عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 May 2019, 09:02 PM
أم وحيد أم وحيد غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2018
المشاركات: 365
افتراضي




***أوْ طَارَ إِلَى حَلْقِه ذُبَابٌ، أوْ غُبَارٌ،..........

قوله: «أو طار إلى حلقه ذباب، أو غبار» أي: فلا يفطر، لأنّه بغير قصد، لكن لو طار إلى أقصى الفم فإنّه يمكنه أن يخرجه، إنّما لو ذهب إلى الحلق فلا يمكن أن يخرجه، وربّما لو حاول إخراجه تقيّأ، لذلك يعفى عنه،

وكذلك إذا طار إلى حلقه غبار، فإنّه لا يفطر، لعدم القصد، ولا يُقال للعامل الذي يعمل في التّراب لا تعمل وأنت صائم، لأنّك لو عملت وأنت صائم لطار إلى حلقك غبار، لأنّنا نقول: إنّ طيران الغبار إلى حلقه ليس بمقصود، لكن أفلا يُقال: ما دام هذا العمل سبباً لإفطاره لا يجوز أن يعمل؟

الجواب: ليس هذا سبباً لإفطاره، لأنّه إذا طار إلى حلقه غبار بلا قصد فإنّه لا يفطر.



***أوْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ، أوْ احْتَلَمَ، أَوْ أَصْبَحَ فِي فِيهِ طَعامٌ فَلَفَظَهُ ...........

قوله: «أو فكّر فأنزل» أي: فكّر في الجماع، فأنزل سواء كان ذا زوجة ففكّر في جماع زوجته، أو لم يكن ذا زوجة ففكّر في الجماع مطلقاً، فأنزل فإنّه لا يفسد صومه بذلك.

ودليله: قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله تجاوز لأمّتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلّم» [(379)] وهذا لم يعمل، ولم يتكلّم إنّما حدّث نفسه وفكّر فأنزل.

وعُلم من كلامه «فكّر فأنزل» أنّه لو حصل منه عمل فإنّه يفطر بأن تدلّك بالأرض حتّى أنزل، أو حرّك ذكره حتّى أنزل، أو قبّل زوجته حتّى أنزل، أو ما أشبه ذلك فإنّه يفطر.


-قوله: «أو احتلم» أي: فلا يفطر حتّى لو نام على تفكير، واحتلم في أثناء النوم، لأنّ النائم غير قاصد، وقد رفع عنه القلم، وأحياناً يستيقظ الإنسان حينما يتحرّك الماء الدّافق، فهل يلزمه في هذه الحال أن يمسكه؟

الجواب: لا، لأنّه انتقل من محلّه ولا يمكن ردّه، لأنّ حبسه بالضّغط على الذكر مضرّ، كما لو تحرّكت معدته ليتقيّأ، فإنّه لا يلزمه أن يحبسها لما في ذلك من الضّرر.


***قوله: «أو أصبح في فيه طعام فلفظه» أي: لا يفسد صومه، لأنّه لم يبتلع طعاماً بعد طلوع الفجر.

ويتصوّر ذلك إذا كان الإنسان مثلاً يأكل تمراً، وصار في أقصى فمه شيء من التّمر، ولم يحسّ به إلاّ بعد طلوع الفجر ففي هذه الحال يلفظه، وصومه صحيح ولا بأس.


***أوْ اغْتَسَلَ، أوْ تَمَضْمَضَ، أو اسْتَنْثَرَ أوْ زَادَ عَلَى الثَّلاَثِ، أَوْ بَالَغَ فَدَخَلَ المَاءُ حَلْقَهُ لَمْ يَفْسُدْ.


-قوله: «أو اغتسل» أي: اغتسل فدخل الماء إلى حلقه، فإنّه لا يفطر بذلك لعدم القصد.

-قوله: «أو تمضمض» أي: فدخل الماء إلى حلقه، حتّى وصل إلى معدته، فإنّه لا يفطر، لعدم القصد.

