عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 20 Sep 2012, 08:04 PM
أبو أنس عبد الله الجزائري أبو أنس عبد الله الجزائري غير متواجد حالياً
عضو
 
تاريخ التسجيل: Dec 2011
الدولة: الجزائر المحروسة
المشاركات: 107
افتراضي « الــمـقـامـة الــمــدخــلـيّــة » [ الحـلـقـة الأولى ]


« الـمَـقَـامَـةُ الـمَـدخَـلِـيّـةُ »

[ الحلقة الأولى ]


[ جمعت ألفاظها وانتقيت دررها من كتب الأدب والمقامات, وعنيت بمقامات الحريري, وجعلتها دليلي, والقلب إذاك معلق بالشواغل والمشاكل, في كل واد منه طرف ومزعة, والفتن صادة عن إحكام المقال, وحلّ الإقفال والأقفال, وإلى الله المشتكى والمآل ]



....... كلِفت مذ ميطت عن أقراني التمائم, ونيطت بي القلانس والعمائم, أن أغشى معان العلم والأدب, وأنضي إليها ركاب الطلب, وعنيت منذ أحكمت تدبيري, وعرفت قبيلي من دبيري, واستقام لي أمري, أن ألقى الشيخ العَلَم, بحر الأخلاق والعِلْم والقيَم, ربيع السنّة, الراد على: إشراع الأسنّة [1], وكنت قد قرأته في صباي, فتيقنت أنه لا يُعلم له في ذا المجال مُبار بغبار, ولا يجري معه ممار بالباطل في مضمار, فرغبت في الاغتراب, واستـعذبت السفر الذي هو قطعة من العذاب, لرؤية ذلك الشيخ المهاب, فما لبثت أن عَصَفَت بي ريح الغرام, واهتاج فيّ شوق البيت الحرام, فنبَذت عُلَقي وعَلاَقَتي, واختَرت الـمَـقام, على الـمُقام, وأسلو بالحطيم عن الحُطَام.........

...... قطعت بنا الطائرة الفيافي والهضاب , والأودية والضراب, حتى بلغتُ بكة بعد شق النفس, وإنضاء العس, ولما دخلتها بعد معاناة الأين, ومداناة الحين, ألفيتها كما تصف الألسن, وفيها ما تشتهي الأنفس, وتلذ الأعين, فعاينت جليا قوله تعالى: « أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ».

ولما ألقيت بها المرَاسي, وشَدَدت أَمرَاسي, وأَديت العمرة دون أخٍ مواسي, بَرَزت إلى الحلاّق لسَبتِ رَاسي, ثم توجهت إلى كِـنّي, لعلي ألقي العرق والنصب عنّي, فلما أيقنت أني قضيت ـ بعون الله ـ التفث, واستبحت الطيب والرفث, أخذت الوساد, لعلي ألقي عني تعب السهاد, والبقاء دون مهاد.



........ ولما أخذت بمجامع أمري, وفاء لي عازب عقلي, وكنت قبل قد لقِفت من أفواه العلماء, وثقِفت من وصايا الحكماء, أن دواء القلب في مجالسة الصالحين من العلماء والمصلحين [2], طَفقت
ـ لفرط حبي للربيع وشوقي له, لأني أرى قربه قربى, ومغناه غنية, ورؤيته ريّا, فإن سلوى السني المحزون في هذه الأوقات, ملاقاة الثقات, ومداناة أهل الديانات ـ , أباحث كل من جلّ وقلّ, وأتعلّل بعسى ولعلّ, واستسقي الوبل والطّلّ, فبلوت في ذلك الإخوان, وسبرت الأوزان, وخبرت ما شان وزان, لعلي أظفر منهم بالعنوان, فلم أسمع منهم غير كلمتان, عليّ ثقيلتان: « الشيخ تعبان ولا يستقبل الركبان إلا في رمضان, فألق عنك الطمع والهذيان ».


فكلّفت ـ حينئذ ـ نفسي فوق الطاقة, وشددت على كاهل العزم نطاقه, وأرقت كاس الكرى, ونصصت ركاب السّرى, وإن لم يكن بالسرى, وجُبت في سيري إلي بيته المهيب وعورا لم تدمّثها قبل خطاي, ورأيت جبالا و سهولا لم ترها قبل عيناي, ولما حللت العَوَالي [3] حلول الحوت بالبيداء, والشعرة البيضاء في اللّمة السوداء, طفقت أجوب طرقها ـ وقت القائلة ـ مثل الهائم, وأجول في حومتها جولان الحائم, موقنا أن الثمار لا تـجنى إلا بخوض الغمار, وأن الأوطار لا تدرك إلا باقتحام الأخطار, وكان ـ والله ـ وقتا أطول من ظل القناة, وأحرّ من دمع المقلات, حتى أدّتني خاتمة المطاف, وهَدَتني فاتحة الألطاف, إلى مسجد [4] أديت فيه العصر, مع أهل المصر دون قصر, وبعد السلام, رمقت أهل الإسلام, لعلي ألقى أخا معوان, يدلني بلطافة على المكان أو العنوان, فألفيت شيخا وقورا, وظننته أديبا موفورا, فقلت في نفسي: لعل غرس التمني قد أثمر, وليل الحظ قد أقمر, فقمت إليه مذعورا, وسألته عن العنوان مستبشرا مسرورا, فوجدت منه ما يجد الحائر الوحيد, ورأيت منه ما كنت أحيد, من الزجر الشديد, والخلق الحزبي الأكيد, وتفرّست فيه أنه ممن لهذه الدعوة يكيد [5], إلا أني شجعت قلبي المزؤود, ونسأت نضوي المجهود, ولم أزل بعد ذلك بين وخد وذَميل, وإجازة ميل, بل ذلك دون الميل, إلى أن كادت الشمس تجب, والضياء يحتجب, فقلت في نفسي: « إنا لله على ضلة المسعى, وإمحال المرعى », وغلب حينئذ اليأس الطمع, وانزوى التأميل وانقمع, ثم علمت أنه لم يبق لي بالعوالي مرتع, ولا في رؤية الربيع مطمع, فعدت إلى رحلي وأتيت المضجع .....


[ يتبع .......... ]






_________________________________

[1] أعني رد الشيخ المسمى: « النهج الثابت الرشيد في إبطال دَعَاوَى فالح فيما سماه بـ: " إشراع الأسنة " و " التحقيق السديد " » , كتبه وقرأته عام 1429 هـ.

[2] يروى عن ميمون أنه قال: « العلماء هم ضالتي في كل بلدة وهم بغيتي, ووجدت صلاح قلبي في مجالسة العلماء », [ « حلية الأولياء » لأبي نعيم (4/ 85) ].

[3] الشيخ ـ حفظه الله ـ يسكن في عوالي مكة, وكان قبل في عوالي المدينة, فجمع الله له العلو في السكن والسند في الدنيا, وأسأل الله أن يرزقه علو الدرجات في الجنة.

[4] هو: مسجد عبد الرحمن السديس الموسوم بـ: « مسجد إمام الدعوة » .

[5] ظهر لي من تصرف الرجل أنه ممن يبغض الشيخ, بَلهَ منهج الشيخ, فأسال الله أن ينصره على أعدائه.



التعديل الأخير تم بواسطة أبو أنس عبد الله الجزائري ; 21 Sep 2012 الساعة 12:17 PM
رد مع اقتباس