منتديات التصفية و التربية السلفية

منتديات التصفية و التربية السلفية (http://www.tasfiatarbia.org/vb/index.php)
-   مــــنـــتــدى الـــلـــغـــة الــعــربـــيـــة (http://www.tasfiatarbia.org/vb/forumdisplay.php?f=16)
-   -   هديّةٌ إلى عشّاق العربية :شرحُ القصيدةِ الشّمقمقيّة (http://www.tasfiatarbia.org/vb/showthread.php?t=21223)

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 15 Jul 2017 06:47 PM

هديّةٌ إلى عشّاق العربية :شرحُ القصيدةِ الشّمقمقيّة
 
بسم الله الرحمن الرحيم


الحمد لله وحده و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده و على آله و صحبه . و بعد :
فهذا شرح لقصيدة تعدّ من عيون الشعر (خصوصا عند المغاربة)، و هي قصيدة الشمقمقية لأبي الشمقمق أحمد ابن محمد ابن الونان. وللعلماء المغاربة عليها شروح، و أحسنها وأفضلها شرح، يحوي الكثير من نوادر العرب وهو " زهر الأفنان من حديقة ابن الونان" للأديب العلامة أحمد الناصري السلاوي ،ووجود هذا الشرح صار اليوم أعز من بيض الأنوق كما قال ذلك مختصرُه في كتابه " قطوف الريحان من زهر الأفنان" . وهو -أي زهر الأفنان- شرح جيد ماتع ، جامع لما تفرق ، راتق لما تمزق، لكنه يعد من المطولات ، التي تقصر همم كثير من الخاملين أمثالنا عن الوقوف بعتباتها ، فضلا عن النزهة في جنباتها. و هو مما لا يصلح للمبتدىء ، لما فيه من الحشو و الاستطراد ، و التفصيل و التذييل ، و بذاك تتشتت المعلومة عن الطالب و تعزب عن فكره ، و تشرد عن إدراكه ، لما يزاحمها من الفوائد و الأوابد ، و الغرائب و الطرائف ، و حتى ذكر الأوجه و الاحتمالات ...
و قد وجدت منها في الشبكة مصورة لطبعة حجرية ، بخط مغربي قديم جميل منمق ، و قد تكون حروفها كالطلاسم لكثير من الناس اليوم ، لاندثار ذاك الرسم ، و دروس ذاك الفن
لكن مختصرها أوفى بالمقصود ، و أظن أنه أربى عن المنشود
و في نظري أن شرح العلامة عبد الله كنون الحسني مختصر و مفيد للمبتدئ والمُبطّأ ، وهو شرح رائق ممتع سهل الألفاظ . و لهذا أردتُ نشره، و كان ما حداني إلى ذلك أنّه سقط بين يدي هذا الشرح في طبعة قديمة -ليس بها تاريخ طبعها و لكن أثبت في طرتها تحت اسم المؤلف عبارة : حفظه الله آمين ، مما يشعر أنها طبعت في حياته - و كذلك بحثت في الشبكة عن شرح لها فما وجدتُه إلا في مصورات الكتب (pdf) . و إذا بحثت عن بيت منها فلن تجده . فعزمت على كتابته منجما فجاء كما تراه (و كان نشره أول الأمر في منتدى آخر ، و اليوم أنقله إلى هنا) و لم أُكمل نشره هناك ، و أرجو أن أتم نشره ههنا . و الله الموفق .
وهذا ما ذكره العلامة عبد الله كنون في مقدمته على شرح الشمقمقية ، قال رحمه الله :
[ ... أما الأرجوزة أو الشمقمقية فهي أعظم آثار ابن الونّان و ديوان أدبه ، و نموذج شاعريته ، و مثال نظمه ، و لكثير من الأدباء إعجاب بها يجاوز حدّ ما تستحق ، و هي على روي القاف و عدد أبياتها 275 و تنقسم بحسب الأغراض الشعرية إلى ثمانية أقسام :
1 ) النسيب بذكر رحيل الأحبة ، و وصف الإبل التي تحملوا عليها و البيد التي تعسّفوها ، و لوم الحادي على جده السير ليل نهار حتى أضرّ بالإبل ضررا بليغا ، و تذكيره بمن يحملن على ظهورهن من النساء اللاتي لا طاقة لهن بذلك السير العنيف ، و إظهاره شديد العطف على هذه الإبل حتى تبرع ــ و هو يسر حسوا في ارتغاء ــ بالريادة لها و القيام عليها أحسن قيام .
2 ) التغزّل بصفات محبوبته ، و ما هي عليه من فنون المحاسن و ضروب المفاتن .
3) الحماسة و الفخر .
4 ) مخاطبة الحسود .
5 ) الحكم و الأمثال و الوصايا .
6 ) مدح الشعر .
7 ) مدح السلطان .
8 ) مدح الأرجوزة ، و تحدّي الشعراء أن يأتوا بمثلها .
أما قيمتها الأدبية فلا نطيل الكلام عليها بعدما عرفنا مما تقدم الشيء الكثير عن أسلوب ابن الونان و طبقة شعره .
و إنا لا نغلوا فيها غلوّ تلك الطّائفة التي تُجاوز بها حدّ ما تستحقه من الإعجاب ، و لا نبخسها حقها و كونها حقيقة في بعض الأبيات تسمو إلى درجة المطبوعين من الشّعراء حتى لا تعدو بها طبقة أبي نواس و من على طريقته ، إنما في بعض الأبيات الأخرى تسفُل حتى لا يبقى فرق بينها و بين الألفيات ، و غالب ذلك في هذا القسم الذي يصف فيه البيد و النباتات و الأشجار ، و الحيوانات و الأطيار ، و في قسم الحكم و الأمثال و الوصايا .
أما القسم الأول فلأنه حشر فيه من الألفاظ الغريبة و الكلمات الحوشية ( قال أبو عاصم عفا الله عنه : كذا في الأصل ، و لعلها الوحشية ) مما يتعلق بوصف تلك الأمور المشار إليها ما جعله كأنه متن من متون اللغة .
و أما القسم الثاني فإنه أراد أن يسلك في ضرب الأمثال طريقة ابن دريد في مقصورته من الإشارة إلى مواردها ، و التزم ذلك التزاما كليا و أغمض فيه كل الإغماض ، فعميت أنباؤه على القاريء و صار لا يدرك لها معنى إلا إذا كان بجانبه من يفسرها له ، و بذلك خرج هذا القسم عديم الإنسجام قليل الفائدة .
و على الجملة فهي أرزوجة طريفة جامعة لكثير من فنون الأدب ، و أخبار العرب ، و هي على عالمية صاحبها أدل منها على شاعريته ، و لمكانتها التي أشرنا إليها عند الأدباء ، فقد عارضها ابن عمرو الرِّباطي من أدباء القرن الثالث عشر ، و اعتنى بشرحها جماعة منهم العلامة أبو عبد الله الجريري السلوي و العلامة الناصري ( صاحب الإستقصا ) و شرحه شرح حافل ، و غيث من الأدب هاطل ، و العلامة أبو حامد البطاوري ، بارك الله في أنفاسه ، و غيرهم ... ]

