قد وعدت في المرة السابقة أن أنقل كلاما لأهل العلم، في قضية ابن منصور صاحب كتاب: "فتح الحميد في شرح كتاب التوحيد"، وها أنا أوفي بذلك ـ نقلا لا تحقيقا ـ، فأقول، والله الموفق لا إله غيره:


قضية الشيخ عثمان بن منصور ـ رحمه الله ـ محيرة كثيرا، حتى إنك إذا قرأت أخباره انفصمت شخصيته لديك؛ فتجده مناوئا لدعوة الإمام المجدد، كما تجده مدافعا ومنافحا عنها.
وفي هذه الكلمات التي سأنقلها أحاول ذكر بعض الجوانب التي تعين على فهم ـ ولو يسير ـ لقضية ابن منصور.
والدافع لكتابة هذه الموضوعات أن للشيخ عثمان بن منصور شرحا على كتاب التوحيد، فقد يقول قائل: كيف تعادي الشيخ وتشن عليه حربا، ثم تشرح كتابه وتثني عليه فيه؟
أمر محير جدا.
فنظرت في كلام أهل العلم ـ ممن كتب في القضية ـ، وأخذت منه المقصود، عسى الله أن يفتح علينا بفهمها.

ترجمة موجزة للشيخ عثمان بن منصور: [اختصارا من مقدمة محققي "فتح الحميد"]

اسمه ونسبه:
عثمان بن عبد العزيز بن منصور بن حمد بن إبراهيم بن حمد بن محمد بن حسين الحسيني، من آل رجمة، الناصري، العمري التميمي النجدي.

مولده:
يترجح أنه ولد في مطلع القرن الثالث عشر، أو آخر القرن الثاني عشر.

نشأته العلمية:
تلقى علومه في منطقة سدير التي لم تخضع لدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب إلا بعد عناد وطول جلاد، ولعل هذا الذي أثر في الشيخ ابن منصور ـ رحمه الله ـ.

شيوخه:
ـ الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن محمد الحصين (1237هـ): وهو من خيرة أئمة الدعوة، من تلاميذ الشيخ الإمام، وكان يحبه ويكرمه.
ـ الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب (1285هـ): المجدد الثاني، وكانت له ردود شديدة على ابن منصور، تجدها في الدرر السنية، وطبعت مع ردود ابنه عبد اللطيف باسم "الدر المنثور في الرد عهلى عثمان بن منصور".
ـ الشيخ محمد بن سلوم التميمي (1246هـ): وهو من ألد خصوم الدعوة.
ـ الشيخ أحمد بن حسن بن رشيد الأحسائي الشهير بالحنبلي (1257هـ): تلقى علمه على خصم الدعوة ابن فيروز.
ـ الشيخ عيسى بن محمد الزبيري (1248هـ).
ـ الشيخ عثمان بن جمعة (1240هـ).
ـ الشيخ مصطفى الدهني المدني: ليس له ترجمة، وهو من المعتنين بكتاب التوحيد.
وآخرون.

تلاميذه:
ـ المؤرخ عثمان بن عبد الله بن بشر الحرقوصي (1290هـ): صاحب كتاب: "عنوان المجد في تاريخ نجد".
ـ محمد بن حمد بن نصر الله بن فوزان بن نصر الله (توفي في آخر القرن الثالث عشر تقريبا): اشتهر بخطه الجميل، ونسخ كتب شيخه بيده.
ـ محمد بن حمد بن عمير بن عبد الله بن ناصر الحنبلي.
ـ محمد بن فهيد الدوسري البدراني، من أخص تلاميذ ابن منصور.
وآخرون.

ثناء العلماء عليه:
ـ ابن بشر: "الشيخ النبيل، والعالم العلامة الفقيه، الذي حوى فنون العلوم، وكشف إليها الستور، وتلألأ بمعاني بيانه الطروس والسطور". ["عنوان المجد" 1/466].
ـ عبد اللطيف بن حسن آل الشيخ: "إيه من رجل لو استقام، وصارم لولا ما عراه من الانثلام، لكني أعلم أن للعلم بركات، وللملك لمات، فأرجو أن يقوده العلم إلى ثمراته". [الدرر السنية: 12/295].
قال فيه هذا مع أنه من أشد من رد عليه، فالعلم لا يعرف المحابات.

وفاته:
توفي ـ رحمه الله ـ في ربيع الأول سنة 1282هـ، في حوطة سدير، في نفس السنة التي توفي فيها الشيخ أبابطين، والإمام تركي بن فيصل.

مؤلفاته:
ـ "الرد الدامغ على من زعم أن شيخ الإسلام ابن تيمية زائغ": منظومة رد فيها على ابن سند، وفيها دفاع عن الإمام محمد بن عبد الوهاب.
ـ "منهج المعارج لأخبار الخوارج بالإشراف على الإسراف من دينهم المارج" أو "السيرة الخارجية المحتوية على كل غائلة وبلية": وهو من أجمع ما ورد في أخبارهم، وقد اعتبره الشيخ العلامة عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ سهما من سهام ابن منصور على الدعوة، وأنه عنى به أتباعها، إذ ليس في نجد أحد من الخوارج يستدعي الكتابة عنهم.
ـ "فتح الحميد في شرح كتاب التوحيد": وهو من أجل مؤلفاته وأوسعها، وألفه في سنين طويلة، وقد صرح فيه ببراءة الشيخ الإمام من مذهب الخوارج، وبالغ في الثناء عليه.
ـ "التحفة الوضية في الأسانيد العالية المرضية": وهي ثبته.
ـ "كشف الغمة في الرد على من كفر الأمة" أو "جلاء الغمة عن تكفير الأمة": هذا الكتاب لم يشر إليه ابن منصور، وظهر بعد وفاته بسنين، وقد شهد بعضهم أنه بخط الشيخ ابن منصور، وقد رد عليه الشيخ عبد اللطيف آل الشيخ في "مصباح الظلام في الرد على منتقصي شيخ الإسلام".
ـ "غسل الدرن عما ركبه هذا الرجل من المحن".
ـ "تيصرة أولي الألباب": ولا يوجد ذكر لهذين الكتابين في كتب ابن منصور.
ـ "الجواب المفرد على أن القبلة لم تنسخ مرتين عن الإمام أحمد".
ـ "مجموع الفتاوى".


هذا الجزء الأول، وسأتبعه في الجزء الثاني بالكلام عن معتقده، وأقواله في الدعوة وإمامها، وأتباعها ـ إن شاء الله تعالى ـ.