
13 Dec 2013, 05:58 PM
|
موقوف
|
|
تاريخ التسجيل: Oct 2013
الدولة: الدولة الجزائر/برج بوعريريج
المشاركات: 355
|
|
من قرائن الكشف عن علة حديث سلوك الجادة
الحمد لله رب العالمين ، والعاقبة للمتقين ، ولا عدوان إلاَّ على الظَّالمين ، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له ، وأشهد أنَّ محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، أمَّا بعد :
فإنَّ سلوك الجادة نوع مشهور من الأخطاء التي يقع فيها الرواة ، ويتعامل معه النُّقاد على أنَّه قرينة قوية تُعينهم على اكتشاف الخطأ والتَّرجيح ، ومن ثم معرفة الطَّريق الراجحة التي يُستدل بها على صحة الحديث أو ضعفه ، وهو مُصطلح علمي استعمله الحفَّاظ النُّقاد في تعليل الأحاديث ، وقد يُعلم ذلك ضمنًا دون تصريحٍ لمن يُمارسُ هذا العلم ويتأمل في صنيع النُّقاد الحفاظ.
وقد جعل الحاكم أبو عبد الله النَّيسابوري هذا النَّوع من الأخطاء من أجناس العلَّة العشرة التي أوردها في كتابه "معرفة علوم الحديث" (ط حيدر أباد الدكن ص 118).
تعريف الجادة لغة :
هي الطَّريق الظَّاهرة ، قال تعلى : ((وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ))
قال الرَّاغب الأصفهاني في (مفردات القرآن ط: البابي الحلبي ص89) : " جمع جُدَّة ، أي : الطَّريق الظَّاهرة ، من قولهم طريق مجدود أي مسلوك مقطوع ، ومنه جادة الطَّريق ".
ونقل ابن منظور في (لسان العرب ط: دار صادر 108/3 ، مادة : جدد) عن الفرَّاء قوله : "الجدد : الخطط والطرق ، تكون في الجبال خطط بيض وسود وحمر كالطرق ، واحدها جُدَّة" .
ونقل عن الزَّجاج : "كل طريق جُدَّة وجادة" .
ونقل عن الأزهري : "وجادة الطَّريق سُمِّيَت جادة لأنَّها خُطَّة مُستقيمة ملحُوبة ، وجمعها الجَوَادُّ" .
فيُفهم من هذا أنَّ الجادة هي الطَّريق الواضحة الظَّاهرة المسلوكة تكون معروفة للنَّاس ، وهكذا في الأسانيد التي تُروى بها الأحاديث هناك أسانيد مشهورة معروفة تكثر رواية الأحاديث بها لشهرتها ، مثل إسناد : مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما .
فقد يروي مالك حديثًا عن غير نافع لكن يسبق إلى لسان الرَّاوي اسم نافع ، بينما الطَّريق المحفوظة تكون خلاف ذلك.
وهناك مظهر آخر من سلوك الجادة قد لا يُنتبه إليه : وهو أنَّ الطَّريق تنتهي إلى الصَّحابي ، فيخطئ الرَّاوي فيرفع الموقوف ، أو يصل المرسل ، فيكون بهذا قد سلك الجادة .
الصِّيَغ التي يستعملها النُّقاد للتَّعبير عن سلوك الجادة :
يُعبر النُّقاد عن ذلك بعدَّة صيغ مؤدَّاها واحد ، واشتهر كل ناقد بصيغة معينة ، وأسوق فيما يلي ما اطَّلعت عليه من تلك الصيغ .
1- أخذ طريق المجرَّة :
والمراد بذلك درب التَّبانة ، استعمل هذه العبارة الإمام الشافعي رحمه الله تعالى.
فقد روى البيهقي في (السنن الكبرى ط حيدر أباد 474/2) كتاب : الصلاة ، باب : من جعل قبل صلاة المغرب ركعتين. من حديث حيان بن عبيد الله ، حدثني عبد الله بن بريدة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : "عند كل أذانين ركعتين...".
قال : هذا علمي من الجنس الذي كان الشافعي رحمه الله يقول : " أخذ طريق المجرة " ، فهذا الشيخ لمَّا رأى أخبار ابن بُريدة عن أبيه ، توهم أنَّ هذا الخبر هو أيضا عن أبيه " .
وكذا استعملها الحاكم النَّيسابوري رحمه الله تعالى في (معرفة علوم الحديث ص 118) عند ذكره للجنس التاسع من علل الحديث ، وساق بإسناده عن المنذر الحزامي ، عن عبد العزيز بن أبي سلمة ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ، أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم " كان إذا افتتح الصَّلاة قال : سبحانك اللَّهمَّ تبارك اسمك وتعالى جدك...".
