنه يقال عق إذا قطع ومنه عق والدية إذا قطعهما قال أبو عمرو ويشهد لقول أحمد بن حنبل قول الشاعر

بلاد بها عق الشباب تمائمه وأول أرض مس جلدي ترابها

يريد أنه لما شب قطعت عنه تمائه ومثل هذا قول ابن ميادة

بلاد بها نيصت علي تمائمي وقطعن عني حين أدركني عقلي

قال أبو عمرو وقول أحمد في معنى العقيقة في اللغة أولى من قول أبي عبيد وأقرب وأصوب والله أعلم انتهى كلام أبي عمرو وقال الجوهري عق



ص -35- عن ولده يعق عقا إذا ذبح يوم أسبوعه وكذلك إذا حلق عقيقته فجعل العقيقة لأمرين وهذا أولى والله أعلم
وأما قوله في الحديث لا أحب العقوق فهو تنبيه على كراهة ما تنفر عنه القلوب من الأسماء وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد الكراهة لذلك جدا حتى كان يغير الاسم القبيح بالحسن ويترك النزول في الأرض القبيحة الاسم والمرور بين الجبلين القبيح اسمهما وكان يحب الاسم الحسن والفأل الحسن
وفي الموطأ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للقحة من يحلب هذه فقام رجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك فقال له الرجل مرة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس ثم قال من يحلب هذه فقام رجل آخر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ما اسمك فقال حرب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم اجلس ثم قال من يحلب هذه فقام رجل فقال له ما اسمك فقال يعيش فقال له النبي صلى الله عليه وسلم احلب رواه مرسلا في موطئه
وأسنده ابن وهب في جامعه فقال حدثني ابن لهيعة عن الحارث ابن يزيد عن عبد الرحمن بن جبير عن يعيش الغفاري قال دعا النبي صلى الله عليه وسلم يوما بناقة فقال من يحلبها فقام رجل فقال ما اسمك قال مرة قال اقعد فقام آخر فقال ما اسمك قال جمرة قال اقعد ثم قام رجل فقال ما اسمك قال يعيش قال احلبها
قال أبو عمر هذا من باب الفأل الحسن لا من باب الطيرة وعندي فيه وجه آخر وهو أن بين الاسم والمسمى علاقة ورابطة تناسبه وقلما يتخلف ذلك فالألفاظ قوالب للمعاني والأسماء أقوال المسميات

وقل إن أبصرت عيناك ذا لقب إلا ومعناه إن فكرت في لقبه

فقبح الاسم عنوان قبح المسمى كما أن قبح الوجه عنوان قبح الباطن



ص -36- ومن هاهنا والله أعلم أخذ عمرو بن الخطاب رضي الله عنه ما ذكره مالك أنه قال لرجل ما اسمك فقال جمرة فقال ابن من قال ابن شهاب قال ممن قال من الحرقة قال أين مسكنك قال بحرة النار قال بأيتها قال بذات لظى فقال عمر أدرك أهلك فقد احترقوا فكان كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه
وقد ذكر ابن أبي خيثمة من حديث بريدة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتطير فركب بريدة في سبعين راكبا من أهل بيته من بني أسلم فلقي النبي صلى الله عليه وسلم ليلا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم من أنت قال أنا بريدة فالتفت إلى أبي بكر وقال يا أبا بكر برد أمرنا وصلح ثم قال ممن قلت من أسلم قال لأبي بكر الآن سلمنا ثم قال ممن قال من سهم قال خرج سهمك ولما رأى سهيل بن عمرو مقبلا يوم صلح الحديبية قال سهل أمر كم وانتهى في مسيره إلى جبلين فسأل عن اسمهما فقال مخز وفاضح فعدل عنهما ولم يسلك بينهما وغير اسم عاصية بجميلة واسم أصرم بزرعة
قال أبو داود في السنن وغير النبي صلى الله عليه وسلم اسم العاص وعزيز وعتلة وشيطان والحكم وغراب وشهاب فسماه هشاما وسمى حربا أسلم وسمى المضطجع المنبعث وأرض عفرة سماها خضرة وشعب الضلالة سماه شعب الهدى وبنو الزينة سماهم بني الرشدة
وهذا باب عجيب من أبواب الدين وهو العدول عن الاسم الذي تستقبحه العقول وتنفر منه النفوس إلى الاسم الذي هو أحسن منه والنفوس إليه أميل وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الاعتناء بذلك حتى قال لا يقل أحدكم خبثت نفسي ولكن ليقل لقست نفسي فلما كان اسم العقيقة بينه وبين العقوق تناسب وتشابه كرهه وقال



ص -37- إن الله لا يحب العقوق ثم قال من ولد له مولود فأحب إن ينسك عنه فليفعل
الفصل السادس - هل تكره تسميتها عقيقة
اختلفت فيه - فكرهت ذلك طائفة واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كره الاسم فلا ينبغي أن يطلق على هذه الذبيحة الاسم الذي كرهه قالوا فالواجب بظاهر هذا الحديث أن يقال لها نسيكة ولا يقال لها عقيقية وقالت طائفة أخرى لا يكره ذلك ورأوا إباحته واحتجوا بحديث سمرة الغلام مرتهن بعقيقته وبحديث سلمان بن عامر مع الغلام عقيقته ففي هذين الحديثين لفظ العقيقة فدل على الإباحة لا على الكراهة قال أبو عمر فدل ذلك على الكراهة في الاسم وعلى هذا كتب الفقهاء في كل الأمصار ليس فيها إلا العقيقة لا النسيكة قال على أن حديث مالك هذا ليس فيه التصريح بالكراهة وكذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إنما فيهما كأنه كره الاسم وقال من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل
قلت ونظير هذا اختلافهم في تسمية العشاء بالعتمة وفيه روايتان عن الامام أحمد والتحقيق في الموضعين كراهة هجر الاسم المشروع من العشاء والنسيكة والاستبدال به اسم العقيقة والعتمة فأما إذا كان المستعمل هو الاسم الشرعي ولم يهجر وأطلق الاسم الآخر أحيانا فلا بأس بذلك وعلى هذا تتفق الأحاديث وبالله التوفيق





ص -38- الفصل السابع -في ذكر الخلاف في وجوبها واستحبابها وحجج الطائفتين
قال ابن المنذر اختلفوا في وجوب العقيقة فقالت طائفة واجبة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك وأمره على الفرض روينا عن الحسن البصري أنه قال في رجل لم يعق عنه قال يعق عن نفسه وكان لا يرى على الجارية عقيقة قال وروي عن بريدة أن الناس يعرضون على العقيقة يوم القيامة كما يعرضون على الصلوات الخمس قال اسحاق بن راهويه حدثنا يعلى بن عبيد قال حدثنا صالح بن حبان عن ابن بريدة عن أبيه أن الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة كما يعرضون على الصلوات الخمس فقلت لابن بريدة وما العقيقة قال المولود يولد في الاسلام ينبغي أن يعق عنه وقال أبو الزناد العقيقة من أمر المسلمين الذين كانوا يكرهون تركه قال وروينا عن الحسن البصري أنه قال العقيقة عن الغلام واجبة يوم سابعه وقال أبو عمر وأما اختلاف العلماء في وجوبها فذهب أهل الظاهر إلى أن العقيقة واجبة فرضا منهم داود وغيره قالوا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر وعمل بها قال الغلام مرتهن بعقيقته ومع الغلام عقيقته وقال عن الجارية شاة وعن الغلام شاتان ونحو هذا من الأحاديث وكان بريدة الأسلمي يوجبها ويشبهها بالصلاة وكان الحسن البصري يذهب إلى