-قوله: «أو استنثر» والمراد استنشق، لأنّ الإستنثار يخرج الماء من الأنف، فإمّا أن يكون هذا من المؤلف سبقة قلم، أو سهواً، أو أراد الإستنثار بعد الإستنشاق، ولكن حتّى لو أراد هذا لم يستقم، لأنّ الإستنثار إخراج ما في الأنف لا إدخال شيء إليه.

فإذا استنشق الماء في الوضوء مثلاً، ثم نزل الماء إلى حلقه فإنّه لا يفطر لعدم القصد.

-قوله: «أو زاد على الثلاث» أي: في المضمضة، أو الإستنشاق، فدخل الماء إلى حلقه، فإنّه لا يفسد صومه.

وأتى المؤلف بقوله: «زاد على الثلاث» لأنّ ما قبل الثلاث في المضمضة والإستنشاق مشروع ومأذون فيه،

والقاعدة عند العلماء أنّ ما ترتّب على المأذون فليس بمضمون، فإذا تمضمض في الأولى والثانية والثالثة، فوصل الماء إلى حلقه، فإنّه لا يفطر بذلك، لأنّه لم يفعل إلاّ شيئاً مشروعاً، وهذا ترتّب على شيء مشروع فلا يضرّ.

والزيادة على الثلاث في الوضوء إمّا محرّمة، وإمّا مكروهة كراهة شديدة لقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «مَن زاد على ذلك فقد أساء وتعدّى وظلم» [(380)] فأدنى أحوالها أنّها مكروهة،

فإذا زاد على الثلاث ووصل الماء إلى حلقه، فإنّه لا يفطر لعدم القصد، لأنّك لو سألت هذا الذي تمضمض أكثر من ثلاث، أتريد أن يصل الماء إلى حلقك؟ لقال: لا.

-قوله: «أو بالغ فدخل الماء حلقه لم يفسد» أي: لو بالغ في الإستنشاق أو المضمضة، مع أنّه مكروه للصّائم أن يبالغ فيهما، ودخل الماء حلقه فإنّه لا يفطر بذلك لعدم القصد.


تنبيه:

ذكر المؤلف ـ رحمه الله ـ ستّ مسائل علّق الحكم فيها بوصول الماء إلى حلق الصائم، فجعل مناط الحكم وصول الماء إلى الحلق لا إلى المعدة، وظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أنّ مناط الحكم وصول المفطر إلى المعدة، ولا شك أنّ هذا هو المقصود إذ لم يرد في الكتاب والسُّنّة أنّ مناط الحكم هو الوصول إلى الحلق،

لكن الفقهاء ـ رحمهم الله ـ قالوا: إنّ وصوله إلى الحلق مظنّة وصوله إلى المعدة، أو إنّ مناط الحكم وصول المفطر إلى شيء مجوف، والحلق مجوف.

مسألة:

لو يبس فمه كما يوجد في أيّام الصيف، ومع بعض الناس بحيث يكون ريقه قليلاً ينشف فمه، فيتمضمض من أجل أن يبتلّ فمه، أو تغرغر بالماء ونزل إلى بطنه، فلا يفطر بذلك، لأنّه غير مقصود، إذ لم يقصد الإنسان أن ينزل الماء إلى بطنه، وإنّما أراد أن يبلّ فمه، ونزل الماء بغير قصد.

ويتفرّع على هذا هل يجوز للصّائم أن يستعمل الفرشة والمعجون أو لا؟

الجواب:

يجوز، لكن، الأَوْلَى ألاّ يستعملهما، لما في المعجون من قوّة النّفوذ والنّزول إلى الحلق، وبدلاً من أن يفعل ذلك في النّهار يفعله في اللّيل، أو يستعمل الفرشة بدون المعجون.


