عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18 May 2016, 08:56 PM
أبو حـــاتم البُلَيْـــدِي
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي تَحِيَّةُ تَقْدِير لِأُولَئِكَ الأَئِمَّةِ المُتَخَرِّجِين

تَحِيَّةُ تَقْدِير لأُولَئِكَ الأَئِمَّةِ المُتَخَرِّجِين



بِسْمِ اللَّه الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَفَّقَ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ وَهَدَاهُمْ لِيَأتُوا البُيُوتَ مِنَ الأَبْوَاب، وَأَشْهَدُ أَن لَا إلَهَ إلّا اللَّه وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ رَبُّ الأرْبَاب، المَلِكُ الغَلاَّب، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، تَرَكَ أُمَّتَهُ عَلَى البَيْضَاءِ لَيْسَ فِيهَا اِرْتِيَاب، صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آله وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَ سَبِيلَهُمْ وَأَنَابَ، أَمَّا بَعْد:

فَقَدْ حَضَرَ -مُؤَخَّرًا- إِلَى مَجْلِسِ شَيْخِنَا الإمَامِ أَبِي عَبْدِ المُعِزِّ مُحَمَّد عَلِي فركوس -حَفِظَهُ اللَّهُ- جَمَاعَةٌ مِنَ الأئِمَّةِ الشَّبَابِ المُتَخَرِّجِينَ حَديثًا، رَغْبَةً مِنهُمْ فِي الاِسْتِرْشَادِ بِتَوْجِيهَاتِ شَيْخِنَا لَهُمْ فِي مَسَارِهِمْ الدَّعَوِيّ، فَخَصَّهُمْ الشَّيْخُ -حَفِظَهُ اللَّهُ- بِالنَّصِيحَةِ فِي مَجْلِسَيْنِ مُتَتَالِيَيْن.

وَقَبْلَ ذِكْرِ الزُّبْدَةِ مِنْ نَصِيحَةِ الشَّيْخِ لَهُمْ، أَحْبَبْتُ أَنْ أَتَقَدَّمَ لَهُمْ بِالشُّكْرِ الْجَزِيلِ وَالاِحْتِرَامِ الكَبِيرِ عَلَى هَذَا المَوْقِفِ النَّبِيلِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُمْ، حَيْثُ إِنّهُمْ رَبَطُوا أَنْفُسَهُمْ -أَدَامَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ- مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ بِعَالِمٍ مِنْ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ، كَمَا قَالَ أَيُّوبُ السّخْتِيَانِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " إِنَّ مِنْ سَعَادَةِ الحَدَثِ وَالأَعْجَمِيّ أَنْ يُوَفِّقَهُمَا اللَّهُ لِعَالِمٍ مِنْ أهْلِ السُّنَّةِ " شَرْحُ أُصُول اِعْتِقَادِ أهْلِ السُّنَّةِ لللالكائي (٦٦/١ ).

وَفِي أَخْذِ العِلْمِ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:« البَرَكَةُ مَعَ أَكَابِرِكُمْ » [ انظر الصَّحِيحَةَ " ٤/ ٣٨٠ ].
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ مَسْعُود رَضِيَ اللَّه عَنهُ: « لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا أَخَذُوا العِلْمَ عَنْ أَكَابِرِهِمْ وَعَنْ أُمَنَائِهِمْ وَعُلَمَائِهِمْ، فَإِذاَ أَخَذُوهُ عَنْ صِغَارِهِمْ وَشِرَارِهِمْ هَلَكُوا » رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي جَامِعِ بَيَانِ العِلْمِ وَفَضْلِهِ (٦١٦/١ ).

فَلْيَبْشِر إِخْوَانُنَا خَيْرًا مَا دَامُوا عَلَى هَذَا السَّبِيل، فَعَن هِشَام بنِ عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ أَبِي يَقُولُ: " أَي بُنَيّ، كُنَّا صِغَارَ قَوْمٍ فَأَصْبَحْنَا كِبَارَهُمْ، وَإِنَّكُمْ اليَوْمَ صِغَارُ قَوْمٍ وَيُوشِكُ أَنْ تَكُونُوا كِبَارَهُمْ، فَمَا خَيْرٌ فِي كَبِيرٍ وَلَا عِلْمَ لَهُ ؟! فَعَلَيكُمْ بِالسُّنَّةِ " المُحَدِّث الفَاصِل للرَّامَهُرْمُزِي (١٩٤).

أَمَّا النَّصِيحَةُ الَّتِي وَجَّهَهَا شَيْخُنَا -حَفِظَهُ الله- لِأُولَئِكَ الأَئِمَّةِ المُتَخَرِّجِينَ فَدَارَتْ فَحْوَاهَا حَوْلَ أَمْرَيْنِ أَسَاسِيَّيْنِ:

الأَوَّلُ: أَنَّ عَلَى الإمَامِ أَنْ يَصْدَعَ بِدَعْوَةِ التَّوْحِيدِ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ، وَأَنْ لَا يَتَسَاهَلَ فِي ذَلِكَ، وَأَنْ يَجْرِيَ مَجْرَى العُلَمَاءِ فِي تَعْلِيمِ المُهِمَّاتِ لِلنَّاسِ فِي دِينِهِم.