ص -39- أنها واجبة عن الغلام يوم سابعه فإن لم يعق عنه عق عن نفسه وقال الليث بن سعد يعق عن المولود أيام سابعه في أيها شاؤوا فإن لم يتهيأ لهم العقيقة في سابعه فلا بأس أن يعق عنه بعد ذلك وليس بواجب أن يعق عنه بعد سبعة أيام فكان الليث بن سعد يذهب إلى أنها واجبة في السبعة الأيام وكان مالك يقول هي سنة واجبة يجب العمل بها وهو قول الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق وأبي ثور والطبري هذا كلام أبي عمر
قلت والسنة والواجبة هند أصحاب مالك ما تأكد استحبابه وكره تركه فيسمونه واجبا وجوب السنن ولهذا قالوا غسل الجمعة سنة واجبة والأضحية سنة واجبة والعقيقة سنة واجبة وقد حكى أصحاب أحمد عنه في وجوبها روايتين وليس عنه نص صريح في الوجوب ونحن نذكر نصوصه قال الخلال في الجامع ذكر استحباب العقيقة وأنها غير غير واجبة أخبرنا سليمان بن الأشعث قال سمعت أبا عبد الله سئل عن العقيقة ما هي قال الذبيحة وأنكر قول الذي يقول هي حلق الرأس
أخبرني محمد بن الحسين أن الفضل حدثهم قال سألت أبا عبد الله عن العقيقة واجبة هي قال لا ولكن من أحب أن ينسك فلينسك قال وسألت أبا عبد الله عن العقيقة أتوجبها قال لا ثم ذكر عن أحمد بن القاسم أن أبا عبد الله قيل له في العقيقة واجبة هي قال أما واجبة فلا أدري ولا أقول واجبة ثم قال أشد شيء فيه أن الرجل مرتهن بعقيقته
وقال الأثرم قلت لأبي عبد الله العقيقة واجبة قال لا وأشد شيء روي فيها حديث الغلام مرتهن بعقيقته هو أشدها
وقال حنبل قال أبو عبد الله لا أحب لمن أمكنه وقدر أن لا يعق عن ولده ولا يدعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال الغلام مرتهن



ص -40- بعقيقته فهو أشد ما روي في العقيقة
وقال الحارث سألت أبا عبد الله عن العقيقة واجبة هي عن الغني والفقير إذا ولد له أن يعق عنه قال أبو عبد الله قال الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "كل غلام رهينة بعقيقته حتى يذبح عنه يوم سابعه ويحلق رأسه" هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآني لأحب أن تحيى هذه السنة أرجو أن يخلف الله عليه
وقال إسحاق بن إبراهيم سألت أبا عبد الله عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم ما معناه الغلام مرتهن بعقيقته قال نعم سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يعق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة فإذا لم يعق عنه فهو محتبس بعقيقته حتى يعق عنه
وقال جعفر بن محمد قيل لأبي عبد الله في العقيقة فان لم تكن عنده قال ليس عليه شيء وقال الحارث قيل لأبي عبد الله في العقيقة فان لم يكن عنده يعني ما يعق قال إن استقرض رجوت أن يخلف الله عليه أحيا سنة
وقال صالح قلت لأبي يولد للرجل وليس عنده ما يعق أحب إليك أن يستقرض ويعق عنه أم يؤخر ذلك حتى يوسر فقال أشد ما سمعت في العقيقة حديث الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم كل غلام رهينة بعقيقته وإني لأرجو إن استقرض أن يعجل الله له الخلف لأنه أحيا سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع ما جاء به فهذه نصوصه كما ترى ولكن أصحابه فرعوا على القول بالوجوب ثلاثة فروع أحدها هل هي واجبة على الصبي في ماله أو على أبيه الثاني هل تجب الشاة على الذكر أو



ص -41- الشاتان الثالث إذا لم يعق عنه أبوه هل تسقط أو يجب أن يعق عن نفسه إذا بلغ فأما الفرع الأول فحكموا فيه وجهين
أحدهما يجب على الأب وهو المنصوص عن أحمد قال إسماعيل بن سعيد الشالنجي سألت أحمد عن الرجل يخبره والده أنه لم يعق عنه هل يعق عن نفسه قال ذلك على الأب
والثاني في مال الصبي وحجة من أوجبها على الأب أنه هو المأمور بها كما تقدم واحتج من أوجبها على الصبي بقوله الغلام مرتهن بعقيقته وهذا الحديث يحتج به الطائفتان فان أوله الإخبار عن ارتهان الغلام بالعقيقة وآخره الأمر بأن يراق عنه الدم قال الموجبون ويدل على الوجوب قوله عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة وهذا يدل على الوجوب لأن المعنى يجزىء عن الجارية شاة وعن الغلام شاتان
واحتجوا بحديث البخاري عن سلمان بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى قالوا وهذا يدل على الوجوب من وجهين أحدهما قوله مع الغلام عقيقته وهذا ليس إخبارا عن الواقع بل عن الواجب ثم أمرهم أن يخرجوا عنه هذا الذي معه فقال أهريقوا عنه دما قالوا ويدل عليه أيضا حديث عمرو ابن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بتسمية المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق قالوا وروى الترمذي حدثنا يحيى ابن خلف حدثنا بشر بن المفضل حدثنا عبد الله بن عثمان بن خثيم عن يوسف بن ماهك أنهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن فسألوها عن العقيقة فأخبرتهم أن عائشة رضي الله عنها أخبرتها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح
وقال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة حدثنا عبد الله ابن



ص -42- عثمان بن خثيم عن يوسف بن ماهك عن حفصة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة
قال أبو بكر حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب حدثنا عبد الله بن وهب قال حدثني عمرو بن الحارث عن أيوب بن موسى أنه حدثه أن يزيد بن عبد المزني حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم" قالوا وهذا خبر بمعنى الأمر
قال أبو بكر وحدثنا ابن فضيل عن يحيى بن سعيد عن محمد بن ابراهيم قال كان يؤمر بالعقيقة ولو بعصفور
فصل :
قال القائلون بالاستحباب لو كانت واجبة لكان وجوبها معلوما من الدين لأن ذلك مما تدعو الحاجة إليه وتعم به البلوى فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبين وجوبها للأمة بيانا عاما كافيا تقوم به الحجة وينقطع معه العذر قالوا وقد علقها بمحبة فاعلها فقال من ولد له ولد فأحب أن ينسك عنه فليفعل قالوا وفعله لها لا يدل على الوجوب وإنما يدل على الاستحباب
قالوا وقد روى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة فقال لا يحب الله العقوق كأنه كره الاسم وقال من ولد له ولد وأحب أن ينسك عنه فليفعل عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة وهذا مرسل وقد رواه مرة عن عمرو عن أبيه قال أراه عن جده وروى مالك عن زيد بن أسلم عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العقيقة فقال "لا أحب العقوق" وكأنه إنما كره الاسم وقال من "أحب أن ينسك عن ولده فليفعل"
قال البيهقي وإذا انضم إلى الأول قويا قلت وحديث عمرو بن شعيب قد جوده عبد الرزاق فقال أخبرنا



ص -43- داود بن قيس قال سمعت عمرو بن شعيب يحدث عن أبيه عن جده قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فذكر الحديث
الفصل الثامن- في الوقت الذي تستحب فيه العقيقة
قال أبو داود في كتاب المسائل سمعت أبا عبد الله يقول العقيقة تذبح يوم السابع وقال صالح بن أحمد قال أبي في العقيقة تذبح يوم السابع فإن لم يفعل ففي أربع عشرة فإن لم يفعل ففي إحدى وعشرين وقال الميموني قلت لأبي عبد الله متى يعق عنه قال أما عائشة فتقول سبعة أيام وأربعة عشرة ولأحد وعشرين وقال أبو طالب قال أحمد تذبح العقيقة لأحد وعشرين يوما انتهى
والحجة على ذلك حديث سمرة المتقدم الغلام مرتهن بعقيقته تذبح عنه يوم السابع ويسمى قال الترمذي حديث صحيح وقال عبد الله ابن وهب أخبرني محمد بن عمرو عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة قالت عق رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حسن وحسين يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى
وقال أبو بكر بن المنذر حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ قال حدثني أبو جعفر الرازي حدثنا أبو زهير عبد الرحمن بن مغراء حدثنا محمد بن اسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سابع المولود بتسمية وعقيقته ووضع الأذى عنه وهذا قول عامة أهل العلم ونحن