***وَمَنْ أَكَلَ شَاكّاً فِي طُلُوع الفَجْرِ صَحَّ صَوْمُهُ، لاَ إِنْ أَكَلَ شَاكّاً في غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ مُعْتَقِداً أَنَّهُ لَيْلٌ فَبَانَ نَهَاراً.


-قوله: «وَمَنْ أَكَلَ شَاكّاً فِي طُلُوع الفَجْرِ صَحَّ صَوْمُهُ» أي: مَن أتى مفطراً، وهو شاكّ في طلوع الفجر فصومه صحيح، لأنّ الله سبحانه وتعالى قال: {{فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}} [البقرة: 187]

وضدّ التّبيّن الشّك والظّن، فما دمنا لم يتبيّن الفجر لنا فلنا أن نأكل ونشرب، لقوله تعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286] ، وهذا من الخطأ.

ولحديث أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ حيث أكلوا يظنّون غروب الشمس، ثم طلعت[(381)]؛

وإذا كان هذا في آخر النّهار فأوّله من باب أولى، لأنّ أوّله مأذون له في الأكل والشُّرب حتّى يتبيّن له الفجر.

وهذه المسألة لها خمسة أقسام:

1 ـ أن يتيقّن أنّ الفجر لم يطلع، مثل أن يكون طلوع الفجر في السّاعة الخامسة، ويكون أكله وشربه في السّاعة الرابعة والنّصف فصومه صحيح.

2 ـ أن يتيقن أنّ الفجر طلع، كأن يأكل في المثال السابق في الساعة الخامسة والنصف فهذا صومه فاسد.

3 ـ أن يأكل وهو شاكّ هل طلع الفجر أو لا، ويغلب على ظنّه أنّه لم يطلع؟ فصومه صحيح.

4 ـ أن يأكل ويشرب، ويغلب على ظنّه أنّ الفجر طالع، فصومه صحيح أيضاً.

5 ـ أن يأكل ويشرب مع التّردّد الذي ليس فيه رجحان، فصومه صحيح.

كلّ هذا يؤخذ من قوله تعالى: {{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ}} [البقرة: 187] .


وهل يقيّد هذا فيما إذا لم يتبيّن أنّه أكل بعد طلوع الفجر؟

الراجح أنّه لا يقيّد، حتّى لو تبيّن له بعد ذلك أنّ الفجر قد طلع، فصومه صحيح بناءً على العذر بالجهل في الحال.

وأمّا على المذهب فإذا تبيّن أنّ أكله كان بعد طلوع الفجر فعليه القضاء بناءً على أنّه لا يعذر بالجهل،

والصّواب: أنّه لا قضاء عليه ولو تبيّن له أنّه بعد الصبح، لأنّه كان جاهلاً، ولأنّ الله أذن له أن يأكل حتّى يتبيّن، ومن القواعد الفقهية المقرّرة أنّ: ما ترتب على المأذون فليس بمضمون، أي: ليس له حكم لأنّه مأذون فيه.

-قوله: «لا إن أكل شاكاً في غروب الشمس» أي: فلا يصح صومه، لأنّ الله يقول: {{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}} فلا بد أن يتمّ إلى الليل، ولقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إذا أقبل اللّيل من هاهنا وأشار بيده إلى الشرق وأدبر النّهار من هاهنا وأشار إلى المغرب وغربت الشمس» فلا بد أن تغرب الشمس «فقد أفطر الصائم» [(382)].

والفرق بين مَن أكل شاكاً في طلوع الفجر، ومَن أكل شاكاً في غروب الشمس، أنّ الأوّل بَانٍ على أصل وهو بقاء اللّيل، والثاني أيضاً بَانٍ على أصل وهو بقاء النهار، فلا يجوز أن يأكل مع الشك في غروب الشمس، وعليه القضاء ما لم نعلم أنّه أكل بعد غروب الشمس، فإن علمنا أنّ أكله كان بعد الغروب، فلا قضاء عليه.