الثَّانِي: أَنَّ مَنَازِلَ الرِّجَالَ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللَّهِ تُعْرَفُ بِالمَوَاقِفِ وَلَيْسَ بِكَثْرَةِ العِلْمِ، فَعَلَى الأَئِمَّةِ -وَالدُّعَاةِ بِصِفَةٍ عَامَّة- أَنْ يَكُونُوا فِي نَفْسِ الخَطِّ مَعَ عُلَمَائِهِم وَمَشَايِخِهِم، وَألاَّ يُدِيرُوا ظُهُورَهُمْ لِلمَشَايِخ، وَضَرَبَ شَيْخُنَا -حَفِظَهُ اللَّهُ- مِثَالاً بِمَا حَدَثَ لِلإِمَامِ أَحْمَد -رَحِمَهُ اللَّهُ- فِي فِتْنَةِ القَوْلِ بِخَلْقِ القُرْآنِ حِينَ جَاءَهُ المَرْوَذِي فَقَالَ لِلإمَامِ أَحْمَد وَهُوَ يُقَدَّمُ لِلجَلْدِ وَالعَذَابِ: يا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾، فَقَالَ أَحَمْد: يَا مروذي، اخْرُجْ فَانْظُرْ أَيَّ شَيْءٍ تَرَى.
قَالَ: فَخَرَجْتُ إِلَى رَحَابَةِ دَارِ الخِلاَفَةِ فَرَأَيْتُ خَلْقًا مِنَ النَّاسِ لَا يُحْصِيَ عَدَدَهُمْ إِلاَّ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-، وَالصُّحُفُ فِي أَيْدِيهِمْ وَالأَقْلاَمُ وَالمَحَابِرُ فِي أَذْرُعَتِهِمْ، فَقَال لَهُمْ المروذي: أَيَّ شَيْءٍ تَعْمَلُونَ ؟!! فَقَالُوا: نَنْتَظِرُ مَا يَقُولُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ فَنَكْتُبُهُ. قَالَ المروذي: مَكَانَكُمْ، فَدَخَلَ إِلَى أَحَمْد فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ قَوْمًا بِأَيْدِيهِم الصُّحُفُ وَالأَقْلاَمُ يَنْتَظِرُونَ مَا تَقُولُ فَيَكْتُبُونَهُ، فَقَالَ الإمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ الله: يا مروذي أُضِلُّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ ؟!! أَقْتُلُ نَفْسِي وَلَا أُضِلُّ هَؤُلَاءِ. اهــ

فَعَلَى الإِمَامِ أَن لاَ يَتَحَجَّجَ بِالخَوْفِ عَلَى مَنْصِبِهِ أَوْ رَاتِبِهِ، وَأن يَعْلَمَ أَنَّ تَسَلُّطَ المُخَالِفِينَ عَلَيهِ -مِنَ الهَيْئَةِ الرَّسْمِيَّةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ- إِنَّمَا يَكُونُ بِحَسَبِ تَخَلُّفِهِ عَنِ الحَقِّ وَمُدَاهَنَتِهِ لِلْخَلْقِ، بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَخَلَّصَ مِنَ المُخَالِفِينَ بِالحِكْمَةِ التِي يُحَافِظُ بِهَا عَلَى سَلاَمَةِ مَنْهَجِهِ مَعَ مُوَاصَلَةِ أَدَاءِ مَهَامِّهِ.

وَقَالَ شَيْخُنَا -حَفِظَهُ الله- أَنَّ غَالِبَ المَشَاكِلِ التِي ظَهَرَت فِي السَّاحَةِ مِن بَعْضِ النَّاسِ سَبَبُهَا عَدَمُ الوُضُوحِ فِي المَوَاقِف.

هَذِهِ خُلاَصَةُ مَا جَادَتْ بِهِ قَرِيحَةُ شَيْخِنَا الإِمَام حَفِظَهُ الله مَعَ مَا بَدَا عَلَيْهِ مِنَ التَّعَب، نَسْأَلُ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- أَن يُلْبِسَهُ ثَوْبَ الصِّحَّةِ، وَأَن يَجْمَعَ لَهُ بَيْنَ الأَجْرِ وَالعَافِيَة، وَأَلاَّ يَحْرِمَ إِخْوَانَنَا الطَّلَبَةَ المُجِدِّينَ مِن عَظِيمِ نَفْعِ مَجَالِسِه.

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِين، وَصَلَّى الله وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ إِلَى يَوْمِ الدِّين.


أَبُو حَـــاتِم البُلَيْـــدِي

رد مع اقتباس