و إلى بسط القصود -إن شاء الله- :

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 15 Jul 2017 06:48 PM

و هذا هو الكتاب مصورا لمن أراد الإطلاع عليه
http://up.top4top.net/downloadf-top4...9bad1-pdf.html

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 15 Jul 2017 06:51 PM

وها هو الشيخ محمد بن هادي المدخلي يقرأ جزء منها
https://www.dztu.be/watch?v=qwBscWKX5eI

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 15 Jul 2017 06:53 PM

القصيدة لأبي الشمقمق أحمد ابن محمد ابن الونان
و الشارح العلامة عبد الله كنون الحسني
قال الشيخ الاديب الماهر أبو العباس أحمد بن محمد بن الونان الحميري الملوكي التواتي المشهور بأبي الشمقمق :
مهلا على رسلك حادي الأينق ................و لا تكلفها بما لم تطـــق

مهلا : مصدر نائب عن فعله ، و الرسل : التمهل والتؤدة والرفق ، و الحادي : الذي يسوق الابل و يغني لها ليزعجها فتقطع المسافات الطويلة في الزمن اليسير
و الأينق : جمع ناقة ، و هو و ان كان جمع قلة فالمراد به هنا الكثرة ،
أي : سر على مهل و تأن أيها الحادي و ارفق بضعاف النوق ، فلا تكلفها ما لا تطيقه و لا تقدر عليه من هذا السوق العنيف و السير الحثيث .