ويجوز أن يأكل إذا تيقّن، أو غلب على ظنّه أنّ الشمس قد غربت، حتى على المذهب إذا غلب على ظنّه أنّ الشمس قد غربت، فله أن يفطر ولا قضاء عليه ما لم يتبيّن أنّها لم تغرب.


مسألة:

إن أكل ظاناً أنّ الشمس غربت، ولم يتبيّن الأمر، فصومه صحيح، وهذا يؤخذ من قول المؤلف «شاكاً في غروب الشمس» فعُلم منه أنّه لو أكل وقد ظن أنّ الشمس قد غربت، فإنّه يصح صومه ما لم يتبيّن أنّها لم تغرب.

فإن تبيّن أنّها لم تغرب فالصحيح أنّه لا قضاء عليه، والمذهب أنّ عليه القضاء.

فإن قال قائل: ما الدليل على أنّه يجوز الفطر بالظن مع أنّ الأصل بقاء النهار؟

فالجواب:

حديث أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ قالت: «أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم» [(383)] وإفطارهم بناءً على ظنّ قطعاً، لقولها في هذا الحديث «ثم طلعت الشمس» ، فدل ذلك على أنّه يجوز أن يُفطر بظن الغروب، ثم إن تبيّن أنّ الشمس غربت فالأمر واضح، أو لم يتبيّن شيء فالأمر أيضاً واضح، وإن تبيّن أنّها لم تغرب ، وجب القضاء على المذهب، وعلى القول الراجح لا يجب القضاء.

مسألة:

رجل غابت عليه الشمس وهو في الأرض وأفطر وطارت به الطائرة ثم رأى الشمس؟

نقول: لا يلزم أن يمسك، لأنّ النهار في حقّه انتهى، والشمس لم تطلع عليه بل هو طلع عليها، لكن لو أنّها لم تغب وبقي خمس دقائق ثم طارت الطائرة ولمّا ارتفعت، إذ الشمس باقٍ عليها ربع ساعة أو ثلث، فإن صيامه يبقى، لأنه ما زال عليه صومه.


***قوله: «أو معتقداً أنّه ليل فبان نهاراً» أي: لو أكل يعتقد أنّه في ليل، فبان نهاراً لم يصحّ صومه، سواء من أول النهار أو آخره، أكل يعتقد أنّه ليل بناءً على ظنّه، أو بناءً على الأصل فبان نهاراً فعليه القضاء، فالفقهاء ـ رحمهم الله ـ لا يعذرون بالجهل ويقولون العبرة بالواقع.

مثاله: أكل السحور يعتقد أنّ الفجر لم يطلع، فتبيّن أنّه طالع. فالمذهب يجب عليه القضاء، وهذا يقع كثيراً، يقوم الإنسان من فراشه ويقرب سحوره ويأكل ويشرب، وإذا بالصلاة تُقام، فيكون قد أكل في النهار، فعليه القضاء على المذهب.

والقول الراجح أنّه لا قضاء عليه وسبق دليله.

وكذلك إذا أكل يعتقد أنّ الشمس غربت، ثم تبيّن أنّها لم تغرب. فهو أكل يعتقد أنّه في ليل فبان أنّه في نهار، فيلزمه على المذهب القضاء، وعلى القول الراجح لا يلزمه.

ودليله حديث أسماء السابق، حيث لم يأمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالقضاء، وهذا دليل خاص، ومن الأدلة العامّة قوله تعالى: {{رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِيْنَا أَوْ أَخْطَأْنَا}} [البقرة: 286] .

إذاً الفرق بين أوّل النّهار وآخره، أنّه يجوز في أوّل النهار الأكل مع الشكّ، وفي آخر النّهار لا يجوز الأكل مع الشكّ.

مسألة:

الناس الذين على الجبال أو في السهول والعمارات الشاهقة، كلٌ منهم له حكمه، فمن غابت عنه الشمس حل له الفطر، ومن لا فلا.