ص -44- نحكي ما بلغنا من أقوالهم وأرفع من روي عنه ذلك عائشة أم المؤمنين كما حكاه احمد عنها في رواية الميموني وكذلك قال الحسن البصري وقتادة يعق عنه يوم سابعه وقال أبو عمر وكان الحسن البصري يذهب إلى أنها واجبة عن الغلام يوم سابعه فإن لم يعق عنه عق عن نفسه وقال الليث بن سعد يعق عن المولود في أيام سابعه فان لم يتهيأ لهم العقيقة في سابعه فلا بأس أن يعق عنه بعد ذلك وليس بواجب أن يعق عنه بعد سبعة أيام قال أبو عمر وكان الليث يذهب إلى أنها واجبة في السبعة الأيام وقال عطاء إن اخطأ هم أمر العقيقة يوم السابع أحببت أن يؤخره إلى اليوم السابع الآخر وكذلك قال احمد وإسحاق والشافعي ولم يزد مالك على السابع الثاني وقال ابن وهب لا بأس أن يعق عنه في السابع الثالث وهو قول عائشة وعطاء واحمد وإسحاق قال مالك ولا يعد اليوم الذي ولد فيه إلا أن يولد قبل الفجر من ليلة ذلك اليوم والظاهر أن التقييد بذلك استحباب وإلا فلو ذبح عنه في الرابع أو الثامن أو العاشر أو ما بعده أجزأت والاعتبار بالذبح لا بيوم الطبخ والأكل
الفصل التاسع في بيان أن العقيقة افضل من التصدق بثمنها ولو زاد
قال الخلال باب ما يستحب من العقيقة وفضلها على الصدقة



ص -45- اخبرنا سليمان بن الأشعث قال سئل أبو عبد الله وأنا اسمع عن العقيقة أحب إليك أو يدفع ثمنها للمساكين قال العقيقة وقال في رواية الحارث وقد سئل عن العقيقة إن استقرض رجوت أن يخلف الله عليه أحيا سنة وقال له صالح ابنه الرجل يولد له وليس عنده ما يعق أحب إليك أن يستقرض ويعق عنه أم يؤخر ذلك حتى يوسر قال أشد ما سمعنا في العقيقة حديث الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "كل غلام رهينة بعقيقته" وإني لأرجو إن استقرض أن يعجل الله الخلف لأنه أحيا سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع ما جاء عنه انتهى
وهذا لأنه سنة ونسيكة مشروعة بسبب تجدد نعمة الله على الوالدين وفيها سر بديع موروث عن فداء إسماعيل بالكبش الذي ذبح عنه وفداه الله به فصار سنة في أولاده بعده أن يفدي أحدهم عند ولادته بذبح ولا يستنكر أن يكون هذا حرزا له من الشيطان بعد ولادته كما كان ذكر اسم الله عند وضعه في الرحم حرزا له من ضرر الشيطان ولهذا قل من يترك أبواه العقيقة عنه إلا وهو في تخبيط من الشيطان وأسرار الشرع أعظم من هذا ولهذا كان الصواب أن الذكر والأنثى يشتركان في مشروعية العقيقة وإن تفاضلا في قدرها
وأما أهل الكتاب فليست العقيقة عندهم للأنثى وإنما هي للذكر خاصة وقد ذهب إلى ذلك بعض السلف قال أبو بكر بن المنذر وفي هذا الباب قول ثالث قاله الحسن وقتادة كانا لا يريان عن الجارية عقيقة وهذا قول ضعيف لا يلتفت إليه والسنة تخالفه من وجوه كما سيأتي في الفصل الذي بعد هذا
فكان الذبح في موضعه أفضل من الصدقة بثمنه ولو زاد كالهدايا والأضاحي فإن نفس الذبح وإراقة الدم مقصود فإنه عبادة مقرونة بالصلاة كما قال تعالى { فص فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} وقال { قُلْ إِنَّ صَلاتِي



ص -46- وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} الأنعام 162 ففي كل ملة صلاة ونسيكة لا يقوم غيرهما مقامهما ولهذا لو تصدق عن دم المتعة والقران بأضعاف أضعاف القيمة لم يقم مقامه وكذلك الأضحية والله أعلم
الفصل العاشر في تفاضل الذكر والأنثى فيها واختلاف الناس في ذلك
وفيه مسألتان المسألة: الأولى العقيقة سنة عن الجارية كما هي سنة عن الغلام هذا قول جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقد تقدم ما حكاه ابن المنذر عن الحسن وقتادة أنهما كانا لا يريان عن الجارية عقيقة ولعلهما تمسكا بقوله مع الغلام عقيقته وهذا الحديث رواه الحسن وقتادة من حديث سمرة والغلام اسم الذكر دون الأنثى ويرد هذا القول حديث أم كرز أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة لا يضر كم ذكرانا كن أم إناثا وهو حديث صحيح صححه الترمذي وغيره وحديث عائشة أمرنا أن نعق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة رواه ابن أبي شيبة وقد تقدم إسناده
وقال أبو عاصم حدثنا سالم بن تميم عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إن اليهود تعق عن الغلام ولا تعق عن الجارية فعقوا عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة رواه البيهقي من هذا الطريق وقال مالك يذبح عن الغلام شاة واحدة وعن الجارية شاة والذكر والأنثى في ذلك سواء واحتج لهذا القول بما رواه أبو داود في سننه حدثنا أبو معمر حدثنا عبد الوارث حدثنا أيوب عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول عق عن الحسن



ص -47- والحسين كبشا كبشا قال أبو عمر وروى جعفر عن محمد عن أبيه أن فاطمة ذبحت عن الحسن والحسين كبشا كبشا
قال وكان عبد الله بن عمر يعق عن الغلمان والجواري من ولده شاة شاة وبه قال أبو جعفر محمد بن علي بن حسين رضي الله عنهم أجمعين كقول مالك سواء قال أبو عمر وقال ابن عباس وعائشة وجماعة من أهل الحديث "عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة" ثم ذكر طرف حديث أم كرز وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده يرفعه من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة و لا تعارض بين أحاديث التفضيل بين الذكر والأنثى وبين حديث ابن عباس في عقيقة الحسن والحسين فإن حديثه قد روي بلفظين أحدهما أنه عق عنهما كبشا كبشا والثاني أنه عق عنهما كبشين ولعل الراوي أراد كبشين عن كل واحد منهما فاقتصر على قوله كبشين ثم روي بالمعنى كبشا كبشا وذبحت أمهما عنهما كبشين والحديثان كذلك رويا فكان أحد الكبشين من النبي صلى الله عليه وسلم والثاني من فاطمة واتفقت جميع الأحاديث وهذه قاعدة الشريعة فإن الله سبحانه فاضل بين الذكر والأنثى وجعل الأنثى على النصف من الذكر في المواريث والديات والشهادات والعتق و العقيقة كما رواه الترمذي وصححه من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيما امرىء مسلم أعتق مسلما كان فكاكه من النار يجزىء كل عضو منه عضوا منه وأيما امرىء مسلم أعتق امرأتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزىء كل عضو منهما عضوا منه وفي مسند الامام أحمد من حديث مرة بن كعب السلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أيما رجل أعتق رجلا مسلما كان فكاكه من النار يجزىء بكل عضو من أعضائه عضوا من أعضائه وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار يجزىء بكل عضو من أعضائها عضوا من أعضائها رواه أبو داود في السنن فجرت المفاضلة في العقيقة هذا المجرى لو لم يكن فيها سنة كيف والسنن الثابتة صريحة بالتفضيل