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 15 Jul 2017 06:54 PM

فطالما كلّفتهاو سقتها ............ سوق فتى من حالها لم يُشفق

أي : فقد طالت مدة تكليفك لها و سوقها بلا شفقة عليها ، مع أنك لو تأملت في حالها لرحمتها ، لما هو باد عليها من أثر الإجهاد و العناء ،
و طال : فعل ماض اتصلت به ما فكفته ، فلا يطلب فاعلا ، و مثله كثرما و قلّما ، و هي بهذه الصورة أفعال لا تتصرف و لا يليها إلا الفعل
و ينبغي أن تكتب موصولة مع ما

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 15 Jul 2017 06:56 PM

و لم تزل ترمي بها يد النّوى ...................... بكلّ فجّ و فلاة سَمْلَقِ

النوى : البعد ، و لا يد لها لكنه استعارها لها ، و الفج : الطريق الواسع الواضح بين جبلين ، و الفلاة : الصحراء الواسعة ، و السّملق : الأرض المطمئنة المستوية ، و هذا دليل آخر على ما تتكبده هذه الإبل من المشاق في قطع هذه السبل الطويلة / و المسافات البعيدة ، فذلك أدعى لرحمتها و الإشفاق عليها

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 15 Jul 2017 07:01 PM

و ما ائْتلَتْ تــذْرعُ كلَّ فدفدِ ................ أذرُعها و كلَّ قاعٍ قــرقِ
و كلَّ أبْطَحَ و أجْرَعَ و جِزْ ................ عٍ و صريمةٍ و كلَّ أبْرقٍ


ما ائتلت : ما قصرت ، من قولهم : ما ألوت أن أفعل كذا ، أي : ما قصرت . تذرع : تقيسه بأذرعها ، و الفدفد : الفلاة و المكان الغليظ أو المرتفع ، و القاع : الأرض السهلة المطمئنة التي انفرجت عنها الجبال و الآكام ، و القرِق : المستوي ، و الأبطح : كالبطحاء : مسيل واسع فيه رمل و دقاق الحصى ، و الأجرع و الجرعاء ، رملة مستوية لا تنبت شيئا ، و الجِزع : منقطع الوادي ، و الصريمة : القطع من الرمل تنصرم ، أي : تنقطع عن معظمه ، و الأبرق : الأرض الغليظة ذات الحجارة و الرمل و الطين ،
و هذه كلها أوصاف متشابهة المراد منها تهويل أمر هذه المفاوز التي تعبت و كلَّت أذرُع الإبل بمعنى أيديها و أرجلها في ذرعها و قياسها ، و ذلك كناية عن حركة السير و سرعته


... يُتبع

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 16 Jul 2017 06:09 AM

مجاهلٌ تحار فيهن القطا .................... لا دِمنةٌ لا رسم دارٍ قد بقي

مجاهل جمع مَجهل : و هو الفلاة لا أعلام فيها يُهتدى بها ، تحار : تضلّ ، القطا : جمع قطاة : و هو طير بحجم الحمام ، يُضرب به المثل في الإهتداء إلى المكان المطلوب ، و الدّمنة : آثار الديار ، و الرسم : الأثر .
أي : تلك المفاوز مجاهل لا يهتدى فيها حتى القطا المعروفة بسرعة الإهتداء ، قد عفت آثارها ، و درست معالمها و هي كذلك مظنة اللف و الدّوران ، و الضلال و التيهان .
و قوله : لا دمنة لا رسم دار قد بقي . برفع دمنة و رسم على الإبتداء أو على اعمال لا عمل ليس ، كقوله تعالى ﴿ يومٌ لابيع فيه و لا خلة و لا شفاعة ﴾
و خبر دمنة محذوف دل عليه ما بعده ، و يجوز فيه وجه آخر و هو رفع دمنة ، و فتح رسم كقول أمية بن الصّلت :
فلا لغو و لا تأثيم فيها ................. و ما فاهوا به أبدا مقيم
و ينبغي الإقتصار فيه على هذين الوجهين من الإعراب لسلامتهما من الضرورة و هي تنوين دمنة في حال البناء

