عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 04 May 2008, 06:11 AM
أبو معاذ حمزة الباتني
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي

الذبائح التي شرعها الله قسمان

قسم: عبادة محضة، وقسم: جائز في الشرع.
أما القسم الأول: فكالهدي والأضاحي والفدية وغير ذلك.
وأما القسم الثاني: فكالذبيحة للأكل والبيع , وذبيحة العقر عند فلان من الناس لا تدخل في أحد النوعين, فهي خارجه عن الذبائح الشرعية جملة وتفصيلا.

ذبح الهجر داخل في عموم ما أهل به لغير الله

أيها القارئ: إذا علمت أن ذبيحة العقر عند فلان ليست من الذبائح الجائزة في الشرع فضلاً عن أن تكون من نوع العبادة المحضة , دل هذا أنه من الذبح الممنوع شرعاً , لأنه أهل به لغير الله, قال الله ـ في سياق بعض المحرمات ـ : {وما أهل لغير الله به} المائدة.
والرسول صلى الله عليه وسلم بين خطورة الذبح لغير الله بقوله: ((لعن الله من ذبح لغير الله ...)) رواه مسلم من حديث علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ فبين الرسول jأن الذابح لغير الله ملعون ـ واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله ـ ونستفيد من هذه الآية والحديث فوائد مهمة:
*أ-العموم في الذبح لغير الله , سواء كانت للأوثان والأصنام أو كان للجن أو كان مما نحن بصدده.
*ب-العموم في الذابحين , فكل من ذبح لغير الله فهو داخل في اللعن.
*ج-التحريم الشديد لأي نوع من أنواع الذبائح الممنوعة في الشرع, بدون استثناء لقوله عليه الصلاة والسلام : ( لعن الله من ذبح لغير الله ) .
*د-الحديث يبين أن الآية للعموم وهي: قوله تعالى: {وما أهل لغير الله به} وأما قوله: {وما ذبح على النصب} المائدة, فليست تفسيراً لقوله: (وما أهل لغير الله به) وإنما هي معطوفة على المحرمات قبلها , قال ابن عطية: (وما ذبح على النصب ليس جزءا مما أهل لغير الله به ...) ورجح هذا القول جمهور المفسرين, فتكون من باب عطف الخاص على العام.
وقد جاء عند أحمد وأبي داود من حديث أنس ابن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا عقر في الإسلام)) فاتضح من هذا أن الذبح الذي نحن بصدده وهو الهجيم أو العقر إلى آخره داخل تحت عموم الآية والحديث, وإذا كان داخلاً في العموم , فقد أفادت الآية والحديث أن هذا الذبح لغير الله , وإن فاعله ملعون, وكيف لا يكون كذلك؟! وهو صرف عبادة اختص الله بها نفسه دون غيره.

أمور تدل على أن الذبح المذكور أجنبي عن الإسلام

1-بقي الرسول صلى الله عليه وسلم ثلاثة وعشرين سنة داعياً إلى الله وحاكماً بين المسلمين في قضايا كثيرة ولم يحصل قط أنه فعل هذا أو أشار إلى فعله إشارة فضلاً عن أن يرغب في هذا الفعل , بل حذر منه كما سبق.
2-لم يفعل هذا الصحابة في حياتهم كلها , وقد واجهوا قضايا كثيرة وحصلت مشاكل كبيرة ولم يحصل هذا قط , فدل هذا على أن الذبح هذا لا يجوز مع وجود المقتضى له وهي المشاكل التي هي من جنس المشاكل التي هي واقعة الآن في بلادنا.
3-لا نعلم وجود لهذا الذبح حتى بعد العصور المفضلة , باعتبار أن الفتن انتشرت , والبدع ظهرت , والمشاكل كثرت , وصار تمسك الناس بدينهم ضعيف إلا من رحمه الله سبحانه وتعالى.
4-لا نعلم وجود له في عرف الناس, لا في الجاهلية ولا في الإسلام, لا عند عالمهم ولا جاهلهم, ولا عند حاكمهم ولا محكومهم , وأكثر ما وجد في الجاهلية (العقر) عند موت الميت, كما ذكرنا حديث أنس الدال على ذلك.
5-وجود هذه القضية في اليمن مستنكرة, عند العقلاء في اليمن وغيره.
6-لم تكن موجودة في اليمن ـ إلا من عهد قريب ـ فقد عاش الآباء والأجداد القرون الكثيرة لا يعرفون هذا الذبح .
فدلت هذه الأوجه: على شؤم هذا الذبح, وإذا علمنا تحريم هذا الذبح, فلننظر إلى أضراره, لأن الإسلام لا يحرم شيئاً إلا لما فيه من أضرار تلحق بالمسلمين.