ص -48- في العقيقة هذا المجرى لو لم يكن فيها سنة كيف والسنن الثابتة صريحة بالتفضيل
الفصل الحادي عشر في ذكر الغرض من العقيقة وحكمها وفوائدها
قال الخلال في جامعه باب ذكر الغرض في العقيقة وما يؤمل لإحياء السنة من الخلف ثم ذكر رواية الحارث أنه قال لأبي عبد الله في العقيقة فإن لم يكن عنده ما يعق قال إن استقرض رجوت أن يخلف الله عليه أحيا سنة ومن رواية صالح عن أبيه إني لأرجو إن استقرض أن يجعل الله له الخلف أحيا سنة من سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبع ما جاء عنه
ومن فوائدها أنها قربان يقرب به عن المولود في أول أوقات خروجه إلى الدنيا والمولود ينتفع بذلك غاية الانتفاع كما ينتفع بالدعاء له وإحضاره مواضع المناسك والإحرام عنه وغير ذلك ومن فوائدها أنها تفك رهان المولود فإنه مرتهن بعقيقته قال الامام أحمد مرتهن عن الشفاعة لوالديه وقال عطاء بن أبي رباح مرتهن بعقيقته قال يحرم شفاعة ولده
ومن فوائدها أنها فدية يفدى بها المولود كما فدى الله سبحانه إسماعيل الذبيح بالكبش وقد كان أهل الجاهلية يفعلونها ويسمونها عقيقة ويلطخون رأس الصبي بدمها فأقر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذبح وأبطل اسم العقوق ولطخ رأس الصبي بدمها فقال لا أحب العقوق وقال لا يمس رأس المولود بدم وأخبر أن ما يذبح عن المولود إنما ينبغي أن يكون على سبيل النسك كالأضحية والهدي فقال من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل فجعلها على سبيل الأضحية التي جعلها الله نسكا وفداء



ص -49- لإسماعيل عليه السلام وقربه إلى الله عز وجل وغير مستبعد في حكمة الله في شرعه وقدره أن يكون سببا لحسن إنبات الولد ودوام سلامته وطول حياته في حفظه من ضرر الشيطان حتى يكون كل عضو منها فداء كل عضو منه ولهذا يستحب أن يقال عليها ما يقال على الأضحية
قال أبو طالب سألت أبا عبد الله إذا أراد الرجل أن يعق كيف يقول قال يقول باسم الله ويذبح على النية كما يضحي بنيته يقول هذه عقيقة فلان بن فلان ولهذا يقول فيها اللهم منك ولك ويستحب فيها ما يستحب في الأضحية من الصدقة وتفريق اللحم فالذبيحة عن الولد فيها معنى القربان والشكران والفداء والصدقة وإطعام الطعام عند حوادث السرور العظام شكرا لله وإظهار لنعمته التي هي غاية المقصود من النكاح فإذا شرع الإطعام للنكاح الذي هو وسيلة إلى حصول هذه النعمة فلأن يشرع عند الغاية المطلوبة أولى وأحرى
وشرع بوصف الذبح المتضمن لما ذكرناه من الحكم فلا أحسن ولا أحلى في القلوب من مثل هذه الشريعة في المولود وعلى نحو هذا جرت سنة الولائم ُ في المناكح وغيرها فإنها إظهار للفرح والسرور بإقامة شرائع الإسلام وخروج نسمه مسلمة يكاثر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمم يوم القيامة تعبدا لله ويراغم عدوه
ولما أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم العقيقة في الإسلام وأكد أمرها وأخبر أن الغلام مرتهن بها نهاهم أن يجعلوا على رأس الصبي من الدم شيئا وسن لهم أن يجعلوا عليه شيئا من الزعفران لأنهم في الجاهلية إنما كانوا يلطخون رأس المولود بدم العقيقة تبركا به فإن دم الذبيحة كان مباركا عندهم حتى كانوا يلطخون منه آلهتهم تعظيما لها وإكراما فأمر بترك ذلك لما فيه من التشبه بالمشركين وعوضوا عنه بما هو أنفع للأبوين وللمولود وللمساكين وهو حلق رأس الطفل والتصدق بزنة شعره ذهبا أو فضة وسن لهم أن



ص -50- يلطخوا الرأس بالزعفران الطيب الرائحة الحسن اللون بدلا عن الدم الخبيث الرائحة النجس العين والزعفران من أطيب الطيب وألطفه وأحسنه لونا وكان حلق رأسه إماطة الأذى عنه وإزالة الشعر الضعيف ليخلفه شعر أقوى وأمكن منه وأنفع للرأس ومع ما فيه من التخفيف عن الصبي وفتح مسام الرأس ليخرج البخار منها بيسر وسهولة وفي ذلك تقوية بصره وشمه وسمعه
وشرع في المذبوح عن الذكر أن يكون شاتين إظهار لشرفه وإباحة لمحله الذي فضله الله به على الأنثى كما فضله في الميراث والدية والشهادة وشرع أن تكون الشاتان مكافئتين قال أحمد في رواية أبي داود مستويتان أو متقاربتان وقال في رواية الميموني مثلان في رواية جعفر بن الحارث تشبه إحداهما الأخرى لأن كل شاة منهما كانت بدلا وفداء وجعلت الشاتان مكافئتين في الجنس والسن فجعلتا كالشاة الواحدة والمعنى أن الفداء لو وقع بالشاة الواحدة لكان ينبغي أن تكون فاضلة كاملة فلما وقع بالشاتين لم يؤمن أن يتجوز في إحداهما ويهون أمرها إذ كان قد حصل الفداء بالواحدة والأخرى كأنها تتمه غير مقصود فشرع أن تكونا متكافئتين دفعا لهذا التوهم
وفي هذا تنبيه على تهذيب العقيقة من العيوب التي لا يصح بها القربان من الأضاحي وغيرها ومنها فك رهان المولود فإنه مرتهن بعقيقته كما قال النبي صلى الله عليه وسلم اختلف في معنى هذا الحبس والارتهان فقالت طائفة هو محبوس مرتهن عن الشفاعة لوالديه كما قال عطاء وتبعه عليه الامام أحمد وفيه نظر لا يخفى فإن شفاعة الولد في الوالد ليست بأولى من العكس وكونه والدا له ليس للشفاعة فيه وكذا سائر القرابات والارحام وقد قال تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي



ص -51- وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً} لقمان 33 وقال تعالى { وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ } البقرة 48 وقال تعالى { ِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفَاعَةٌ} البقرة 254 فلا يشفع أحد لأحد يوم القيامة إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى فإذنه سبحانه في الشفاعة موقوف على عمل المشفوع له من توحيده وإخلاصه ومن الشافع من قربه عند الله ومنزلته ليست مستحقة بقرابة ولا بنوة ولا أبوة وقد قال سيد الشفعاء وأوجههم عند الله لعمه ولعمته وابنته لا أغني عنكم من الله شيئا وفي رواية لا أملك لكم من الله شيئا وقال في شفاعته العظمى لما يسجد بين يدي ربه ويشفع فيحد لي حدا فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة فشفاعته في حد محدود يحدهم الله سبحانه له لا يجاوزهم شفاعته
فمن أين يقال إن الولد يشفع لوالده فإذا لم يعق عنه حبس عن الشفاعة له ولا يقال لمن لم يشفع لغيره إنه مرتهن ولا في اللفظ ما يدل على ذلك والله سبحانه يخبر عن ارتهان العبد بكسبه كما قال الله تعالى { كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} المدثر 38 وقال تعالى { أُولَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا} الأنعام 70 فالمرتهن هو المحبوس إما بفعل منه أو فعل من غيره وأما من لم يشفع لغيره فلا يقال له مرتهن على الإطلاق بل المرتهن هو المحبوس عن أمر كان بصدد نيله وحصوله ولا يلزم من ذلك أن يكون بسبب منه بل يحصل ذلك تارة بفعله وتارة بفعل غيره وقد جعل الله سبحانه النسيكة عن الولد سببا لفك رهانه من الشيطان الذي يعلق به من حين خروجه إلى الدنيا وطعن في خاصرته فكانت