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 16 Jul 2017 06:10 AM

ليس بها غير السّوافي و الحوا ............ صِب الحراجيجِ و كلِّ زِحلِق

بعد ما وصف الأرض بما هو في طبيعتها من الحزونة أو السهولة و الإستواء أو غيره وصفها بما تشتمل عليه من هذه الرياح العواصف ، و الزعازع القواصف
فالسوافي : جمع سافياء : و هي الريح التي تُسفي التراب : أي تحمله و تذروه ، و الحواصب جمع حاصب : و هي الريح الشديدة التي ترمي بالحصباء و هي في قوله تعالى : ـــ فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ــ و الحراجيج جمع حُرجوج : و هي الريح الباردة الشديدة ، و الزِّحلِقُ : الريح الشديدة

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 16 Jul 2017 06:11 AM

و المَرْخِ و العَفَارِ و العِضاهِ و الـ ......... بَشامِ و الأَثْلِ و نبْتِ الخَـرْبَقِ
و الرِّمثِ و الخُلَّةِ و السَّعدان و الــثَّـــــــــــ .... ــــــغرِ و شَرْيٍ و سناً و سَمْسَقِ
و عُشَرٍ و نَشَمٍ و إســــــــــــــحِلِ ................ مع ثُمامٍ و بَهـــــــــــارٍ مونقِ

المرخ : شجر رقيق سريع الورى يقتدح به ، و العفار : كذلك شجر يتخذ منه الزناد ، و في المثل : في كل شجرة نار ، و استمجد المرخ و العفار ، و العضاه : كل شجر عظيم له شوك ، و البشام : شجر طيب الرائحة يتخلل بعيدانه ، و الأثل : شجر كالطرفاء إلا أنه أعظم منها ، و خشبه صلب جيد تصنع منه القصاع و الجفان و الخربق نبات ورقه كلسان الحمل : أبيض و أسود ، و الرّمث مرعى الإبل من الحمض ، و شجر شبيه الغضا ، و الخلة ما فيه الحلاوة من النبات ، و العرب تقول : الخلة خبز الإبل ، و الحمض فاكهتها : و السعدان نبت له شوك ، و هو من أفضل ما ترعاه الإبل ، و في المثل مرعى و لا كالسعدان ، و الثغر : نبت جيد الرعي من أفضل العشب ، و الشري : الحنظل ، يقال لفلان طعمان : شري و أري أي حنظل و عسل ، و السنا نبت كأنه الحناء حبه مفرطح و له منافع ، و السمسق : الياسمين و المرزنوش و العشر :شجر فيه حراق لم يقتدح في أجود منه ، و النشم : شجر تتخذ منه القسي ، و الإسحل : شجر له أغصان ناعمة يستاك بها ، و الثمام نبت ضعيف لا يطول ، و البهار : نبت جعد له فقاحة صفراء و هو طيب الرائحة ، و يقال فيه أيضا العرار ، و مونق : أي معجب ،
و هذا وصف للأرض بما اشتملت عليه من أنواع الأشجار و النباتات البرية ، ثم وصفها بما اشتملت عليه من الحيوانات فقال :

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 16 Jul 2017 06:13 AM

و السِّمْعِ و اليعقوب و القِشَّة و السِّــ ........ ـــيد السَّبَنْتَى و القطا و جورقِ
و اللَّيل و النهــــــــــــــار و الرِّئال و الــــــــــ ........ ــــــهيثم معْ عِكــــــــــرمة و خِرْنـــِـــقِ


السِّمع : ولد الذئب من الضبع ، و هو شديد السّماع يضرب به المثل في ذلك ، فيقال أسمع من سِمع ، و اليعقوب : ذكر الحجل ، و القشّة : القردة أو ولدها الأنثى ، و السِّيد :الذئب و يطلق على الأسد ، و السَّبَنْتَى : الجريء المقدام و هو صفة للسيد ، و الجورق : ذكر النعام ، و الليل : فرخ الكروان ، و النهار : فرخ الحبارى
، و الرِّئال : جمع رِأل : و هو ولد النعام ، و الهيثم : الصقر ، و قيل فرخ العقاب و فرخ النسر ، و العكرمة : أنثى الحمام ، و الخرنق : الفتى من الأرانب ، و سميت به امرأة .