قال الحاكم : لهذا الحديث علَّة صحيحة ، والمنذر بن عبد الله أخذ طريق المجرة فيه ، ثمَّ ساق بإسناده عن أبي غسَّان مالك بن إسماعيل ، قال : ثنا عبد العزيز بن أبي سلمة قال ثنا عبد الله بن الفضل ، عن الأعرج ، عن عبيد الله بن أبي رافع ، عن علي بن أبي طالب ، عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلم. الحديث .
2- هذا الطَّريق أسهل عليه :
أكثر من استعماله ابن عدي رحمه الله تعالى في كتاب (الكامل في الضعفاء ط دار الكتب العلمية ، بيروت ، ت : عادل أحمد) منها : 201/1 ، 443/2 ، 418/3 ، 70/4 ، 78/4 ، 146/4 ، 259/4 ، 182/5 ، 229/6 ، 286/6 ، 359/6 .
3- سلك الطريق السهل :
استعمله الدَّارقطني رحمه الله تعالى في كتاب (التَّتبع ت: الإمام الرَّباني والعلَّامة اليماني مقبل بن هادي الوادعي الهمْداني ص 363) عند كلامه على رواية مسلم التي ساقها من طريق ثابت وعمرو بن مُرَّة ، عن أبي بردة ، عن الأغرّ المُزني ، عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم : " يا أيُّها النَّاس توبوا إلى الله فإنِّي أتوب في اليوم مائة مرَّة " .
قال الدَّارقطني : وهما صحيحان ، وإن كان أبو إسحاق قال : عن أبي بردة ، عن أبيه ، وتابعه مغيرة بن أبي الحُرّ ، عن سعيد ، عن أبي بُردة ، فأبو إسحاق ربَّما دلَّس ، ومُغيرة بن أب الحُرّ شيخ ، وثابت وعمرو بن مُرَّة حافظان ، وقد تابعهما رجلان آخران : زياد بن المنذر وابن إسحاق ، ومُغيرة بن أبي الحُرّ وأبو إسحاق سلكا به الطَّريق السَّهل ".
4- لزم الطريق :
أكثر من استعمال هذه الصِّيغة أبو حاتم الرَّازي في كتاب (العلل ط دار المعرفة) ، وقد أحصيت له في كتابه سبعة مواضع ، وهي : 27/1 ، 107/1 ، 203/1 ، 315/1 ، 109/2 ، 249/2 ، 267/2 .
وأسوق إليك مثالا منها : قال ابن أبي حاتم : وَسَأَلتُ أَبِي عَن حَدِيثٍ ؛ رَواهُ المُبارَكُ بنُ فَضالَةَ ، عَن ثابِتٍ ، عَن أَنَسٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قالَ : "إِذا أَحَبُّ الرَّجُلُ أَخاهُ فَليُعلِمهُ" .
قالَ أَبِي : وَرَواهُ حَمّادُ بنُ سَلَمَةَ ، عَن ثابِتٍ ، عَن حَبِيبِ بنِ سُبَيعَةَ الضُّبَعِيِّ ، عَن رَجُلٍ حَدَّثَهُ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، مُرسَلاً.
قالَ أَبِي : هَذا أَشبَهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَذاكَ لَزِمَ الطَّرِيقَ.
5- سلك الجادة :
وممن استعمله :
أ- الزيلعي رحمه الله تعالى : في (نصب الراية) 58/1 .
ب- ابن حجر العسقلاني رحمه الله تعالى : في (هدي الساري) 353/1 ، وفي (الفتح) 269/3 ، 384/9 ، 632/9 ، 146/10 ، 364/10 ، 444/10 ، 99/11 ، وفي (النكت على ابن الصلاح ت: العلامة الإمام شيخ الجرح والتعديل ربيع بن هادي عمير المدخلي حفظه الله وشفاه) 610/2 ،611/2 ، 714/2 ، 726/2 ، 748/2 ، 874/2 ، وفي (الإصابة) 546/6 ، وفي (الدراية في تخريج أحاديث الهداية) 184/2 ، 219/2 ، وفي (تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير) 266/1.
ج- السخاوي رحمه الله تعالى في (فتح المغيث شرح ألفية الحديث ط الكتب العلمية) 212/1 .
د- الزرقاني رحمه الله تعالى في (شرح الموطأ) 150/2 ، 412/3.
ه- السيوطي رحمه الله تعالى في (تدريب الراوي) 261/1 .
و- العلّامة الإمام والحبر الهمام محدث العصر وشيخ المحدثين محمَّد ناصر الدين ابن نوح النَّجاتي الألباني رحمه الله تعالى في (إرواء الغليل) 77/1 ، حديث رقم : 38 .
|