ص -52- العقيقة فداء وتخليصا له من حبس الشيطان له وسجنه في أسره ومنعه له من سعيه في مصالح آخرته التي إليها معاده فكأنه محبوس لذبح الشيطان له بالسكين التي أعدها لأتباعه وأوليائه وأقسم لربه أنه ليستأصلن ذرية آدم إلا قليلا منهم فهو بالمرصاد للمولود من حين يخرج إلى الدنيا فحين يخرج يبتدره عدوه ويضمه إليه ويحرص على أن يجعله في قبضته وتحت أسره ومن جملة أوليائه وحزبه فهو أحرص شيء على هذا
وأكثر المولودين من أقطاعه وجنده كما قال تعالى { وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} الإسراء 64 وقال { وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} سبأ 20 فكان المولود بصدد هذا الارتهان فشرع الله سبحانه للوالدين أن يفكا رهانه بذبح يكون فداه فإذا لم يذبح عنه بقي مرتهنا به فلهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "الغلام مرتهن بعقيقته فأريقوا عنه الدم وأميطوا عنه الأذى" فأمر بإراقة الدم عنه الذي يخلص به من الارتهان ولو كان الارتهان يتعلق بالأبوين لقال فأريقوا عنكم الدم لتخلص إليكم شفاعة أولادكم فلما أمر بإزالة الأذى الظاهر عنه وإراقة الدم الذي يزيل الأذى الباطن بارتهانه علم أن ذلك تخليص للمولود من الأذى الباطن والظاهر والله أعلم بمراده ورسوله
الفصل الثاني عشر في استحباب طبخها دون إخراج لحمها نيئا
قال الخلال في جامعه باب ما يستحب من ذبح العقيقة أخبرني عبد الملك الميموني أنه قال لأبي عبد الله العقيقة تطبخ قال نعم وأخبرني محمد بن علي قال حدثنا الأثرم أن أبا عبد الله قال في العقيقة تطبخ جداول
وأخبرني أبو داود أنه قال لأبي عبد الله تطبخ العقيقة قال نعم قيل له



ص -53- إنه يشتد عليهم طبخه قال يتحملون ذلك
وأخبرني محمد بن الحسين أن الفضل بن زياد حدثهم أن أبا عبد الله قيل له في العقيقة تطبخ بماء وملح قال يستحب ذلك قيل له فإن طبخت بشيء آخر قال ما ضر ذلك
وهذا لأنه إذا طبخها فقد كفى المساكين والجيران مؤنة الطبخ وهو زيادة في الإحسان وشكر هذه النعمة ويتمتع الجيران والأولاد والمساكين بها هنيئة مكفية المؤنة فإن من أهدي له لحم مطبوخ مهيأ للأكل مطيب كان فرحه وسروره به أتم من فرحه بلحم نيء يحتاج إلى كلفة وتعب فلهذا قال الإمام أحمد يتحملون ذلك وأيضا فإن الأطعمة المعتادة التي تجري مجرى الشكران كلها سبيلها الطبخ
ولها أسماء متعددة
1 _ فالقرى طعام الضيفان
2_ والمأدبة طعام الدعوة
3_ والتحفة طعام الزائر
4_ والوليمة طعام العرس
5_ والخرس طعام الولادة
6_ والعقيقة الذبح عنه يوم حلق رأسه في السابع
7_ والغديرة طعام الختان
8_ والوضيمة طعام المأتم
9_ والنقيعة طعام القادم من سفره
10_ والوكيرة طعام الفراغ من البناء فكان الإطعام عند هذه الأشياء أحسن من تفريق اللحم في مكارم الأخلاق والجود، والله أعلم



ص -54- الفصل الثالث عشر في كراهة كسر عظامها
قال الخلال في جامعه باب كراهة كسر عظم العقيقة وأن تقطع آرابا أخبرني عبد الملك بن عبد الحميد أنه سمع أبا عبد الله يقول في العقيقة لا يكسر عظمها ولكن يقطع كل عظم من مفصله فلا تكسر العظام
أخبرنا عبد الله بن أحمد قال قلت لأبي كيف يصنع بالعقيقة قال تفصل أعضاؤها ولا يكسر لها عظم ثم ذكر عن صالح وحنبل والفضل بن زياد وأبي الحارث وأبي طالب أن أبا عبد الله قال في العقيقة تفصل تفصيلا ولا يكسر لها عظم وتفصل جداول
وقد ذكر أبو داود في كتاب المراسيل عن جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العقيقة التي عقتها فاطمة عن الحسن والحسين أن ابعثوا إلى القابلة منها برجل وكلوا وأطعموا ولا تكسروا منها عظما وذكر البيهقي من حديث عبد الوارث عن عامر الأحول عن عطاء عن أم كرز قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة وكان عطاء يقول تقطع جدولا ولا يكسر لها عظم أظنه قال وتطبخ
ورواه ابن جريح عن عطاء وقال تقطع آرابا وتطبخ بماء وملح وتهدى في الجيران
وروي في ذلك عن جابر بن عبد الله قوله وعن عائشة أم المؤمنين فروى ابن المنذر عن عطاء عن أبي كرز وأم كرز قالا قالت امرأة من أهل عبد الرحمن بن أبي بكر لما ولدت امرأة عبد الرحمن نحرنا جزورا فقالت عائشة لا بل السنة شاتان مكافئتان يتصدق بهما عن الغلام وشاة عن الجارية ولا يكسر لها عظم فتأكل وتطعم وتتصدق ويكون ذلك في السابع فإن لم يفعل ففي الرابع عشر فإن لم يفعل ففي إحدى وعشرين



ص -55- قال ابن المنذر وقال الشافعي العقيقة سنة واجبة ويتقى فيها من العيوب ما يتقى في الضحايا ولا يباع لحمها ولا إهابها ولا يكسر لها عظم ويأكل أهلها منها ويتصدقون ولا يمس الصبي بشيء من دمها قال أبو عمر وقول مالك مثل الشافعي إلا أنه قال يكسر عظامها ويطعم منها الجيران ولا يدعى الرجال كما يفعل بالوليمة قال وقال ابن شهاب لا بأس بكسر عظامها وهو قول مالك والذين رأوا تكسير عظامها قالوا لم يصح في المنع من ذلك ولا في كراهته سنة يجب المصير إليها وقد جرت العادة بكسر عظام اللحم وفي ذلك مصلحة أكله وتمام الانتفاع به ولا مصلحة تمنع من ذلك والذين كرهوا عظامها تمسكوا بالآثار التي ذكرناها عن الصحابة والتابعين وبالحديث المرسل الذي رواه أبو داود وذكروا في ذلك وجوها في الحكمة
أحدها إظهار شرف هذا الإطعام وخطره إذا كان يقدم للآكلين ويهدى إلى الجيران ويطعم للمساكين فاستحب أن يكون قطعا كل قطعة تامة في نفسها لم يكسر من عظامها شيء ولا نقص العضو منها شيئا ولا ريب أن هذا أجل موقعا وأدخل في باب الجود من القطع الصغار
المعنى الثاني أن الهدية إذا شرفت وخرجت عن حد الحقارة وقعت موقعا حسنا عند المهدى إليه ودلت على شرف نفس المهدي وكبر همته وكان في ذلك تفاؤلا بكبر نفس المولود وعلو همته وشرف نفسه
المعنى الثالث أنها لما جرت مجرى الفداء استحب أن لا تكسر عظامها تفاؤلا بسلامة أعضاء المولود وصحتها وقوتها وبما زال من عظام فدائه من الكسر وجرى كسر عظامها عند من كرهه مجرى تسميتها عقيقة فهذه الكراهة في الكسر نظير تلك الكراهة في الاسم والله أعلم