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 16 Jul 2017 06:39 PM

و لم تزل تقطع جلباب الدُّجا................. بجَلَمِ اليد و سيفِ العُنقِ

الجلباب : الملحفة ، و الدّجا : الظلام ، و الجَلم : المقراض ، و هما جِلمان ، و إضافة الجلباب إلى الدّجا ، و الجلم إلى اليد ، و السيف إلى العنق ، من إضافة المشبّه إلى المشبّه به على قاعدة التشبيه البليغ المحذوف الأداة ، و ليس هذا البيت تكرارا مع البيت السابق ، و لم تزل تذرع كل فدفد ، إلى آخره ، لأن فيه زيادة النص على أن هذه الإبل لا تستريح من السير ليلا و نهارا ،مع حسن الكناية عن هذا المعنى بجعلها ، أي الإبل تقطع ستار الليل تقطيعا بيدها التي تشبه الجلم و عنقها الشبيه بالسيف .

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 16 Jul 2017 06:43 PM

فما استراحت من عبور جعــــفر .................... و من صُعود ٍ بصـــــــعيدٍ زلَقِ
إلاّ و في خضخاضِ دمـع عينها ................. خاضت و غابت بسراب مطبق


الجعفر : النهر ، و هو من أعلام الذكور ، و الصعود : وجه الأرض ، و الزلق : مصدر زلق ،إذا زلت قدمه و لم تثبت ، و اسم للمكان الدحض و الأرض الملساء التي ليس بها شيء ، و منه قوله تعالى : فتصبح صعيدا زلقا . و الخضخاض : الطين المختلط بالماء ، و السراب : ما يترأءى للعين من اشتداد الحر كأنه ماء ، و يضرب به المثل في الغرور و الخداع فيقال أخدع من السراب ، و المطبق : المغطّى ، و هذا المعنى من تتمة ما قبله : أي أنها ما تكاد تستريح من قطع نهر ، أو تسلق مكان وعر ، حتى تخوض من دمعها الهامل ، في بحر من السراب الشامل .

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 16 Jul 2017 06:44 PM

كأنما رقراقه بحـــــــــــر طما ................... و النّوق أمواج عليه ترتقي
و كلّ هودج عـــــــــلى أقتابها ................... مثل سفين ماخـر أو زورق
مرّت بها هوج الرياح فهْي في .................. تفرُّق حيـــــنا و حينا تلتقي


رقراقه : ما تلألأ منه ، و طما امتلاأ ، و الهودج : محمل تركب فيه النساء ، و الأقتاب: جمع قتب : محركا ، و بكسر فسكون : رحل صغير يكون على سنام الجمل ، و السّفين : جمع سفينة ، و قد يراد به المفرد و يتعين هنا ليطابق المبتدأ و الصفة ، و ماخر اسم فاعل من المخر : و هو شقّ الماء و الزورق : السفينة الصغيرة ، و هُوج الرياح : عواصفها التي تقلع الأشجار و البيوت ،
يصف السّراب بأنه كالبحر المزبد المتلاطم الأمواج ، و هذه النّوق هي أمواجه ،و هوادجها سفنه فهي تتلاعب بها الرياح ، تارة تجمعها و تارة تفرّقها

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 17 Jul 2017 11:10 AM

و كم بسوط البغي سُقت سوقها ............. سَـــــوق المُعنِّف الذي لم يتَّقِ

السّوط : آلة الضّرب ،و استعاره للبغي : و هو الظّلم ، و سقت ماض من السَّوق ضدُّ القَوَد ، و سوقها جمع ساق : و هي من الرِّجل معروفة ، يعنف الحادي على قسوة قلبه ، و قلة خوفه من ربِّه .
فهو على ما يكلف هذه الإبل من عظيم الجهد ، لا يكف عن إلهابها بسوط الحقد ، و هذا و إن كان تكرارا مع قوله : فطالما كلفتها البيت ، إلاّ أن فيه بيانا للكيفية ، و هو مع ذلك لما بعده كالتوطية :

حتى غدت خوصاً عجافاً ضُمَّرا ............ أعناقها تشكو طـــويل العَنَقِ

أي و بسبب ذلك التعذيب و التّضريب صارت خوصا غائرات الأعين جمع خوصاء ، عجافا : ضعافا جمع عجفاء على غير قياس ، ضُمَّرا مهزولة جمع ضامر ، أعناقها بما يبدو عليها من الإنكسار تشكو طويل العَنَقِ " ضرْبٌ من السّير فسيح سريع " و في إسناد الشّكوى إلى الأعناق مجاز كما أنّ في قوله أعناق و عنق جناسا .