فَصْلٌ

وَمَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَان فِي قُبُلٍ أوْ دُبُرٍ فَعَلَيْهِ القَضَاءُ والكَفَّارَةُ، وَإِنْ جَامَعَ دُونَ الفَرجِ فأَنْزَلَ أَوْ كَانَتِ المرأةُ معذورةً أوْ جَامَعَ مَنْ نَوَى الصَّوْمَ فِي سَفَرِهِ أفْطَرَ وَلاَ كَفَّارَةَ.

قوله: «فصل» عقد المؤلف ـ رحمه الله ـ فصلاً خاصاً للجماع، لكونه أعظم المفطرات تحريماً وأكثرها تفصيلاً، ولهذا وجبت فيه الكفارة.

والجماع من مفطرات الصائم، ودليله الكتاب، والسُّنَّة، والإجماع، أمّا الكتاب فقوله تعالى: {{فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}} [البقرة: 187] .

وأما السُّنة فستأتي.

وأمّا الإجماع فهو منعقد على أنّه مفطر.

قوله: «ومَن جامع في نهار رمضان»

«مَن» من صيغ العموم، لأنّها اسم شرط، فيشمل كل مَن جامع في نهار رمضان وهو صائم، وجوابها قوله (فعليه القضاء والكفّارة) ، ولكن ليس هذا على العموم بل لا بد من شروط:

الشرط الأول: أن يكون ممّن يلزمه الصّوم، فإن كان ممّن لا يلزمه الصوم، كالصغير، فإنّه لا قضاء عليه ولا كفّارة.

الشرط الثاني: ألاَّ يكون هناك مسقط للصّوم، كما لو كان في سفر، وهو صائم، فجامع زوجته، فإنّه لا إثم عليه، ولا كفّارة، وإنّما عليه القضاء فقط لقوله تعالى: {{وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}} [البقرة: 185] .

مثال آخر: رجل مريض صائم وهو ممّن يباح له الفطر بالمرض، لكنّه تكلّف وصام، ثم جامع زوجته فلا كفّارة عليه، لأنّه ممّن يحل له الفطر.

الشرط الثالث: أن يكون في قُبُل أو دُبُر وإليه الإشارة.

-بقوله: «في قُبُل أو دُبُر فعليه القضاء والكفّارة» والقُبُل يشمل الحلال والحرام، فلو زنى فهو كما لو جامع في فرج حلال.

وقوله: «أو دُبُر» الجماع في الدُبُر غير جائز لكن العلماء يذكرون المسائل بقطع النظر عن كونها حلالاً أو حراماً.

-وقوله: «فعليه القضاء»، لأنّه أفسد صومه الواجب فلزمه القضاء كالصلاة، وهذا هو الذي عليه جمهور أهل العلم، وذهب بعض العلماء إلى أنّ مَن أفسد صومه عامداً بدون عذر، فلا قضاء عليه وليس عدم القضاء تخفيفاً، لكنّه لا ينفعه القضاء، وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ

لكن لو قال قائل يرد على هذا القول: إنّكم إذا قلتم بذلك فمعناه أنّ المفطرات لا فائدة منها، لأنّكم تشترطون في المفطرات أن يكون متعمّداً وأنتم تقولون: إذا أفطر متعمّداً فلا قضاء فكيف ذلك؟

الجواب: نقول على هذا الرأي تكون المفطرات نافعة فيما إذا جاز الفطر لعذر،

أمّا إذا كان لغير عذر ، فإنّ هذه المفطرات تفسد صومه ولا يلزمه القضاء، لكن جمهور أهل العلم على أنّه يلزمه القضاء، ولو تعمّد الفطر، بخلاف الرجل الذي لم يصم ذلك اليوم أصلاً وتركه متعمداً، فإنّ الراجح ما ذهب إليه شيخ الإسلام من أنّه لا ينفعه القضاء، والفرق بين هذه المسألة وبين مَن شرع في الصوم أنّ مَن شرع في الصوم فقد التزمه وألزم نفسه به، فإذا أفسده ألزم بقضائه كالنذر بخلاف مَن لم يصم أصلاً.