ص -56- الفصل الرابع عشر في السن المجزىء فيها
قال الخلال في الجامع باب ما يستحب من الأسنان في العقيقة ثم ذكر مسائل أبي طالب أنه سأل أبا عبد الله عن العقيقة تجزىء بنعجة أو حمل كبير قال فحل خير وقد روي ذكرانا وإناثا فإن كانت نعجة فلا بأس قلت فالحمل قال الأسن خير وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم "من ولد له مولود فأحب أن ينسك عنه فليفعل" فالدليل على أنه إنما يجزىء في النسك سواء من الضحايا والهدايا ولأنه ذبح مسنون إما وجوبا وإما استحبابا يجري مجرى الهدي والأضحية في الصدقة والهدية والأكل والتقرب إلى الله فاعتبر فيها السن الذي يجزىء فيهما ولأنه شرع بوصف التمام والكمال ولهذا شرع في حق الغلام شاتان وشرع أن تكونا مكافئتين لا ينقص إحداهما عن الأخرى فاعتبر أن يكون سنهما سن الذبائح المأمور بها ولهذا جرت مجراها في عامة أحكامها
قال أبو عمر بن عبد البر وقد أجمع العلماء أنه لا يجوز في العقيقة إلا ما يجوز في الضحايا من الأزواج الثمانية إلا من شذ ممن لا يعد قوله خلافا وأما ما رواه مالك في الموطأ عن ربيعة بن عبد الرحمن عن محمد بن إبراهيم التيمي أنه قال سمعت أبي يقول تستحب العقيقة ولو بعصفور فإنه كلام خرج على التقليل والمبالغة كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر في



ص -57- الفرس لا تأخذه ولو أعطاكه بدرهم وكقوله في الجارية إذا زنت فبيعوها ولو بضفير
وقال مالك العقيقة بمنزلة النسك والضحايا ولا يجوز فيها عوراء ولا عجفاء ولا مكسورة ولا مريضة ولا يباع من لحمها شيء ولا جلدها ويكسر عظامها ويأكل أهلها منها ويتصدقون
الفصل الخامس عشر أنه لا يصح الاشتراك فيها
ولا يجزىء الرأس إلا عن رأس هذا مما تخالف فيه العقيقة الهدي والأضحية
قال الخلال في جامعه باب حكم الجزور عن سبعة اخبرني عبد الملك ابن عبد الحميد أنه قال لأبي عبد الله تعق جزورا فقال أليس قد عق بجزور قلت يعق بجزور عن سبعة قال لم أسمع في ذلك بشيء ورأيته لا ينشط بجزور عن سبعة في العقوق
قلت لما كانت هذه الذبيحة جارية مجرى فداء المولود كان المشروع فيه دما كاملا لتكون نفس فداء نفس وأيضا فلو صح فيها الاشتراك لما حصل المقصود من إراقة الدم عن الولد فإن إراقة الدم تقع عن واحد ويحصل لباقي الأولاد إخراج اللحم فقط والمقصود نفس الإراقة عن الولد وهذا المعنى بعينه هو الذي لحظة من منع الاشتراك في الهدي والأضحية ولكن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق وأولى أن تتبع وهو الذي شرع الاشتراك في الهدايا وشرع في العقيقة عن الغلام دمين مستقلين لا يقوم مقامهما جزور ولا بقرة والله أعلم



ص -58- الفصل السادس عشر هل تشرع العقيقة بغير الغنم كالإبل والبقر أم لا
وقد اختلف الفقهاء هل يقوم غير الغنم مقامها في العقيقة قال ابن المنذر واختلفوا في العقيقة بغير الغنم فروينا عن أنس بن مالك أنه كان يعق عن ولده الجزور وعن أبي بكرة أنه نحر عن ابنه عبد الرحمن جزورا فأطعم أهل البصرة ثم ساق عن الحسن قال كان أنس بن مالك يعق عن ولده الجزور ثم ذكر من حديث يحيى بن يحيى أنبانا هشيم عن عيينة بن عبد الرحمن عن أبيه أن أبا بكرة ولد له ابنه عبد الرحمن وكان أول مولود ولد في البصرة فنحر عنه جازورا فأطعم أهل البصرة وأنكر بعضهم ذلك وقال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاتين عن الغلام وعن الجارية بشاة ولا يجوز أن يعق بغير ذلك
روينا عن يوسف بن ماهك أنه دخل مع ابن أبي مليكة على حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر وولدت للمنذر بن الزبير غلاما فقلت هلا عقيت جزورا فقالت معاذ الله كانت عمتي تقول عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة وقال مالك الضأن في العقيقة أحب إلي من البقر والغنم أحب إلي من الإبل والبقر والإبل في الهدي أحب إلي من الغنم والإبل في الهدي أحب إلي من البقر
قال ابن المنذر ولعل حجة من رأى أن العقيقة تجزىء بالإبل والبقر قول النبي صلى الله عليه وسلم مع الغلام عقيقته فأهريقوا عنه دما ولم يذكر دما دون دم فما ذبح عن المولود على ظاهر هذا الخبر يجزيء قال ويجوز أن يقول قائل إن هذا مجمل وقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة مفسر والمفسر أولى من المجمل



ص -59- الفصل السابع عشر في بيان مصرفها
قال الخلال في جامعه في باب ذكر ما يتصدق به من العقيقة ويهدى أخبرنا عبد الله بن أحمد أن أباه قال العقيقة تؤكل ويهدى منها أخبرنا عصمة بن عصام حدثنا حنبل قال سمعت أبا عبد الله يسأل عن العقيقة كيف يصنع بها قال كيف شئت قال وكان ابن سيرين يقول اصنع ما شئت قيل له يأكلها أهلها قال نعم ولا تؤكل كلها ولكن يأكل ويطعم وكذلك قال في رواية الأثرم وقال في رواية أبي الحارث وصالح ابنه يأكل ويطعم جيرانه وقال له ابنه عبد الله كم يقسم من العقيقة قال ما أحب وقال الميموني سألت أبا عبد الله أيؤكل من العقيقة قال نعم يؤكل منها قلت كم قال لا أدري أما الأضاحي فحديث ابن مسعود وابن عمر ثم قال لي ولكن العقيقة يؤكل منها قلت يشبهها في أكل الأضحية قال نعم يؤكل منها وقال الميموني قال أبو عبد الله يهدي ثلث الأضحية إلى الجيران قلت الفقراء من الجيران قال بلى فقراء الجيران قال تشبه العقيقه به قال نعم من شبه به فليس ببعيد
قال الخلال وأخبرني محمد بن علي حدثنا الأثرم أن عبد الله قيل له في العقيقة يدخر منها مثل الأضاحي قال لا أدري أخبرني منصور أن جعفرا حدثهم قال سمعت أبا عبد الله يسأل عن العقيقة قيل يبعث منها إلى القابلة بشيء أراه قال نعم وأخبرني عبد الملك أنه سمع أبا عبد الله يقول ويهدى إلى القابلة منها يحكى أنه أهدى إلى القابلة حين عق عن الحسين يعني النبي صلى الله عليه وسلم
قال الخلال أخبرنا محمد بن أحمد قال حدثني أبي حدثنا حفص بن غياث حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يبعثوا إلى القابلة