أضرار هذا الذبح

أضرار هذا الذبح كثيرة: أذكر منها ما تيسر وهي كالآتي:
1-قبول هذا الذبح تعاون على الإثم والعدوان , وكيف لا يكون كذلك!! وهو تعاون على تنفيذ ما حرم الله , وقد قال الله : {ولا تعاونوا على الإثم والعدوان}.
2-فيه مضادة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم , لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: ( من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فقد ضاد الله في أمره...) رواه الطبراني والحاكم عن ابن عمر ـ وهو صحيح ـ وسيأتي توضيحه برقم أربعة.
3-الحاكم بالهجر حاكم بغير ما أنزل الله , وكيف لا يكون كذلك!! وقد جعل الحكم بالذبح إرضاء للخصم حالاً محل أحكام شرعية كثيرة يوضحها الآتي:
4-الحكم بهذا الذبح يؤدي إلى تعطيل حدود الله , ففي هذا الحكم تعطيل لأحكام القذف وأحكام السرقة والقتال العمد والضرب وتعطيل لأحكام الدية تارة وغير ذلك.
5-فيه تشريع أحكام جديدة , فالذي يسب فلاناً يقال له: اذبح كذا, والذي يلعن فلاناً يقال له: اذبح كذا, والذي يهدد فلاناً يقال له: اذبح كذا, وقد قال الله عز وجل: {أم لهم من شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} الشورى .
6-فيه نسبة النقص إلى الشريعة , بلسان الحال ولا بد أو بلسان المقال, وهذا خلاف قوله تعالى: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتمتت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} المائدة, لأن ديننا لم يشرع مثل هذا, بل نهى عنه, وقد روي عن الإمام مالك أنه قال: (من ابتدع بدعة في الإسلام فقد زعم أن محمداً خان الرسالة).
7-رد حلول الاختلافات والتنازعات لغير الكتاب والسنة ينافي الإيمان, قال الله: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} النساء، وقال الله: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم} النساء، ورحم الله ابن تيمية حيث قال: (لا يفصل النزاع بين الناس إلا كتاب منزل من عند الله , ولو ردت القضايا إلى العقول فكل الناس لهم عقول) قلت: فإلى عقل من نحتكم به.
8-فيه فتح أبواب الفتن, وكيف لا يكون هذا فاتحاً أبواب الفتن!! وأنت ترى أنه سبب للوقوع في الآتي:
-أنهم لا يراقبون الله ولا يخافونه, لأنهم صاروا مقتنعين بأن الحكم عليهم أن يذبحوا كذا وكذا, فهم عند أن ارتكبوا هذا الذنب ينظرون إلى هذا الحكم ولا يكترثون من عذاب الله على ما ارتكبوه , بل يروا أنهم قد أدوا ما عليهم بقبول هذا الحكم , فوا حسرتاه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.
-القوي تزداد صولته على الضعيف , فينفذ غرضه ويشفي غيضه ويأتي رافعاً رأسه, وكونه يذبح كذا وكذا هذا في نظره أمره سهل جداً , وإذا كان هذا كذلك فهو بإمكانه يعود إلى هذا الفعل مرات وكرات مع الأول أو مع غيره من الناس.
-هذا الحكم يجلب للناس التعصب لهذا الباطل, لأن المجني عليه لا يرى لنفسه قيمة إلا إذا نفذ هذا الحكم, فقد يبذل الجاني لصاحب الحق أكثر مما يطلب منه فيأبى إلا هذا الحكم, والحاكم إذا حكم بهذا الحكم قبل حكمه وإلا فلا, فيحصل الانتصار لهذا الشر من قبل المحكوم له والمحكوم عليه والحاكم به إلا من رحم الله.
-العقوبة بهذا الذبح ليست زاجرة للجاني ولا لعمومية الناس مثل إقامة الحدود الشرعية, كما هو واضح مما سبق ذكره.
فعلى ما تقدم فالذبح المذكور في السؤال يكون شركاً أكبر إذا حصل التعظيم والقربة بهذا الذبح من الذابح للمذبوح له , لأنه صرف في هذه الحالة عبادة على وجه التعظيم والقربة للمخلوق, فهو من جنس ما يفعله المشركون عند الأوثان تعظيماً لها وتقرباً, وإذا لم يقصد به التقرب والتعظيم, فهو ذبح محرم , لأنه لم يخرج عن أن يكون ذبحاً لغير الله داخلاً في قوله عليه الصلاة والسلام: ((لعن الله من ذبح لغير الله)) والمسلم يبتعد عن الذبح لغير الله خشية الوقوع في الشرك أعاذنا الله من ذلك.
فقد جاء عن طارق ابن شهاب عن سلمان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( دخل الجنة رجل في ذباب ودخل النار رجل في ذباب , قالوا : وكيف يا رسول الله ؟ قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئاً , فقالوا لأحدهما : قرب , قال: ليس عندي شيء أقرب, قالوا: قرب ولو ذباباً, فقرب ذباباً, فخلوا سبيله ,فدخل النار, وقالوا للآخر: قرب فقال: ما كنت لأقرب شيئاً دون الله عز وجل , فضربوا عنقه , فدخل الجنة) رواه أحمد وأبو داود والصحيح أنه موقوف على سلمان وليس له حكم الرفع , ولكن معناه صحيح , فمن تقرب إلى مخلوق ولو بذبيحة عصفور فقد وقع في الشرك ولا حول ولا قوة إلا بالله.
تنبيه: لا يجوز لأي مسلم ومسلمة أن يأكلوا من الذبيحة المذكورة لأنها داخلة في قوله: {وما أهل به لغير الله} وأيضاً قد حرم الرسول صلى الله عليه وسلم أكل ذبائح أقل شراً من هذه الذبيحة , ومن ذلك ما أخرجه النسائي عن ابن عباس قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب) ـ والمعاقرة هي: ذبح الإبل عند المباراة ـ ومن حديثه أيضاً قال: ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طعام المتباريين أن يؤكل) رواه أبو داود والحاكم وهو صحيح .


التعديل الأخير تم بواسطة أبو معاذ حمزة الباتني ; 04 May 2008 الساعة 06:31 AM
رد مع اقتباس