عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 29 May 2008, 06:34 AM
أبو نعيم إحسان أبو نعيم إحسان غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Sep 2007
المشاركات: 1,898
إرسال رسالة عبر MSN إلى أبو نعيم إحسان
افتراضي

أدلة المجيزين للتقليد

والمراد بجواز التقليد : الإذن فيه الشامل للوجوب والإباحة

استدل القائلون بجواز التقليد للعامي ومن في حكمه- وهم الجمهور- بأدلة بعضها شرعي، وبعضها عقلي، نذكر أهمها فيما يلي:


الدليل الأول:
قول الله -تعالى-:
﴿ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ .

ووجه الاستدلال: أن الله -تعالى- أمر من لا علم له أن يسأل من هو أعلم منه، ولا معنى للسؤال إلا العمل بقول المسئول، فدل ذلك على جواز التقليد؛ إذ لا معنى للتقليد إلا العمل بقول الغير من غير حجة.

وقد نوقش هذا الدليل بما يأتي:

1- أن هذه الآية الشريفة وردت في سؤال خاص خارج عن محل النزاع، كما يفيده السياق المذكور قبل ذلك:
﴿ مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالا نُوحِي إِلَيْهِمْ .
وكما يفيده السياق بعده:
﴿ وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لاَ يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ .
قال ابن كثير والبغوي وأكثر المفسرين إنها نزلت ردًّا على المشركين لمّا أنكروا كون الرسول بشرًا، وهذا هو المعنى الذي يفيده السياق .

2- أن الله -سبحانه- أمر العامي بسؤال أهل الذكر، وهم أهل العلم، عما حكم الله به في هذه المسألة، وما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيها؛ ليخبروه به، لا عن رأي رجل بعينه ومذهبه؛ ليأخذه به وحده، ويخالف ما سواه، مع وجود النص.

ويجاب عن هاتين المناقشتين بما يأتي:

أما المناقشة الأولى: فالجواب عنها أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

وأما المناقشة الثانية: فالجواب عنها أن المسئول عنه عام، يشمل ما نص عليه في الكتاب والسنة، وما لم ينص عليه، مما اجتهد فيه المجتهدون ، ووصلوا بالاجتهاد إلى حكم فيه، وقد أُمروا باتباعهم فيما يقولون ؛ فكان ذلك دالا على جواز تقليدهم في آرائهم الاجتهادية.
أما الأخذ بالرأي مع وجود النص ومخالفته، فهو من تعصب بعض الفقهاء وهو خارج عن محل النزاع.


الدليل الثاني:
قول الله -تعالى-:
﴿ فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ .

ووجه الاستدلال: أن الله أوجب على الناس قبول نذارة المنذر لهم، وهذا أمر بتقليد العوام للعلماء.

وقد نوقش هذا الدليل بما يأتي:

1- أن الله -سبحانه- أوجب على الناس قبول ما أنذرهم به من الوحي الذي ينزل في غيبتهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجهاد، وليس في هذا ما يدل على تقديم آراء الرجال على الوحي.

2- أن الإنذار إنما يقوم بالحجة، والنذير من أقام الحجة، ومن لم يأت بالحجة فليس بنذير، والمنكر والمذموم من أفعال المقلِّدين هو نصْب رجل بعينه يجعل قوله عيارًا على القرآن والسنة، فما وافق قوله منها قُبل، وما خالفه رُدّ، ويقبل قوله بغير حجة، ويرد قول نظيره أو أعلم منه، ولو كانت الحجة معه .

ويجاب عن هاتين المناقشتين: بأننا -وإن سلمنا أن الدليل في غير محل النزاع- لكن لا نسلم تفسير التقليد بالأخذ بقول رجل بعينه دون النبي -صلى الله عليه وسلم- بل فسرناه سابقًا.


الدليل الثالث:

وهو دليل عقلي، لو كان التقليد غير جائز للعامة ومن في حكمهم، وكلفوا الاجتهاد لأدى ذلك إلى ضياع مصالح العباد، وانقطاع الحرث والنسل، وتعطيل الحرف والصنائع، فيؤدي إلى خراب الدنيا، وفي هذا من الحرج ما لا تأتي به الشريعة ؛ قال الله -تعالى- :
﴿ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ .

ونوقش هذا الدليل بما يأتي:
1- أن قولكم: لو كلف الناس الاجتهاد لضاعت مصالح العباد، معارض بالمثل، وذلك بأن يقال: لو كلفنا التقليد لضاعت أمورنا وفسدت مصالحنا؛ إذ لا ندري من نقلد من الفقهاء والمفتين فإن عددهم لا يحصيه إلا الله، وهم قد ملأوا الأرض شرقًا وغربًا وجنوبًا وشمالا، فلو كلفنا بالتقليد لوقعنا في أعظم العنت والفساد.

ويجاب عن هذه المناقشة: بأنه لا حرج ولا عنت في التقليد، فليقلِّدْ كل واحد فقهاء بلده والمفتين فيها، ما داموا قد ملأوا الأرض، خصوصًا وأن أصحاب هذه المناقشة يقولون: إن التقليد جائز لمن تقوم بهم الحياة من أرباب الصنائع المختلفة، من زراعة وصناعة وتجارة لا لكل الناس.

2- ونوقش أيضًا: بأننا لو كلفنا بالتقليد لكل عالم لاجتمع في حقنا النقيضان، وذلك بتحليل هذا الشيء تقليدًا لهذا العالم، وتحريمه تقليدًا لعالم آخر، وإيجاب هذا الشيء تقليدًا لهذا العالم، وإسقاطه تقليدًا لعالم آخر، ولو كلفنا بتقليد الأعلم فالأعلم، لكان في ذلك مشقة، ومعرفة الأحكام من القرآن والسنة أسهل بكثير من معرفة الأعلم وشروطه المطلوبة فيه، ولو كلفنا بتقليد البعض منهم على حسب اختيارنا وتشهِّينا، لصار دين الله تبعًا للهوى والارادة، وهذا محال لا تأتي به الشريعة.

ويجاب عن هذه المناقشة:

بأن القائلين بجواز التقليد لا يقولون بتقليد كل عالم، ويقولون بجواز تقليد المفضول مع وجود الفاضل، وتقليد البعض لا يلزم منه خضوع الدين للهوى والارادة، ويقولون: إن معرفة العامي للأحكام من الكتاب والسنة فيها كل المشقة عليه؛ إذ لا يصل إلى ذلك إلا إذا انقطع لذلك، وترك تحصيل وسائل المعيشة له ولأولاده.

3- ونوقش أيضًا بأن النظر والاستدلال يكون به صلاح الأمور لا ضياعها، وبتركه وتقليد من يخطيء ويصيب يكون فيه إضاعتها وفسادها، والواقع شاهد بذلك.

ويجاب عن هذه المناقشة:
بالمنع؛ فلا ضياع ولا فساد في تقليد العامي للعالم.

4- ونوقش أيضًا بأن الواجب من النظر والاستدلال على كل مكلف هو معرفة ما يخصه وتدعو إليه حاجته من الأحكام، ولا يجب عليه ما لا تدعوا الحاجة إلى معرفته.

ويجاب عن هذه المناقشة:
بأن النظر والاستدلال يحتاج إلى وسائل ينقضي أكثر العمر حتى يتقنها المرء ويستطيع معرفة الأحكام بواسطتها، وفي هذا مشقة على من يريد تحصيل معاشه.

5-
ونوقش أيضًا: بأن ما جاء به النبي -صلى الله عليه وسلم- من العلم النافع أيسر على النفوس تحصيلا وفهما وحفظًا من كلام الناس، مما هو زبالة الأذهان ونحاتة الأفكار ومسائل الخرص والألغاز، فإن الله -تعالى- قد يسّر فهم شريعته وكتابه، قال الله -تعالى-:
﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ .

وقال البخاري في صحيحه: قال مطر الورّاق:" هل من طالب علم فيعان عليه؟" ؛ ولم يقل : فتضيع عليه مصالحه، وتتعطل عليه معايشه ؛ بل الذي في غاية الصعوبة والمشقة مقدرات الأذهان، وأغلوطات المسائل، والتأصيل والتفريغ، الذي ما أنزل الله به من سلطان .

ويجاب عن هذه المناقشة: بأن فهم الشريعة ميسور، ولكن الوصول إلى درجة استنباط الأحكام يحتاج إلى جهد وانقطاع تتعطل معه مصالح المقلين، الذين يحتاجون إلى كسب معاشهم يومًا فيومًا، وأما إعانة طالب العلم فهي إعانته على التحصيل والفهم لا على توفير المال والإمكانيات لمعاشه ومعاش أهله.

رد مع اقتباس