ص -60- برجل من العقيقة ورواه البيهقي من حديث حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة فقال زني شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة وأعطي القابلة رجل العقيقة رواه الحميدي عن حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا أعطى القابلة رجل العقيقة
واختلف هل يدعى إليها الناس كما يفعل بالوليمة أو يهدي ولا يدعو الناس إليها فقال أبو عمر بن عبد البر قول مالك إنه يكسر عظامها ويطعم منها الجيران ولا يدعى الرجال كما يفعل بالوليمة ولا أعرف غيره كره ذلك والله أعلم
الفصل الثامن عشر في حكم اجتماع العقيقة والأضحية
قال الخلال باب ما روي أن الأضحية تجزىء عن العقيقة أخبرنا عبد الملك الميموني أنه قال لأبي عبد الله يجوز أن يضحى عن الصبي مكان العقيقة قال لا أدري ثم قال غير واحد يقول به قلت من التابعين قال نعم وأخبرني عبد الملك في موضع آخر قال ذكر أبو عبد الله أن بعضهم قال فإن ضحى أجزأ عن العقيقة وأخبرنا عصمة ابن عصام حدثنا حنبل أن أبا عبد الله قال أرجو أن تجزىء الأضحية عن العقيقة إن شاء الله تعالى لمن لم يعق
وأخبرني عصمة بن عصام في موضع آخر قال حدثنا حنبل أن أبا عبد الله قال فإن ضحى عنه أجزأت عنه الضحية من العقوق قال ورأيت أبا عبد الله اشترى أضحية ذبحها عنه وعن أهله وكان ابنه عبد الله ضغيرا فذبحها أراه أراد بذلك العقيقة والأضحية وقسم اللحم وأكل منها
أخبرنا عبد الله بن أحمد قال سألت أبي عن العقيقة يوم الأضحى تجزىء



ص -61- أن تكون أضحية وعقيقة قال إما أضحية وإما عقيقة على ما سمى وهذا يقتضي ثلاث روايات عن أبي عبد الله إحداها إجزاؤها عنهما والثانية وقوعها عن أحدهما والثالثة التوقف ووجه عدم وقوعها عنهما أنهما ذبحان بسببين مختلفين فلا يقوم الذبح الواحد عنهما كدم المتعة ودم الفدية ووجه الإجزاء حصول المقصود منها بذبح واحد فإن الأضحية عن المولود مشروعة كالعقيقة عنه فإذا ضحى ونوى أن تكون عقيقة وأضحية وقع ذلك عنهما كما لو صلى ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة المكتوبة أو صلى بعد الطواف فرضا أو سنة مكتوبة وقع عنه وعن ركعتي الطواف وكذلك لو ذبح المتمتع والقارن شاة يوم النحر أجزأه عن دم المتعة وعن الأضحية والله أعلم
الفصل التاسع عشر في حكم من لم يعق عنه أبواه هل يعق عن نفسه إذا بلغ
قال الخلال باب ما يستحب لمن لم يعق عنه صغيرا أن يعق عن نفسه كبيرا ثم ذكر من مسائل إسماعيل بن سعيد الشالنجي قال سألت أحمد عن الرجل يخبره والده أنه لم يعق عنه هل يعق عن نفسه قال ذلك على الأب ومن مسائل الميموني قال قلت لأبي عبد الله إن لم يعق عنه صغيرا يعق عنه كبيرا فذكر شيئا يروى عن الكبير ضعفه ورأيته يستحسن إن لم يعق عنه صغيرا أن يعق عنه كبيرا وقال أن فعله إنسان لم أكرهه قال وأخبرني عبد الملك في موضع آخر أنه قال لأبي عبد الله فيعق عنه كبيرا قال لم أسمع في الكبير شيئا قلت أبوه كان معسرا ثم أيسر فأراد أن لا يدع ابنه حتى يعق عنه قال لا أدري ولم أسمع في الكبير شيئا ثم قال ومن فعله فحسن ومن الناس من يوجبه



ص -62- قال الخلال أخبرني أبو المثنى العنبري أن أبا داود حدثهم قال سمعت أحمد يحدث بحديث الهيثم بن جميل عن عبد الله بن المثنى عن ثمانة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه
قال أحمد عبد الله بن المحرر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه منكر وضعف عبد الله بن محرر قال الخلال أنبأنا محمد بن عوف الحمصي حدثنا الهيثم بن جميل حدثنا عبد الله بن المثنى عن رجل من آل أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد ما جاءته النبوة في مصنف عبد الرزاق أنبأنا عبد الله بن محرر عن قتادة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن نفسه بعد النبوة قال عبد الرزاق إنما تركوا ابن محرر لهذا الحديث
الفصل العشرون في حكم جلدها وسواقطها
قال الخلال أخبرني عبد الملك الميموني أن أبا عبد الله قال له إنسان في العقيقة الجلد والرأس والسقط يباع ويتصدق به قال يتصدق به وقال عبد الله بن أحمد حدثنا أبي حدثنا يزيد حدثنا هشام عن الحسن أنه قال يكره أن يعطي جلد العقيقة والأضحية على يعمل به قلت معناه يكره أن يعطى في أجرة الجازر والطباخ وقد تقدم قوله في رواية حنبل اصنع بها ما شئت وقوله في رواية عبد الله يقسم منها ما أحب وقال أبو عبد الله بن حمدان في رعايته ويجوز بيع جلودها وسواقطها ورأسها والصدقة بثمن ذلك نص عليه وقيل يحرم البيع ولا يصح وقيل ينقل حكم الأضحية إلى العقيقة وعكسه فيكون فيهما روايتان بالنقل والتخريج والتفرقة أشهر وأظهر
قلت: النص الذي ذكره هو ما ذكرناه من مسائل الميموني وهو محتمل لما



ص -63- ذكره ومحتمل لعكسه أنه يتصدق به دون ثمنه فتأمله إلا أن يكون عنه نص آخر صريح بالبيع وقد قال في رواية جعفر بن محمد وقد سئل عن جلد البقرة في الأضحية فقال وقد روي عن ابن عمر أنه قال يبيعه ويتصدق به وهو مخالف لجلد الشاة يتخذ منه مصلى وهذا لا ينتفع به في البيت قال إن جلد البقرة يبلغ كذا
قال الخلال وأخبرني عبد الملك بن عبد الحميد أن أبا عبد الله قال إن ابن عمر باع جلد بقرة وتصدق بثمنه قال وهكذا لا يباع لأن البعير والبقرة ليس ينتفع به أحد يتخذه في البيت يجلس عليه ولا يصلح هاهنا لشيء إنما يباع ويتصدق بثمنه وجلد الشاة يتخذ لضروب وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله وذكر قول ابن عمر أنه كان يقول في جلد البقرة يباع ويتصدق به وكأنه يذهب إلى أن ثمنه كثير وقال أبو الحارث سئل أبو عبد الله عن جلد البقرة إذا ضحى بها فقال ابن عمر ويروى عنه يبيعه ويتصدق به وقال اسحاق بن منصور قلت لأبي عبد الله جلود الأضاحي ما يصنع بها قال ينتفع بها ويتصدق بثمنها قلت تباع ويتصدق بثمنها قال نعم حديث ابن عمر
وقال المروزي مذهب أبي عبد الله أن لا تباع جلود الأضاحي وأن يتصدق بها واحتج بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أن يتصدق بجلودها وأجلتها وقال في روية حنبل لا بأس أن يتخذ من جلود الأضحية وطاء يقعد عليه ولا يباع إلا أن يتصدق به فقال لا ينتفع بجلود الأضاحي قيل له يأخذه لنفسه ينتفع به قال ما كان واجبا أو كان عليه نذرا وما أشبه هذا فإنه يبيعه ويتصدق بثمنه وما كان تطوعا فإنه ينتفع به في منزله