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 17 Jul 2017 11:11 AM

مرثومة الأيدي شكت فرط الوجا ..................... لكنّها تشـــكو لغير مُشـــفق

أي و بسبب ذلك أيضا صارت مرثومة الأيدي : أي مُهشّمتها ، و أصيبت بالوجى : و هو الحفا أو وجع في الرّجل .
فهي تشكو من إلحاحه عليها ، و لكنّ شكواها تذهب سُدى لأنّها تُلقيها إلى غير مشفق

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 23 Jul 2017 10:35 AM

قد ذهبت منها المحاسن بإدْ ...................... مانِ السُّـــرى و قلَّة التّرفُّقِ

الإدمان : المداومة ، و السُّرى : المشي ليلا ، و هذا من الإجمال بعد التّفصيل ، فإنه لما خصّص بالذكر جملة العيوب التي أصابتها ، و لم تكن فيها ، عمَّمَ فقال : إن جميع محاسنها قد زايلتها بسبب إدمانها السُّرى ، و قلة ترفُّق الحادي بها

كأنها لم تك قبــــــلُ انتُخبت .................... من كلِّ قـــرْواءَ رقوبٍ فُنُقِ
دوسرة هوجاء َ وجناَ ما بها .................... من نَقَبٍ و مِن وَجًى و سَلَقِ


ناقة قرْواءُ : طويلة السّنام ، و رقوب : لا تدنو من الماء عند الزّحام لكرمها ، و فُنُق : فتية منعّمة ، و دوسرة : ضخمة ، و هوجاء : سريعة حتّى كان بها هَوَجاً : أي :حُمقاً ، و وجناء : عظيمة الوجنتين و قصره للضرورة ، و النَّقَبُ : رقّة خف البعير ،و الوجى : تقدّم ، و السَّلَق : أثر الجرح .
و هذا وصفٌ لما كانت عليه من الحسن و الجمال قبل أن يحلّ بها البلاء و النّكال فما أسرع ما تتبدّل الأحوال

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 23 Jul 2017 10:36 AM

مِن بعد ما كانت هُنَيدةَ غَدَتْ ..................... أكــثر من ذَوْدٍ و دون شَنَـــقِ

الهُنَيدة : اسم للمائة من الإبل ، و الذَّود : اسم لما بين الثلاث إلى العَشر ، و الشَّنَق : لما بين العشر إلى العشرين .
يريد أن ما أصابها من التّلف لم يكن في أجسامها فقط ،بل تعدّى إلى النّفوس فكاد يُبيدها عن آخرها ، و ما أبقى منها إلا القليل ، فبعد أن كانت مائة صارت أقل من عشرين

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 23 Jul 2017 10:37 AM

من هذا الموضع بدأ النّاظم في ذكر الأمثال العربية و توظيفها توظيفا رائعا ، و شرح تلك الأمثال و ذكر قصصها الشارح العلامة ( عبد الله كنون ) رحمه الله .
و من هنا تظهر براعة الشاعر و سعة اطلاعه على أخبار العرب و أمثالها ، في نسق بدبع و جمال أخّاذ

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 23 Jul 2017 10:38 AM

و إن تمــــاديت على إتعابها ................... و لم تكـن منتهيا عن رَهَق
فسوف تعروك على إتلافها ................... ندامةُ الكُسْعيِّ و الفرزدق


هذا إنذار للحادي بأنه إذا تمادى و استمر على خطّته الهوجاء في ارهاق هذه الإبل ، و تحميلها ما لا تطيقه ، فإنّه سوف تعروه و تصيبه ندامة مثل ندامة الكُسَعِيِّ و الفرزدق ، و ندامتهما مما يضرب به المثل .
أمّا الكُسَعي بضم ففتح ، و سكَّنه الناظم للضرورة ، فإنه أعرابي خرج يصطاد ليلا ، فبانت له حُمُرٌ و حشية ، فرماها فأنفذها ، لكنّ سهامه كانت تصيب صوانة بعد النّفاذ فتُورِي ، فظنها لم تُصِب شيئا ، فغضب و كسر قوسه و عض على إبهامه حتى قطعها ثم نام ، فلمّا أصبح و عرف الحقيقة ندم ندما شديدا لكسر قوسه و قال :
ندمتُ ندامة لو أنّ نفسي .................... تُطاوعني إذا لقطعتُ خَمسي
و أمّا الفرزدق فإنه الشاعر المشهور ، و كان تزوّج ابنة عمه : النَّوار بنتُ أَعيَن بن ضبيعة ، على كُره منها ، و رغبة له فيها ، فنشأ بينهما ما هو طبيعي في هذه الحال من الخلاف إلى أن استرضته في طلاقها ، فطلّقها ثلاثا و أشهد الحسن البصري ، فما خرجت عن عصمته حتّى نازعته نفسه إليها و ندم على طلاقها و قال :
ندمت ندامة الكُسَعِيِّ لمّا .................. غـــدت منّي مُطلّقة نوار

