عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 12 Oct 2013, 09:24 PM
يوسف بن عومر يوسف بن عومر غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Jan 2013
الدولة: الجزائر-ولاية سعيدة
المشاركات: 594
افتراضي صفة الاستطابة ثابتة لله تعالى على ما يليق به سبحانه

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد القائل: ((لخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك))، و ارض اللَّهم عن صحابته أجمعين، وارحم كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد:

فهذه جملة موجزة قصير حول إثبات صفة استطابة الروائح لله تعالى، والرد على من أول ذلك بتأويلات خارجة عن جادة الصواب، وذكر كلام الشراح فيه يطول، فاقتصرت على كلام ابن حجر – رحمه الله – في: "الفتح"، لأنه ذكر ستة أوجه من التأويلات لصفة الاستطابة، ولكن – للأسف – أعرض عن ذكر كلام أهل الحق في ذلك، وسأتبعه بتعليقات بعض العلماء المعاصرين، ثم كلام ابن القيم – رحمه الله – في الرد على تلكم التأويلات المنحرفة، والله المستعان.

قال ابن حجر العسقلاني - رحمه الله – في: "فتح الباري" (4/131) في قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لخُلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك))( 1)، قال: ((اُختلف في كون الخُلوف أطيب عند الله من ريح المسك – مع أنه سبحانه وتعالى منزه عن استطابة الروائح، إذ ذاك من صفات الحيوان، ومع أنه يعلم الشيء على ما هو عليه – على أوجه: قال المازَري: هو مجاز لأنه جرت العادة بتقريب الروائح الطيبة منا، فاستعير ذلك للصوم لتقريبه من الله، فالمعنى: أنه أطيب عند الله من ريح المسك عندكم، أي: يقرب إليه أكثر من تقريب المسك إليكم، وإلى ذلك أشار ابن عبد البر، وقيل المراد: أن ذلك في حق الملائكة، وأنهم يستطيبون ريح الخُلوف أكثر مما يستطيبون ريح المسك، وقيل المعنى: أن حكم الخُلوف والمسك عند الله على ضد ما هو عندكم، وهو قريب من الأول، وقيل المراد: أن الله تعالى يجيزه في الآخرة فتكون نكهته أطيب من ريح المسك كما يأتي المكلوم وريح جرحه تفوح مسكا، وقيل المراد: أن صاحبه ينال من الثواب ما هو أفضل من ريح المسك لا سيما بالإضافة إلى الخلوف، حكاهما عياض، وقال الداودي وجماعة: المعنى: أن الخلوف أكثر ثوابا من المسك المندوب إليه في الجمع ومجالس الذكر، ورجح النووي هذا الأخير، وحاصله حمل معنى الطيب على القبول والرضا، فحصلنا على ستة أوجه...))، ثم ذكر من ذهب إلى تأويل الاستطابة بالرضا والقبول منهم: الخطابي، وابن عبد البر، والبغوي، والقدوري من الحنفية، والداودي وابن العربي من المالكية، وأبو عثمان الصابوني وأبو بكر بن السمعاني من الشافعية، قال: ((جزموا كلهم بأنه عبارة عن الرضا والقبول)).

قال علي بن عبد العزيز الشبل في: "تعليقه على فتح الباري"- بتكليف وإشراف سماحة شيخه عبد العزيز بن عبد الله بن باز – رحمه الله - معلقا على كلام الحافظ عند قوله: ((وحاصله حمل معنى الطيب على القبول والرضا)) قال: ((هذا وما قبله تأويلات متكلفة لا مبرر( 2) لها،وخروج باللفظ عن حقيقته، والاستطابة لرائحة خلوف فم الصائم من جنس سائر الصفات العلى،يجب الإيمان بها مع عدم مماثلة صفات المخلوقين،ومع عدم التكلف بتأويلها بآراء العقول ومستبعدات النقول، والذي يفضي بها إلى تعطيلها عن الله، فالواجب الإيمان بها كسائر الصفات على الوجه اللائق بالله من غير تكييف ولا تمثيل ومن غير تحريف ولا تعطيل، كما قال سبحانه: ((ليس كمثله شيء هو السميع البصير)) وقال: ((هل تعلم له سميا)) وقال: ((ولم يكن له كفوا أحد)) والله أعلم))( 3).

وقال الشيخ العلامة عبد الرحمن بن ناصر البراك في: "تعليقه على فتح الباري"( 4) (ج5/215-216): ((قوله: ((... مع أنه سبحانه وتعالى منزه عن استطابة الروائح...))( 5) إلخ، هذا الجزم من الحافظ - رحمه الله - بنفي صفة الشم عن الله تعالى الذي هو إدراك المشمومات لم يذكر عليه دليلا إلا قوله: ((إذ ذاك من صفات الحيوان))( 6)، وهذه الشبهة هي بعينها شبهة كل من نفى صفة من صفات الله سبحانه من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وهي شبهة باطلة فما ثبت لله تعالى من الصفات يثبت له على ما يليق به ويختص به، كما يقال ذلك في سمعه وبصره وعلمه وسائر صفاته، وصفة الشم ليس في العقل ما يقتضي نفيها فإذا قام الدليل السمعي على إثباتها وجب إثباتها على الوجه اللائق به سبحانه وهذا الحديث وهو قوله – صلى الله عليه وسلم -: ((لخُلوف فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك))، ليس نصا في إثبات الشم، بل محتمل لذلك فلا يجوز نفيه من غير حجة، وحينئذ فقد يقال: إن صفة الشم لله تعالى مما يجب التوقف فيه لعدم الدليل البين على النفي أو الإثبات فليتدبر، والله أعلم بمراده ومراد رسوله - صلى الله عليه وسلم -))، ثم ذكر كلام ابن القيم - رحمه الله – في: "الوابل الصيب" الذي سننقله فيما بعد، ثم قال(يعني:البراك): ((ويلاحظ أن ابن القيم اقتصر على لفظ الاستطابة دون لفظ الشم وقوفا مع لفظ الحديث)) اهـ .