ص -64- إن شاء قال وقال في رواية جعفر بن محمد يتصدق بجلد الأضحية ويتخذ منه في البت إهابا ولا يبيعه وفي رواية أبي الحارث يتصدق به ويتخذ منه إهابا أو مصلى في البيت وفي رواية ابن منصور يتصدق بجلودها وينتفع بها ولا يبيعها وفي رواية الميموني لا يباع ويتصدق به قالوا له فيبيعه ويتصدق بثمنه قال لا -يتصدق به كما هو
وقال أحمد بن القاسم إن أبا عبد الله قال في جلد الأضحية يستحب أن يكون ثمنها في المنخل أو الشيء مما يستعمل في البيت ولا يعطى الجزار قال أبو طالب سألت أبا عبد الله عن جلود الأضاحي قال الشعبي وإبراهيم يقولان لا يبتاع به غربال أو منخل قال يقولون يبتاع بالجلد غربال أو منخل ولا يبيعه ويشتري به قلت يعاوض به قال نعم قلت يعجبك هذا قال إنما يجعله لله و لا يبيعه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عليا أن يتصدق بالجلال والجلود قلت فيعطي الذي يذبح قال لا قلت أبيعه وأتصدق به قال لا كان ابن عمر يدفعه إليهم فيبيعونه لأنفسهم قلت أبيعه بثلاثة دراهم وأعطيه ثلاثة مساكين قال اجمعهم وادفعه إليهم قال وكان مسروق وعلقمة يتخذونه مصلى أو شيئا في البيت هذا أرخص ما يكون فيه أن يتخذه في بيته
وقال حرب قلت لأحمد رجل أخذ جلد أضحية فقومه وتصدق بثمنه وحبس الجلد قال لا بأس أن يبيع جلد الأضحية
وقال الخلال باب استحبابه لبيع جلد البقرة ويتصدق بثمنه أخبرني منصور بن الوليد أن جعفر بن محمد حدثهم أن أبا عبد الله قيل له جلد البقرة قال قد روي عن ابن عمر أنه قال يبيعه ويتصدق به وهو مخالف لجلد الشاة يتخذ منه مصلى وهذا لا ينتفع به في البيت قال إن



ص -65- جلد البقرة يبلغ كذا وقال أبو الحارث إن أبا عبد الله سئل عن جلد البقرة إذا ضحى بها قال ابن عمر يروى عنه أنه قال يبيعه ويتصدق به وقال مهنا سألت أحمد عن الرجل يشتري البقرة يضحي بها يبيع جلدها بعشرين درهما وأكثر من عشرين فيشتري بثمن الجلد أضحية يضحي بها ما ترى في ذلك فقال يروى فيه عن ابن عمر مثل هذا وقال إسحاق بن منصور قلت لأبي عبد الله جلود الأضاحي ما يصنع بها قال ينتفع بها ويتصدق بها وتباع ويتصدق بثمنها قلت تباع ويتصدق بثمنها قال نعم حديث ابن عمر فهذه نصوصه في جلود العقيقة والأضحية وفي الواجب والمستحب كما ترى والله أعلم
الفصل الحادي والعشرون فيما يقال عند ذبحها
قال ابن المنذر ذكر تسمية من يعق عنه حدثنا عبد الله بن محمد حدثنا أبي حدثنا هشام عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت قال النبي صلى الله عليه وسلم "اذبحوا على اسمه فقولوا بسم الله اللهم لك وإليك هذه عقيقة فلان" قال ابن المنذر وهذا حسن وإن نوى العقيقة ولم يتكلم به أجزأه إن شاء الله
وقال الخلال باب ما يقال عند ذبح العقيقة حدثنا أحمد بن محمد بن مطر



ص -66- وزكريا بن يحيى أن أبا طالب حدثهم أنه سأل أبا عبد الله إذا أراد الرجل أن يعق كيف يقول قال يقول بسم الله ويذبح على النية كما يضحي بنيته يقول هذه عقيقة فلان بن فلان وظاهر هذا أنه اعتبر النية واللفظ جميعا كما يلي ويحرم عن غيره بالنية واللفظ فيقول لبيك اللهم عن فلان أو إحرامي عن فلان ويؤخذ من هذا أنه إذا أهدى له ثواب عمل أن ينويه عنه ويقول اللهم هذا عن فلان أو اجعل ثوابه لفلان وقد قال بعضهم ينبغي أن يعلقه بالشرط فيقول اللهم إن كنت قبلت مني هذا العمل فاجعل ثوابه لفلان لأنه لا يدري اقبل منه أم لا وهذا لا حاجة إليه والحديث يرده فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لمن سمعه يلبي عن شبرمة قل اللهم إن كنت قبلت إحرامي فاجعله عن شبرمة ولا قال لأحد ممن سأله أن يحج عن قريبه ذلك ولا في حديث واحد ألبتة وهدية أولى ما اتبع ولا يحفظ عن أحد من السلف ألبتة أنه علق الإهداء والضحية والعقيقة عن الغير بالشرط بل المنقول عنهم اللهم هذا عن فلان بن فلان وهذا كاف فإن الله سبحانه إنما يوصل إليه ما قبله من العمل شرطه المهدي أو لم يشرطه والله أعلم
الفصل الثاني والعشرون في حكم اختصاصها بالأسابيع
هاهنا أربعة أمور تتعلق بالسابع عقيقته وحلق رأسه وتسميته وختانه فالأولان مستحبان في اليوم السابع اتفاقا وأما تسميته وختانه فيه فمختلف فيهما كما سنذكره إن شاء الله تعالى وقد تقدمت الآثار بذبح العقيقة يوم السابع وحكمة هذا والله اعلم أن الطفل حين يولد يكون أمره مترددا بين السلامة والعطب ولا يدري هل هو من أهل الحياة أم لا إلى أن تأتي عليه مدة يستدل بما يشاهد من أحواله فيها على سلامة بنيته



ص -67- وصحة خلقته وأنه قابل للحياة وجعل مقدار تلك المدة أيام الأسبوع فإنه دور يومي كما أن السنة دور شهري
هذا هو الزمان الذي قدره الله يوم خلق السماوات والأرض وهو سبحانه خص أيام تخليق العالم بستة أيام وكنى كل يوم منها اسما يخصه به وخص كل يوم منها بصنف من الخليقة أو جده فيها وجعل يوم إكمال الخلق واجتماعه وهو يوم اجتماع الخليقة مجمعا وعيدا للمؤمنين يجتمعون فيه لعبادته وذكره والثناء عليه وتحميده وتمجيده والتفرغ من أشغال الدنيا لشكره والإقبال على خدمته وذكر ما كان في ذلك اليوم من المبدإ وما يكون فيه من المعاد وهو اليوم الذي استوى فيه الرب تبارك وتعالى على عرشه واليوم الذي خلق الله فيه أبانا آدم واليوم الذي أسكنه فيه الجنة واليوم الذي أخرجه فيه منها واليوم الذي ينقضي فيه أجل الدنيا وتقوم الساعة وفيه يجيء الله سبحانه وتعالى ويحاسب خلقه ويدخل أهل الجنة منازلهم وأهل النار منازلهم
والمقصود أن هذه الأيام أول مراتب العمر فإذا استكملها المولود انتقل إلى المرتبة الثانية وهي الشهور فإذا استكملها انتقل إلى الثالثة وهي السنين فما نقص عن هذه الأيام فغير مستوف للخليقة وما زاد عليها فهو مكرر يعاد عند ذكره اسم ما تقدم من عدده فكانت الستة غاية لتمام الخلق وجمع في آخر اليوم السادس منها فجعلت تسمية المولود وإماطة الأذى عنه وفديته وفك رهانه في اليوم السابع كما جعل الله سبحانه اليوم السابع من الأسبوع عيدا لهم يجتمعون فيه مظهرين شكره وذكره فرحين بما آتاهم الله من فضله من تفضيله لهم على سائر الخلائق المخلوقة في الأيام قبله
فإن الله سبحانه أجرى حكمته بتغير حال العبد في كل سبعة أيام وانتقاله من حال إلى حال فكان السبعة طورا من أطواره وطبقا من



ص -68- أطباقه ولهذا تجد المريض تتغير أحواله في اليوم السابع ولا بد إما إلى قوة وإما إلى انحطاط ولما اقتضت حكمته سبحانه ذلك شرع لعباده كل سبعة أيام يوما يرغبون فيه إليه يتضرعون إليه ويدعونه فيكون ذلك من أعظم الأسباب في صلاحهم وفي معاشهم ومعادهم ودفع كثير من الشرور عنهم فسبحان من بهرت حكمته العقول في شرعه وخلقه والله أعلم

رد مع اقتباس