وقوله: «والكفّارة» احتراماً للزمن، وبناء على ذلك لو كان هذا في قضاء رمضان، فعليه القضاء لهذا اليوم الذي جامع فيه وليس عليه كفّارة، لأنّه خارج شهر رمضان.

وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين أن ينزل أو لا ينزل، فإذا أولج الحشفة في القبل أو الدبر، فإنه يلزمه القضاء والكفارة.


***قوله: «وإن جامع دون الفرج فأنزل، أو كانت المرأة معذورة» هاتان مسألتان:

الأولى: إذا جامع دون الفرج فأنزل، فقد ذكر المؤلف أنّ عليه القضاء دون الكفّارة، لأنّه أفسد صومه بغير الجماع، ومثاله أن يجامع بين فخذي امرأته وينزل، وعن أحمد رواية أنّه تلزمه الكفارة، لأنّ الإنزال موجب للغسل فكان موجباً للكفّارة كالجماع، ولكن هذا القياس فيه نظر، لأنّ الإنزال دون الجماع وإن كان موجباً للغسل فلو أن إنساناً تمتّع بامرأة حتى أنزل فإنّه لا يقام عليه الحد ولو جامعها أقيم عليه الحد، ولو أن إنساناً باشر امرأة حتى أنزل، في الحج لم يفسد حجه بخلاف الجماع، ولو أنه فعل ذلك في الحج فأنزل لم يكن عليه بدنة على القول الراجح؛ لأنه دون الجماع فالإنزال دون الجماع بالإتفاق فلا يمكن أن يلحق به؛ لأن من شرط القياس مساواة الفرع للأصل، فإذا لم يساوه امتنع القياس، فالمذهب هو الصحيح في هذه المسألة.

الثانية: إذا كانت المرأة معذورة بجهل، أو نسيان، أو إكراه، فإن عليها القضاء دون الكفارة وسيأتي الكلام عليها.

وعُلم من قوله: «أو كانت المرأة معذورة» أنّه لو كانت مطاوعة فعليها القضاء والكفارة كالرجل.

فإن قال قائل: ما الدليل على وجوب الكفارة بالجماع؟

فالجواب: حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين «أن رجلاً أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال: هلكت، قال: ما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم، فسأله النبي صلّى الله عليه وسلّم هل تجد رقبة؟ فقال: لا، قال: هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا، قال: هل تستطيع أن تطعم ستين مسكيناً؟ قال: لا، ثم جلس الرجل، فجيئ إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم بتمر فقال: خذ هذا تصدق به، قال: أعلى أفقر مني يا رسول الله، والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر مني، فضحك النبي صلّى الله عليه وسلّم ثم قال: «أطعمه أهلك»[(384)] فرجع إلى أهله بتمر.

فإن قال قائل: ما الدليل على وجوب الكفارة على المرأة، والنبي صلّى الله عليه وسلّم لم يذكر في هذا الحديث أن على المرأة كفارة، مع أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يمكن، أي لا يمكن أن يؤخر النبي صلّى الله عليه وسلّم بيان الحكم مع دعاء الحاجة إليه؟

فالجواب: أن هذا الرجل استفتى عن فعل نفسه، والمرأة لم تستفت، وحالها تحتمل أن تكون معذورة بجهل أو إكراه، وتحتمل أن تكون غير معذورة، فلمّا لم تأت وتستفت سكت عنها النبي صلّى الله عليه وسلّم ولم يذكر أنّ عليها كفارة، والفتوى لا يشترطُ فيها البحث عن حال الشخص الآخر، ولهذا لمّا جاءت امرأة أبي سفيان للنبي صلّى الله عليه وسلّم تشتكيه بأنّه لا ينفق لم يطلب أبا سفيان ليسأله، بل أذن لها أن تأخذ من ماله ما يكفيها ويكفي ولدها[(385)].

