عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 15 Dec 2012, 05:33 PM
فتحي إدريس
زائر
 
المشاركات: n/a
افتراضي هل صحيح أن الصحابة كان يقلد بعضهم بعضا؟!

:::بسم الله الرحمن الرحيم:::






[justify] [/justify][justify][/justify][justify][/justify][justify][/justify][justify][/justify]
[justify]

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.


أما بعد:



قال العلامة ابن القيم([1]) –رحمه الله- في الرد على حجج القائلين بجواز التقليد:


«الوجه الثامن والثلاثون: قولهم: إن ابن مسعود كان يأخذ بقول عمر(!)
وخلاف ابن مسعود لعمر أشهر من أن يتكلف إيراده، وإنما كان يوافقه كما يوافق العالمُ العالمَ، وحتى لو أخذ بقوله تقليدا لعمر فإنما ذلك في نحو (أربع مسائل) نعدها، وكان من عمَّاله، وكان عمر أمير المؤمنين، وأما مخالفته له ففي نحو (مئة مسألة)، منها: أن ابن مسعود صح عنه أن أم الولد تعتق من نصيب ولدها، ومنها: أنه كان يطبق في الصلاة إلى أن مات، وعمر كان يضع يديه على ركبتيه، ومنها: أن ابن مسعود كان يقول في الحرام: هي يمين، وعمر يقول: طلقة واحدة، ومنها: أن ابن مسعود كان يحرِّم نكاح الزانية على الزاني أبدا، وعمر كان يتوبهما وينكح أحدهما من الآخر، ومنها: أن ابن مسعود كان يرى بيع الأمة طلاقها، وعمر يقول: لا تطلق يذلك؛ إلى قضايا كثيرة.

والعجب أن المحتجين بهذا لا يرون تقليدا لابن مسعود ولا تقليد عمر (!) وتقليد مالك وأبي حنيقة والشافعي أحب إليهم وآثر عندهم...وقد صح عن عمر أنه استفتى ابن مسعود في "البتة" وأخذ بقوله، ولم يكن ذلك تقليدا له، بل لما سمع قوله فيما تبين له أنه الصواب، فهذا هو الذي كان يأخذ به الصحابة من أقول بعضهم بعضا.

وقد صح عن ابن مسعود أنه قال: اغد عالما أو متعلما، ولا تكونن إمعة، فأخرج الإمعة –وهو المقلد- من زمرة العلماء والمتعلمين، وهو كما قال رضي الله عنه فإنه لا مع العلماء ولا مع المتعلمين للعلم والحجة، كما هو معروف ظاهر لمن تأمله.

الوجه التاسع والثلاثون: قولهم: إن عبد الله كان يدع قوله لقول عمر، وأبو موسى كان يدع قوله لقول علي، وزيد يدع قوله لقول أبي بن كعب (!)

فجوابه: أنهم لم يكونوا يدعون ما يعرفون من السنة تقليدا لهؤلاء الثلاثة كما تفعله فرقة التقليد، بل من تأمل سيرة القوم رأى أنهم كانوا إذا ظهرت لهم السنة لم يكونوا يدعونها لقول أحد كائنا من كان.

وكان ابن عمر يدع قول عمر إذا ظهرت له السنة، وابن عباس ينكر على من يعارض ما بلغه من السنة بقوله: قال أبو بكر وعمر، ويقول: يوشك من أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتقولون: قال أبو بكر وعمر، فرحم الله ابن عباس ورضي عنه، فو الله لو شاهد خلفنا هؤلاء الذين إذا قيل لهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: قال فلان وفلان، لمن لا يداني الصحابة ولا قريبا من قريب.

وإنما كانوا يدعون أقوالهم لأقوال هؤلاء لأنهم يقولون القول ويقول هؤلاء القول، فيكون الدليل معهم فيرجعون إليهم ويدعون أقوالهم، كما يفعل أهل العلم الذين هو أحب إليهم مما سواه، وهذا عكس طريقة أهل التقليد من كل وجه، وهذا هو الجواب عن قول مسروق: ما كنت أدع قول ابن مسعود لقول أحد من الناس».

وقال الشوكاني([2]) –رحمه الله-:
«...وأما ما ذكره من موافقة ابن مسعود لعمر –رضي الله عنهما- وأخذه بقوله، وكذلك رجوع بعض الستة المذكورين من الصحابة إلى بعض ليس ببدع ولا مستنكر، فالعالم يوافق العالم في أكثر مما يخلفه فيه من المسائل، ولا سيما إذا كانا قد بلغا أعلى مراتب الاجتهاد فإن المخالفة بينهما قليلة جدا، وأيضا: قد ذكر أهل العلم أن ابن مسعود خالف عمر في نحو (مئة مسألة)، وما وافقه إلا في نحو (أربع مسائل).

فأين التقليد من هذا (!)، وكيف يصلح ما ذكر للاستدلال به على (جواز النقليد)؟

وهكذا رجوع بعض الستة المذكورين إلى أقوال بعض، فإن هذا موافقة لا تقليد، وقد كانوا جميعهم وسائر الصحابة إذا ظهرت لهم السنة لم يتركوها لقول أحد كائنا من كان، بل كانوا يعضون عليها بالنواجذ ويرمون بآرائهم وراء الحائط، فأين هذا من جمع المقلدين الذين لا يعدلون بقول من قلدوه كتابا ولا سنة، ولا يخالفونه قط، وإن تواتر لهم ما يخالفه من السنة، ومع هذا فإن الرجوع الذي كان يقع من بعض الصحابة إلى قول بعض بعض، إنما هو في الغالب رجوع إلى روايته لا إلى رأيه، لكونه أخص بمعرفة ذلك المروي، منع بوجه من الوحوه كما يعرف هذا من عرف أحوال الصحابة».

بل وأكثر من ذلك، فإن التقليد لم يحصل حتى في القرون المفضلة كما قال ابن القيم([3]) –رحمه الله-:

«وأيضا فإنا نعلم بالضرورة أنه لم يكن في عصر الصحابة رجل واحد اتخذ رجلا منهم يقلده في جميع أقواله فلم يسقط منها شيئا، وأسقط أقوال غيره فلم يأخذ منها شيئا، ونعلم بالضرورة أن هذا لم يكن في عصر التابعين ولا تابعي التابعين، فليكذبنا المقلدون برجل واحد سلك سبيلهم الوخيمة في القرون الفضيلة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما حدثت هذه البدعة في القرن الرابع المذموم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم».


والله أعلم، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسله.

=========


(1) "إعلام الموقعين عن رب العالمين" (4/534) تحقيق: مشهور بن حسن سلمان – طبعة: دار ابن الجوزي.

(1) "القول المفيد في حكم التقليد" (ص108) تحقيق: شعبان محمد إسماعيل – طبعة: دار ابن حزم.
(2) "المصدر السابق" (4/484).
[/justify]


التعديل الأخير تم بواسطة فتحي إدريس ; 16 Dec 2012 الساعة 05:01 PM
رد مع اقتباس