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 23 Jul 2017 10:39 AM

و كنتَ قد عُوِّضتَ من أخفافها ..................... خُـفَّيْ حُنَيْــنٍ ظافرا بالأنَقِ

هذ البيت معطوف على جملة جواب الشرط في البيت قبله ، و يصحّ أن يكون حالا من مفعول تعروك ، و هو من تتمة معناه ، و التّقدير :
و إن تماديت على إتعابها فسوف تعروك على ذلك ندامة الكسعي و الفرزدق و تكون قد تبدلت منها خُفي حنين و أتى بالماضي في موضع المضارع لتنزيله منزلة الواقع ، و كنى عن هلاكها ، بهلاك أخفافها ، لأنها كل شيء بالنسبة إلى المسافر، الذي لا يتأتى له الإنتقال بالإبل مع تلف أخفافها مع ما في قوله : أخفافها ، و خفي حنين من التجنيس ، و الأخفاف جمع خف : و هو من البعير كالحافر للفرس ، و هو أيضا ما يُلبَس في الرِّجل ، و ظافرا بالأنَق : أي الفرح حال من التاء في عوِّضت ، و ليس في ذلك شيء من الأنق ،و لكنه سخرية لاذعة من الحاذي الذي ركب رأسه ، و أبى إلا تعريض الإبل للتلف ، فيظفر بخفي حنين .
و هذا مثل يُضرب في الرّجوع بالخيبة و أصله أن إسكافا كان يقال له حنين أتاه أعرابي فساومه في خف ،و اختلفا حتى غضب حنين فأراد كيد الأعرابي ، فأخذ الخف و طرح شقّا منه على طريق الأعرابي ، ثم ألقى الآخر على مسافة منه في الطريق و كمن بينهما بحيث لا يراه ، فمرّ الأعرابي بالخفِّ الأول فقال ما أشبهه بخف حنين ، فما مضى حتى انتهى إلى الآخر ، فبدا له أخذهما ، فنزل و عقل ناقته و أخذه و مضى في طلب الآخر ، فخرج حنين من الكمين ، و أخذ الناقة بما عليها ، فلما عاد الأعرابي إلى قومه و قص عليهم قصته قيل : رجع بخفي حنين .

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 19 Aug 2017 09:42 AM

لأنت أظلم من ابن ظالم ..................... إن كنت من بعدُ بها لم تَرفُق

ابن ظالم هذا فاتك مشهور له فظائع ، و من خبر فتكه ، أنه وثب بخالد بن جعفر بن كلاب و هو في جوار الأسود بن المنذر الملك فقتله ، و طلبه الملك ففاته ، فقيل له إنك لن تصيبه بشيء أشد له من سبي جارات له من بلى ، و بلى حي من قضاعة فبعث في طلبهن ، فاستاقهن و أموالهن فبلغه ذلك ، فكرّ راجعا من وجه مهربه ،و سأل عن مرعى إبلهن و كن فيه ، فتلطّف حتى وصل إليه ، ثم استنقذ جاراته و أموالهن ، و انطلق فأخذ شيئا من جهاز سنان بن حارثة ، فأتى به أخته سلمى بنت ظالم ، و كانت زوج سنان و قد تبنت ابن الملك شرحبيل ابن الأسود، فقال : هذه علامة بعلك فضعي ابنك حتى آتيه به ، ففعلت ، فأخذه و قتله ، فضرب بفتكه المثل ،
و الناظم ضرب به المثل في الظلم لاستلزامه له ، و ليجنس قوله : أظلم مع ابن ظالم .