فإذا قال قائل: ما الدليل على الوجوب عليها؟ أليس الأصل براءة الذمة؟

فالجواب: الدليل على ذلك أن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام إلاّ بدليل، ولهذا لو أنّ رجلاً قذف رجلاً بالزنى لجلد ثمانين جلدة إذا لم يأت بالشهود، مع أنّ الآية في النساء {{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}} [النور: 4] .

فالمرأة مسكوت عنها فهي قضية عين لا يمكن أن تستدل بها على انتفاء الوجوب في حق المرأة، ولا على الوجوب ولكن القياس يقتضي أن تكون مثله، فإذا كان الفعل واحداً وكان موجباً لحد الزنى على المرأة، والحد كفارة للزاني فإنه يلزم أن يكون موجباً للكفارة هنا، كما يجب على الزوج وهذا هو الأقرب من أقوال أهل العلم، وبعض العلماء يقول لا كفارة عليها للسكوت عنها في الحديث، وبعضهم يقول: إذا أكرهت فكفارتها على الزوج لأنه هو الذي أكرهها، ولكن الصواب أنها إذا أكرهت لا شيء عليها.

فإذا قال قائل: ظاهر كلام المؤلف أنه لو كان الرجل هو المعذور بجهل أو نسيان فإنّ الكفارة لا تسقط عنه؟

قلنا: نعم هذا ظاهر قوله، لقوله: «أو كانت المرأة معذورة» ففهم منه أنه لو كان الرجل هو المعذور فإنّ الكفارة لا تسقط عنه، وهذا المشهور من المذهب.

والصحيح أن الرجل إذا كان معذوراً بجهل، أو نسيان، أو إكراه، فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة، وأن المرأة كذلك إذا كانت معذورة بجهل أو نسيان أو إكراه، فليس عليها قضاء ولا كفارة.

والمذهب أن عليها القضاء، وليس عليها الكفارة، وهذا من غرائب العلم أن تعذر في أحد الواجبين دون الآخر، لأن مقتضى العذر أن يكون مؤثراً فيهما جميعاً، أو غير مؤثر فيهما جميعاً وقد علمت الصحيح في ذلك.


مسألة مهمة:

وهي: أن الفقهاء ـ رحمهم الله ـ، قالوا: لا يمكن الإكراه على الجماع من الرجل، أي: لا يمكن أن يكره الرجل على الجماع، لأنّ الجماع لا بد فيه من انتشار وانتصاب للذكر، والمكره لا يمكن أن يكون منه ذلك.

فيقال: هذا غير صحيح، لأن الإنسان إذا هُدد بالقتل أو بالحبس أو ما أشبه ذلك، ثم دنا من المرأة فلا يسلم من الإنتشار، وكونهم يقولون هذا غير ممكن نقول: بل هذا ممكن.

فإن قال قائل: الرجل الذي جاء إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم أليس جاهلاً؟

فالجواب: هو جاهل لما يجب عليه، وليس جاهلاً أنه حرام، ولهذا يقول «هلكت» [(386)]، ونحن إذا قلنا إن الجهل عذر، فليس مرادنا أن الجهل بما يترتب على هذا الفعل المحرم، ولكن مرادنا الجهل بهذا الفعل، هل هو حرام أو ليس بحرام، ولهذا لو أن أحداً زنى جاهلاً بالتحريم، وهو ممّن عاش في غير البلاد الإسلامية، بأن يكون حديث عهد بالإسلام، أو عاش في بادية بعيدة لا يعلمون أن الزنى محرّم فزنى فإنّه لا حدّ عليه، لكن لو كان يعلم أنّ الزنى حرام، ولا يعلم أنّ حده الرجم، أو أنّ حده الجلد والتغريب، فإنّه يحد لأنه انتهك الحرمة، فـالجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس بعذر، والجهل بالفعل هل هو حرام أو ليس بحرام، هذا عذر.


...يتبع...إن شاء الله...


رد مع اقتباس