وقال ابن عثيمين رحمه الله في: "شرح صحيح البخاري" من كتاب: "اللباس والزينة" ( 7) - وقد سئل عن معنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : ((أطيب عند الله)) قال: (( لا، الأحسن في مثل هذا أن نقول مثل ما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((أطيب عند الله من ريح المسك)) فقط، ومسألة أنه يشم أو لا يشم هذا ما أردنا (يعني: لم نرد)( 8) الكلام فيه)) اهـ .

قال ابن القيم - في: "الوابل الصيب"(ص: 54-55) -: (( ثم ذكر – يعني: أبو عمرو بن الصلاح - كلام الشراح في معنى طيبه وتأويلهم إياه بالثناء على الصائم والرضا بفعله على عادة كثير منهم بالتأويل من غير ضرورة حتى كأنه قد بورك فيه، فهو موكل به، وأي ضرورة تدعو إلى تأويل كونه أطيب عند الله من ريح المسك، بالثناء على فاعله والرضا بفعله، وإخراج اللفظ عن حقيقته؟، وكثير من هؤلاء ينشئ للفظ معنى ثم يدعي إرادة ذلك المعنى بلفظ النص عن غير نظر منه إلى استعمال ذلك اللفظ، في المعنى الذي عينه أو احتمال اللغة له، ومعلوم أن هذا يتضمن الشهادة على الله ورسوله - صلى الله عليه سلم - بأن مراده من كلامه: كيتَ وكيتَ،فإن لم يكن ذلك معلوما بوضع اللفظ في ذلك المعنى أو عُرف الشارع - صلى الله عليه وسلم - وعادته المطردة، أو الغالبة باستعمال ذلك اللفظ في هذا المعنى، أو تفسيرا له به، وإلا كانت شهادة باطلة، وأدنى أحوالها أن تكون شهادة بلا علم، ومن المعلوم أن أطيب ما عند الناس من الرائحة رائحة المسك، فمثَّل النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الخُلوف عند الله بطيب رائحة المسك عندنا وأعظم، ونسبة استطابة ذلك إليه سبحانه وتعالى كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه، فإنها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين، كما أن رضاه وغضبه وفرحه وكراهته وحبه وغضبه لا تماثل ما للمخلوقين من ذلك، كما أن ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات خلقه، وصفاته لا تشبه صفاتهم، وأفعاله لا تشبه أفعالهم، وهو سبحانه يستطيب الكلم الطيب فيصعد إليه، والعمل الصالح فيرفعه، وليست هذه الاستطابة كاستطابتنا، ثم إن تأويله لا يرفع الإشكال، إذ ما استشكله هؤلاء من الاستطابة يلزم مثله في الرضا، فإن قال: رضا ليس كرضا المخلوقين، فقولوا: استطابة ليست كاستطابة المخلوقين، وعلى هذا جميع ما يجيء في هذا الباب))( 9) اهـ .

وفيما قاله ابن القيم – رحمه الله – كفاية لمن أراد الحق، والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
كتبه:
أبو الحارث يوسف بن عومر
بعد عصر يوم الجمعة 06 ذو الحجة 1434هـ





( 1) رواه أحمد والبخاري ومسلم من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -.
( 2) الصحيح أن يقال: لا مسوغ لها، ولفظة: برَّر وما اشتق منها غير فصيح في اللسان العربي كما صرح به الشيخ بكر أبو زيد – رحمه الله – في: "معجم المناهي اللفظية" (ص: 403) والله أعلم، وانظر: مجلة الإصلاح العدد: 2 ص: 77 تحت مقال: "تنبيه الأنام إلى هفوات الكلام" لمحمد تبركان.
(3) ج4/137 ط. دار السلام، طبعة جديدة ومنقحة ومقابلة على طبعة بولاق والطبعة الأنصارية والطبعة السلفية التي عني بإخراجها سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز - رحمه الله - وقام بإكمال التعليقات بتكليف وإشراف من سماحته تلميذه علي بن عبد العزيز الشبل - حفظه الله -.
( 4) دار طيبة، طبعة جديدة ومصححة ومقابلة على طبعة بولاق الميرية، اعتنى بها: أبو قتيبة محمد نظر الفريابي.
( 5) انظر كلام ابن حجر السابق.
( 6) انظر كلام ابن حجر السابق.
( 7) شريط رقم:9، الوجه الثاني، عند الدقيقة:37:00.
( 8) زيادة للتوضيح.
(9) طبعة مؤسسة الرسالة الأولى سنة 1427هـ.


التعديل الأخير تم بواسطة أبو البراء ; 13 Oct 2013 الساعة 08:32 AM
رد مع اقتباس