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 08 Sep 2017 06:42 PM

رفقا بها قد بلغ السّيل الزُّبى ....................... و اتّســـع الخَرق على المُرَتِّقِ

عاد فطلب منه الرفق بعد التقريع ، عسى أن يكون تأثر مما سمع من وصف حال هذه الإبل الذي يستوجب الرِّثاء ، فتستجيب له نفسه لداعي الشّفقة و الرّحمة و يرفع عنها سوط العذاب و النّقمة .
و قوله : قد بلغ السيل الزبى ، الزُّبى : جمع زُبية و هي الرابية لا يعلوها الماء ، فإذا بلغها السيل ، كان جارفا مجحفا ، و هو مثل يضرب لما جاوز الحدّ و عند اشتداد الأمر . و كذا قوله : و اتّسع الخرق على المُرتّق ، الخرق : الثقب في ثوب أو غيره ، و المرتق : الرَّافي .

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 08 Sep 2017 06:50 PM

و هب لأيديهـــن أيدا و لها .................... متنا متينا ما خلا عن مصدق
فما لضُعن حملت من مِرّة ..................... بظَعَـــنٍ أودى بها في الغسق

هذا فتنان من الناظم في طريق إقناع الحادي ، فقوله : هب أي اعتقد و افرض ، و هو فعل أمر لا يتصرف ، لأيديهن : المراد به ما يشمل اليدين و الرجلين ، أيدا : أي قوة ، و لها : أي للنوق ، متنا : أي ظهرا ، متينا : أي قويا ، ما خلا عن مَصْدَقِ : أي شدة و صلابة ، فما لظعن : جمع ظعينة : و هي المرأة ما دامت في الهودج أو مطلقا ، و مفعول حملت محذوف : أي حملتهن من مِرّة : أي قوة على ظعن في الغسق : أي سير ، أودى بها : أي أهلكها ، و الغسق أول الليل ، و جنّس بين أيديهن و أيدا و متناو متينا ، و ظعن و ظعن .

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 15 Sep 2017 06:35 AM

أسأتَ للغيد و للنُّوق و لي ...................... إســاءةٌ بتــوبة لم تُمحق

الغيد جمع غيداء : و هي المرأة المُتثنِّية من اللين و النّعومة ، و أقام بها حجّة أخرى على الحادي ، حيث جعل أساءته غير قاصرة على الإبل ، بل تعدّتها إلى الغيد و إليه فهي إساءة عظيمة لا تمحوها توبة .

أبو عاصم مصطفى السُّلمي 15 Sep 2017 06:37 AM

لو لم يكن بحبّ حلم أحــنف ...................... و المِنقَري قلبيَ ذا تعلّق
حملتُ رأسك على شبا القنا ...................... مُرَوِّعا به حُــداة الأينق


الحلم : الإغضاء و الصّفح ، و الأحنف : هو ابن قيس التّميمي من سادات التّابعين ، و المنقري : قيس ابن عاصم ،صحابي جليل ، و كلاهما ممن ساد قومه و اشتهر بالحلم و مكارم الأخلاق .
أما الأحنف فقد ضُرب به المثل في الحلم و طار صيته بذلك و أما قيس بن عاصم ، فقد قيل للأحنف : هل رأيت أحلم منك ؟ قال : نعم ، قيس بن عاصم المنقري ، حضرته يوما و هو مُحتبٍ يحدّثنا ، إذ جاءوا بابن له قتيل و ابن عم له كتيفٍ ، فقالوا : إن هذا قتل ابنك فلم بقطع حديثه و لا نقض حُبوته .
حتى إذا فرغ من الحديث التفت فقال لأحد أبنائه : قم إلى ابن عمك فأطلقه ، و إلى أخيك فادفنه ، و إلى أم القتيل فاعطها مائة ناقة فإنها غريبة لعلها تسلو عنه .
و النّاظم تهدّد الحادي بأنه لولا تغليبه لجانب الحلم على جانب الإنتقام لحمل رأسه على شبا : أي رؤوس القنا : أي الرّماح ، مروّعا : أي مخوّفا به حُداة الأينق ليرتدعوا عن تحميلها ما لا تطيق .


الساعة الآن 07:17 AM.

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2017, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
Salafi Tasfia & Tarbia Forums 2007-2013